|
خيط من خيوط العنكبوت
سمير طعم الله
الحوار المتمدن-العدد: 2177 - 2008 / 1 / 31 - 08:12
المحور:
الادب والفن
مصافحة لديوان لطفي الهمامي "العنكبـــــــــــــــــــــوت"
كيف بوسعك أن تلامس خيوط العنكبوت دون تؤذي رهافتها ودون أن يعلق فيك شيء منها خاصّة إذا ما كانت تطوق عنق الوطن، وتغلّف آلامه وأحلامه، وتلفّ "المدائن والمواويل" و"خضرة الشوارع" و"أرصفة المزارع" و"الربيع". وأنت تلامسها برفق تخشى أن تخدش إحساس البلد الشفاف، لكن ليس بوسعك أن تمسك جموح القلب على النط والقفز بين التفاصيل والركض بين دروب النسيج العنكبوتي المتداخل بحثا عن لحظة عشتها وعن وجه رفيق عانقته يوما في لقاء عابر في ساحة الفعل والنضال الإنساني ضد الضيم. ديوان "العنكبوت" للشاعر لطفي الهمامي تسلل بنصوصه إلى عمق الروح وإلى قلب الوطن وجاب شوارعه وأقبية سجونه ودهاليز مخافره الموحشة. فاتحة المجموعة الشعرية التي تمثّل باكورة الإنتاج الشعري للشاعر لطفي الهمامي الذي عرفناه في أروقة كلية العلوم الإنسانية بتونس – 9 أفريل – شاعرا ومناضلا في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس، قصيدة "البوابة"، لا أظن أن العنوان كان اعتباطيا، بل كان مأزقا ومدخلا للشوارع الخلفية للبلاد ولما لا يظهر على شاشة الدعاية من صور، فالبوابة يفتحها العسكر لنكتشف خلف الجدران العالية من يطيع ولا يطيع، والمدائن التي شيّدوا حزنها للصحاري في الليالي. لكن المدن كالأطفال تعرف خطى محبّيها فتحنو عليهم وتحتضنهم برفق العشّاق وحرارة الرفاق، وتطرد كلب الخليفة خلف الباب. للمدن أبوابها وللتاريخ بابه الذي لا يدخل منه إلاّ من تعمّد بالجرأة الإنسانية وطلّق الخوف البشري وحفظ درس الصباح وخبّأ مدينته في طيات نبضه حتى لا تذروها رياح القحط. وأنت تدخل المدينة / المجموعة الشعرية، من بوابتها يأخذك التحفز والتوتر فتسأل "هل أعلّق خلف ظهري أعيني حين أمشي في الوطن؟" حتى لا تذبحني الأوجاع وتخترق ظهري عيون المخبرين. التوزيع البصري للقصيدة على بياض الورق متشابك كخيوط العنكبوت، كشوارع المدينة العتيقة التي تحسّ معها أنك تسير دون دليل في ظلام دامس تلامس الجدران الدامية من شدّة الهول:
"ترمّلت عيناي بمقدار هذا السكر في دمي ترملت عيناي كأن صفيحة شمع تذوب على عينيّ ............. ............ جسدي هذا اللعنة هذا الحبر النازف للخنادق لما تمرد على حزنه أعدوا له ما ملكت أيمانهم من مشانق وقالوا: "هذا الطين عفن فالقوا به في المهالك". قصيد "جسد كلامه يحترق" ص: 18
عندما لامست عيناي قصيد "العنكبوت" المكتوب في سجن برج الرومي أين قضى الشاعر بعض سنين العمر والذي يلي قصيد "جسد كلامه يحترق" في الديوان احترقت عيناي من رائحة العطن والعفن المخبأ في أقبية الوطن، وغزا الوجع مفاصلي وأنا مشدود إلى جدار و"الغل المشدود في الكعب يشرب من لبن الساق". كنت أحاذر أن لا أفسد نسيج العنكبوت فعلقت بخيوطه ولفّني حتى ضاق التنفس وأحسست كأن الفضاء قارورة محكمة الإغلاق، وأخذتني نوبة من الهذيان وانكفأ العقل على ذاته في محاولة للهروب من وجع الذكرى، وسرى النمل في شراييني ودبَّ الخدر في أوصالي وعاد بي الصمت عاد بي الصوت إلى مدائن الريح، وبدأت رحلتي في النجوم كما يقول جاك لوندن. "فالأرض تركض وراء الأرض، والسماء تبكي خيوط الشواطئ، وتطفو على القلب جراح الموانئ"... "كنت أمشي في بلاد عليلة، شوارعها مخبر ومنافيها كثيرة"... نسيج العنكبوت للشاعر لطفي الهمامي تقاطعات عديدة بين نصوص كثيرة، خيط يسلّمك إلى آخر، تماما كما هو بيت العنكبوت، من معين بسيسو إلى بدر شاكر السياب، ومن الشاعر القيرواني منصف الوهايبي إلى محمد الصغيّر أولاد أحمد ومن صورة الغلاف التي تحيل على السلاطين القدامى حيث الحجاج ابن يوسف الثقفي يقطع الرؤوس التي أينعت، وعبد الله ابن الزبير بن العوام الذي ناصر خالته عائشة ضد علي بن أبي طالب في معركة الجمل إلى أباطرة العصر الذين اختزلوا كل بشاعة السلاطين والحكام في العصور الغابرة. لطفي الهمامي وهو يؤثّث ديوانه فكّر في الأخذ بيد القارئ عبر جملة من الهوامش التي تفسّر وتحيل إلى مراجع بعينها وتوجّهه في مسارب محدّدة وهو ما أثقل النص وحدّ من حرية التخيّل والبحث والتأويل.
ختـــــــاما "............ رُحْ إليهم فالورق المفقود قد جف عليه الحبر النادل يوزع أعضاء فرحته للزائرين بـُـــنّـا القهوة المسحوقة كالقدمين على الجرح كي تموت لن تموت المدائن والمواويل التي شيّدوا حزنها للصحاري في الليل قد تفيض/ والحب يطـــــــــــــــــــــول أطول من بُـــــــنِّ المنفى المفقـود.........." البوابة ص: 8
تونس في 29 جانفي 2008
#سمير_طعم_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|