أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأقلية في المجتمع المصري ، الجزء الثالث والأخير















المزيد.....


الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأقلية في المجتمع المصري ، الجزء الثالث والأخير


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 09:14
المحور: مقابلات و حوارات
    


الجزء الثالث والأخير
* شخصية أثيرة ومحببة
*شهدت " إيثاكا " ظهوراً باذخاً ومحتفىً به للفنانة الراحلة سعاد حسني. هل افدتَ من تقنية الظهور والاختفاء لسعاد حسني. ما هي الأبعاد الواقعية والرمزية لهذا التجسّد، وهل كان ظهورها هدفاً بحد ذاته أم وسيلة لقول ما لا يقال عن كل الناس الذين " طيّرهم " صلاح نصر أو السلطة القامعة التي تتخفى وراء وجوه وأستار عديدة؟
-سعاد حسني شخصية أثيرة ومحببة لمشاهدي السينما في العالم العربي. لا تسألني عن السبب؛ فمن المؤكد أن لها جاذبية خاصة مختلفة عن كل الفنانات اللاتي ظهرن ثم إختطفهن الموت بشكل درامي كما حدث لها. حياتها حالة درامية من نوع خاص، الخاصة والعامة. وحينما ظهر أن مدير المخابرات صلاح نصر في العهد الناصري حاول ابتزازها بتصويرها سراً في أوضاع جنسية لها في غرفة نومها، إستقطبت رأياً عاماً كبيراً مستنكراً لما حدث لها. ثم مرضها بعد ذلك ورحلة علاجها الطويلة والمؤلمة ثم نهايتها الغامضة المؤلمة أيضاً حينما وجدوها ملقاة على إسفلت الشارع في العمارة التي تقيم فيها في لندن.
ما الذي أفعله أنا هنا ككاتب وأمامي كل هذه المادة الدرامية المتفقة مع الخط العام لكتابي هذا؟ شخصية مظلومة، ولقيت حتفها بطريقة تثير الشكوك! بالطبع إستخدمها بطريقة تقرّب فكرة السرد للقاريء. فهي شخصية حقيقية، وشخصيات " كوين بووت " حقيقية، والشهداء حقيقيون، والمرمم حقيقي، لكني أريد أن أعطيه أكثر من واقع معاش حالياً، وواقع سابق. أريد أن أجعل الموتى أحياء يطيرون ويبقون طائرين. جاءت الست سعاد وعملت معي في " ايثاكا ". لا تنسى أن " إيثاكا " الإغريقية أسطورة، لكنها استمدت حياتها من أفعال شخصياتها بالرغم من غرائبيتها العجائبية، إلا أنها أفعال أيضاً إعتيادية فيها الجشع والرغبات الجنسية والقتل والانتصار والحيلة. أنا هنا استخدم الحيلة. لم يكن ظهور الست سعاد هدفاً بقدر ما هو إسخدام لحل مشاكل فنية في بنية السرد ذاته.
* نفي فكرة التملك
* هل ثمة تضاد أو تضارب بين الجنس الفردي والجنس الجمعي من وجهة نظرك كروائي له باع طويل في هذا المضمار؟
-الجنس الجمعي هو حالة عقلية ونفسية تتحقق في الفعل. إنه ليس رغبة تثيرها الهرمونات الجائعة تطلب الفعل الجنسي، إنه ليس إيروتيكياً، بقدر ما هو حالة خاصة مثل تسلق الجبال لا يقدر على فعلها إلا من عنده استعداد ذاتي لها، وليس عنده مثلا الخوف من الأماكن العالية إن جاز التعبير. فالجنس هنا حالة من التجرد مضادة تماما لحالة التفرد والتملك في الجنس الشخصي إن جاز التعبير أيضاً. لأن المشاركة التي يقوم بها أكثر من شخصين في فعل جنسي تعتمد على بضعة قواعد أساسية هي أنه لا غربة كاملة بين الأشخاص المشاركين على الأقل بين اثنين منهما، أي أن الفعل هنا يأتي مكملاً لفعل سابق له بين شخصين أدخلا معهما شخصاً ثالثاً أو حتى رابعاً. هذه المشاركة تعني تنازل كل شخص للآخرين عن بعض ما إكتسبه من قبل، أو ما هو معروف بأنه حق مكتسب. هذه المشاركة تنقل هذا النوع من الجنس الى مستويات بعيدة كل البعد عن الجنس التقليدي إن جازت التسمية أيضاً. مستويات ليس هدفها الوصول الى اللذة، بل إلى المتعة. إنه نفي نهائي وكامل لمبدأ التملك والأنانية. إن متهمي " كوين بووت " لم يمارسوا في السفينة التي أُعتقلوا منها أي أنواع للجنس. " كووين بووت " مقهى عام يأخذ شكل سفينة راسية على النيل يقوم بالخدمة جرسونات والصالات مفتوحة لمن يرغب في الدخول. إنه لم يكن قاصراً حسب على المثليين، لكنهم تراضوا بشكل ما على أن يكون هذا مكان لقائهم يحتسون المشروبات ويتعرفون على بعضهم البعض. من هنا جاء الخلط المتعمد الذي ساهمت فيه الميديا مع أجهزة الشرطة والنيابة العامة عن قصد وتعمد. وأضفت على المتهمين صفات وممارسات لم يقوموا بها وبالتالي وضعتهم في منطقة غامضة أمام الرأي العام مرتبطة بعبادات غريبة مثل عبادة الشيطان، كما أطلقت الميديا عليهم.
* إستكشاف الجسد
*ثمة مشاهد في " إيثاكا " مُستَمدة من فيلم " eyes wide shut " لستانلي كوبرنيك. ما الذي دفعك لتوظيف هذه المشاهد على وجه التحديد؟
- نعم، أو أن أضيف شيئاً في هذه المناسبة. أن بعض مشاهد " ايثاكا " عن الجنس الجماعي مأخوذة من فيلم " eyes wide shut " الذي أخرجه ستانلي كوبرنيك قبيل وفاته، والفيلم عُرض ناقصاً في مصر، لكنه متاح كاملاً هنا، وعلى شرائط الفيديو أيضاً، وكبورنيك مخرج جاد وهام. وقد ذكرت هذا في مقدمة الكتاب. الفيلم به مشاهد جنس جماعي مصورة ومخرجة بحرفية ورهافة عالية، لأن الفيلم هدفه ليس بورنوغرافياً، ولا حتى إيروتيكياً، لكنه يحكي عن الفضول والرغبة في المعرفة وعن الجسد بالطبع ومحاولة استكشافه من منطقة مختلفة حتى للطبيب الذي هو الشخصية الأساسية في الفيلم.
* التفتيش في عقائد الناس
*احتفت " إيثاكا " بعدد كبير من الظواهر الإيروسية كالمثلية، والسادية، والمازوشية، والفيتيشزم، والبايسكشويل. هل تعتبر هذه الطرق الإروسية خروجاً عن المألوف الجنسي ومحاولة لتجاوز الملل، وكسر الجمود، آخذين بنظر الاعتبار أنك لا تعُدْ هذه الممارسات " شذوذاً " وإنما تعتبرها جزءاً من العملية الإيروسية الجسدية والذهنية؟
-المجتمعات العربية هي المانحة للطعام، فالكتابة في حد ذاتها لا تعطي كاتبها مدخولاً حقيقياً. ثم أن الكاتب تربى في مجتمع تسيطر فيه الدولة على مقدرات الحياة. القوانين وهمية، والمجتمعات العربية الحاكمة سعيدة بوجود اسرائيل التي تمنحها فرصة ذهبية لقمع شعوبها. الاجابة ما هو المألوف؟ وما هو غير المألوف؟ نعرف أن الجنس بشكل عام يندرج تحت قائمة غير المألوف. فالفعل الجنسي عمل غير مألوف، أن يقتحم جسدٌ ما جسداً آخر من خلال أدق مناطقه حميمة. وقديماً قرر البشر الأقدمون أن الأنثى هي " ربة الخصب " لأن الحمل والولادة يأتيان من جسدها. لم يكونوا يعرفون أن ثمة شراكة في هذا الحمل بين الذكر والأنثى. إن الرسومات على المعابد، وخاصة تلك الهندية واليبانية تقدم لنا عالماً " غير مألوف " للجنس .. وأين ؟ في المعابد. وتحوَّل الجنس من " وظيفة ؟ لحفظ النوع الى نشاط إنساني يرتبط بالخيال والفانتازيا والرسم والنحت والأدب المكتوب والمسموع والمرئي. هذا النشاط لم يأت من فراغ، بل من رغبة بشرية في التنوع. ونعلم أن " التجارة الجنسية " في الأدوات الجنسية والمجلات والأفلام وغيرها هي تجارة مزدهرة تتبع بصرامة قانون العرض والطلب. هذه التجارة الجنسية غير مهتمة بالمألوف الجنسي، لكن بغير المألوف. لماذا يريد الإنسان أن يقوم بفعل جنسي خارج المألوف؟ سؤال تصعب الإجابة عليه بدقة .. فهو يحمل كل هذه الأسباب التي ذكرتها أنت بالإضافة الى أن الخيال الإنساني الذي إخترع الموسيقى، وصمم آلات العزف لكي يعبر عن نفسه في حالاته المختلفة، هو نفس الخيال وبنفس الرغبة الدافعة الى اكتشاف مناطق جنسية جديدة، وهي بالأساس كما ذكرت أنت منطقة جنسية مرتبطة بالخيال والفكر أكثر من إرتباطها بالجسد، لكنها تستخدم الجسد لكي تعبر عن نفسها مثل الفتيشيزم، وهو الرغبة الجنسية المرتبطة بمنطقة محددة في جسد الشريك. في الأساطير كانت الآلهة ذكوراً وإناثاً تستمتع بالفعل الجنسي مع البشر، بل أن الكائنات التي تظهر نتيجة هذا الفعل تعتبر مقدسة وخاصة. لذلك كان الاحتفاء بالجنس وتبجيله لا تحقيره كما يحدث الآن. لهذا أنا لا أعتبر أية ممارسات جنسية شذوذاً، ولو كان الأقدمون يعتبرونها شذوذا، لما سجلوا تفاصيلها رسماً ونحتاً وفعلاً وربطوها بالمعابد؟ لماذا يعتبر البعض أن هذه ممارسات شاذة؟ هذا يرجعنا الى ثقافة حرق الساحرات التي كانت سائدة حتى المائة سنة الماضية باعتبار أن السحر هو خروج على الإرادة الإلهية، وبالتالي تحدياً لها بواسطة استخدام الشيطان الذي تحدى الله ورفض أن يطيعه. وبتتبعنا لثقافة الحرق هذه نجد أنها نشأت في أسوأ عصور الكنيسة الغربية حينما كان البابوات يقومون بالمعاشرة الجنسية شبه العلنية رغم أن القانون الأساسي للكنيسة الكاثوليكية يحرم أي نوع من النشاط الجنسي على الكهنة، لكنهم في الوقت ذاته إستنبطوا قوانين محاكم التفتيش التي تفتش في عقائد الناس، والتي تمارس التعذيب حتى يعترفوا بأنهم يقيمون علاقة جنسية مع الشياطين! هذه أعلى درجات النفاق الديني، فلا بأس من إقامة علاقات جنسية " مألوفة " رغم تحريمها لكن ممنوع اقامة علاقات جنسية مع الشياطين! هذه المحرمات تظهر في عصور الانغلاق الديني والتمسك بالقشور، تأمل الفتاوى الصادرة بان تقوم المرأة في مكان عملها بإرضاع زملائها حتى تكون الخلوة بينهما شرعية رغم أن المرأة المسلمة قاتلت بجانب الرجال في العصور الأولى للإسلام، وملكت، وحكمت وتاجرت..الخ كيف نحلل القتل بأن يأخذ أهل القتيل مالاً عن إزهاق روح، ونحرم قبلة في الشارع ونعتبرهاً فعلاً فاضحاً، بينما يحكم القاضي بأحكام مخففة في جرائم القتل بدعوى الدفاع عن الشرف؟
*هستيريا كتابة التقارير
*تتهم الكتاب العرب بأنهم كتاب قمعيون يقمعون شخصياتهم الروائية وينتقمون منها عن طريق القتل أو مواجهة أبشع أنواع الموت، ولم ينل إعجابك من الكتاب العرب إلا كاتباً واحداً وهو حسين اللواتي الذي كتب " البحث عن الذات " ما الذي يمكن أن تقوله عن أبناء جيلك الستيني أولاً مثل صنع الله إبراهيم، عبد الحكيم قاسم، كمال القلش، أدوار الخراط، وماذا تقول عن روائيات عربيات تناولن الموضوع ذاته مثل هدى بركات، ونجوى بركات، وهل تعتقد أنهن كاتبات قمعيات أيضاً؟
-الكاتب بشكل عام هو مرآة مجتمعه. طبعاً هذا تعميم مجحف، لكنه أيضاً صحيح الى حد كبير. هل يوجد كاتب غربي يبلغ سلطات الرقابة في تقرير سري يكتبه عن كتابات كاتب آخر؟ لم يعد هذا موجوداً الآن. كان متواجداً بشكل ما أيام الحرب الباردة وهيستريا معادة الشيوعية حينما عملت مؤسسة فرانكلين مع المخابرات الأمريكية، حينما انتهت الهيستريا إنتهت كتابة التقارير. الكاتب العربي موجود دائماً في مجتمع هستيري يتصور العداء من كل جانب، وأن مَثلْ " للجدران آذان " هو مثل يعبر بصدق عن هذه الحالة من جنون الاضطهاد. الدولة العربية تعلن دائماً أن معركة قادمة مع العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية. هذا حق يراد به باطل مثل قميص عثمان. العرب يتوسلون إسرائيل أن تسالمهم، وهي التي ترفض إعطائهم السلام. العرب يضعون أموال البترول في البنوك الإمبريالية إياها، فالحكام العرب لا يحاربون سوى شعوبهم. هذه الحرب تستوجب إنخراط فئات كبيرة من المجتمع داخل أجهزة الدولة حيث تفضل هذه الفئات أن تكون قامعة، وليست مقموعة. وإن لم ينخرط الكاتب بشكل واضح مع الأجهزة إلا أنه يحمل دائماً فكر هذه الأجهزة، فكر القمع! ولأنه مقموع فهو يمارس فكره من خلال كتاباته. مرة أخرى التعميم هنا مجحف، لكنه صائب الى حد كبير. هو بالتالي يبتعد عن الموضوعات المثيرة للمشاكل مع الدولة أو مع المجتمع. وإذا كتب عنها، فهو يكتب عنها من وجهة النظر السائدة، أي المألوفة كما تطلق أنت عليها. أنا قلت إًني ضد الكتابة الأخلاقية، أي ضد الكتابة محبذاً الأخلاق السائدة. فالإبداع الطليعي يبدأ بالقطيعة مع القديم. البيتلز في الموسيقى، بيكاسو، وقبله فان جوخ في الرسم، جاك كرواك ومعه هنري ميللر في الكتابة الحسية الايروتيكية. أنا أتعامل بالقطيعة مع الفكر العربي السائد بكافة أنواعه لأنه متخلف وقمعي. أبناء جيلي بعضهم وقلة قليلة منهم مثل صنع الله إبراهيم يحاولون جهدهم الخروج عن المألوف، لكن يبدو أن لهم مشروعاً كتابياً مختلفاً عما أفكر به أنا. كان مشروعنا القديم هو الابتعاد قدر الإمكان عن آيدلوجية الواقعية الاشتراكية التي كانت أيامها سائدة في مناطق عربية كثيرة تحت شعار الفن من أجل الحياة. أي إدخال الفن في الصراع بين السلطة من جهة والشعب من جهة أخرى أو في عهد القومية العربية بين الآخر. إسرائيل والغرب من جهة، وبيننا نحن العرب جميعا. نجح البعض في هذا وحاولوا الخروج من هذا المأزق مع محاولة الاحتفاظ بالشعارات الوطنية. ثم جاءت فترة السادات وحرب أكتوبر، وما تلاها وتحول الصراع الى الدولة التي لا تعبر عن طموحات الشعب. لم يتخذ الصراع هنا موقفاً من العلاقات السائدة بين الأفراد بعضهم البعض، ولا بين الأقليات الدينية والعرقية وبين الأغلبية الا في حالات نادرة حينما ظهر من النوبة ليكتبوا عن النوبة عن مآسي تهجير شعب النوبة بسبب السد العالي. كانت هذه نبرة مختلفة، وقوبلت بحذر كبير من جمهرة الكتاب والنقاد. فالسد العالي مقدس، وهو أهم من وجهة نظرهم من النوبيين الذين لا يجيدون العربية، وليس لهم مناطق ارتكاز اقتصادية في المجتمع المصري. ظهرت كتابات عن الفلاحين الذين سلبتهم القوانين الجدية الأرض التي أعطتهم إياها القوانين القديمة. لا زال الصراع ضد الدولة، بل أن الكتابات النوبية لم تلقَ رواجاَ كبيراً بين أهل الوادي من غير النوبيين وإعتبرها بعض النقاد كتابات عن الجنوب. أيّد معظم الكتاب حرب صدام ضد الكويت وأيّد معظم الكتاب صدام حسين باعتباره القائد العربي الملهم، ولم يهتموا بما يحدث من قمع وتعذيب وقتل للآلاف في العراق إلا قلة قليلة رفضت الذهاب بالطائرات العراقية الى المربد أيامها، بل أن نقابة الصحفيين المصرية التي تضم " مفكرين ومبدعين وصحافيين " فتحت أبوابها رسمياً لإستقبال المعزَّين بعد إعدام صدام حسين. نأتي الى الكاتبات العربيات، وهن حسبما ذكرتهنَّ أنت يعشن خارج المجتمعات العربية القامعة المقموعة.. تناولت هدى بركات في " حجر الضحك " ونجوى بركات في " باص الأوادم " الكتابة عن الجنس المثلي بشكل لا يتماشى مع الموقف العربي السائد من تحريم واستنكار. ولعل هناك كاتبات أخريات لكن، للآسف لا أعرف كتاباتهن، أو لا تحضرني الآن أسمائهن، لكن الكتاب العرب الذكور هم أكثر تشدداً في هذه المسائل من الكاتبات، وهذه نتيجة ثقافة ذكورية اجتماعية. حسن اللواتي الذي لم أقابله، بل أعرفه فقط من خلال المراسلات، كتب نصاً في هذا الموضوع، وإستخدم الأدوات الجديدة أي الانترنيت لكنه قرر في النهاية أن يجعل " بطله " يرجع الى الطريق المألوف من خلال الدين. وأنا لست ضد موقفه هذا، هو حر فيه، ولعل وجوده في مسقط، وطبيعة الحياة هناك لا تسمح له بأكثر من هذا.
* منبَّت الجذور
*بعد كل هذا الانغماس الجنسي الذي شهِدته " بيضة النعامة "، " مزاج التماسيح "، " غواية الوصال " و " إيثاكا " تأتي لتقول بكل جرأة " إنني لست كاتباً إيروتيكياً ممسوساً بالجنس... " أين تضع هذه السير الذاتية الروائية إن لم تدرجها ضمن " خانة " الأدب الإيروتيكي مع إقرارنا سلفاً بأنك تعالج أفكاراً مهمة من قبيل الموت والحياة والحب والتمرد، كما تكتب عن الظلم والمهمشين والمقصيين من الأقليات الدينية والقومية الأخرى التي تتعايش ضمن عالمنا العربي؟
-الكتابة من خلال الجنس هي إحدى أدواتي الهامة في حرفة الكتابة. لعل أكثر الكتب التي ذكرتها إنغماساً في الجنس هي " غواية الوصال "، لكن حالة الشخصية الأساسية تبرر ذلك. رجل يقارب الستين يريد استرجاع فحولته الماضية والسيطرة على الموت من خلال بحثه عن وصال مع فتيات يصغرنه. أنا لا أجد غضاضة في أن أستخدم الجنس في التعبير عما أريد قوله اذا كان مناسباً. " بيضة النعامة" هي رحلة البحث عن هويات كثيرة. الجسد والدين والسياسة. " مزاج التماسيح " هي رحلة أيضاً لمراهقين يكبرون مع بعضهم وتفرق الحياة بينهم لكنهم يحتفظون ببعض ما كان بينهم من علاقات جسدية حارة. " ايثاكا " التي هي جزء من الأوديسة كما تعلم من الأسطورة الإغريقية بدأت بالجنس حينما هربت هيلين زوجة أجاممنون مع ضيفهم الفتي الجميل باريس الى طروادة، ما شدهما لبعضهما هو جمال جسديهما. ورحلة أوليس بعد طروادة والتيه الذي حكمت به الآلهة عليه كان جزءاً أساسياً منها هو أن يقضي سبع سنوات مع النيمف أي الملتهبات جنسيا يعاشرهن باعتبار أن هذا نوعاً من عقوبة مقررة ضده. ونعرف أن كفافيس كان مثلي الجنس. لكن قصيدة " ايثاكا " الخاصة بكافافيس هي قصيدة عن الرحلة وعن الاكتشافات وعن المتع الصغيرة وأنا أردت أن أكتب عن هذه الحالات جميعها في " ايثاكا " الخاصة بي. أوليس الإغريقي إنغمس في تحديات كثيرة للآلهة. قاتل وقتل أخيل الذي حبته الآلهة بالخلود المنقوص. حرب طروادة هي رحلة استكشاف عن الحب والجنس والحياة والموت والآلهة والقدر. من هنا جاءت قيمتها الخالدة. أنا حينما أكتب عن الحياة والموت وعن المهمشين فأنا أكتب عن حالات تهمني بشكل شخصي كثيراً للأسباب التي ذكرتها من قبل: انتماءآتي الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية. أنا كما تقول باحثة يابانية في علم الأجناس " منبَّت الجذور " بتشديد الباء، أي أني أحمل جذوري معي في مكان لا أزرعها فيه بعد أن إقتلعتها من مكانها الأصلي. هي كانت تبحث حالات العبيد في السودان الذين جلبهم التجار من جنوب السودان ثم تحرروا إبان الثورة المهدية لكنهم لم يستطيعوا الاندماج في المجتمع السوداني. أنا لم أرغب في الاندماج في المجتمع الهولندي لأني لي تحفظات كثير عليه تماثل تحفظاتي على المجتمع المصري الذي اقتلعت نفسي منه. زوجتي هولندية وأولادي وُلدوا هنا، ويتحدثون الهولندية ولا يتحدثون العربية. أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأقلية في المجتمع المصري، ولا أعتقد أني أحب أن أنتمي الى أية اغلبية!
*فخور بإيثاكا
*تعرضت في موقع " العربية نت " الى هجوم غير مسبوق أطلقوا فيه عليك شتى الأوصاف والنعوت والشتائم، وأتهموك بالفساد والإفساد وما الى ذلك. ويجب الإشارة الى أن هناك من آزرك وإصطف الى جانبك حتى وإن كانوا قلة قليلة. كيف تقرأ هذه الهجمات المسعورة، وما هي حدود الجوانب العلمية والأدبية والمعرفية التي طرحوها في رسائلهم الإليكترونية المحتقنة
-أذهلني في البداية كم العداء والجهل في ردود قرّاء " العربية نت ". سبَّب لي بعض الألم، فأنا لا أرغب أن أكون شهيداً، ولا أؤمن بثقافة الاستشهاد، لكن بعد أن تخففت من الصدمة جعلني أكثر اصرار على التمسك بقناعاتي. لم يطرح أي من المهاجمين قناعات أو أدلة سوى قصة لوط التوراتية والقرآنية، وأنا رددت عليهم بمنطقهم أقول إن لوطاً شخصية أسطورية والتوراة لا تدرجه في مرتبة الأنبياء لأنه عاشر ابنتيه بعد أن أسكرتاه، وإن لم تستنكر التوراة هذا الفعل. كانت معظم الردود تعبر عن الحالة السائدة لمعظم القراء العرب. رفض الآخر استناداً إلى مقولات دينية. أنا فخور بإيثاكا لأني من خلال كتاباتها استطعت أن أستخدم كل صنعة الكتابة التي تعلمتها ببطء خلال الأربعين سنة الماضية. ولأني أيضاً أعرف أني كتبت شيئاً لن يستطيع أحد من الكتاب العرب أن يكتب ما يماثله في المدى القريب. . . سمّى هذا ما شئت!!



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبق ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغ ...
- الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر ...
- شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي ...
- كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
- غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
- مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا ...
- - متاهة بان - للمخرج المكسيكي ديل تورو: تحفة بَصَرية تؤرخ لن ...
- - مئذنة الشعر -. . قراءات نقدية في التجربة الشعرية لباسم فرا ...
- الروائي مجيد خضر الهماشي يستجير من الرمضار بالنار، ويتخذ من ...
- الفنان التونسي لطفي عبدلي: الوسامة وحدها لا تكفي لخلق الجاذب ...
- في شريطه القصير - البغدادي - لميثم رضا: عراقي وبريطانية يتقا ...
- قراءة في الأداء التعبيري لنيكول كدمان في - الموت من أجل . . ...
- حدود الفنتزة في فيلم - لص بغداد -
- المخرج رونالد إيميريش يوحِّد قوى الأرض ضد طواغيت السماء
- المخرج الأمريكي ويْس كرافِن يستوحي - موسيقى القلب - من - عجا ...
- أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة
- - غصن مطعّم بشجرة غريبة - مختبر للمقارنة بين ثقافتين وبيئتين
- آن إنرايت . . . ثالث روائية آيرلندية تختطف جائزة البوكر للرو ...
- بيكاسو الرسام الأكثر عرضة للسرقة في العالم


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأقلية في المجتمع المصري ، الجزء الثالث والأخير