هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 10:57
المحور:
القضية الفلسطينية
إصابة طفل فلسطيني بالإعاقة والشلل, نتيجة رصاصة أو شظية أو قذيفة دبابة, أو غارة جوية, لا ترقى إلى إثارة الخبر.
موت طفل فلسطيني من حصار و نقص تغذية ودواء, أو من صقيع وعراء ووباء, أو من صدمة نفسية, لا تتوفر فيه مقومات الخبر. حدث دون الخبر.
حصار جزء من شعب حصارا كاملا. قصف طائرات إسرائيلية, بأنواعها, لموكب أو موقع أو منزل آمن, واقتلاع أشجار وتجريف بساتين, يمكن ــ بعد انتهاء الأخبار المحلية في كل المحطات العربية, وبعد عرض المسلسلات الاجتماعية والتاريخية والفكاهية ــ أن يصبح تعليقا مطولا على خبر, فيه تسويق وتبرير مواقف, أو عقائد, أو شعارات, وقد يصاغ بلغة بكائية, أو نخوات عربية, أو أناشيد وطنية, أو توعدات مستقبلية تبحث, بروية لانهائية, عن الوقت المناسب والمكان المناسب والظروف الدولي, للثأر والتحرير.
مخارج بحرفية ومهنية تحملها ثقافة تضليلية تراكمية عمرها عقود, من عمر الهزائم العسكرية ومن مخلفاتها الطبيعية.
إطلالة فنان أو نجم عربي ــ مع الاعتراف للقارئ ,لجهل بلغة الفن, بعدم المقدرة على التمييز بينهما, ومن باب التخمين والتقدير قد يكون كالفارق بين الرئيس والزعيم بلغة السياسة, أو بين المذيع ومقدم البرامج في الفضائيات, بلغة الإعلام ــ من شاشة, وحديثه عن زواجه, أو طلاقه, أو عن حب خائب أو آخر قادم, وعن مشاريعه الحالية والمستقبلية, أو حكمة من فمه, هو الخبر كل الخبر, وله الصفحات الأولى في الصحف المكتوبة والمجلات المصورة, وفي الانترنت والمحطات الأرضية والفضائية.
تصريح زعيم عربي, أو استقباله لنظير له ــ ونظير الزعيم زعيم ــ هو نشرات إخبارية كاملة إليها يذهب ومنها يأتي مهم ويقين الخبر.
ومع ذلك ومنذ مدة وعلى طريقة الإخراج العربي للخبر, بدأت بعض المحطات الفضائية ـ الجادة والحيادية ـ تطالعنا بمقولات لا تنفك عن تكرارها بنفسها, للإشادة بنفسها, بمناسبة وبدون مناسبة, عن الموضعية والمهنية في نقل وصياغة الحدث و الخبر, أي خبر, وبتجرد كامل حتى ولو كان يمس موجهها ومصدر تمويلها, ونضرب مثلا عن تلك الحيادية والإغراق في المهنية , ما شاهده ملايين العرب وغيرهم, ممن يفهم العربية, حين نقل احد المذيعين , أو المخبرين, خبر استقبال زعيم عربي لزعيم أجنبي في المطار وبحضور وكالات إعلام عربية وأجنبية وإمام عدسات كل المحطات الفضائية, ومنها فضائية المذيع المذكور , أو المخبر, حين أراد أن يتميز بنقله ويثبت حرفية محطته , فأعلن الخبر بصوت جهوري خطير, مضيفا بأن الاستقبال المذكور لم ُيؤكد بعد من مصدر محايد !!!. لعلها زلة لسان, أو جملة ــ لم تدخل بعد ضمن السياق ــ ملقنة حديثا بتعليمات وتعميمات في الحيادية والمهنية العربية. ليس هذا المهم. ولكن الاعتداء على عقل وذكاء المشاهد والاستخفاف به هو المستنكر والمستهجن وا لمدان. وهو الخطير.
إخراج الخبر عن الحصار وبالطريقة التي تصل إلى الشرق والغرب هو المسيء, والمضر بالشعب المحاصر, كضرر الحصار, ولا نتمنى وصوله إلى أي مكان, انه تجارة بقضية, وإهانة لأصحابها, وتبرير للمواقف المشينة "لقادة" الأمة المتفرجين, المتأسف منهم والمستنكر, المصرح في المحافل الدولية, والمختبئ وراء تصاريح غيره, درءا عن نفسه كل حساب أو عتاب.
النقل المباشر لمآسي القتل والحصار, يصبح مجال " شطارة" المذيع والمراسل. فيأخذ دوره الذي ينتظره ــ فرصة ذهبية ــ ويبدأ بالنقل ( مع حفظ الاحترام الكبير للكثير من الصحفيين الجديرون بكل تقدير). يطرح أسئلة منها الفج ومنها المسيء , ومنها ما يحمل المعاني المتناقضة, ومنها ما يحرك في المشاهد الغضب (حتى لا نقول القرف, مع الاعتذار من القارئ عن استعمال هذه الكلمة التي فرضت نفسها بعد أن لم تجد تخفيفا مقبولا لها), فما بالنا بمشاعر أهل وأقارب الضحايا وكل المعانين والمعنيين مباشرةّ!!!؟
يتحول بعض هؤلاء المذيعين, الجالسين بوضعيات مختارة, فيها محاكاة لمشاهير, ولكن مع ضعف الأداء, لمحققين ومستنطقين ومعلقين ومقاطعين المتحدث بخشونة, لتمرير تفسيراتهم الذكية, اتهاماتهم ليس للعدو وإنما للضحية, بناء على اعتبارات يراها من هو خلفهم, وفي لحظات تألق تضيع منهم دون علمهم "الحيادية والمهنية" . هكذا عزيزي القارئ يأتيك الخبر, رغم مأساويته وهوله. ويلتبس عليك كل ما وراء الخبر.
ليس قتل الطفل الفلسطيني خبر, مجرد خبر, أو حصار جزء من شعب حصارا كاملا لا يرقى لدرجة الخبر في الإعلام العربي وحده, وإنما هو كذلك في إعلام الديمقراطيات الغربية. فقد توقف هذا الإعلام عند قتل الطفل محمد الدرة, وأصبح بعدها, وكأنه انهي واجبه الإنساني وأبرأ ذمته, لا يعنيه أي خبر من هذا القبيل, أو قد يمر عليه مرورا عندما يكون عدد الضحايا مجموعة أطفال, وفي مجزرة واحدة, ويتم تصنيفه, رغما عنه, على انه من جرائم العصر.
في جيبي كتاب صغير باللغة الفرنسية, اصغر حجما من الكتاب الأخضر, بحجم الهاتف المحمول, أو الجوال, عنوانه حقوق الأطفال Les droits des enfants, صادر عن إحدى اشهر دور النشر بأوروبا وخاصة فيما يتعلق بالمنشورات الحقوقية, دالوز Dalloz, وبسعر اقل من سعر علبة الدخان, الأجنبي, 2 يورو, ليسهل تعميمه, يتعرض لحقوق الأطفال عبر التاريخ, وللطفولة. وفي ملاحقه تذكير موجز بآخر الاتفاقات الأوروبية والدولية والمراسيم والقوانين والأنظمة المخصصة للطفل وحقوقه. دون أن يلمس القارئ في نصوصه أي تمييز بين الأطفال, كل الأطفال. ويخرج القارئ منه بانطباع يمكن تلخيصه: اقرأ تفرح, اسمع تحزن.
كما سجلت دفاتر الصحة الفرنسية " Carnet de Santé التي توزع إجباريا ومجانيا على أهل المولود في فرنسا مهما كان أصله ودينه وجنسيته, فور ولادته, في الصفحة الأخيرة وبلون مميز: حقوق الطفل: "يتوجب على الإنسانية منح الطفل أفضل ما فيها". وتذكر المواد العشرة من الإعلان العالمي لحقوق الطفل المقرة بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر/تشرين ثاني 1959 نذكر منها المادة الأولى:
1ـ حق المساواة دون تمييز أو تفرقة قائمة على العرق أو الدين أو الأصل أو الجنس.
الطفل العربي, والفلسطيني الضحية بشكل خاص, إذن مشمول بأحكام هذه المادة. وداخل ضمن دائرة الأطفال المصونة حقوقهم, والمحمية بترسانة من الاتفاقيات والبروتوكولات والقوانين اللاحقة, والى اليوم. وله حق على الإنسانية أن تمنحه أفضل ما فيها.
ولكن السؤال هل تُقرأ نصوص هذه الاتفاقيات والقوانين نفس القراءة من الجميع, وتُفسر نفس التفسير, وتأخذ نفس المفهوم, وتطبق على الجميع؟ إذا كان الأمر كذلك فهل تسكت فرنسا أو إعلامها عن قتل طفل لها وتترك الأمر يمر مرور الكرام؟ هل, وهي تدعي مع غيرها من الديمقراطيات الغربية بان لا تمييز, لأي سبب من الأسباب بين الأطفال أينما كان موقعهم, ولو في فلسطين, تسكت عن المطالبة بعقاب القاتل, أو على الأقل وصف جريمته ولو إعلاميا بأنها جريمة ضد الإنسانية؟.
والسؤال الآخر هو ما جاءنا من قارئ في فلسطين, أحييه, ماذا يفعل المثقفون العرب في أوروبا تجاه الحصار أليس عليهم التوجه بخطابهم للغرب وبلغاته بدل مخاطبة العرب وبلغتهم؟ سؤال حق. ولكن بإجابة, وليس تبرير, يمكن أن يُطرح التالي:
ـ هل لا يفهم الغرب قضايانا, و لا يدرك انه في اصل العديد منها على الأقل؟ (مع التقدير كل التقدير لأجزاء كبيرة من الشعوب الغربية الحرة والمتفهمة دون شرح منا لقضايانا العادلة).
ـ أليس من يجب أن يفهم قضايا العرب هم العرب أولا وبالدرجة الأولى؟
ـ هل القضايا واضحة للعرب كل العرب, ولا حاجة لتذكيرهم بها من احد؟
ـ هل وصل فهمها للجميع؟ و كيف يفسر اللجوء إلى السلاح لحل الخلافات بينهم, حتى البسيطة منها؟ باسم القضية ومن اجلها؟ وباسم الإصلاح ومن واجله؟ وباسم الحياة الأفضل ومن اجلها؟ وباسم الكرامة المعتدى عليها ومن أجلها؟ وباسم التعاليم واجبة التطبيق ومن أجلها؟. ..
ـ أليس تحرير الإنسان العربي من واقعه الأليم أينما كان له أولوية على إفهام الغرب بهذا الواقع الذي يفهمه جيدا ولا يريد له الخروج منه؟
ـ أليست حالة الإنسان الذي لا يُعترف له بحقوق المواطنية في بلده تستوجب مخاطبته مباشرة, قبل التوجه لمخاطبة الغرب وتذكيره بمآسينا؟
ـ أليس في نزع الوهم بأننا شعوب لا تصلح لنا الديمقراطية, خطوة أولى نحو تحررنا من الاستبداد الداخلي الذي يشل كل قوة فينا؟ ألا يجب أن يدور الخطاب حول ذلك؟
ـ أليس تكرار الادعاء بأننا شعوب متميزة, بخصائص متميزة , وبمفاهيم خاصة ومختلفة عن مفاهيم الآخرين, يجعلنا خارج الإنسانية؟ ويعمينا عن حقيقة كوننا, حاليا, في مؤخرتها؟ أليس الخطاب المفيد عندها هو الموجه للداخل وباللغة العربية؟
ـ وهل يسمع الغرب من ضعيف, لا صوت ولا وزن له, شرحا مفصلا لقضايانا, ولو كان مكتوبا بلغاتهم؟
ـ أليس وضعنا الحالي يبقينا أخبارا متناقلة ومهملة, ولا يرقى بنا لصناعة الخبر؟ د. هايل نصر
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟