ضياء حميو
الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 08:52
المحور:
الادب والفن
يا أحمر شرط السكين....!
ما كان لتوضع في "العب"
إستباحت المدن عذرية الشعراء , وظلت نقياَ خجلاَ
ديوانياَ" "حنتوشيا" ليس لك مثيل..
قروياَ ونقيا..
ما هادنت ولا خاتلت ولا اغتبت
أحمر شرط السكين.
يتلون الصحب بكل الألوان..!
تستغرب وتصفح
الآخرون يغتصبون المدن و الساحات والاشجار
أخوة يوسف "..وما اكثرهم في كل الأزمان
.....يعدونَ الجَّب
لكنك رجل ماتوضع في العب
آه يا ديوانية حنتوش
كم كنتِ شحيحة ً معه!ُ
هاك جزاؤك "حيل وياك" لم يعد لكِ "حنتوش" يبكي لنهيق حميركِ , ومتسوليك
خرائبك وخرابك ....كان يحبك
خجلاَ كشطكِ
ها هو يحلق عالياَ كاسعد إنسان في العالم
القصة إياها ...
ليست في نشأت الكون والخلق
بل لخلق الله لكزار حنتوش
[ أنشاه الله على عجل من سبخ "الدغارة "
ورماه إالى وطن من شمس وكحول ومصائب
(إذهب واجلب ضرع الثور)
.................................
أبلى أخفاق "عفك" سعيا بين مناكبها]
كنت في الثلاثين من العمر كتبت ترثي روحك مبكراً
[ أمي رسمت وجهي بالخبز الحار ،بكت
أمي قامت والليل ,يصب نعاساً
لتعاتب ابن الزهرة
وبكت
فامتلأت ريح الحارة بالبرد
وبزهر- الخباز- إمتلأت روحي
وبكيت]
نذرت أمك كل النذور لأولياء الله ....كي يحفظوا " حنتوش"
من الجوع ومن المرض والهم ...ومادرت و إلا لفعلت : أن تنذر ...أن يحفظه الله من هم الشعر , واللهاث
ورائه..
[ إلامَ اللهاث هذا يا الهي ؟! وأنا والراحةُ
حيه وبطنج أأظل في العلية أجترَ
الجمر وديعاً كالبقرة منتظراً أن تتشاجر
قطتان على فأرةٍ في رأسي لتشب قصائدي
كدم الاضحية إلى الرب...
رحماك يا الاهي .....!
فالأصحاب هنا ورق من اهل الكهف
والشعر هنا عارض أزياء في مقهى
شله- واعبر والعمر هنا
ضاع بولة بشط]
كلما أطلت له قصيدة في الثمانينات في الصحف ...شتمته حباً...من أين يأتي بهذه الصور؟ , المشرقة ,الرائعة.سلسة بسيطة , والمفردة الشعبية , وسخريتها المرة؟ ,
حبهُ وسخطه على الديوانيةًِ البائسة , في عام 1979 كتبَ مبكراً لها:-
[ غنمتُ لها تفاحاَ في غير الموسم
كتبتُ لها شعراً فوق التين
ناطحت لأجل – الديوانية- أوغاداً
بقرون من طين
....عافتني كالماء يشبُ عنيفا في غصن الرمان
ياما أخذتني " الديوانية " للنهر
وردتني عطشان]
أحببتهُ واحببتُ شعرهُ , لا أدري لماذا تخيلته بلحية كثة كلحية " والت ويتمان" لكنه أكثر تشرداً وتصعلكا.
ً وتمر عشرون عام إلى أن ألتقيه تحديدا عام 2004 عن طريق صديق قريب من نبض القلب " علاء جواد" قالَ علاء :- بابتسامة صادقة هذا هو شاعر غماس , إسكافي عفك , ذئب السبعينات , فائض قيمتنا المهدورة..!
[ يا من أسرفت باكل الجمر على ريب
وغصصت بجرعة ما
لَمَ لمْ تبتلع الياء
من اسم الحاج " كليب"
يا أسكافي " عفك"
يا طالبَ تمر "شثاثة"
ياسيف " خلف"
راح العرسُ وناح الطرس وطاح الضرس
ولاح الشيب]
ما تمنطقت صديقي ....صحواً ,سكراً, شعراً أونثرا بمصطلحات مثقفي المقاهي وعناوين الكتب اللامقروءه.. خجلا لم تفتض المدن عذرية القروي فيك..!
[ ضاقت دائرة الفلسين عليك
اختر عمَا لم ينزل من صلب الجدّ وغنّ
للشر وأنت بعيد
تقول العيبُ , العيب ,العيب...
"ثبرت " العالم بالعيب
بكم تشترى الأوقية في " سوق مريدي"
من هذا العيب! ]
سلساً وعذباً ككأس ماءٍ بارد منتصف النوم بعد "سكرة"
قوية ,لكنهُ الزمن الأحمق ..!
[ كان زماني غداراً كالشص
غافلني وسقاني لبن السعلاة
فتساقط عمري كالجص]
حريتك التي تهرب لها كلما أضاق الصعاليك مناكدتهم, ورجال الأمن وسوستهم ...كتبتَ الى جان دمو:-
[ القطط البيض الناعمةُ
ماآوتني
في البيت الدافئ
ونمور الاحراش الصعبة
طردتني
من وجر الليل الخافي
ولذا همتُ على وجهي في الحرية]
مساكين شعراء المحافظات ,ياتون الى بغداد ليقولوا : نحن إيضا شعراء...! ,خجلون , مرتبكون , كانهم متهمون "باللواط"ولانهم أعدوا العدة لفتح "بغداد" فعليهم ان يتعلموا الدرس الاول في شعر "بغداد" : وهو ان تتصعلك سكراً , وألاَ يبقى درهم في جيبك, شاكراً لنعمة" الفلافل" الرخيصة , وتذكَر ستكفر بكل شيء وتغص مرارةً لكنك في النهاية ستذوب حباً وإدماناً لبغداد...!
[ حتى البيرة في نادي الأدباء
أجمعها ديناراً ...ديناراً
لأبل بيها ريقي بعد نهارٍ شاحب ]
وتمرُ السنين عجافاً, قاسيةً ,مرةً, ترثي صديقاً وتودع آخر ...في رشدي العامل ...بكيت غاضباً فرثيتٌ بغير وجل أو خوفٍ.........!
[ ثالثةً ....أو عاشرة ...تبتلعُ اللجَة
رجلاً أحمر ..شرط السكين
أبداً لن يصفوا الماء عليك
يا رشدي العامل
معتكراً سيظل الى ماشاء الله
كبحيرة تمساح جائع
رابعة...أو عاشرةً تبتلع اللجه
رجلاً ..ما يضوع في "العبْ"
رجلاً علمنا كيف نقلقل جبلاً
و نقاسي ونحب]
ما اشبه حنتوش ب "ويتمان" للحيوان والأنسان دمعتك بطرف العين ,تتأثر حد النشيج و ينفطر قلبك حزناً على بؤس حيوان او انسان ما......!
[ دمعة كلب مهضوم تفزعني
ونهيق حمار مظلوم يقتلني
تكسر قلبي امرأة فوق الجسر
حين تمد لساناً كالضفدع
وتمد يد الشحاذ الى القوم الورعين-!]
لطالما تمنيتً أن أسكر مع هذا الديواني الجميل ,لكن لم يكن في هذه السنين نوادِ تحتضن السكارى الجميلين فأكتفينا بالشاي...قلت لهُ: كان يجب أن نلتقي قبل عشر سنين في كربلاء ..ودعوة القروي الأزلي حباً ودفئا – عمار المسعودي- كنا بانتظارك "حسن النواب" .و"علاوي كاظم كشيش"..لكنك لم تاتي ..قال ضاحكاً:- اكيد كنت سكران ونايم...!
اكملنا الشاي الثاني ..ونهضنا لنلقي التحية على "رسمية"الزوجة، الاديبة، الحبيبة ,قلما يحالف الحظ شاعراً ما ... بزوجة حبيبة ..!
ناكدهً ..الحظ طول العمر ..لكنه في حبه" لرسمية" كافأه بها كترضية العمر...!.
كتب عن الحظ ..قبل رسمية قائلاً :- [ كل خميس
أنصب نفسي كالسدرةِ
في الميدان العام
لكن الطير الذهبي
يصدف عني
ويحط على غيري]
حبه ...هو الذي أبقى عليه متوازنا ,متفائلاً..هذا الحب هو الذي أعطاه ديمومة العطاء.!.أمران أد منهما وهو سعيد بأدمانه لهما ..الشعر وحبه لرسمية.
[ لولا فيروز
وبغداد
ورسمية
لاقترنت ضفدعة بي
والقى العنز علىَّ الفضلات
لكنت مجرد عربة
دون وقود أو عجلات]
يمتلك كزار فجأةً بيتا في الديوانية يضمه وزوجته والفضل الكبير بهذا " لرسمية".
كتبت لها أيضا ممتناً:....
[منذ متى, وأنا اتهدم
مثل بناء اثري
كنت تلمين بقاياي
بين الشوك ,وبين الأسل المضياف
إذ سقطت كالآجر
آخر أيام حياتي
بين يديك الواهنتين
شكلتيني كالخزاف
حسب مزاج الغابات
وأخذتيني بين يديك المورقتين
حزمة نايات]
فرحاً ,متفائلاً ,واخيراً الحرية "سقط الدكتاتور" فيصرخ ...بلحظة إنفعال صادقة "نعم أنا شيوعي " لم يكن مأدلجاً ..ولا سياسيا مطلقاً لأنه يحمل من البراءة والنقاء مالا يؤهله لأن يكون سياسياً ...! لكن افكار اليسار التقدمي والعدالة الاجتماعية ..شكلت جزء كبيرا من شخصيته ..المتسامحة , البسيطة..!
أثاث صالة الضيوف...ابسط منها "رسمية" تعد الشاي ..قديسة في البيت ,ثلاث صور معلقة على واجهة الحائط ..على اليمين .."كارل ماركس" ,قال كزار: هو حصتي...والصورة الاخرى لرجل دين أغتيل قبل سنين ...قال: هو حصة رسمية لانها تحبه ...والثالثة كانت صورة عبد الحليم حافظ,,, وهنا قال: عبد الحليم ..حصتنا نحن الاثنين أنا ورسمية.
كان شاعرا عراقيا بامتياز..الفرح العراقي والسخرية الشعبية وعشق المعدان الصادق...احب والتصق بهذة الأرض بشكل قل نظيرة...شعره وطريقة حياته وسلوكه هو الشاهد...على اصالة انسان حقيقي.
[ سوف أمد يدي أليك
وتمد الي يديك
ستريق الدمع على كتفي
وأريق الدمع على كتفيك
وبغمزة برق نتصافى
.......................
وأقول خذ الذكرى ماسه
وتقول :- الواحد منا "لاينكر ناسه
فالغرس عراقي ....لا ينساه الماء
ولا ينكره الطين
بعد سنين
نتصافح نقرع نخبينا
في بار الشعراء المنسيين]
الهوامش
1- كل ما بين الاقواس هي مختارات من مجموعة الشاعر " أسعد إنسان في العالم" دار الشؤون الثقافية بغداد 2001
2- رسمية محيبس زاير ...شاعرة وأديبة، زوجة الشاعر كزار حنتوش
3- اسكافي عفك ..الحكاية تقول: إن اسكافياً أراد ان يفتح دكاناً لتصليح الأحذية فكان إختياره لمدينه "عفك" ..وبعد ان تم له ما خطط ..أكتشف ان ساكني بلدة عفك ليسوا بحاجة له لانهم ولفقرهم ..وبكل بساطة حفاة..! وهكذا اشتهر المثل الشعبي "قيم الركاع من ديرة عفك"كناية لمن اختار المكان والزمان الخاطئ .
ضياء حميو
كائن عراقي في الدنمارك
[email protected]
#ضياء_حميو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟