|
حب مع سبق الاصرار
زينب سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 2169 - 2008 / 1 / 23 - 09:29
المحور:
الادب والفن
"إن مت...أخبروا حبيبتي بأنني قد مت على أرصفة المدائن بحثا عنها ...أخبروا الأصدقاء الجوع كفر ... البرد كفر وما عداهما حق ...وعندما تكفنوني ادفنوا معي كل القصائد التي كتبتها ليعلم الله ... أنني معترف بكل ذنوبي وأنني ماعدت أخشى شيئا لأنني عرفت كل أنواع الجحيم ....للشاعر منير مزيد من قصيدته جدارية الحزن والألم"
تسلل ظل جسدها النحيف على زوايا الجدار حين همت باجتيازه اسندت ظهرها إليه واحتمت بظله من ضوء القمر الذي اغراها في المقام الاول بارتكاب جرمها الملطخ ببقع سعادة ازلية لا ترغب أبداً بالتطهر منها، اغتنمت الثواني القليلة لتلتقط انفاسها وخافت أن يوقظ صوت لهاثها المتواصل كلاب الطريق، استجمعت كل قواها لتركض نحو مجهول لا تعرفه لكن تعبها وخذلان عزيمتها لها جعلها تستلم للحظات سكينة لم يهمها حينها اذ كانت حياتها ثمناً للاستمتاع بها، بدت لها بيوت القرية الطافية فوق الظلام قريبة منها وتحيط بها بشكل غريب على الرغم من انها تبعد عنها ساعات طويلة من العدو السريع . ترآت لها ظلال اشباح عكسها الضوء الخافت على صفحات مخيلتها المثقلة بالتساؤلات التي لم تراودها حين ذهبت لرؤيته للمرة الاخيرة وهو يحملُ جراحاً واحساساً بالخيبة وبعض قصاصاتٍ لاشعار كتبها لها وعلمها كيف تقرأها في حقيبة سفره، فبعد ان رفض ابوها تزويجهما وآثر تزويجها لاحد غيره قرر ترك قريته القابعة على نهر دجلة منذ مئات السنين بدون تغيير يذكر كأن الزمن نساها على قارعة طريقه وواصل المسير . لم تعرف ان احداً كان يتبعها عند خروجها من بيت ابيها حين تلقت رسالة منه بأنه مغادر قريته الى الأبد وأنه يتمنى ان يراها قبل الرحيل فلم تستطع مقاومة تجاهل رسالته المتوسلة كأنها الرغبة الأخيرة لمحكوم بالاعدام، لذا انتظرت الى ان سكنت انفاس منزلها وتسللت الى جزء النهر الوحيد الساكن في روح القرية والتي وعدها بأنه سينتظرها هناك، عبرت الطرق التي ضجت بنباح كلاب الحراسة عند سماعها هفيف ثوبها الاسود الطويل، تحمل رأسها الجميل على كتفيها وبعض من كبرياء المتعلمة، كان تمايل جسدها الغض ينبؤ باشتعال رغبة عارمة للقاء سيكون الموت نتيجته اذ ما كشف امرها ... وصلت اليه ولم تكد تلتقي عيناهما حتى اتفجر الاثنان ببكاء مر حمل كل مشاعر الظلم من العرف الجائر واحالها الى دموع ساخنة صار يتلقفها الاثنان بشفافهم لم ينطقا بأي كلمة وما كادت تنطق حتى وضع اصبعه على شفتيها طالبا منها عدم الكلام وبادرها : - اعرف ما تريدين قوله انا اقدر مجيئك ولن اسمح لنفسي بأن أؤذيك ابدا، هي فقط روحي التي تاقت لرؤيتك للمرة الاخيرة ولمس يديك ووجهك علني استطيع ان ادخر تلك اللحظة لايام غربتي، أنا خائف جداً مثلك تماماُ بأن موتي سيكون بعد فراقك . وضعت رأسها على كتفه وهمست في اذنه : - صدقني انا لا اخاف الموت بقدر خوفي على سمعة اهلي، فالموت اهون لي من رحيلك عني . رفع رأسها لينظر الى وجهها الذي استحال جمرة نار من اشتعال رغبتها بعدم فراقه قبلها على جبينها وخديها وقال لها: - لا اريدك ان تتأخري يجب ان تعودي الى البيت سأمشي خلفك الى ان اطمئن على وصولك لكن قبل هذا خذي دفاتر اشعاري هي كل ما املك لأبقيه معك ، كوني بخير وعيشي سعيدة من أجلي. - لن يكون خير ولا سعادة بعدك، سأشهد النهر على شوقي وحبي لك فلطالما كان رحيماً بنا يحتضن نظراتنا ويوصل همساتنا.. أنا احبك ولا استطيع ان اكون لرجل غيرك ارجوك لا ترحل. - ارجوك تماسكي يجب ان تذهبي الان ... انا راحل قبل الفجر واريد ان تحمل ذاكرتي صورة وجهك وانت تبتسمين لي . خبأت وجهها بصدره وجهشت ببكاء ثكلى لم يستطع حينها الا ان احاط جسدها المشتعل بذراعيه وغمر وجهه بشعرها يستنشق عبيراً لطالما تخيله، فهذه المرة الاولى التي تكون قريبة منه بهذا الشكل وأول مرة تكون مملكة جسدها التي حلم بها بين يديه بدون مقاومة او رقيب لكنها ثواني حتى سمعا صياح احدهما يؤذن بالنهضة للشرف المهدور... انه العريس المنتظر يعلن بان الساعة اشارت الى الموت الا دقائق معدودة مكنتها من الركض وهي تحتضن دفاتره على صدرها وتسمع صوته بأن تذهب من الناحية الشمالية للقرية فهو اقصر الطرق للخروج منها وبقي هو ليواجه مصيره ويؤخرهم عنها قدر استطاعته... ليس الخوف من الموت هو ما دفعها للركض وترك حبيبها وحده بل هو الاحساس بالوقاحة المشروعة لانها كسرت كل قوانين العرف لتمارس حقاً مستلب، احساس غريب لا يمت بصلة للشعور بالذنب او الخطيئة ركضت لساعات حتى وصلت تخوم القرية احست بالتعب لان الشعور بالحزن اثقلها فاسندت ظهرها الى السياج لتلقتط انفاسها، اغمضت عينيها وهي تفكر بما قد حصل لحبيبها وما هي الا برهة من الزمن في تقديرها حتى افاقت على صوت صياح الديك يعلن عن قدوم الفجر فتحت عينيها فلمع في عينيها ضوء ظنت انه نصل حربة سرعان ما ستهوي على عنقها فتنهي أخر امنياتها، لم تكن الا لحظة تهاوت فيها كل ما امنت به، أملها بأن يكون هناك متسع من الرحمة الالهية التي يمكن ان يخلصها من مصيرها المحتوم، لحظة أدركت فيها ان العالم كله محكوم بقيود أزلية لم ولن يكسرها ممارسة حق لها بدون التعدي على احد... لم تكن الا لحظة مرت لتدرك ان نور الغبش المتسلل من بين أوراق شجرة السنديان العنيدة المظلله للجدار قد غمرها ودخل عينيها وقلبها مؤذناً ببداية صبح جديد لا تعرف ماذا يحمل على اكتافه.
#زينب_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوميات من بلادي/ رحلة نحو الشمس
-
لحظة الموت حباً
-
يوم للنسيان
-
ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
-
اغتراب
-
ومضة
-
لقاء أخير
-
حزن الغياب
-
قلبي والمطر
-
عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل
...
-
فجر جديد
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|