|
2 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثوري العربي
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 07:14
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
معاداة العرب ومعاداة الاسلام في العصور الماضية، استخدم التبشير الديني، ونشر الافكار والاداب والفنون والاحتفالات الرياضية والعادات الاجتماعية والازياء، ليس فقط كقيم بحد ذاتها، بل ايضا كوسائل "دبلوماسية" غير مباشرة وكأدوات دعائية لمد نفوذ مختلف الدول والكتل الدولوية والسياسية والاجتماعية الكبرى. وفي عصرنا تضطلع وسائط الاعلام بهذه الادوار كلها بشكل مضاعف، بالاضافة الى المادة الاعلامية السياسية المباشرة او غير المباشرة، التي تقدم باشكال وتوضيبات مختلفة جدا. واصبح اعلام الدولة المعينة اهم بكثير من جيوش الدبلوماسيين والعملاء الذين كانت تعتمد عليهم في الماضي لنشر سياستها. وعمل الدبلوماسيين وعملاء اجهزة المخابرات والجاسوسية اليوم يرتبط عضويا بعمل الاعلام، ولا يمكن تصوره بدونه. وبعد نهاية الحرب الباردة وانهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، فقد الجانب الايديولوجي في الاعلام اهميته السابقة، فيما يخص مسألة الموقف من النظام الاجتماعي القائم في مختلف الدول. وقام أنبياء الشؤم، دعاة الرأسمالية والشيوعيون المرتدون الذين لم يكونوا يوما شيوعيين حقيقيين، بتبشيرنا بـ"نهاية التاريخ" و"نهاية الاشتراكية" و"نهاية الماركسية ـ اللينينية". وفي المرحلة الممتدة بين انهيار الاتحاد السوفياتي واحداث 11 ايلول 2001 اصبحت المصلحية البراغماتية او المنفعة المبتذلة (التي تنزع كل صفة اخلاقية وانسانية عن الانسان، وتعلنه وتتعامل معه كـ"حيوان واع ٍ" و"كائن استهلاكي" فقط) هي المحور الاساسي للاعلام العالمي. وهذا ما اتاح للشركات الكبرى متعددة الجنسيات، او متعدية الحدود القومية، ان تتقدم الى مقدمة المسرح الدولي اكثر من الدول الكبرى نفسها. واصبح عمالقة اقتصاديين واعلاميين مثل غيتس وماردوك يستقبلون، حتى في بلد ـ قارة "مغاير" مثل الصين او الهند كما يستقبل رؤساء الدول واكثر. واخذ ينشأ ارتباط عضوي متبادل بين ثلاث مؤسسات: الدولة (او الدول) الامبريالية والتابعة، الامبراطوريات المالية ـ الاقتصادية ـ الانتاجية (وخاصة الشركات متعددة الجنسية)، الامبراطوريات الاعلامية. والمهيمن الرئيسي على هذا الثلاثي العولمي هو التكتل العالمي الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني، الذي يسعى لفرض هيمنته الاحادية على جميع دول العالم (بما فيها واولها اميركا) ومجمل اقتصاديات العالم ومجمل الاعلام العالمي. ولكن بعد احداث 11 ايلول 2001 عاد الصراع الاعلامي الايديولوجي الى الواجهة الاعلامية، ولكن هذه المرة من طرف واحد فقط: حيث نجد ان هذا التكتل العالمي الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني يشن هجوما غير مسبوق في العصور الحديثة، ضد الاسلام والمسلمين، وخاصة ضد العرب. وامام هذا الهجوم فإن الحملات الصليبية ضد الشرق العربي الاسلامي وحرب المائة سنة بين الكاثوليك والبروتستانت في المانيا واوروبا في العصور الوسطى تبدو كألعاب اطفال. وقد سلك الاعلام الغربي بشكل عام، والاميركي بشكل خاص، نهجا انتقائيا وغير موضوعي. وظهر ذلك بشكل خاص في تغطية انباء الحرب على العراق. حيث كانت ـ ولا تزال ـ الوقائع تعرض بشكل مجتزأ ومحرف، الهدف منه تضليل الرأي العام الاميركي والغربي ذاته. اما الرأي العام العربي فقد كان نسبيا بمنأى عن تأثير هذا "العهر الاعلامي"، لأنه منذ زمن بعيد لم يعد يثق بالاعلام الغربي. ولم يعد الاعلام الغربي مصدرا يعتمد عليه الرأي العام العربي والاسلامي. وكل مئات مليارات الدولارات التي ينفقها الاعلام الغربي لتضليل العرب والمسلمين والشرقيين تذهب سدى، وفائدتها الوحيدة انها "مصدر ربح" لطواغيت الاحتكارات الاميركية والصهيونية، التي تتاجر بالاسلحة والمواد الغذائية والاستهلاكية والاعلام؛ ومن وجهة نظر معينة فهي تشن "الحروب الاقليمية" فقط وفقط لزيادة الاستهلاك وتكديس المزيد من الارباح. لقد عملت اجهزة الاعلام الاميركية على اظهار صدام حسين كشيطان، من اجل تبرير الحرب على الشعب العراقي واحتلال العراق ، ليس الا. ولكن صدام حسين، الذي سبق للاميركيين انفسهم ان جاؤوا به الى السلطة ودعموه طوال عشرات السنين، واستخدموه لضرب الشيوعيين العراقيين والشيعة والاكراد والايرانيين الاسلاميين، صدام حسين هذا كان هو ونظامه الدكتاتوري مكروهين من غالبية الشعب العراقي. والاميركيون لم يفعلوا سوى انهم اعطوه فرصة جديدة للظهور بمظهر "الوطني" ـ ضحية العدوان والاحتلال الاميركي للعراق. والان وبعد اعدام صدام حسين واسر معاونيه الاقربين، فان الاميركيين الذين ليس لديهم اي قيمة اخلاقية او انسانية، لا شك انهم يجرون المباحثات والصفقات مع بقايا نظام صدام، من اجل التعاون على حكم العراق المحتل وتقاسم المصالح فيه. والرأي العام الاميركي والغربي المضلل، هو آخر من يعلم. وهو ـ اي الرأي العام الاميركي والغربي المضلل ـ يعامل مثله مثل الحمار، الذي يركبه صاحبه ويسير به الى حيث يريد، دون ان يدري الحمار شيئا الى اين المسير والى اين المصير. وقد جرى تسخير الاعلام الاميركي والاوروبي، بما فيه البلغاري، بأسره تقريبا، في هذه الحملة الصليبية الظالمة ضد العرب والاسلام والمسلمين. وفي حين لا يزال الغرب يتشدق، بدون اي مبرر حقيقي، بما يسمى (anti-Semitism) او "معاداة السامية" (للدفاع عن الصهيونية)، فإن الواقع يشهد انه، بعد القضاء على النازية والفاشية، لم يعد يوجد في اوروبا واميركا (anti-Semitism) "معاداة للسامية" (مقصود بها اليهود فقط، لان العرب هم ايضا ساميون بل هم اساس السامية)، بل يوجد (anti-Arabism) و(anti-Islamism) ("معاداة للعرب" و"معاداة للاسلام والمسلمين") وذلك تحت اسم سياسي اخر هو (anti-terrorism) ("معاداة الارهاب"). وهذا مثال سلبي فظيع عن القرار الاميركي بتطبيق "الاعلام التضليلي" (disinformation)، كما اسلفنا. ولكن هذا الاعلام التضليلي سيؤدي الى نتائج عكسية، على الضد مما يريده اصحابه. (مثال: جريدة "ترود" البلغارية المرتبطة بالاوساط "الاطلسية" والصهيونية نشرت، وبدون اي سبب مباشر، في 8/1/2005 ما يلي: "في لبنان يباح رسميا ممارسة الجنس مع الحيوانات. ولكن القانون يضع تحديدا وحيدا هو: ان يكون الحيوان انثى، اما ممارسة الجنس مع حيوان ذكر، فيعاقب عليه بالاعدام". ليست لدينا معلومات تخولنا الجزم بصحة وجود مادة قانونية بهذا الخصوص في لبنان. ولكن المعلوم ان ممارسة الجنس مع الحيوان هي واسعة الانتشار في العالم الغربي، وان بطريقة معكوسة، اي ذكور الحيوان (وخاصة الكلاب المدللة والمحظوظة) مع نساء "اكثر او اقل دلالا وحظا من الكلاب". ولكن نشر مثل هذا الخبر، سواء كان صحيحا ام لا، لم يكن من باب البحث التوراتي ضمن موضوع "مشروعية" او "لاشرعية" العلاقة الجنسية بين الانسان والحيوان، ولا من باب البحث القانوني ضمن موضوع الدفاع عن "حقوق الحيوان" او "حقوق الانسان"، ولا من باب البحث السكسولوجي ضمن موضوع المفاضلة بين ممارسة الجنس مع الحيوان الانثى او الحيوان الذكر، بل كان على وجه التحديد من باب التشنيع على العرب والمسلمين، ولا سيما بعد انتصار المقاومة على الجيش الاسرائيلي واجباره على الانسحاب من لبنان بدون قيد ولا شرط. ان نشر مثل هذا "الخبر" اثار الاشمئزاز ليس فقط لدى ابناء الجالية العربية في بلغاريا بل ولدى اوساط بلغارية واسعة حيال هذا الانحطاط الذي وصلت اليه الحملة الصهيونية المعادية للعرب والمسلمين، التي استمرت عدة سنوات على صفحات جريدة "ترود" وغيرها. ولكن هذه الحملة فشلت فشلا ذريعا، واعطت نتائج معاكسة. وحينما قام جورج بوش منذ بضعة اشهر بزيارة بلغاريا، راجت اشاعات بوجود محاولة للاعتداء على جورج بوش، واعتقلت اجهزة الامن البلغارية اربعة شبان فلسطينيين فقراء. وتعرض هؤلاء الشبان لسوء المعاملة والتعذيب، ولكن التحقيقات لم تثبت شيئا ضدهم، فتم الافراج عن ثلاثة منهم وابعاد الرابع الى غزة. وقامت جريدة "ترود" نفسها لاحقا بالدفاع عن الشبان الفلسطينيين معتبرة ان ما تعرض له هؤلاء الشبان يتعارض مع حقوق الانسان الخ.، وهذا برهان على افلاس هذه الجريدة الصفراء واسيادها الصهاينة، ومحاولة اعادة الاعتبار لها عبر التظاهر بـ"الحيادية" و"الموضوعية المهنية" الكاذبة في تعاملها مع اعتقال الشبان الفلسطينيين المظلومين). ان الشعوب العربية والاسلامية تنظر باحتقار الى مثل هذه الحملات الاعلامية "الصليبية" والصهيونية العنصرية الشبيهة بالهتلرية والمنحطة اخلاقيا، وهي لا ترد عليها بمثلها. ولكن هذه الشعوب، التي اعطت الحضارة الانسانية الابجدية والارقام والجبر والهندسة والموسيقى وعلم الفلك والقوانين والديانتين المسيحية والاسلامية، ستأخذ بالحسبان هذه الحملات الاعلامية وستتعامل مع اصحابها على قدر الحقارة التي ينضح بها هذا الاعلام العنصري، الغبي في الحساب الاخير، لانه سيعطي نتائج معاكسة لما يريد اصحابه. ان البلدان الشرقية الكلاسيكية، لا سيما العرب والمسلمون، وكذلك الصينيون والهنود والهندوشين والافارقة، هم "اقل تقبلا" للامركة، وهم يشكلون حجر العثرة الاساسي بوجه فرض العبودية الاميركية الحديثة على العالم. ويبدو الاسلام الاصولي، وفي القلب منه الاسلاميون العرب، في الخط الامامي بمواجهة اميركا والصهيونية العالمية. وليس هذا بمستغرب، لأن الامة العربية، او العالم العربي، بموقعه الجغرافي ـ الديموغرافي المتوسط، بين اوروبا الشرقية والغربية من جهة، والشرق الاقصى من جهة ثانية، وافريقيا من جهة ثالثة، اضطلع تاريخيا بدور الحاضنة الاولى للحضارة العالمية، وهمزة الوصل والموازن (balancer) بين مختلف الحضارات الشرقية والغربية، وخط الدفاع الاول بوجه الهجمات والغزوات الاستعمارية من الغرب باتجاه الشرق، ومن الشرق باتجاه الغرب. وعندما تم اكتشاف اميركا على ايدي المستعمرين الاوروبيين الذين كانوا يبحثون عن طريق بحري للالتفاف حول المنطقة العربية، ثم سقطت المنطقة العربية ودورها العالمي التاريخ على ايدي العثمانيين (المسلمين المزيفين) بالتواطؤ بينهم وبين الحكام المستعمرين الاوروبيين واليهود الخزر (ابناء عم العثمانيين)؛ حينما تم ذلك اختل التوازن العالمي لصالح اوروبا الاستعمارية، واخيرا لصالح الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. والان، حينما بدأ العرب (ومعهم الشعوب الاسلامية) يرفعون رأسهم من جديد، فإنهم سائرون لا محالة الى استعادة دورهم التاريخي كموازن (balancer) حضاري عالمي، لمصلحة جميع شعوب العالم، ولا سيما الشعوب الضعيفة والصغيرة ـ كبلغاريا؛ وهذا ما يحتم اصطدامهم ـ اي العرب والشعوب الاسلامية الاخرى ـ بالمشروع الاميركي ـ الصهويني للسيطرة على العالم. ومصير العالم بأسره اليوم يتوقف على نتائج هذه المواجهة: - فإما انتصار العرب، وتحرر الشعوب وتعاونها وتفاعلها الحضاري على اساس الإغناء والمنافع المتبادلة للجميع مع الجميع. - واما انتصار اميركا، وبالتالي الانتحار الذاتي للبشرية، اخلاقيا ومعنويا، اولا، ومن ثم جسديا، بالمخدرات والجريمة المنظمة والاوبئة التي تطلقها المختبرات العسكرية الاميركية مثل الايدز والايبولا والسارز والانتراكس وجنون البقر وغيرها. وكيفما ادرنا وجوهنا نرى ان هذه المواجهة تحتل اكثر فأكثر المساحة الاكبر من المشهد الاعلامي العالمي، بكل فروعه. ومن ضمن هذا السياق فإن الدول الاسلامية النفطية، ولا سيما العربية، ودفاعا عن مصالحها الخاصة، تعمل الكثير في السنوات الاخيرة، من اجل عدم الوقوع التام تحت المظلة الاعلامية الاحتكارية الاميركية، خاصة وان الاخيرة تتبنى المواقف الاسرائيلية المفضوحة وتدافع عنها، مما لا يتلاءم مع مصلحة الانظمة العربية حتى الموالية لاميركا. وفي الحرب العالمية الرابعة (بعد الحرب الباردة) اي الحرب الاعلامية التي شنتها اميركا والصهيونية العالمية ضد العرب والمسلمين، فإن اصدقاء اميركا التقليديين من العرب، من امثال "شيوخ النفط"، اخذوا يضطرون لوضع مسافة بينهم وبين اميركا، حتى لا يغرقوا معها، وحتى يستعيدوا بعض مصداقيتهم العربية والاسلامية. وقد ادت هذه الحالة، في المنطقة العربية بالاخص، الى خرق جدي للاحتكار الذي تمارسه المظلة الاعلامية الاميركية، وانشاء مظلة اعلامية عربية شبه مستقلة، وإن كانت لا تزال ضعيفة الاداء بشكل عام، الا انها تتقدم بسرعة، لتسد الفراغ الذي اوجده نفور الجمهور العربي والاسلامي من الاعلام الاميركي والموالي لاميركا واسرائيل. ولكن هذا "الكم" من الاعلام العربي "المستقل" لا يكاد في غالبيته الساحقة يعدو كونه "تكرار المكرر" وتقليدا للاعلام الغربي ولا سيما الاميركي "الفارغ" و"التافه"، الهادف الى تبليد ذهن المواطن العربي وصرفه عن قضاياه الجوهرية وعن الثقافة الحقيقية. ولكن من ضمن هذه "الطفرة الاعلامية العربية" (كميا) جرى تأسيس قناة "الجزيرة" من قبل قطر، الصديقة التقليدية لاميركا، التي يوجد فيها مركز القيادة العملانية للقوات الاميركية في الخليج، والتي يقوم وزير خارجيتها بزيارات "صداقة شخصية" لزعماء اسرائيل. ولتأكيد "استقلاليتها" لجأت قناة "الجزيرة" الى اعتماد سياسة "الموضوعية المهنية" ومحاولة ايجاد "توازن عربي/اسلامي ـ غربي" في سياستها الاعلامية واخبارها وبرامجها. فهي بالطبع تبث كل ما يصدر عن اميركا؛ فإذا عطس اي مسؤول اميركي، ترددت عطسته في قناة "الجزيرة". وحتى الابتسامة البلهاء لمونيكا لوينسكي (بعد ان مارست الجنس بالفم مع المتصابي كلينتون)، وحتى هزة ذنب كلب جورج بوش، تجدان المساحة الزمنية واشكال العرض المناسب في "الجزيرة". وفي المقابل، وحتى تحتفظ القناة بجمهورها العربي والاسلامي، الذي هو شاهد ومشارك في الاحداث، ومن الصعوبة بل والمستحيل الكذب عليه، فإن القناة تعرض الاحداث وآراء المعارضين للسياسة الاميركية بشيء من "الموضوعية المهنية" التي لا يستطيع احد تكذيبها. ولهذا تفوقت "الجزيرة" على السي ان ان وكل اجهزة الاعلام الغربية ولا سيما الاميركية. وهذا ما لم يرق لاميركا، فشنت حملة شعواء ضد "الجزيرة"، وجرى قصف مكاتبها في العراق واغتيال احد مراسليها، واعتقال مراسلين اخرين في اسبانيا وغوانتنامو، بسبب التغطية الموضوعية للعدوان الاميركي على افغانستان والعراق؛ ولكن الحملة الاميركية فشلت ولم تحقق النتائج المرجوة منها بل اعطت نتائج معاكسة. وتأكد للقاصي والداني ان اميركا التي تتشدق بـ"الدمقراطية" و"الحرية" و"حقوق الانسان" لا تريد اعلاما، بل تريد كذبا، ولا تحترم الانسان وحقوقه في معرفة الحقيقة وبناء مواقفه على اساس المعرفة، بل تريد تجهيل الانسان ودفعه الى اتخاذ المواقف الخطأ، بناء على المعرفة الخطأ.
المعركة الاعلامية الكبرى العربية/الاسلامية ـ الاميركية/الصهيونية هناك في عالمنا الراهن اتجاهان رئيسيان للاعلام، وتنقسم مختلف الاجهزة الاعلامية بين هذين الاتجاهين، في مروحة واسعة من الادوار المتداخلة والمتعارضة: - اتجاه اعلامي يعتمد بالدرجة الاولى على الامكانيات المالية والمادية، والكفاءات العليا و"الاسماء اللامعة"، التي يتم استقطابها (وببساطة: شراؤها) بواسطة الماديات. وهذا هو بالاساس الاعلام الاميركي – الصهيوني. - واتجاه اعلامي مضاد، يرتكز على الفرد الانساني، ويتوجه الى الرأي العام والمجتمع البشري القومي اولا، والدولي عامة، انطلاقا من نقطة الارتكاز الفردية الانسانية القائمة على القناعة والحرية الفكرية. ويفتقر هذا الاتجاه الى الامكانيات المادية التي يتم الحصول عليها ومراكمتها وتطويرها، من خلال الاقناع. وهذا هو بالاساس الاعلام العربي – الاسلامي، المعارض، بمختلف اتجاهاته السياسية والفكرية. وهناك حرب عالمية حقيقية وشرسة بين هذين الاتجاهين. ومصير العالم كله اصبح يتوقف على نتائج هذه الحرب: - فإما ان ينتصر الكذب والديماغوجية الاميركية ـ الصهيونية، ويدخل المجتمع البشري الدولي في مرحلة جليدية ويصبح العالم معسكر اعتقال كبير للاشغال الشاقة، ومجمع معتوهين، يتحكم به "السوبرمانات" الانكلو – ساكسون والصهاينة. - واما ان ينتصر العرب، الذين لن يستطيعوا تحرير انفسهم الا بتحرير العالم بأسره، وحينذاك سيتخلص العالم بأسره من خطر الهيمنة الاحادية الاميركية ـ الصهيونية، وسيدخل في ربيع جديد من التوازن والتفاعل والتعدد الحضاري.
الافلاس الاخلاقي ـ السياسي على غرار الاحتفالات المشهدية الكبرى التي كانت تجري في العصور القديمة (مثل احتفالات المصارعين حتى الموت (gladiators) حيث يطل القيصر والنبلاء على الجماهير المهللة)، فإن الاعلام المعاصر يلجأ الى اساليب الإطلال على الجماهير عبر "الشعارات" و"المسلمات" (postulates)، كما عبر "التأثيرية المشهدية" التي توفرها الحفلات الخيرية، والرياضة، والمقابلات والمهرجانات والزيارات المسرحية والمظاهرات المأجورة. ويستخدم لذلك الشخصيات المحبوبة، التي هي في الغالب "مصنوعة" من قبل الاعلام ذاته، بدءا من رؤساء الدول والاحزاب والتنظيمات العميلة و"الصديقة"، والمغنيات وعارضات الازياء وحتى عارضات الستريبتيز. وقد اصبحت صناعة الاعلام اليوم "فنا" قائما بذاته، لا بالمعنى الايجابي فقط، بل خصوصا بالمعنى السلبي (قديما كان الرهبان الجزويت (اليسوعيون) يقولون مفتخرين (عن قدراتهم التعليمية في مدارسهم القائمة على "غسل الدماغ"): "اعطونا اي ولد في سن لا تتجاوز السابعة، ونحن سنجعل منه لاحقا: محبا للعلم ، او الادب، او الصنعة، او الزراعة، او الطب، او راهبا، او مجرما، او لصا، الخ الخ.". والان فإن الاعلام "الاميركي ـ الصهيوني" يقول: "اعطونا اي قيادة سياسية، او شخصية سياسية، او قضية سياسية، حتى نظهرها للجمهور المضلل بغير حقيقتها، فنجعل الابيض اسود، والاسود ابيض، والمجرم ضحية، والضحية مجرما، الخ الخ). والمثال الفلسطيني في الاعلام الغربي هو مثال صارخ على هذا الصعيد: فقادة اسرائيل (من جابوتنسكي الى بيغن انتهاء بشارون) هم مجرمون ضد الانسانية ومجرمو حرب معروفون. ومع ذلك يجري تقديمهم على انهم قادة مسالمون ومحبون للحرية والعدالة. اما الفلسطينيون الذين تم احتلال بلادهم وتشريدهم والذين يقتلون يوميا بواسطة الطائرات والدبابات والجرافات، الاميركية الصنع ـ الاسرائيلية التشغيل، فيتم اظهارهم بأنهم قتلة ومجرمون وارهابيون. ولا يحق لهم مقاومة الاحتلال والمجازر والابادة الجماعية. وقد قامت اسرائيل مؤخرا بقتل الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات، بواسطة السم، ومع ذلك فإن الدعاية الاميركية ـ الصهيونية ظلت تطبل وتزمر بأن عرفات هو "ارهابي"، واما القتلة فهم "سلميون". وهذا منتهى الفظاعة. وبالرغم من ان الاراضي الفلسطينية (اي المحتلة بعد 1967) هي "اراض محتلة" حتى باعتراف اسرائيل واميركا، وبموجب القوانين الدولية فإن المحتل هو مسؤول عن الاراضي المحتلة، فإنه لم يجر تحريك ساكن للتحقيق في مقتل ياسر عرفات، وعلى العموم فإن الامم المتحدة والمراجع الدولية الاخرى لا تحرك ساكنا للبحث والتحقيق في الجرائم التي ترتكبها اسرائيل كل يوم ضد الفلسطينيين. والاعلام الاميركي ـ الصهيوني العالمي كله يصب في اتجاه طمس الجرائم الاسرائيلية. ولكن اذا ردت المقاومة الفلسطينية باطلاق صاروخ صغير من صناعة محلية قامت القيامة ضد "الارهاب الفلسطيني" حتى من قبل ما يسمى "السلطة الوطنية الفلسطينية" التي اصبحت ضحية الابتزاز السياسي والاعلامي الاميركي ـ الصهيوني وصار كل همها ارضاء اسرائيل على حساب الحقوق التاريخية والوجود الانساني للشعب الفلسطيني. وقد تحول الاعلام الدولي المعاصر الى مؤسسات قائمة بذاتها، جنبا الى جنب المؤسسة القضائية او البوليسية او العسكرية او الدينية الخ. وهذه المؤسسة الاعلامية بحاجة الى "مبرر وجودي" او "رسالة دولية"، لتبرير وجودها واقناع المستهلك، ودافع الضرائب، بضرورتها والحاجة اليها. وتتعلق هذه الرسالة بالقوى الاقتصادية والسياسية التي تقف خلف المؤسسة الاعلامية. والاعلام الغربي المعاصر يستغل شعارات مثل "الدمقراطية" و"حقوق الانسان" و"حرية التجارة" بوصفها رسالة دولية له. ولكن هذه الشعارات، خصوصا بعد التحولات "الدمقراطية" في بلدان المنظومة السوفياتية السابقة، فقدت الكثير من بريقها، لانها لم تثبت مصداقيتها، حيث ان تلك البلدان ـ التي اختارت "الدمقراطية!!!" الغربية ـ قد تحولت الى ركام دول، وتحولت شعوبها الى شعوب مظلومة فقيرة ممزقة لا تستفيد من "حرية الصحافة" مثلا الا بورق الجرايد القديمة التي يجمعها المتقاعدون من مستوعبات الزبالة لبيعها، مقابل بعض الدريهمات، الى محلات "المواد الثانوية". ولهذا فإن الاعلام الرأسمالي المعاصر وقع في مفارقة متزايدة التناقض: بمقدار ما يغتني ويتضخم هذا الاعلام ويزداد قوة وتقانة، فإنه يصبح اقل فأقل اقناعا وتأثيرا نظرا لافتقاده الى "رسالة مقنعة" يؤديها. وبعد نهاية الحرب الباردة، وتناقص جدوى المتاجرة بشعارات الدمقراطية والحرية وما اشبه، اصبحت المؤسسات الدولية بحاجة الى مسلمات (postulates) مبدئية جديدة تتاجر بها. ولكن "النظام الدولي الجديد" (كما سماه جورج بوش الاب) لا يملك شيئا يعطيه للانسانية غير الكذب والمخدرات والايدز والجريمة المنظمة وتنظيم الحروب الاقليمية والاحتلال. والمثل العربي القديم يقول: "فاقد الشيء لا يعطيه". فأميركا ـ التي ابادت الهنود الحمر واستعبدت الزنوج والتي هي مركز الصهيونية ـ العدو الاول لبني البشر منذ صلب السيد المسيح ـ اميركا هذه ليس عندها شيء تعطيه للانسانية غير الابادة والاحتلال والعنصرية. والاعلام المعاصر، بقيادة اميركا، هو صورة عنها. وهو "وجهها" و"رسالتها". ولهذا فإن اميركا، واعلامها، حينما لم تجد مسلمة (postulate) ايجابية تنادي بها، كالحرية والدمقراطية، فهي لجأت الى الـ(postulate) السلبي، المتمثل في ما يسمى "مكافحة الارهاب" العربي والاسلامي. وهي بذلك اكدت على عنصريتها، وعلى غبائها السياسي والثقافي والاعلامي ايضا. لانها: اولا ـ استفزت العنفوان القومي والكرامة الانسانية لامة، هي الامة العربية، ليس من السهل على اي قوة في العالم استفزازها في اعز ما عندها وهو كرامتها. ان عمر الامة العربية هو اكثر من 7000 سنة. بينما عمر اميركا هو 500 سنة. ومثلما صمدت الامة العربية كل هذه الالوف السنوات، فإنها قادرة ان تواجه اميركا، في حرب باردة او حرب ساخنة، لا 500 سنة فقط، بل 7000 سنة اخرى ايضا. وان مصير اميركا، بإعلامها وأعلامها، لن يكون افضل من مصير الدولار الاميركي الذي، بفضل المقاومة الوطنية للاحتلال الاميركي في العراق وانفضاح اكذوبة "التحرير"، يتدهور سعر صرفه بسرعة غير مسبوقة. ثانيا ـ وضعت اميركا نفسها بوجه مليار ونصف المليار مسلم في العالم. وهم يمثلون ربع السوق العالمي او اكثر. فحتى بهذا المقياس وحده، وضعت اميركا نفسها في معركة خاسرة مسبقا. وهذا ما سيتيح لاوروبا الغربية، واوروبا عامة، وخاصة لروسيا، ان تنهض بدور عالمي جديد، وإعلام عالمي جديد، لا يقوم على الكذب والديماغوجية، على غرار الاعلام الاميركي ـ الصهيوني.
الأسطرة وانعكاسها! في القرون الماضية كان يوجد ما يسمى "دبلوماسية الاساطيل"، حيث كانت اساطيل الدول الاستعمارية تجوب المحيطات والبحار، لتفرض ارادة ومصالح دولها الانانية الضيقة على مختلف الشعوب. وفي العصر الراهن حلت محل الاساطيل (او بالاصح اصبحت مقدمة لها) السياسة الخارجية، (النموذج الاميركي ـ الصهيوني) القائمة على التضليل الاعلامي والمؤامرات والدبلوماسية السرية، والنشاط "الثقافي!!!"، بالتنسيق بين المؤسسات الاعلامية والاجهزة الخاصة كالسي آي إيه والموساد. (مثال: الدور الخاص الذي لعبه عميل الموساد روبرت ماكسويل في بلغاريا وغيرها من الدول "الاشتراكية" السابقة. وكذلك دور العميل الاخر، النصاب الدولي و"فاعل الخير" و"نصير الثقافة"، جورج سوروس، الذي انشأ المؤسسة "الثقافية ـ الاعلامية" العالمية الضخمة المسماة "المجتمع المفتوح"). وكعناوين جذابة لهذه السياسة العدوانية تتم أسطرة (mythisize) الرؤساء الاميركيين تحت مختلف الشعارات من وودرو ويلسون (حقوق الشعوب والامم!!!) الى جورج بوش (اشاعة الدمقراطية!!!). ولكن هذه الاسطرة هي سيف ذو حدين: فهي قد تجوز، والى حين، على أناس بلداء يعانون من الاضطرابات النفسية ومن امراض السمنة (كما هي حال نسبة كبيرة جدا من الاميركيين)؛ فهؤلاء الناس ـ ضحايا نظام التغذية الاميركي السيئ، ونمط الحياة الاميركي الاسوأ ـ الذين لا قيمة حقيقية في حياتهم، ويقضون معظم اوقات "فراغهم" امام شاشات التلفزيون ليلتهموا سندويشات الوجبات السريعة و"يتثقفوا!!!" بالمغامرات الجنسية لبيل كلينتون مع الصبية اليهودية لوينسكي او غيرها، ومتى "ارتفع" مستواهم "الثقافي" قليلا، فهم يأخذون "دروسا" من جورج بوش في كيفية التعاطف بينه وبين كلابه اللطيفة المدللة، التي يحملها معه اينما كان لتسليه وتخفف عنه اعباء "الرسالة الانسانية" التي يحملها وهو يقرر ارسال مئات ألوف الرجال والشبان الاميركيين الى الخارج لاكتساح الشعوب والبلدان الضعيفة والهيمنة على العالم. وهكذا فإن هذه الأسطرة تتحول في الوقت نفسه الى شيطنة (demonization) للرؤساء انفسهم ولاضرابهم، في نظر الشعوب المعتدى عليها، التي لا يبهرها فم وصدر وارداف مونيكا لوينسكي، ولا تعجبها ولا تخيفها كلاب جورج بوش. فهذه الشعوب تدرك، بعكس ما يريد الاعلام الاميركي، كم من العدمية والاحتقار للانسان يوجد في هذه السياسة الاعلامية التي تعطي كل هذا الاهتمام لعاهرة يهودية مارست الجنس بالفم مع رئيس اميركي متصاب، في حين لا يعطى اي اهتمام لعشرات ملايين الافارقة المصابين بالايدز، وترفض اميركا بالذات تخفيض ثمن ادوية معالجة الايدز، او العمل لصناعة ادوية جديدة رخيصة، مما يبعث على الشكوك الجدية بوجود مصلحة اميركية بنشر الايدز في افريقيا لابادة اكبر عدد ممكن من سكانها، في الوقت ذاته الذي تقرع فيه طبول الدعاية الاميركية حول "الدمقراطية!!!" و"حقوق الانسان!!!". ان صورة اميركا في وسائل الاعلام الاميركية ولدى الرأي العام العالمي تصبح اكثر فأكثر اسيرة مفارقة تكبر باستمرار: تضع اميركا مخططات كبرى وتخصص ميزانيات بعشرات مليارات الدولارات لتحسين صورتها لدى الرأي العام العربي والاسلامي (مثال: السي ان ان اصبحت تبث باللغة العربية. أنشأت اميركا اذاعة "سوا" العربية وكذلك قناة "الحرة" العربية، التي يمولها الكونغرس الاميركي، ناهيك عن عشرات الصحف والاذاعات والقنوات "الاميركية"، التي تصدر او تبث بالعربية ومختلف لغات الشعوب الاسلامية). ولكن هذه الستراتيجية لا تحقق سوى نجاحات ضحلة، وفي الوقت نفسه تنقلب الى ضدها، حيث انها تضطر، من اجل مسايرة القارئ او المستمع او المشاهد، ان تبدي نوعا من "الموضوعية"، فتعرض بعض الحقائق كما هي ولو جزئيا، وتفسح المجال لبعض الاصوات المعارضة لاميركا، مهما كانت معتدلة، وبذلك "ينقلب السحر على الساحر"، وتصبح الادوات الاعلامية الاميركية ذاتها "مدفعية" معادية للسياسة الاميركية ولاسرائيل والصهيونية. وفي السابق قامت ازمة بين البي بي سي البريطانية، التي تبث بالعربية، وبين اميركا واسرائيل، لاتهامهما البي بي سي بأنها "موالية للعرب" و"معادية للسامية" وما اشبه من الترهات، وهذا يدل على مأزق الاعلام الاميركي ـ الصهيوني. ثم تكررت الحكاية ذاتها مع السي ان ان الاميركية، التي اتهمت ايضا بـ"محاباة" العرب. ولا يستبعد غدا ان يحدث الشيء نفسه مع قناة "الحرة" ذاتها.
اوروبا والوصاية الاميركية في عصر العولمة تحاول الاحتكارات الكبرى السيطرة التامة على وسائل الاتصال وعلى الاعلام، من السينما الى دور النشر الى الصحافة الى الاذاعات والقنوات التلفزيونية. وتبرز في ذلك بالدرجة الاولى الاحتكارات الاميركية واليهودية (الصهيونية). واصبحت اوروبا نفسها تعاني من ضغط المظلة السياسية ـ المالية ـ الاعلامية الاميركية وتحاول التفلت منها. ويتجه "الاتحاد الاوروبي" ببطء وتردد وحذر لـ"الاستقلال" عن تلك المظلة. وكانت خطوة اقرار العملة الاوروبية الموحدة (اليورو) ذات مدلول كبير على هذا الصعيد. وحتى حلف "الناتو" ذاته، الذي لا تزال تسيطر عليه اميركا، يقف الان على مفترق، حيث يبرز فيه اتجاهان: ـ الاول، اميركي ـ صهيوني (ومن ادوات هذا الاتجاه ما يسمى "النادي الاطلسي" ورئيسه السيد سولومون باسي في بلغاريا). وبعد ان فقد الناتو مبرر وجوده الاساسي كمظلة دفاعية ضد حلف وارسو الذي زال من الوجود، يعمل هذا الاتجاه على توسيع "صلاحيات" الناتو، من حلف "دفاعي"، ولو بالاسم، الى حلف عسكري عدواني، له حق التدخل في الشؤون الداخلية لاي بلد في العالم، خارج حدود دوله، وذلك تحت شعارات مصطنعة (مثل "الامن القومي" لاعضاء الحلف، وعلى رأسهم اميركا، و"مكافحة الارهاب" الذي لم يتم اعطاء تعريف حقوقي وسياسي وانساني له في المؤسسات الدولية كالامم المتحدة وغيرها). وبذلك فإن هذا الاتجاه يجعل العالم كله في حالة حرب حقيقية غير معلنة مع جميع دول حلف الناتو. حيث انه الذي يعطي لنفسه من نفسه الحق في التدخل، والعدوان العسكري، ضد الدول الاخرى، فإنه يبرر لجميع هذه الدول الاخرى، ولجميع القوى السياسية "المغايرة" ولا سيما المتطرفة ان تنقل الحرب الى اراضي دول حلف الناتو ذاتها، على قاعدة "المقابلة بالمثل" و"حق الدفاع المشروع عن النفس". وان الدعاية الاميركية والصهيونية والناتوية الموالية لها، بتبرير العدوان على البلدان والشعوب الاخرى، تلعب في الوقت نفسه دور دعاية مضادة (anti-propaganda)، اي الدعاية التي تعطي نتائج عكسية او عكس المرجو منها. ذلك ان الاعلام المعاصر يجعل العالم صغيرا جدا، والدعاية الاميركية (مثلا) التي تهدف الى تعبئة الرأي العام ضد العرب والاسلام والمسلمين، فإنها تفعل فعلا معاكسا تماما وتحقق تعبئة شعبية هائلة، عربية واسلامية، ضد اميركا والصهيونية ودول الناتو. وإن الاعلام الاميركي ـ الصهيوني (مثلا) الذي جعل من بن لادن شيطانا رجيما، فإنه عمليا جعله في نظر ملايين العرب والمسلمين بطلا حقيقيا واسطورة. والشيء ذاته يقال عن تنظيم "القاعدة". وبذلك يمكن القول ان الرئيس بوش هو اكبر معلن لصالح بن لادن، وان الادارة الاميركية والصهيونية العالمية وقيادة الناتو هم اكبر "خدم وعملاء سريين" لتنظيم "القاعدة". ـ والاتجاه الثاني في الناتو اليوم هو الاتجاه الاوروبي المستقل: فهذا الاتجاه يحاول الاستفادة من تجربة اوروبا في حروبها الخاصة (وبالاخص الحربان العالميتان الاولى والثانية، اللتان كانتا بالدرجة الاولى حربين "اوروبيتين") وكذلك تجربة اوروبا بالاستعمار القديم (الحروب الصليبية ضد الشرق العربي الاسلامي، استعمار افريقيا وما يسمى الشرقين الادنى والاوسط والشرق الاقصى، وحروب التحرير الوطني في افريقيا والبلاد العربية وفيتنام والشرق الاقصى، وهي الحروب التي كلفت اوروبا غاليا جدا، ودفعت بدولها العظمى الى الانهيار كدول عظمى وفتحت الطريق للهيمنة الاميركية على اوروبا نفسها التي اصبحت تابعا (satelite) لاميركا) وهذا الاتجاه المستقل يتعزز بشدة بعد نهاية الحرب الباردة وزوال "الخطر السوفياتي" ونقص اذا لم يكن زوال حاجة اوروبا الى المظلة العسكرية والمالية والنفطية والاعلامية الاميركية، والانفتاح الروسي على دول اوروبا المستقلة. كما ان هذا الاتجاه يتعزز بوجود افاق كبيرة جدا للتعاون الاوروبي مع روسيا ودول وشعوب الشرق العربي والاسلامي والهند والصين، خارج نطاق الخط التصادمي الذي تقوده اميركا واسرائيل والصهيونية العالمية. ويحاول هذا الاتجاه تحويل الناتو الى حلف امن مشترك داخلي ودفاع مشترك خارجي، لاعضائه، وبالتعاون مع المؤسسات الدولية والاقليمية القائمة، كالامم المتحدة ، ومنظمة المؤتر الاسلامي وجامعة الدول العربية. وهذا الاتجاه بالضبط هو الذي يقود الحوار العربي ـ الاوروبي، والحوار بين دول شاطئي المتوسط، والحوار المسيحي ـ الاسلامي الذي يشارك فيه الفاتيكان والمراجع الدينية العليا المسيحية والاسلامية، العربية والايرانية والاندونيسية والباكستانية وغيرها. ولكن هذا الاتجاه لا يزال ضعيفا نسبيا، وذلك بالدرجة الاولى لاسباب ذاتية، حيث انه يوجد في اوروبا "طابور خامس" اميركي ـ صهيوني معاد لمصلحة الشعوب الاوروبية ذاتها، وهذا "الطابور الخامس" يمتلك قدرات اعلامية وآليات ومواقع سياسية كبيرة ورفيعة. والصراع بين هذين الاتجاهين "الناتويين" (الاتجاه الاميركي والاتجاه الاوروبي) يشتد يوما عن يوم، الا انه يسير ولو ببطء باتجاه تقدم "الأوربة" على "الأمركة"، وذلك بالانسجام مع مصلحة الانسانية جمعاء، وبالدرجة الاولى مصلحة شعوب اوروبا بالذات، التي هي غير ملزمة، وليس من مصلحتها بأي شكل من الاشكال، ان "تدفع فواتير" السياسة العدوانية الاميركية ـ الصهيونية. و"الاتحاد الاوروبي" و"منظمة التعاون والامن في اوروبا" (ОССЕ) يحتاجان اكثر فأكثر الى اظهار وجههما المستقل عن السياسة العدوانية الاميركية، والى عدم الوقوع في الاعيب ومؤامرات العناصر الصهيونية التي تضطلع بدور الخيانة الوطنية وتهدد الامن القومي لكل بلد توجد فيه. وينعكس ذلك بشكل متزايد على الاعلام الاوروبي.
اميركا والخطأ المميت ...في الحساب الروسي! بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفصل مختلف الجمهوريات عن روسيا الاتحادية، القلب والجسم الاساسي للاتحاد السابق، تعرضت روسيا لهجمة شرسة هدفها تحويلها الى مستعمرة او شبه مستعمرة اميركية ـ صهيونية. ولتحقيق هذا الهدف الرئيسي وضع المتآمرون نصب اعينهم تحقيق الاهداف التنفيذية التالية: 1 ـ تخريب وضرب المجمع الصناعي الروسي عامة، والمجمع الصناعي ـ العسكري خاصة، لنزع قوة روسيا الانتاجية والعسكرية. 2 ـ السيطرة على صناعة النفط والغاز. 3 ـ السيطرة على القطاع المالي. 4 ـ وبالترافق مع ذلك كله، وقبل ذلك كله، السيطرة على قطاع الاعلام. وقد تمكن الطابور الخامس الصهيوني، الذي كان اشبه بأخطبوط سرطاني سري وشبه سري منذ العهد الستاليني، من تحقيق نجاحات كبيرة على هذه الصعد، بعد انقلاب غورباتشوف ـ يلتسين على الحكم السوفياتي والحزب الشيوعي السوفياتي. وفي اواسط التسعينات من القرن الماضي اصبح مصير روسيا كدولة مهددا تماما، واصبح الشعب الروسي مهددا بالاستعباد والافقار والاذلال والانقراض. وكان كل ذلك يتم على وقع حملة اعلامية عالمية اميركية ـ صهيونية حول "الدمقراطية!!!" و"حقوق الانسان!!!" و"نمط الحياة الاميركي" و"الحضارة الغربية!!!"، الامر الذي كان اشبه شيء بجوقة جنائزية كبرى لدفن روسيا والشعب الروسي. وقد استنفر ذلك كل القوى الحية في المجتمع الروسي، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. حتى مثقف معاد للشيوعية، وكان يعيش في اميركا، مثل سولجنستين، عاد الى روسيا، وقرع ناقوس الخطر. وبرز بوضوح حتى خطر ولادة ظاهرة فاشستية على الطريقة الهتلرية للدفاع عن النفس بمواجهة المد الاميركي ـ الصهيوني ضد روسيا دولة وشعبا. على هذه الخلفية ظهرت "البوتينية"، كظاهرة روسية وسطية، تقوم على التحالف بين: 1 ـ الرأسمالية الوطنية الروسية؛ 2 ـ بقايا اجهزة الدولة الروسية (ولا سيما القوات المسلحة ذات التاريخ العريق) الرافضة للخط الخياني لغورباتشوف ـ يلتسين؛ و 3 ـ الانتلجنتسيا الروسية (من اليمين الى اليسار) المتمسكة بوطنيتها وبتقاليدها الثقافية العريقة. ولا شك ان مخلفات الحرب الباردة تترك اثرها الكبير على محاولة روسيا الوقوف على قدميها من جديد. ولكن هذه المخلفات هي من الماضي. وهي تستغل لمنع روسيا ودول المنظومة السوفياتية السابقة، من الاضطلاع بدورها الدولي البناء، وكذلك من اعادة البناء الداخلي لاوطانها. وما يمكن تسميته "روسيا الجديدة" بحاجة ليس للوقوف على الاطلال والنواح على الماضي، بل للالتفات الى مشاكلها الراهنة وحلها، واهمها التخلص من عقدة التخوف من اميركا خارجيا، ومن العصابة الصهيونية ـ الطابور الخامس داخليا، وانتهاج سياسة قومية حقيقية وشجاعة، تستند الى التاريخ الحضاري العريق والى الوطنية الصادقة للشعب الروسي العظيم، والى التعاطف والصداقة العالمية الواسعة اللتين يتمتع بهما الشعب الروسي. وقد بدأت روسيا مؤخرا تتخلص بسرعة من الانعكاسات السلبية لانهيار الاتحاد السوفياتي، وبدأت تعود لاحتلال مكانها المناسب على الجبهة الاعلامية خصوصا. وهذا ما سيضع آلة الاعلام الشيطانية الاميركية ـ الصهيونية العالمية امام ازمة خطيرة لم تحسب لها حسابا، لانها قد بنت كل مخططاتها على فرضية خاطئة، وهي ان "انتصارها" على "الاتحاد السوفياتي" هو "نهائي"، وانه يعني انتصارها على روسيا كدولة وكشعب. وجاء الوقت الآن لتدفع اميركا والصهيونية العالمية ثمن الخطأ في هذا الحساب ايضا. وهما ستدفعان غاليا.
الاعلام المضاد ان لجوء الادارة الاميركية الى: القمع الاعلامي، والتزييف الاعلامي و"الاعلام التضليلي" (disinformation)، وذلك بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي واستفراد الولايات المتحدة بدور القطب العالمي الاوحد، يدل على امر في منتهى الاهمية وهو: ان اقوى قوة في العالم، وفي التاريخ البشري حتى الان، بكل المقاييس العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية، تشعر بالخوف من الاعلام المضاد، او "المختلف"، سواء اتى من القوى المزاحمة، او حتى لو كان صادرا عن قوى هامشية ضعيفة، بالقياس الى الجبروت والغنى الفاحش للاعلام الامبريالي ـ الصهيوني المعاصر. وهذا ما يضطرها ـ اي الولايات المتحدة ـ الى عدم الاكتفاء بما تملكه من آلة اعلامية هي الاضخم والأكفأ في العالم اجمع، والى اللجوء الى تشريع "الاعلام التضليلي" ـ على طريقة غوبلز (اكذب اكذب، فإذا علقت كذبة واحدة في ذهن الناس، فهذا نصر للرايخ). وهذا يعني اعترافا صريحا، حتى من الولايات المتحدة الاميركية نفسها، ان قوة الاعلام لا تقاس فقط بقوة الدولة والرأسمال. وان هناك "سر مهني" خاص في "لعبة الاعلام"، من شأنه ان "يقلب السحر على الساحر". هذا "السر المهني" هو المضاد تماما للتضليل الاعلامي، اي المضاد للكذب، اي انه "الموضوعية الاعلامية". فقد اثبتت التجربة ان الاعلام الموضوعي هو اقوى من اي قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية واعلامية، بوصفها قوة بحد ذاتها. وقد اصبح على كل شفة ولسان القول إن اميركا تسعى ليس فقط الى تدمير سمعة ما تعتبره القوى المعادية، بل وايضا الى "تحسين صورتها" لدى الرأي العام العالمي. اي انها ـ رغم كل قوتها وجبروتها ـ قد حشرت حشرا في وضع "الدفاع عن النفس". ومع ان كل دولة، وكل طرف سياسي آخر، له "اهدافه" الخاصة التي يحاول اعلامه ان "يطوع الحقيقة" لها، الا ان طغيان الاعلام الامبريالي الاميركي والصهيوني العالمي يضعه في مواجهة مع اي اعلام آخر في العالم، حتى مع حلفاء الولايات المتحدة انفسهم. ذلك انه اذا كانت مصلحة اميركا والصهيونية هي في اخضاع الجميع لمصلحتهما، على قاعدة "من ليس معنا فهو ضدنا"، فليس من مصلحة الجميع الخضوع التام لاميركا والصهيونية. ومن هنا تنشأ المفارقة، انه كلما اوغلت اميركا في الاستفراد بالهيمنة العالمية، بما في ذلك على الصعيد الاعلامي، كلما ازداد واستقوى اتجاه التفلت من هذه الهيمنة. ويجد ذلك انعكاسه بشكل خاص على الجبهة الاعلامية، حيث يسير "الاعلام الموضوعي" باتجاه آخر، ويتخذ (حتى وهو غير معاد لاميركا) طابع الاعلام "المختلف" و"المضاد"، غير الاميركي ـ الصهيوني، في خط تصاعدي طردا مع تصاعد الهيمنة الاميركية ـ الصهيونية على الاعلام.
الصدق أقوى! على هذه الارضية المعقدة والمتناقضة للاعلام البرجوازي المعاصر، التي تبين خطورته من جهة، ولاأخلاقيته من جهة ثانية، ما هي المقاييس التي يمكننا من خلالها تقييم الاعلام في زمننا الراهن؟ 1 ـ اول ما ينبغي اخذه في الاعتبار هو بالطبع الجانب المادي، المتعلق بالقدرات المالية والكفاءات التقنية والمهنية. فباعتباره صناعة ملموسة، فإن الاعلام هو، ايضا، عملية انتاج كأي عملية انتاج اخرى، يحتاج الى تمويل وادوات انتاج وادوات ايصال ونقل وعرض وتوضيب لايصاله في الوقت المناسب وفي الشكل المناسب الى "المستهلك". وبقدر ما يكون "المنتج" غنيا وسخيا (بنتيجة "مصلحته" بالنسبة لاطراف، او "اقتناعه"، بالنسبة لاطراف اخرى، بالعمل الاعلامي الذي ينفق عليه)، بقدر ما يكون الاعلام اقوى واكثر قدرة على اختراق "السوق الاعلامية" وعلى "المزاحمة" مع المنتجين الاخرين في صناعة الاعلام. 2 ـ الجانب الثاني هو مستوى وتراكم الخبرة التقنية للبشر العاملين في صناعة الاعلام المعينة. وهذا يرتبط بالجانب المالي، ولكنه لا يتطابق معه تطابقا كاملا. والدول والمؤسسات الاعلامية المعينة، الغنية، تحاول استقطاب افضل العناصر الاعلامية (تقنيين، فنانين، كتاب، صحفيين، الخ) من كل الجنسيات، ولكنه ليس امرا محتما بالضرورة ان تنجح نجاحا كاملا في هذا الاستقطاب. حيث ان الارادة الانسانية الفردية تدخل كعامل مقرر على هذا الصعيد. وهنا تتداخل العوامل المادية والمزاجية الفردية والجوانب النفسية والقناعات السياسية والاتجاهات الدينية والميول الادبية والفنية الخ، في عملية تقرير طبيعة ومستوى الاستقطاب لدى هذه الدولة وتلك، هذه المؤسسة وتلك. وهنا يلعب دوره ايضا الضغط المعنوي والجسدي، وما نسميه الارهاب والقمع، بحيث تكتمل لعبة العصا والجزرة، في استقطاب او اخراس الاعلاميين، من تقنيين وصحفيين وفنانين الخ. 3 ـ الجانب الثالث هو الموهبة والابداع، والقناعة الذاتية، وما يمكن تسميته "حب المهنة" واحيانا "روح المغامرة"، وهي كلها عوامل مساعدة في تطوير المواهب وصقلها والاستفادة منها في نجاح العمل. وبناء على ما يمكن تسميته "كيمياء المزج" او "المزج الكيميائي" بين هذه العناصر الثلاثة يتم انتاج "السلعة الاعلامية" وتقديمها لـ"المستهلك"، بصرف النظر عن محتوى هذه السلعة والهدف من ترويجها و"استعمالها" من قبل المستهلك. 4 ـ ولكن يبقى عامل اخير، هو العامل المقرر في نهاية المطاف، وهو: الصدق. فمهما كان يتوفر للعمل الاعلامي من عوامل النجاح سالفة الذكر، فهي كلها ترتبط بالشكل، وبطريقة الاداء، وباتقان وتقنية "الخدمة"، ولكنها لا تدخل في "المضمون" ذاته. وهنا المطب الاكبر الذي يقع فيه الاعلام الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني. فالاعلام، بالمعنى البرجوازي ذاته، هو "سلعة". وكل "سلعة" ينبغي ان يكون لها "مضمون" معين. فمهما كانت "السلعة" الغذائية مثلا جميلة المظهر والتوضيب ورخيصة الثمن وطيبة المذاق وسريعة التلبية الخ.، فهي ينبغي ان تتوفر فيها اولا المادة الغذائية المطلوبة. اي ان تكون سلعة "حقيقية" غير "شكلية" وغير "مغشوشة". فإذا فـُقدت "الثقة" بهذه السلعة، فشلت فشلا ذريعا. وراجت في "السوق" سلع اقل قبولا في المظهر و"الخدمة" ولكن اكثر "مصداقية" في المحتوى الغذائي المطلوب. ومع كل خصوصية "السلعة" الاعلامية، فإنها لا تخرج عن القوانين الرأسمالية، التي لا تميز بينها وبين اي سلعة اخرى، بحيث انه يجب ان يتطابق "الشكل" مع "المضمون". وعلى الصعيد الاعلامي، فإن "المضمون" الاساسي لـ "السلعة" الاعلامية هو: الصدق. اي مطابقة الخبر او التعليق او التحليل او البحث او الفيلم المعين، للواقع، او لـ"الحقيقة". والرأسمالية (الامبريالية، الاستعمار، الصهيونية) بطبيعتها الاساسية، الاستغلالية ـ اللصوصية ـ العدوانية، هي متناقضة في ذاتها، لانها طبعا ومسبقا هي "مع نفسها" وبالتالي، فطالما انها "مع نفسها"، فهي على الصعيد الاعلامي ينبغي ان تكون حتما "ضد الحقيقة". وكل سلوكها ينبغي "بالضرورة" ان يكون "ضد الحقيقة". (يقول الفيلسوف الفوضوي الفرنسي برودون: "ان الملكية (هنا: الملكية الرأسمالية) هي سرقة". فاذا كانت "السرقة" تعني اغتصاب الملكية، اي هي نقيض الملكية؛ واذا كانت "الملكية هي سرقة"، فهذا يعني ان الملكية الرأسمالية هي "متناقضة في ذاتها" لانها "ملكية" و"سرقة" في الوقت ذاته. وليس بدون عبرة انه كلما ازادات ثروة الرأسمالي المعين، كلما ازداد ميلا الى اخفاء "حجم" و"حقيقة" و"مصدر" ثروته. ولا يستحي البعض من ان يرفع شعار "الملك لله!"). ولذلك فإن الاعلام الامبريالي ـ الصهيوني، مهما كان من جبروته وانتشاره وقدراته التضليلية، فهو يفتقد الى العامل الجوهري اي: الصدق وقول "الحقيقة". وكل قدرات الاعلام الامبريالي ـ الصهيوني تتمحور حول الالتفاف على "الحقيقة" وتزييف "الحقيقة" واجتزاء وتشليع و"تشبيه" "الحقيقة". (مثال: بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق "الشيخ السعودي" رفيق الحريري، فإن كتلته المالية ـ السياسية (بمن فيها رئيس الوزراء اللبناني الحالي فؤاد السنيورة، الذي كان عليه دعاوى كثيرة متعلقة بالفساد والصفقات المشبوهة وانقذه من المثول امام القضاء المرحوم رفيق الحريري نفسه) رفعت شعارا طنانا لمعرفة "الحقيقة" حول اغتيال رفيق الحريري. وكتلة الحريري هي على علاقة وثيقة جدا بالاوساط السياسية والمالية العليا الاميركية، ومن ثم باسرائيل (مباشرة، او عبر الادارة الاميركية). ومع ذلك، وبالرغم من تشكيل لجنة تحقيق دولية ومحكمة دولية فيما يتعلق بجريمة اغتيال الحريري، فإن اميركا واسرائيل (اللتين تملكان الاقمار الاصطناعية والطيران الاستكشافي الذي يحلق باستمرار فوق لبنان، وشبكة تجسس واسعة في لبنان) ترفضان حتى الساعة تقديم معلوماتهما حول الجريمة والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية. وهذا احد العوامل التي ادت الى فشل الحملة الاعلامية الواسعة التي شنتها كتلة الحريري تحت شعار معرفة "الحقيقة". ولا شك ان معرفة "الحقيقة" حول اغتيال رفيق الحريري لا تزال قضية عالقة امام الرأي العام اللبناني والعالمي، الا ان حماسة كتلة الحريري حول معرفة "الحقيقة" قد فترت. وهذا ما يدفع الى التساؤل: هل ان هذا الفتور له علاقة بالفضائح المالية لرئيس الوزراء اللبناني الحالي خاصة، والكتلة المالية للحريري عامة، خصوصا وان الدين العام اللبناني قد بلغ اكثر من خمسين مليار دولار؟! ام ان جريمة اغتيال الحريري هي من الجرائم الكبرى الملغزة في النظام الامبريالي الحالي، مثل اغتيال جون كنيدي ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني؟!) سواء كان هذا او ذاك، فإن "الحقيقة" هي دائما الضحية الاساسية لـ"الاعلام" الامبريالي، بحيث ان مصطلح "إعلام" يصبح مرادفا لمصطلح "تضليل". من هذه الزاوية نظر فان القدرة المالية ـ التقنية لا تعود هي العامل المقرر او الحاسم في نجاح او فشل المؤسسة الاعلامية. (مثال: شبكة تلفزيونية تمتلك قدرات مالية وتقنية هائلة، وهي واسعة الانتشار في كل انحاء العالم، ولها اشتراك في الاقمار الاصطناعية ليلا نهارا وتبث في كل مكان على مدار الساعة، ولها مراسلون في كل الانحاء. ولكنها تفتقر الى العدد الكافي من الصحفيين "المقتدرين" الذين يستطيعون متابعة الاحداث وتحليلها بجدارة من اجل توجيه المراسلين في الاتجاه الصحيح، في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، ولتسليط الضوء على الجوانب الضرورية للحدث وأبطاله واطرافه). مثل هذه الشبكة لن تستطيع تقديم صورة مقبولة عن الحدث المعين، لا لدى جمهور البلد الذي يقع فيه الحدث، ولا لدى جمهور بلد الشبكة بالذات. وهذا الفشل او التقصير سيؤثر على الرصيد المعنوي للشبكة بالنسبة لمعالجتها للحدث المعين، واحداث او موضوعات اخرى لا علاقة لها بالحدث الذي قصرت فيه. وربما يكون الصحفيون والمراسلون مقتدرين ذاتيا، ولكن "سياسة" الشبكة، او رقابة الدولة المعنية عليها تلزمها بإخفاء او التعتيم على جوانب معينة من الحدث، وحينما يعجز الصحفي المعين عن تطبيق شروط هذه الرقابة او الرقابة الذاتية بالطريقة "المناسبة" تماما، ينكشف التقصير، والنتيجة تكون ذاتها اي ايضا الفشل الاعلامي. ونشير هنا الى هزيمة اسرائيل في الحرب الاعلامية الشرسة اثناء حرب تموز 2006 ضد لبنان المقاوم. ولا نقصد بهذه الهزيمة الجانب العسكري ـ التدميري، بل الجانب الاعلامي ـ المهني بالتحديد. فإن بعض القوى الشعبية المعادية لاميركا و"صديقتها المفضلة" اسرائيل، ونعني بالتحديد انصار المقاومة الوطنية الاسلامية في لبنان، قد وجدت الامكانيات المادية والتقنية والضرورة الاعلامية لتأسيس قناة تلفزيوينية ارضية وفضائية، لمواجهة الدعاية الاسرائيلية، هي قناة "المنار"، التي هي على كل حال محدودة الامكانيات والانتشار، بالقياس الى الاعلام الاميركي ـ الصهيوني الذي يعتبر الاعلام الاسرائيلي جزءا منه. ومع ذلك فقد انزعجت اميركا من قناة "المنار" الى درجة انها اصدرت قرارا رسميا يعتبر قناة "المنار" التلفزيونية "تنظيما ارهابيا". وهذا يحدث لاول مرة في التاريخ، ان تعتبر مؤسسة اعلامية "تنظيما سياسيا ـ عسكريا" و"ارهابيا" فوق ذلك. وهكذا فإن الصحفيين والاعلاميين والفنانين والفنيين الذين يعملون في قناة "المنار" اصبحوا ممنوعين الان من السفر الى اميركا او الى اي بلد يدور في فلكها، لانه يمكن ان يقبض عليهم بوصفهم اعضاء في "تنظيم ارهابي". وهذا طبعا هو منتهى الاستهتار بالقيم الانسانية. الا انه في الوقت نفسه يدل على مدى انحطاط اميركا المعاصرة وجبنها وخوفها من "الاعلام المضاد" مهما كان محدودا. وقد قام الطيران الاسرائيلي بتدمير مبنى قناة "المنار" تدميرا كاملا. ولكن القناة لم تتوقف عن البث سوى لبضع دقائق فقط، حيث ان التجهيزات التقنية البديلة كانت جاهزة استعدادا للعدوان الاسرائيلي في كل لحظة. وطبعا ان ذلك يعتبر "فشلا عسكريا" للقيادة الاسرائيلية. ولكن ليس هو ما نريد التوقف عنده. بل نقصد الفشل الاعلامي بحد ذاته؛ اي فشل الاعلام الاميركي ـ الاسرائيلي امام إعلام "حزب الله". فأجهزة الاعلام الاسرائيلية (الصحف والاذاعة والتفزيون) تمتلك: 1 ـ امكانيات هائلة جدا خاصة بها. 2 ـ طابورا خامسا لبنانيا وغير لبناني على الارض اللبنانية. 3 ـ كل امكانيات اجهزة الاعلام الاميركية والغربية الموالية للصهيونية واسرائيل. ومع ذلك، ونظرا لانفضاح "لاصدقية" الاعلام الاميركي ـ الغربي ـ الصهيوني ـ الاسرائيلي، فقد انهزمت كل هذه الامبراطورية الاعلامية امام اعلام "حزب الله" والاعلام الوطني اللبناني المتواضع الامكانيات جدا. وذلك ليس فقط بالنسبة للرأي العام اللبناني والعربي، بل وكذلك بالنسبة للرأي العام "الاسرائيلي" ذاته، الذي اصبح يصدق قناة "المنار" و"حزب الله" والسيد حسن نصرالله، اكثر مما يصدق المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين واذاعة وقناة الجيش الاسرائيلي ذاته (الذي كان يحتل مركزا "مقدسا" في اسرائيل) واكثر مما كان يصدق التصريحات الجوفاء لجورج بوش وغونداليزا رايس حول "القوة الاعظم" و"حقوق الانسان" و"الدمقراطية"، التي ـ اي هذه التصريحات ـ اخذت تعطي نتيجة عكسية تماما. وقد كانت هذه، ولا تزال، حال السي ان ان والقنوات التلفزيونية الاميركية الاخرى، في الاحداث العربية، مما افقدها الكثير من "المصداقية" الاعلامية، وافقدها ثقة لا الجمهور العربي فقط، بل وثقة قسم كبير من الجمهور الاجنبي وحتى الجمهور الاميركي ذاته. وفي الحرب على العراق، اضطرت السي ان ان للتعاون مع قناة "الجزيرة" ذاتها، من اجل سد هذه الثغرة. ولتلافي مضاعفات هذه الثغرة الاعلامية تلجأ السياسة الاميركية الى الاعتماد على "المتعاونين" ذوي الوجوه "اليسارية" او "الاسلامية" او ما شابه. ومن ذلك مثلا مؤسسة "المدى" العراقية لـ"صاحبها!!!" فخري كريم. ولتبليع الرأي العام العراقي "مصداقية" مؤسسة "المدى" جرت مسرحية مداهمة الجريدة مؤخرا، من اجل تلميع صورتها كمؤسسة "مستقلة" و"غير تابعة ابدا!!!" للدوائر الاميركية. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ * كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
1 الاعلام الامبريالي الاميركي الصهيوني وامكانيات الرد الثور
...
-
عقدة كيانية سايكس بيكوية، حلها في الميدان لا في البرلمان
-
حوار الطرشان ... حقا طرشان!!!؛
-
العداء الاستعماري الغربي للشرق العربي، و-الوعد الشيطاني-؛
-
الشهيد ياسر عرفات... ضحية وهم -السلام- مع اسرائيل
-
وأي رئيس جمهورية يريد حزب الله؟!
-
وثيقة شيوعية بلغارية تفضح التواطؤ الستاليني الصهيوني
-
العرب والبلغار على المسرح الحضاري العالمي
-
حرب تموز 2006، والخطة -السلمية- الاميركية لاحتواء حزب الله
-
الفتنة ليست طريق الخلاص لسوريا
-
اغتيال الشيخ رفيق الحريري وصراع الكتل المالية الدولية للسيطر
...
-
نحو جبهة أممية موحدة
-
نحو بناء التنظيم الشيوعي الثوري العربي الموحد
-
احمدي نجاد ليس معتوها، بل -العرب- متخاذلون!
-
1 العلاقة التناحرية الروسية الصهيونية،والمصير الملتبس لاسر
...
-
اذا خضعت حماس، هل سيخضع حزب الله؟!
-
الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير ال
...
-
حزب الله في الكماشة
-
صدام حسين.. المثال النموذجي للسقوط التاريخي للبرجوازية الصغي
...
-
النظام الليبي يدخل بامتياز في اللعبة الاميركية
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|