أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد نورالله - كيف نفكر















المزيد.....


كيف نفكر


محمد نورالله

الحوار المتمدن-العدد: 2176 - 2008 / 1 / 30 - 03:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"الأفكار الجديدة لا تسود بسبب اقتناع معارضيها بها، بل لأن معارضيها يموتون وتظهر أجيال أكثر تقبلاً لها"
"ماكس بلانك"

في عام 1965 قام سولومون آش الخبير في علم النفس الاجتماعي بنشر أوراق تجربة مميزة عن قدرة الجماعة على فرض الحقيقة على الفرد.أحضر تسعة أشخاص وأعطاهم رسما فيه شكلان مختلفان تماما وطلب منهم الإدعاء أن الشكلين المختلفين متطابقان. ثم أتى بشخص آخر لا يعرف عن تلك التجربة شيء وقيل له أنه مع الأشخاص التسعة سيخضعون لتجربة تحديد الأشكال.
بعد أن أعطى كل من الأشخاص التسعة رأيه بالشكل (الرأي العكسي) فإن الرجل الذي دخل إلى المجموعة قال الرأي ذاته الذي سمعه من الجميع ولحق بالمجموعة رغم اختلاف الشكلين بشكل واضح. وبإعادة التجربة على عدة أشخاص فقد وقع الجميع في هذه الخدعة. تمت مقابلتهم فيما بعد واستجوابهم للسؤال عن سبب إعطائهم هذا الرأي (المناقض للواقع) أصر بعضهم على أنهم أعطوا الرأي الصحيح لأنهم وبشكل لا شعوري اخذوا المعلومة من الجماعة لا من حواسهم. البعض قال أنه أدرك الفرق لكنه فضل إتباع رأي المجموعة لأنه "على الأغلب صحيح" ولأنه اعتقد أن عيناه كانت تخدعانه. البعض أدرك الفرق الكبير بين الشكلين المختلفين بشكل أكيد لكنهم وافقوا الجماعة لأنهم افتقدوا الشجاعة لإعطاء رأي يخالف المجموعة.
مثال آخر من التاريخ... في بدايات ظهور كليات الطب في العصور الوسطى في أوروبة كان الطلاب يجتمعون حول حلاق/طبيب الكلية في درس التشريح ليشرح لهم عن أشكال وتوضعات أعضاء الجسد وأمامه جثة للتشريح. كان الطبيب يقم بوصف شكل الكبد البشري بشكل لا يمت لشكل الكبد البشري بين يديه بصلة وكان جميع الطلاب يهزون برؤوسهم دفعة وراء الأخرى بشكل دائم. فمالذي كان يجري؟
كان المحاضر يقدم وصفا طبيا للأعضاء من كتاب مضى على تأليفه أكثر من ألف عام.هذا الكتاب القديم لم يكن يتحدث عن الأعضاء في الجسم استنادا لوصف جثة بشرية بل لأنه كان يدرس الطب عن طريق تشريح الحيوانات كالخنازير والقردة. لذا فإن وصف الكبد أو الفك في الكتاب ليس وصفا لبشر. ورغم الاختلاف الشديد الظاهر بين الكبد في يد المحاضر وما يسمعونه من كلمات تستند إلى كتاب تشريح قديم معلوماته مستقاة من أعضاء القردة والخنازير فإن الطلاب كانوا يستمعون للمحاضر بكل صمت على مدار سنين وسنين.
إن سلطة المعرفة المقتبسة من الآخر طغت على معالجة العقل للمعلومات الآتية من الحواس بشكل مباشر.. وهذه السيئة – إن جاز التعبير - في التفكير البشري أتت ثمنا لتطور المنطقة القشرية في الدماغ وتطور قدرات الإنسان العقلية. يخضع الأفراد بشكل لا إرادي لرأي الجماعة، والعقل البشري يخضع للمعارف والمعلومات التي يأخذها من مجموعته أكثر بكثير من المعارف التي يحصل عليها بحواسه. بل إن الدراسات أظهرت أننا نحصل على 20 بالمئة فقط من معارفنا عم طريق الحواس ومعالجة العقل لتلك المعلومات. بينما تبقى المعارف التي تحتل المساحة الأكبر من دماغنا حصيلة ما ورثناه أو حصلنا عليه من (الفرد الآخر). والذاكرة في الدماغ هي المصدر الوحيد للواقع الذي نعتقد به والحقيقة التي نعيشها. هذه الذاكرة نقوم ببنائها من معطيات مكتسبة من الأفراد الآخرين ممن هم حولنا. أظهرت التجارب أن ثمانين بالمئة من الأعصاب التي تقوم بالوصل في المنطقة القشرية الدماغية الكبيرة التي تتميز بها الثدييات بشكل عام والإنسان بشكل خاص (والمسؤولة عن الذاكرة والكلام والتفكير والوعي) لا تتصل مع الحواس بشكل مباشر (الأذنان والعينان مثلاً) بل إن معظم الأعصاب في تلك المنطقة مهمتها وصل أجزاء المنطقة القشرية مع بعضها البعض للإيصال ونقل البيانات بين خلاياها.
هذا العيب يقدم لنا أيضا ميزات مهمة... فالبشر بسبب قدرتهم على تبني المعلومات ونقلها عبر الأفراد قاموا ببناء ما ندعونه (حضارة) التي هي عبارة عن معلومات متراكمة لا تقتصر على الفرد بعقله ودماغه. بل تمتد إلى آلاف الأجيال السابقة.. نحن نعرف أن السيارة بحاجة إلى عجلات دائرية وليس مثلثة ليس بسبب تجاربنا الشخصية على السيارة والدولاب بل لأننا تعلمنا ذلك... نحن نضحك على نكتة ما ليس لأنها تدغدغ جسدنا بل لأنها تمثل تناقضا مضحكا في فكرنا الذي اكتسبناه من مجتمعنا. هذه الخاصية تختصر الوقت والجهد في تكوين فرد يوجد فيه نتاج حضارة بأكملها عن طريق التواصل مع الأفراد المحيطين. وتؤدي إلى انتشار المعلومة بشكل كبير بين الأفراد دون المرور بتجارب السابقين.
قسم الفلاسفة طرق اكتساب المعرفة إلى نوعين... نوع منقول نكتسبه من الآخر كالقول (كل الرجال لديهم لحى) ونوع يعتمد على الملاحظة المباشرة كالقول (هذا الرجل لديه لحية). أدركت المجتمعات الغربية قيمة اكتساب المعرفة التي نحصل عليها بشكل مباشر وأهميتها. فالمعرفة المباشرة الناقدة والتحليلية هي الوسيلة التي تقود بالمجتمع البشري إلى التطور والتحديث في الفكر العام السائد بينما يؤدي النقل إلى نشر هذه المعلومة عبر الأفراد وتعميمها وهما آليتان لا يمكن الاستغناء عن أحدهما مع التشديد على دعم وتربية الآلية التي تدعو إلى تحدي وتغيير ما هو (مسلم) و(منقول) و (موروث). يبدو هذا واضحا في طرق ومؤسسات التعليم والفرق بيننا وبينهم، فطرق التعليم المتبعة في المؤسسات التعليمية لدينا تدعم النقل على حساب التفكير النقدي الذي يكاد يكون منعدما بينما يميل الغرب في طرق التعليم الآن إلى تحفيز العقل على البحث والتشكيك والمقارنة وعدم قبول المعلومة كما هي بل تحليلها ونقدها.
كيف يسيطر المجتمع على فكرنا
نحن (كبشر) نتعلم طاعة فكر الجماعة وتطبيقه على الآخر الذي يجرؤ على الاختلاف بشكل صارم جدا من طفولتنا. فالأولاد الذين يقوم المجتمع بتصوريهم على أنهم رمز للبراءة والطهارة ليسوا أقل عنفا من آبائهم. خذ مثال طفل مختلف في مدرسة. قبيلة الأطفال في المدرسة لا ترحم طفلا مختلفا بل تشبعه سخرية وتقريعا بشكل دائم – هذا إن لم يعتدي عليه زملاؤه من حين لآخر - مهما كان هذا الإختلاف. فقد يكون يتيماً أو مختلفا بالشكل أو الدين أو العرق أو يملك إعاقة.. لا يهم. فهو مختلف وعليه أن يدفع ثمن اختلافه.. وهنا نجد مفهومين في هذا المثال.. فنحن دائما يصور لنا أن الأطفال رمز للبراءة ولا يمكننا إلا أنشعر بهذه الفكرة عند رؤية طفل رغم أنهم يستطيعون أن يتحولوا إلى وحوش مع زملائهم. والمفهوم الثاني هو كيف أن البشر يرفضون الإختلاف منذ طفولتهم دون أن يكون لذلك علاقة ببيئة أو مجتمع أو ثقافة. وفي حين أن الأهل يعتقدون أن أكثر ما يخيف الطفل هو الذهاب إلى طبيب الأسنان أو المشي في الليل وحيدا فإن أكبر هاجس يحتل مساحة عقله هو التشهير أو السخرية من زملائه.
النكات التي تروى أيضا أحد من الآليات التي تعلمنا كيف نرفض كل شاذ عن الجماعة. لنفكر قليلا بالأمر.. العديد من النكت تحوي في طياتها تناقضا أو اختلافا ما عما هو شائع ، وهي مجرد آلية ترسل رسالة غير مباشرة إلى المجتمع مفادها (أن المختلف مدعاة للسخرية). يمكن أن تتمثل هذه الآلية بالخوف من العار أو (كلام الناس). مثال آخر يحصل دائما على مدار تطور البشرية وهو النظريات العلمية الجديدة عن الوسط العلمي أو المختلفة عن الأبحاث والدراسات الشائعة والتي غالبا ما يتم القاؤها بعيدا قبل أن تبصر النور والقليل منها يستطيع الهروب من فكر المجموعة الصارم.
الحقيقة أن فكرة جديدة تماماً لا يمكن أن تبصر النور بسهولة إن كان مصدرها فردا واحدا رغم أن ذلك قد يبدو خاطئا للوهلة الأولى. لم يستطع غاليليو تغيير فكر المجتمع الأوروبي عن كروية الأرض فيما وصل البشر فيما بعد إلى هذه الحقيقة لأن (الجماعة) وصلت إلى تلك الحقيقة. والتاريخ مليء بأحداث تؤكد هذه الحقيقة.
يجب أن ندرك أهمية إفساح المجال للجديد والمختلف وحمايته من فكر المجموعة قبل الحكم على فكرة أو صاحب فكر. علينا أن ندرك أن الإختلاف مرفوض لأن عقولنا تصور لنا ذلك ولأن المجتمع بطبيعته يخلق في النفس كرهاً لكل ما هو مختلف فنحن نتبع الكل بشكل لا إرادي. الكل الذي يفرض علينا حقائق يمكن أن تكون أكاذيب في يوم من الأيام ويربيها في نفوسنا منذ الطفولة لتصبح كالغريزة تماماً. وفي مجتمعاتنا العربية بشكل خاص فإن ترسيخ الفكر الكلي دائما يكون بشكل أكبر في حين أن الغرب أدرك هذه المشكلة وحاول التصدي لها من خلال محاولة قبول الجديد والمختلف وكل ما لا يتفق عليه المجتمع بشكل عام عن طريق التربية على قبول الإختلاف واستخدام آليات العقل في التحليل والنقد الدائم. نحن نقوم بترسيخ المعلومة المكتسبة على حساب المعلومة المباشرة ونلغي أحد أهم وظائف العقل الحديث التي تقود إلى التغير والتقدم لنعاني من مشكلة اسمها الجمود بسبب جهلنا بأهمية تخطي الثقافة العامة والحاجة إلى فكر إبداعي متغير لا يأخذ الفكرة كما هي بل يقوم بتحليلها ونقدها وتقييمها.




#محمد_نورالله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن التقاليد الإجتماعية
- العدالة في الليبرالية


المزيد.....




- عائشة كاي ممثلة سعودية- كندية تلفت الأنظار في -شارع الأعشى- ...
- ترامب: أجرينا محادثات مع حركة -حماس- ونساعد إسرائيل
- -الخيار واضح-.. الدفاع السورية توجه رسالة لفلول النظام الساب ...
- بوتين: سنختار صيغة السلام الأنسب لنا
- ترامب يشكك في استعداد أعضاء -الناتو- للدفاع عن الولايات المت ...
- ترامب يرد على ماكرون بعد عرض الأخير توفير مظلة نووية فرنسية ...
- رمضان يفاقم معاناة سكان غزة
- الحكومة اللبنانية تقر موازنة 2025
- سوق الأسماك في طرابلس.. عراقة بروح العصر
- الجزائر تطلب توضيحات من فرنسا بشأن مناورات مغربية فرنسية


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد نورالله - كيف نفكر