|
سامر إسلامبولي وأزمة القرآنيين !!!
يوسف هريمة
الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 08:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما زالت ساحة منتدى المعراج تجلب إليها كل ناظر، وكل متطلع إلى آفاق البحث الحر في الظاهرة الدينية بمختلف مستوياتها ومنطلقاتها. ولا زالت المقاربات الدينية تتعدد بتعدد الأفكار والمنطلقات البحثية لكل باحث، أو قارئ ناشد للخروج من ثقافة دينية، يقر الجميع بأزمتها الحضارية وتخلف بديلها المنتظر. فكانت هذه الساحة ولا زالت تستجمع كل مقومات البحث الفكري الحر، ولو جارت الأقلام لغفلة منها، أو عدم استيعابها لطبيعة مواضيع لها خطورتها، ولها تجلياتها المختلفة في الواقع الإنساني بشكل عام. وتنقسم هذه المشاريع إلى قسمين رئيسيين: أحدهما قسم تراثي فقهي وهو نادر في كتابات المنتدى لمجموعة من العوامل، لعل أهمها انفتاح المنتدى على مختلف التوجهات، وسماحه لمختلف الرؤى مهما كان تقييمنا للتجربة، بعرض رؤاها وأفكارها دون حجر أو قسر فكري. وثانيهما قسم قرآني يعتمد في منطلقاته على القرآن، كأحد الأصول الفكرية في التأسيس إلى المعرفة بمختلف مكوناتها. وهذا التيار أيضا يختلف باختلاف الباحثين ومنطلقاتهم البحثية والفكرية إلى قسمين: قد خصصنا لتيار منه- وهو المشروع الذي يتبناه الكثير من أعضاء المنتدى وخاصة في قسم الدين- دراسة نقدية وفق رؤيتنا الخاصة، وبمنطق حواري يخرج بنا من ثنائية المناصرة والمعارضة المميتة. ولم نكمل الحوار وللأسف الشديد لمجموعة من الاعتبارات التي خرجت بنا عن الحوار الهادئ، إلى منطق الشخصنة والدفاع على حين غفلة منا. والقسم الثاني من هذا التيار القرآني هو تيار يؤمن بالقرآن، ولكن وفق أصول فكرية معينة مباينة في الكثير من الأحيان للتيار الأول. وفي هذا السياق يأتي مشروع الأخ سامر إسلامبولي، كأحد أهم المدافعين عن هذا التيار الثاني وفق رؤية ومشروع فكري، يعتقد بأنه هو الأجدر والأهل بأن يكون التيار السائد في المنتدى. وقد كنت لوقت طويل أتتبع هذا التيار وأتتبع لغته، وطريقة تعامله مع الآخر، لعلي ألمس فيه ملامح مشروع جدي، يمكن أن يتمسك الإنسان به ويدعو إليه، بله أن يطرحه بديلا حضاريا لثقافة بائدة يعتبرها سبب أزمته الحالية، فلم أجد إلى ذلك سبيلا. وليسمح لي الأخ إسلامبولي قبل أن نخوض غمار هذه التجربة أن أقول بأن منطق التجاهل الذي يستعمله في الكثير من مقالاته، عن طريق لغة استيعابية متعالية في الزمان والمكان عن الآخر، هو نقطة ضعف قوية في بناء هذا المشروع الريادي كما يتصوره صاحبه، أو من تبنى طرحه الفكري والمنهجي من الإخوة. ونظرة في مجموعة من التعاليق، والقفز على مواضيع ضخمة في تناولها وآليات بحثها، بمنطق تبسيطي اختزالي تهكمي في الكثير من الأحيان، عبر أسلوب قصصي يستهزئ من عقل القارئ، كفيلة بصدق أو بطلان ما أقول. وبناء على ما سبق سأحاول من خلال هذا المقال مدارسة هذا الفكر انطلاقا من مقالته:" توثيق النص القرآني "، وما يدور في فلكها من أبحاث في حوار هادئ يستهدف البنية الفكرية للمشروع، ووفق منطق يؤمن بأن العمل النقدي هو عمل يسير بعجلة البحث إلى الأمام، ولا يرجع بها إلى الوراء مناصرة أو معارضة. وستكون مقاربتنا للموضوع من خلال التصور التالي: الإنسان والقرآن: يمكن أن يحسبها البعض ضربا من التنظيرالفلسفي، أو اللعب بمنطق التجريد أو تحصيل حاصل، أو العبث الذي لا طائل منه. ولكن في منظوري الخاص الذي أؤمن به ولا ألزمه به أحدا ولا أدعو أحدا إلى تبنيه، أرى بأن عمق الإشكاليات الفكرية الدينية منبثقة من هذا المعطى. إنها ببساطة إشكالية النسبية البشرية في التعامل مع القرآن، أو مع أي شيء مقدس كتبا كانت أو غير ذلك. إن غياب حقيقة عدم استيعابنا المطلق للحقائق، وإدراكنا لحقيقة أننا حلقة ضمن تاريخ طويل كان وسيستمر في سيره إلى ما شاء الله، هو أحد أكبر الأزمات الفكرية التي مر منها الفكر الديني عموما، حين جعل من محاولاته ومقارباته أمورا قد جاوزت القنطرة، وحقائق لا غنى للقارئ أو المريد بالتعبير الفقهي الصوفي على تقبلها والانصياع لها طوعا وكرها. والتاريخ مليئ بالأحداث والأمور التي تنحو هذا المنحى في المقاربات الدينية. والخطير في ذهنية تؤمن بهذا المنطق، أنها لا تستطيع أن تنفتح على الآخر، إلا في حدود تقبله لفكرها أو مجاراته لطبيعتها. فالاختلاف عندها شعار تستعمله كطعم تتصيد به ضحايا التسلط البشري على مر العصور والحقب. وقد ظنت هذه العقلية التراثية أنها بإزاحتها لتراث روائي في قراءة القرآن، تستطيع أن تتسلط على الناس باسم القرآن، ناسية أو متناسية بأن كل عملية وكل تفاعل مع نص أو آية أو مقطع، هو تفاعل جهد إنساني مرتبط بسقف معين وبدرجة معرفية محدودة زمانا ومكانا. ولن يستطيع أيا من هذه التوجهات أن تجعل من قراءاتها نصوصا مقدسة لا يجوز تجاوزها، إلى أبعاد أخرى بفعل التغير الزماني. وهكذا فالقرآن كما أفهمه هو حق لكل إنسان منا يفهمه وفقا لسقفه المعرفي، ووفقا لدرجاته الاستيعابية عبر جدلية تفاعلية معه شكا وإيمانا وأخذا وعطاء. ولن تتحول كل هذه المجهودات التراكمية في العمل الفكري إلى أصول وثوابت لا نستطيع بحال تجاوزها إلى غيرها. وقد يظن ظان أن هذا الكلام لا علاقة له بموضوع نقدنا لفكر الأخ إسلامبولي، ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك، حينما نقرأ له ردا حول تعليق أحد المتدخلين على مقاله:" الرد على الإخوة المعترضين على الدراسات القرآنية " فأجاب:" لا يوجد إشكالية ولا تناقض في منهجي أو الفكر الذي أعرضه...". والحقيقة أن جميع المقالات التي يعرضها صاحبنا ألمس فيها هذا البعد الخطير في بنية الفكر الديني، حين لا يترك الإنسان مجالا للخطأ، أو البطلان للكثير من فرضياته العلمية المرتبطة بحدود نظرته المعرفية. فمنهج صاحبنا وفكره لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما. فقد جلاَّ أن يلمسهما أي خطأ أو قصور في الرؤية وغير ذلك. ويا ليت الأمر يبقى محدودا في إطاره الفكري والإنساني، بل ستتحول هذه الأفكار والمناهج لتصبح مرادا ومقصودا لله لأنها متجاوزة للخطأ، ومرتفعة عن سهام الإشكاليات والتناقض على حد قول صاحبنا. ومن هنا أحب أن أؤكد على أن علاقتنا بالقرآن أو أي كتاب مقدس، هي علاقة بشرية تحكمها جدلية أخذ وعطاء لا ينبغي أن نقفز عليها، لنجعل من فكرنا أو ما تصنعه عقولنا في فترة من الفترات، مدعاة لانقلاب على لعبة الرواية إلى غيرها تحت مسمى آخر. وعلى أي كان هذا التيار ردة فعل طبيعية، على مخالفات كبيرة في بنية الرواية عموما. إلا أنه هو الآخر سقط فيما سقط فيه التيار الآخر، حين تسلط باسم القرآن عوض السنة، وجعل من العملية كلها مختزلة في نصوص اللغة. وغاب عنه بأن كل العمليات التفسيرية سواء ارتبطت بما سمي بالتفسير بالمأثور، أو ارتبطت بالقرآن هي عمليات اجتهادية يعمل فيها الإنسان فكره وتكون معرضة بشكل طبيعي للقصور وعدم الإحاطة. وعليه فإن الاتجاه القرآني مهما حاول أن ينتسب إلى القرآن سيجد نفسه أمام اجتهادات فردية أو جماعية، لن تتحول إلى قرآن، ولو كانت تجعل منه منطلقها الوحيد. فالعلاقة مع القرآن حسب تصوري لها لن تتأسس من خلال تيار، أو من خلال منهج بذاته مع ضرورة ذلك. وإنما العلاقة مع القرآن هي علاقة كل فرد منا في جدليته مع هذا الكتاب، أخذا وعطاء وشكا وإيمانا وظنا واطمئنانا. فالحق لن يعرف إلا من خلال التجربة الواقعية لكل منا في تعاطيه مع عمق هذا الكتاب. ولن تتحول اجتهادات الآخرين أو مقارباتهم باسم القرآن إلى حقائق وجودية ونفسية يتم تأطيرنا من خلالها. سامر إسلامبولي وتناقض المنهج: سامر إسلامبولي وأزمة السنة العملية: يأخذ المنهج القرآني على عاتقه مسؤولية كبيرة، في حجم ما يقفز به على الكثير من المعطيات التاريخية والفكرية، حين يجعل القرآن السبيل الوحيد للمعرفة الإنسانية. إذ فيه كل شيء بما في ذلك ما يتحرج منه كل القرآنيين، ويتخبطون في إجاباتهم عنه. والمشكلة في هذا التيار أنه مجرد ردة فعل طبيعية، على ما خلفته الرواية من أثر كبير على التاريخ العربي الإسلامي عموما. فقد استحوذت على الجانب الفكري لدهور طويلة، ظل فيها النص القرآني حبيس هذه الرؤية الثقافية. فكانت بذلك هذه الردة الفعلية الكبيرة لهذا التيار، نابعة من عمق انفعالي لا علمي في الكثير من الأحيان، خاصة في تعاملها الانتقائي مع الرواية. فهي من جهة تنكر الرواية وعلم الحديث، ومن جهة أخرى تتبناه حين يعجزها الأمر عن الإجابة على إشكالات حقيقية في بنية الفكر الديني عموما، سواء انتسب إلى الرواية الأثرية أو إلى القرآن. ولننظر إلى قول سامر إسلامبولي حول هذا الموضوع في حديث حواري مع مجلة الوقت حين يقول عن علم مصطلح الحديث:" علم مصطلح الحديث كذبة وخدعة كبيرة! فهو ليس علماً أصلاً سواء تعلّق ذلك بالسّند المتن...". فحسب الأخ سامر فعلم الحديث ليس علما قائما على أصول معرفية موضوعية، تسمح أن يكون قاعدة لنهضة فكرية أو ثقافية منشودة، ويؤكد بعد ذلك:" فالنتيجة واحدة: الضياع للمسلمين، وعندما جعل المسلمون مادة الحديث النبوي وحياً ومصدراً تشريعياً أُصيبوا بالتخلف والانحطاط وابتعدوا عن المنهج الرباني المتمثل بالقرآن (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً... ". إن اعترافا مثل هذا بخطورة قواعد علم الحديث، في تأطير الفكر الديني والمساهمة في التخلف الفكري، يجعل من أي مقاربة تتلمس هذا المعطى، ينسحب عليها كل مقومات التخلف والسلبية. ولكن صاحبنا سيتناسى هذا الاعتراف الخطير والمدين في الوقت نفسه، حين سيتعامل بانتقائية معهودة مع هذه القواعد التي ينتقدها، وذلك عندما يعجز عن الإجابة عن معضلات، لا زالت مناقشتها حتى الآن لم تسفر على شيء مطمئن. ويكفي أن ننظر إلى مقال الصلاة، لنرى عمق هذا التناقض الحاصل بين النظرية والتطبيق في المقاربات الدينية عموما. فالأخ سامر يؤكد من جهة الاكتفاء بالقرآن وفق منهجيته الخاصة، وفي الوقت نفسه يلجأ إلى قواعد علم الحديث ليستحمي بها، حين يرى بأن الصلاة في شكلها الحالي كما هو متعارف عليه، لا توجد بكل تفاصيلها في القرآن لاجئا إلى قاعدة التواتر العملي، فيشرح هذه القاعدة بقوله:" فالتواتر لا يحتاج إلى سند ، لأنه رواية مجتمع شاهد إلى آخر سامع مع توسع دائرة التواتر مع الزمن ، لذلك يفيد الخبر المتواتر الحصول القطعي ضرورة ، ويحيل العقل كذب الخبر المتواتر...". فأين تندرج قاعدة المتواتر؟ أليست ضربا من أضرب الحديث؟ أليس المنقول في النص تعريفا للمحدثين؟ ولماذا يحتج أخونا بالقاعدة التي يعتبرها في مكان آخر خدعة وكذبة؟ هل انتفت عنها هذه الصفة أم الغاية تبرر الوسيلة؟ وهل هناك حدود فاصلة بين المتواتر وبين غيره؟ ومتى كانت الكثرة دليلا موضوعيا على حقيقة أو بطلان شيء؟... وبناء على ذلك نقول بأن العمق الفكري لهذه المدرسة هو عمق متناقض، لا يستطيع البتة أن يجد لنفسه موطئا قارا، خاصة في المواضيع التي يعجز عن الإجابة عنها ملتفا حول نفسه، ليجدها داخل نطاق الرواية وعلم الحديث شاء أم أبى، كما فعل صاحبنا الذي اعترف على أن ما يؤسس على منهج الحديث هو خدعة وكذبة، فكان مطبقا للآية:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ". سامر إسلامبولي ولعبة السنة والحديث: هذه مفارقة عجيبة في المنهج المبشر به، وتلعب على وتر قرآني حساس. وتهدف أيضا إلى أن التمييز بين السنة والحديث، سيخفف من عمق الأزمة الفكرية التي يبشر بها هذا التيار. وكسابقتها من الأمور، تأتي هذه النقطة لتجعل التناقض الحاصل في بنية هذا الفكر تناقضا ظاهرا للعيان، ويهدم من الأساس كل تصوراته المنبنية أصلا على تنظير فكري، بعيد عن كل ما يقال في شأنه. ولننظر إلى هذا الاعتراف الصريح من أخينا سامر، وهو يكشف لنا عن أزمة الحديث فيقول عنه في حوار له مع مجلة الوقت:" مادة الحديث النبوي مادة تاريخية لا قداسة لها أبداً، ومنتفٍ عنها صفة الوحي الإلهي التشريعي، وذلك لأنها نتيجة تفاعل النبي العظيم مع النصّ القرآني حسب معطيات واقعه، وحسب الأدوات المعرفية الزمكانية المتوافرة حينئذ، وهي لذلك غير ملزمة للمجتمعات اللاحقة أبداً، ومنْ يقول بغير ذلك يكون إنساناً يُغمض عيناه عن الحقيقة! فالحديث النبوي المنسوب قد أصابه التحريف زيادة ونقصاناً، فمنْ يقول بأنه وحي فهو يعتقد أن مادة الوحي قابلة للتحريف...". فالحديث بالنسبة له لا قدسية له، لأنه نتيجة تفاعل الرسول مع القرآن بآلياتة الزمكانية. ويتناقض مع نفسه حين يجعل السنة مباينة له حسب فهمه لها بقوله:" نجد سنة النبي موجودة في فحوى النصّ القرآني، فقد أخذ النبي سنته من خلال تفاعله مع القرآن ذاته وإسقاطه على الواقع، فسنة النبي انبثقت من القرآن لتعود إليه دراسةً وفقهاً وتطبيقاً...". فالسنة أيضا حسب هذا النص هي نتيجة تفاعل مع النص القرآني حسب هذا القول. فما هو يا ترى الفرق بينها وبين الحديث؟؟؟. ورغم كل هذا التنظير الفكري المتناقض، سنحاول أن نجعل من نصوص صاحبنا شواهد على تناقضه من جديد ولكن بمنطق آخر، فما يعتبره مادة تاريخية لا قداسة لها بفعل تاريخيتها، ستصبح مادة مقدسة تؤسس للمعرفة وتؤصل لمواضيعه المختلفة. وهذه نماذج من هذا التخبط: *- توثيق النص القرآني في الزمن المدني: إن التعامل الانتقائي والمتناقض مع منطقه، يجعل من الفكر غير المؤسس فكرا يلتف على نفسه، كلما وجد الفرصة سانحة له للقيام بذلك. فهو يقر بأن القرآن فيه كل شيء، ثم يؤسس معرفته لتدوينه على تاريخية الروايات التي لا ترقى حسب نصه السابق إلى القدسية. وهذه نماذج من الروايات التي استعملها في مبحث التدوين في العصر المدني في مقاله" ثوثيق النص القرآني ": -" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " - كنت أكتب الوحي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يشتد نفسه ويعرق عرقاً شديداً مثل الجمان ثم يسري عنه فأكتب وهو يملي علي فما أفرغ حتى يثقل فإذا فرغت قال اقرأ فأقرؤه فإن كان فيه سقط أقامه ". فلماذا تم الالتفاف على النص السابق في تاريخية الحديث؟ هل الغاية تجعل من المنهج يبرر كل تناقضاته؟ وإذا كان القرآن كافي في الإثبات كما يدعي المنهج. فلماذا اللجوء إلى روايات سيكفينا صاحبنا الإجابة عنها بقوله عن الحديث في مقابلته الحوارية:" فمنْ يقول بأنه وحي فهو يعتقد أن مادة الوحي قابلة للتحريف، وبالتالي لا مانع عنده من ضياع بعض من الوحي! وربما الذي ضاع أكثر من الذي بقي! فكيف نُلزم بعضنا بوحي محرف!؟ بوحي قد ضاع جزء منه!؟ كيف يكون الحديث عند فئة وحياً، وعند الفئة الأخرى التي ترفضه لعلةٍ بسنده أو متنه حسب أصولهم؛ كذباً وافتراءً!؟ كيف يكون الحديث مصدراً تشريعياً وهو مُختلف فيه، وليس محلّ تسليم من الجميع به!؟...". صدقت يا سامر وأوجزت وكفيت !!! ولكن لِمَ التناقض؟... *- الاختفاء وراء رد الشبهات: يبقى العمل ناقصا ما لم يحاول أن يستجمع كل مقومات الدفاع عن نفسه، بالرد على مختلف التساؤلات والإشكاليات التي يطرحها فكره، أو منهجه بمختلف مستوياته. والأخ سامر لم يأل جهدا أيضا في الدفاع عن منهجه بالطريقة التي يرتضيها، وإن كان لدي موقف خاص حول أسلوب كتابته، لا أريد أن أستخدمه نقدا لكي لا تتحول العملية النقدية، إلى طعن في قيمة الشخص أو حطاًّ منه بدرجة من الدرجات. ولكي يدافع على نفسه لا بد أن يخلق له خصما، ولو وهميا من أجل سيرورة عمله والدفع به على شاكلة العمل السياسي. ولذلك اختار الأخ سامر في رده على الشبهات تعامل الجابري مع القرآن، ظنا منه أن نقده لبنية الجابري، ستجعل من بنية منهجه الفكرية بديلا منتظرا لثقافة بائدة. فكانت محاولته التأسيسية لمقال:" النص القرآني نص فوق الشبهات " تنحو هذ المنحى المتناقض كما سنرى، حيث يقول في مطلع المقال:" إن من الغرابة على درجة كبيرة أن يأتي أحد ويناقش ما هو ثابت ومعلوم بالضرورة، بل بلغ صفة الحق من حيث الحكم عليه وجوداً أو صحة نحو أحقية وجود الخالق المدبر وأحقية وجود اليوم الآخر ووجود السماء والأرض.. إلخ، وقصدت بكلامي أحقية النص القرآني كمتن وحفظه من التحريف زيادة أو نقصاناً...". فالحق عند الإسلامبولي مؤسس على روايات حديثية، اعترف بنفسه أنها منبنية على قاعدة خادعة وكاذبة، وأقر كما مر معنا بتاريخيتها وعدم قدسيتها. فعن أي معلوم من الدين يتحدث؟ وعن أي حق يريد أن يحدثنا وهو القائل بنفسه أن الروايات محرفة؟. ولكن بسبر أغوار المقالة سيتبين لنا عمق هذه الأزمة، إذ كان المقال حقيقة مقال حجاجي، يريد أن ينتصر إلى رأي دونما أدوات موضوعية تجعل من الطرح الفكري هو المنتصر. وكما يعلم الجميع تعد مقالات الجابري حول القرآن، مقالات قد أثارت الكثير من ردود الفعل النفسية، بسبب ما قد أشارت إليه بوقوع تحريفات في القرآن، وتعرض النص إلى عمليات إسقاط. وإلى هذه الحدود يبقى الجابري حرا في اعتناق مثل هذا التصور سواء اتفقنا مع نتائجه أم اختلفنا. ولكن الإشكالية المطروحة من خلال هذه المقالات هي أنها سقطت في خطأ منهجي خطير، يجعل أيضا من العملية كلها عملية إيديولوجية بامتياز. فالبناء الذي اعتمده الجابري في أطروحاته، هو بناء روائي قام على ثقافة روائية، قد حذرنا من بعض ما تختزنه مثل هذه الثقافة من أبعاد ذكرناها سالفا. والحقيقة أن مثل هذه المقاربة تفتقد إلى الجانب الموضوعي، إذ أنها لا تعتمد بنية النص الأصلية دون النظر إلى تاريخيته بشكل من الأشكال. إذ النص يطرح نفسه كبديل إنساني لا علاقة له بالتاريخ أو الجغرافيا أو غير ذلك من الأمور. ولكن المنطق الروائي كما مر معنا يسمح بمثل هذه المقاربات، بل ويعززها ليجعل من المؤمن بها في ورطة فكرية يصعب الخروج منها بحال من الأحوال. وعليه لا يمكن أن تكون مقاربة الجابري ذات بعد موضوعي فكري، إلا إذا تبنت خط القرآن ونقده من أصوله، ووفق بنيته اللفظية أو الموضوعية، دون استجلاب لروايات خارجة عنه من أجل الوصول إلى نتائج معينة. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للجابري، فما سامر إسلامبولي عن ذلك ببعيد. إذ أن مؤسسته الفكرية هي مؤسسة روائية بامتياز، مع شيء من التحوير واللعب بالألفاظ. ومفهوم المؤسسة هنا هو مفهوم إجرائي، وإلا فليسمح لي أخي سامر أن أقول، بأن ليس هناك أي بوادر تأسيس فعلي لتيار بمنهجية رصينة وموضوعية في أبعادها. وإنما هي ردة فعل طبيعية على تيار كان ولا زال سائدا، قد جعل من الرواية مدرسته الأولى والأخيرة في البناء والتأسيس. وليس هناك أي مشروع يمكن رفعه ليكون بديلا حضاريا، يمكننا الاطمئنان به وقاعدته كما يقول عنها بنفسه:" فهي مادة فقهية لا قداسة لها أبــدا، وغير ملزمة لأحد، وهي محاولة زمكانية مرتبطة بالأدوات المعرفية السائــدة حينئذ لفهم النص القرآني صَلُح بها حالهم وارتضوها لمجتمعهم ". فلم التناقض أخي سامر؟ وختاما أقول: كانت جولة سريعة عبر محطات كثيرة، استجمعتها من خلال قراءتي لبعض مقالات الأخ سامر. وكان هدفي الأول والأخير هو عملية نقدية لكاتب داخل المنتدى، يعتبر ما يقوله مشروع إنساني كبير، يصلح أن يكون بديلا لثقافة روائية ماضوية. ويعتبر أن منهجه لا تعتريه إشكاليات أو تناقضات. فالتناقض هو بسبب عقل هذا القارئ المُريد، الذي لم ينتبه بعد إلى حجمه داخل ثقافة الشيخ والمريد الإنسانية. كما كان الحوار دفعا بعجلة هذه البحوث، لتأخذ حجمها الطبيعي، وتنحني بلغة الخطأ والصواب، لأن قائليها هم أناس لم يصلوا بعد إلى صفوف الألوهية، التي تجعل من كتابها أوقائليها أوصياء على عقول الناس، ومستصغرين لحقوقهم في التفكير. وأتمنى أن أكون قد فتحت الباب أيضا للدخول والولوج إلى ساحة الحوار من بابه الشرعي، البعيد عن منطق التصفيق والتسفيه لمختلف الأفكار والتوجهات. راجيا من الأخ سامر أن يتسع صدره لهذا الرأي على علاته وثغراته. فالقصد أكبر من تعالم فاضح أو تسفيه لفكر آخر. ولكن العجلة لن تدور إلا بجهودنا متكاملين نقدا وتصحيحا وبناء. *- كاتب سوري له مجموعة من الإصدارات
#يوسف_هريمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفتوى وإشكالية الفقه الإسلامي
-
حيرةُ الحبِّ...؟؟؟
-
هدية للحوار المتمدن
-
طقس القضيب وتمظهراته الثقافية
-
العنصرية والأمثال الشعبية المغربية !!!
-
ويجعل الأقلام شيبا...؟؟؟
-
باسم آية الكفر والإيمان
-
التثاقف اليهودي المسيحي: نسب المسيح نموذجا
-
دموع بريئة... !!!
-
الشذوذ الجنسي: حرية أم أنحدار؟؟؟
-
العطالة وإقالة العقل العربي !!! المغرب نموذجا
-
المعراج وأزمة فكر الأنثى!!!
-
أنا وقلم التمرد!!!
-
أُحِبُّكِ لَكِنْ أَخَاف؟!!!
-
نحو تأسيس مفهوم الكهنوت
-
قلمي ومعركة الاستبداد
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الأول
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الثاني
-
محراب الحرية
-
في محراب وردة...!!!
المزيد.....
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|