|
وقفة الامام الحسين بين الرمز والتشخيص !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 12:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فتىً دهره شطران فيما ينوبه في جوده شطر وفي بأسه شطر فتىً مات بين الطعن والضرب ميتةً تقوم مقام النصر أن فاته النصر !
لم يفته النصر بل ظل كظله يطارد الطغاة بلا حدودٍ لزمان او مكان ، والبديل الرمزي للزمن والجسد الفاني ظل شاخصا في ضمير الوعي المعرفي وفي الاوعي المكتسب والمتوارث رغم تعاقب الاحقاب عليه ورغم محاولات طمس معانيه ، وافراغ رمزية الحالة وتفريغ شحناتها بجعلها طقوسية وكانها تقديس وعبادة للشخصية ذاتها ، وليس لوقفاتها واعمالها وهذا ما يؤدي ميدانيا الى مردودات عكسية تخديرية تنفيسية لا تجانس اصلها الرمزي التثويري والتنويري ، وفحوى رسالتها التي تختصر تاريخيا بفعل المقاومة كضرورة موضوعية للتغيير الذي يمس الامة ومصالحها . المقاومة فرض انساني واخلاقي وجمالي وتاريخي قبل كونه فرض ديني ، لهذا كله فان رمزنا يتكامل مع رموز تسبح مضيئة بسماء البشرية كلها ، المسيح وحالة صلبه ، غاندي واحتقاره للقوة الغاشمة التي تهتك بالضعفاء ، لقد برهن غاندي على ان ارادة المقاومة وحدها قادرة على تحقيق المعجزات ! الرمز ينسخ بارواح واجساد لها اول وليس لها اخر ، وهنا ايضا رمزية اسطورية تتناقلها اغلب مناطق الاوعي الفردية المتراكمة تراكم جمعي تتوارثه ذاكرة حاضرة تتلاقح في منطقة تتوسط العصب الباطني المضمور مع الوعي بالحاضر المقهور ! الرمزية تساعد الناس على استلهام خلاصة التجربة التاريخية واعادة صياغتها بما يعزز مصائرهم ويحميها ، ارزاقا واعناقا ، وهي بهذا المعنى تنتصر للرمز عندما تنتصر لذاتها ، حيث السعي للخيربكل اعماقه ومضامينه ومقاومة الشر بكل اشكاله ومضامينه . ان اشعال سعير التحريض ضد الطغاة باستلهام وقفات الرموز للخوض في هذه المصارع انما هو عين الفروض الواجبة للمستلهمين .
التشخيصية تبتذل الرمزية وتفصلها عن روحها ، بل انها في واحدة من مراتبها تطعنها في الصميم شالة تاثير مفعولها ومانعة اياها من اداء وظيفتها التعبوية التي تتسق مع روح الرمز، التشخيصية تعبير شكلي يجل المظهر لا الجوهر ، يركز على شخصنة المشخص بروح غيبية تقتل القيمة الانسانية في الذات المرمزة ! في وقفة الحسين تتداخل اخلاقيات التضحية والايثار بالشجاعة والمصابرة والاصرار والاقدام على مقارعة الظلم ، اخلاقيات تدعو لتبني نموذجا وقدوة من طراز جديد ، فاذا كان النبي قد اعطى القدوة بذات الاخلاقيات اثناء صراعه مع غير المسلمين ، فان الحسين جسدها بين معشر المسلمين ذاتهم وهو قد اعطى درسا لهم فيه قياس انساني عام ، عندما وصل الصراع على السلطة بين مجاميعهم الى اشده بحيث غطى غباره على اصل الرمزية المحمدية ، وهذه حالة جديدة افرزت صراعا بين قوى الخير والشر داخل البيت الاسلامي الكبير الذي شهد تحولات كبرى بعد ان غدت دولة الاسلام عابرة للحدود سائرة نحو تجاوزمن سبقها من امبراطوريات . جاءت وقفة الحسين لتعطي رمزية من نوع اخر رمزية لا تريد السلطة الا عقدا بين الحاكم والمحكوم واذا اخل الحاكم بعقده فان خلعه امر مفروغ منه ، والبيعة له لا تتم الا بالاهلية ، رمزية تريد ان تؤسس لحكم يخدم الناس ومصالحهم ، حكم ليس فيه توريث وطغيان فالحاكم ليس ظل الله في الارض والخلافة ليست قميص يمنحها الله له ، انه تكليف بشري له مستلزمات ان انطبقت على اسود حبشي فاليحكم بعد ان يبايعه الناس اختيارا وليس خوفا ! حسينا يحلم بمدينة اسلامية فاضلة ، وهو لم يكن افلاطونيا لذلك سار بنفسه نحو تحقيق شرف المحاولة وجسد بهذا معينا لا ينضب لمحاولات لاحقة سيكون لتراكمها اثر بالغ في قيام البديل . لذلك لم يكن في ذهن الامام الحسين ان تحصر خلافة المسلمين بنسله ، اما المذاهب الاثنى عشري او الامامي والزيدي والجعفري والكسائي والايباضي والاسماعيلي فهي فقه مؤول في اجتهاده ولا يخلو بعضه من الجنوح لكنه عموما يعكس حالة التصدي للحكم الاسلامي المنحرف ، والامام في اغلب اصل هذه المذاهب هوالمعبر عن فقه الاسلام وهو بالتالي بورعه وتقواه ضمير الامة ، واحيانا هو قائد لمعارضتها وليس هو خليفة مسبق بحكم انحداره من نسل علي وفاطمة عليهما السلام ، والمذاهب الفقهية الاسلامية السنية الاربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، سارت في اتجاه لا يختلف مضمونا عن المذاهب الشيعية رغم كونها غير باطنية اي غير سرية ، فالائمة في هذه المذاهب لم يكونوا دعاة خلافة او سلطة وكانوا يدعون الخلفاء الى الاعتدال والاهتداء بتعاليم الاسلام العامة والخاصة ، لكنهم لم يكونوا دعاة ثورة ، انما اصلاح وتقوى ، وقد دفع بعضهم حياته ثمنا لمواقفه المبدئية من الحكم كما حصل مع الامام ابو حنيفة النعمان في عهد ابو جعفر المنصور ، لقد كان ابو حنيفة قريبا من أئمة الشيعة وعمل على تليين مواقف العباسسين منهم ! ان تسسييس الوقفة الحسينية باتجاه يغاير رمزيتها هو تشخيص مشوه للاقتداء بها ، فالحوزة الحسينية هي حوزة ناطقة بكل ما يوحد الامة ويجمعها على كلمة سواء ، وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمعروف بلغة عصرنا هو حرية الانسان واختياره الذي لا جبر فيه غير جبر عدم تجاوز حدود الاخرين ، اما النهي عن المنكر فهو النهي عن الخنوع او مداهنة الطغاة ، والمحتلين لبلادنا هم الطغاة ، ولهؤلاء اتباع من بني جلدتنا مقاومتهم وتجريدهم من مكامن قوتهم عمل حسيني بكل ابعاده .
حوزة الحسين لا تلطم ولاتستهلك طاقتها ودمها بجلد ذاتها وانما تستحضر معاني وقفته لتسير على هداها ، الحسيني الحقيقي هو المقاوم للظلم والفساد والفرقة وقبل كل هذا وذاك المقاوم للاحتلال بيده او لسانه او قلبه وذلك اضعف الايمان ، الحسين قاوم بالثلاثة معا ، فهل من يدعون بالحسينية من اصحاب الاحزاب الطائفية واصحاب الحوزة الصامتة ومقلديهم يسيرون على طريق الحسين ويسعون للتغيير الذي يخدم الامة ، ام انهم يتاجرون بالحسين لغايات بنفوسهم ـ مال وجاه وسلطان ـ ؟
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاعدة ليست استثناء !
-
متى يكون المثقف متبوعا ؟
-
ايها الديمقراطيون ارفعوا اصوات تضامنكم مع مجلة -الاداب -
-
الشيوعية العدو اللدود للامبريالية
-
حدود وسدود لا تصان الا بتحرير العراق وكسر قيود احتلاله !
-
مواقف راقصة للوقفان السني والشيعي في عراق اليوم !
-
حالة الامن والمرأة العراقية !
-
المتاهات والبدايات الصحيحة
-
التحسن الامني في العراق اشاعة رخيصة وباهتة !
-
لماذا الحاجة الامريكية الى اتفاقية عسكرية طويلة الامد مع الع
...
-
الغياب ممنوع والعذر مرفوع والرزق على أنا بوليس !
-
مقاومة الاحتلال وعمليته السياسية لاتؤتي ثمارها بالمساومات !
-
سلامة العراق سلامة لكل جيرانه !
-
المثقف الاعور !
-
وعد بلفور ووعيد هتلر!
-
التطور اللاراسمالي بين الخرافة الفعلية والامكانية النظرية !
-
وصفة مجربة :
-
عفاريت السيد والباشا والاغا والخانم والخاتون!
-
الناقص والزائد في ضرب العراق وتقسيمه !
-
من حزازير المنطقة الخضراء في رمضان
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|