علي الانباري
الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 09:58
المحور:
الادب والفن
أحياناً ، تضيق علي الأرض بما رحبت، يتكسر القلب شظايا، لا أجد أمامي شيئاً يفتح نافذة الروح لترى مدائن خضر او طيوراً ملونة في السماء الممتدة أمامها.
عندها أفتش عن خلاصي، خشية الوصول الى الجدار الذي يفصل بين عالمين، اليأس والأمل، الفرح والحزن، الثبات والانهيار. لقد سمعت قصصاً عن اناس مثلي، وصلوا الى حالتي، وحين لم يجدوا وسيلة للفكاك من هذا السجن الرهيب، سجن الروح، قتلوا أنفسهم فراراً من هذه الحالة الموغلة في الوحشية والمرارة.
في إحدى الأزمات الروحية التي انتابتني، بلغت الامور ذروتها، بدأت الانشوطة تضيق شيئاً فشيئاً أحترق المشهد أمامي، أين المفرُّ؟ الطرقات موصدة، البحار متلاطمة، السفينة تغرق، بعد ان أوغل الملاحون بتهشيمها عبر فؤوس من مخلفات البرابرة وقاطعي الرؤوس.
فجأة، أبصرت أمامي ديوان الجواهري، أمعنت النظر فيه، وفي لحظة لا إرادية، نهضت واثباً امسكت به، أخذت اقلب أوراقه ، وكأنني افتش عن قصيدة بعينها، همست لنفسي (ها هي) ضالتي، إنها (دجلة الخير) بدأت بقراءة (حييت سفحك عن بعد فحييني، يا دجلة الخير يا أم البساتين). انفكت الروح من احد قيودها .
انا استحضر في خيالي سفح دجلة، استحضر شارع أبي نواس، يوم كانت له إطلالة جميلة على دجلة المصقولة كمرأة حسناء، المتوجة بالنوارس والطيور تذكرت وجوه الاصدقاء يوم كنا نمرح ونلهو حالمين بغدٍ اجمل شفايمنح السعادة والحرية. آلاف القصائد بدأت ترن في أذني، عشرات الشعراء الذين كانوا يجدون لهم ملاذاً في احد (البارات)، يقرأون أشعارهم الموسومة بالصدق الملونة كأجنحة الفراشات.
تابعت قراءتي، (حييت سفحك ظمأناً الوذ به لوذ الحمائم بين الماء والطين) أنا حمامة ظمأى، لا أجد ملاذاً إلاّ عند مَنْ يروي الظامئين، فلأنفض غبار أجنحتي شاداً الرحال الى الشاطئ المسحور ها أنا احلق عالياً، بدأت السماء تفتح لي دروبها، طفقت الروح تلقي بأصفادها واحداً واحداً تخيلت نفسي قمر الزمان الموعود بالحب، رباه لقد كنت مريضاً وها أنا أشفى، كنت واهناً وها انا أقوى، تابعت قراءتي، أخذت القصيدة ترفعني الى الاعلى شيئاً فشيئاً حتى أصبحت محلقاً بين المجرات، مضيئاً كأنني الكوكب الدري في سماء العالم، عدت الى ذاتي، وأنا فرح بشفائي وخروجي من هذه الأزمة سالماً، وشكرت الجواهري لانه شفاني، ومن يومها وأنا احتفظ بالوصفة الرائعة التي أجد فيها دوائي من الداء الروحي، ألا وهي قصيدة (دجلة الخير) .
#علي_الانباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟