|
(( الكبرياء تليق بالمبدعين العراقيين ))
محمد الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 2177 - 2008 / 1 / 31 - 08:13
المحور:
الادب والفن
لم يترب الكثير من المبدعين على الحد الأدنى من قيم عزة النفس و الكبرياء بما يكفي لنوالهم احترام عامة الشعب. ولأن( الزبد يطفو على السطح و اللآليء تكمن في القاع) كما قال جبران خليل جبران، فقد كان المبدع الانتهازي و المتلون هو صاحب الصوت الأعلى في زمن الموت و القهر على يد النظام العراقي السابق... و لربما كان لتوقف عطايا السلطان- الغثة الا في أعين فقراء النفوس- الفضل الأكبر في خروج غالبية اولئك المبدعين و العيش في منافيهم الاختيارية ، و ليس كما يدعي البعض من توق لحرية أو تعرض لاضطهاد. حتى اذا ما دار الزمن دورته و سقط النظام المتعفن و تناوشت رقاب الشعب سواطير ما كانت ابدا بالحسبان، انبرى ذلك البعض من المتنعمين بالأمان في أوطانهم الجديدة يطالبون برواتب مجزية تمنح للمبدعين و المثقفين المقيمين في الخارج و الذين تلطخت غالبية اقلامهم بتمجيد مؤخرة السلطان. و لا أدري من أين أتتنا هذه البدعة. فلم نسمع من قبل عن بلدان تمنح الرواتب لمثقفيها و موظفيها الذين يتركون الوطن حينما تسؤ أحواله و يرفضون العودة بعد زوال سبب رحيلهم المباشر. لقد ابتدأ الأمر بتصريحات خجولة أطلقها بعض المثقفين و الصحفيين، لكن بعض الأصوات لم تعد تكتفي بالتصريحات الشفاهية و انتقلت تنشر مطاليبها على صفحات الصحف و المواقع الالكترونية. يطالب بعضهم برواتب أسوة بضباط الجيش و الأمن و المخابرات المتقاعدين الذين يستلمون رواتبهم خارج الوطن.!! أي مبدع و أي مثقف ذلك الذي يسمح لنفسه بمقارنة حماة الديكتاتور و نظامه بالمبدعين- الذين اندس بينهم بزمن العهر-؟؟ ان صاحب هكذا صوت يظهر دون وعي حقيقة حدوده كموظف يؤدي أي دور يوفر له راتبا مجزيا و ليس كمبدع حر يحمل آلآم ابناء شعبه و تطلعاتهم. و لا أدري لم لا يعود هؤلاء ليمارسوا عملهم السابق و يقبضوا رواتبهم أسوة بأدباء الداخل؟ لم يريدون أن يكونوا كالجالسة على الشط فكيفما مالت تغرف؟ مرة من البلدان التي يعيشون فيها، و مرة من بلدهم الأول الذي يمنون عليه بحملهم جنسيته.. أغلب هؤلاء يعيشون الآن في بلدان العالم الأول حيث فرص الارتزاق متوفرة، كما تمنح تلك الدول حتى القاعدين في بيوتهم هباتٍ تفوق هبات الطغات ، فماذا يريدون؟؟ أيريدون مشاركة الفرد العراقي في كسرة الخبز المغمسة بالتعب و الموت و الرعب؟!... يقولون ان الجميع يأخذ فلم لا نأخذ نحن ؟ كلا يا سادتي، ليس الجميع، قلة هم الذين يأخذون أو يسرقون، و غالبية الشعب تبيت يومها بحاجة لأبسط مقومات الحياة المعاصرة التي تنعمون بها في أوطانكم الجديدة... هل اذا اختل النظام و القانون و انبرى اصحاب الأكف الخفيفة يتناوشون من الوطن ما يتناوشون تتصايحون من أطراف الأرض تطالبون بحصتكم أيضا!!! أهذا هو الذي أوصلتكم اليه الثقافة و أوصلكم اليه الابداع؟؟؟ ألا بئس الثقافة و بئس الابداع ما تحملون يا سادتي.. و لا عجب أن تسجل الثقافة انحسار الناصرين و ميلهم للطرف الآخر.. هل صرح مظفر النواب بعد كل ما قدمه - و لو في السر- مطالبا بهبة في الزمن السابق أو الحالي؟ أليس لكم يا سادتي أبصارا أو بصائر ترون بها رحلة عذاب مئات المبدعين العراقيين الذين ذاقوا الأمرين في المنافي الحقيقية ايام كان العراقي لا لجوء و لا تأشيرة له حتى في بلدان العالم الثالث؟؟ ألا ترون آلآف المبدعين الذين كسر بعضهم قلمه و اختار بعضهم الآخر حبس نتاجه كي لا يلطخوا انفسهم بقيء مؤسسة التملق في زمن الديكتاتور حتى جفت منابع الابداع فيهم تاركين لكم الارتزاق من مؤسسات النظام السابق الثقافية المخصية. يا سادتي، ان مأساتكم و مأساتنا فيكم تكمن في أنكم بلا كبرياء، لا تستطيعون أن تتخيلوا أن المبدع يمكن أن يكون أكبر من السياسي. لا تستطيعون أن تدركوا انكم زبد الحرفة و ليس لؤلؤ روحها.. أيام كان النظام السابق كنتم ترتزقون على هباته التي ما أن اوقفها في التسعينيات حتى تقافزتم بعيدا عنه. و ما أن سطع نجم صحف و اذاعات المعارضة السمينة حتى وجدنا بعضكم صاروا اعلامهما ،أنتم الذين لم يشهد لكم تاريخكم داخل الوطن شقفة جرأة في منجز ابداعي أو ثقافي. و ها هو بعضكم ينسل بكل رشاقة لمجالات الاعلام التي جلبها التغيير .. يا سادتي، ان لم نستطع أن نشارك بتضميد جراح الوطن و معاونة اخوتنا- الذين يعيشون بالداخل – بفعل أو كلمة. فلنعمل و نرتزق في أوطاننا الجديدة و لنرب أطفالنا على قيم الكبرياء التي يبدو أن بعضنا لم يرها حتى في الأحلام.. و لنترك الوطن لشعبه و مبدعيه و مثقفيه الذين يبينون حياتهم الجديدة و يصنعون مستقبلهم بدمائهم و عرقهم و اعمارهم التي تذوي كما تذوي الفصول. و لا تظنوا ان الابداع قد توقف برحيلكم، فأنتم نتاج مرحلة طوت ماقبلها و ستطوى قريبا بما يلحقها. و أخيرا لنتذكر رموز العزة و كبرياء الابداع العراقي في داخل الوطن و خارجه الذين لم ينحنوا، فهم أكثر من أن يعدوا. و لننحن اجلالا و اكبارا لنصب المبدع العراقي المجهول الشامخ في قلوبنا، حتى يأتي اليوم الذي يصبح لهذا الرمز وجوده المادي في أحدى ساحات بغداد فنزوره و نخط على جوانبه اسماء المبدعين الذين عاشوا و ماتوا بكبرياء.
#محمد_الجوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|