|
أنتفاضة أذار شعبان 1991
عبدالحسين الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2167 - 2008 / 1 / 21 - 10:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد خروج نظام صدام حسين من حربه المجنونة والعبثية مع إيران ، والتي راح ضحيتها من الطرفين مئات الآلاف من القتلى وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين ، حاول هذا النظام ونتيجة سياسته الديماغوجية أن يصور خروجه من هذه الحرب على أنه إنتصار في الجبهة العسكرية وقوة لماكنته الحربية ، وكانت لخشيته من توسع هذه الماكنة ، وأحلام بعض الضباط في التسلق الى السلطة عن طريق الأنقلابات العسكرية ، أو التمرد عليه ، بادر الى عمل مجنون آخر تمثل في دخوله بحرب ظالمة ضد الشقيقة دولة الكويت ليشبع نزواته وغروره في التوسع ، وفرض هيمنته على المنطقة ، وليبعد عنه شبح الأنقلابات العسكرية المتوقعة وخطرها . إلا إن الإرادة الدولية والعربية وقفت الى جانب دولة الكويت وشعبها المظلوم ، فضلاً عن موقف شعوب البلدان العربية والقوى الوطنية والقومية التقدمية التي كان لوقفتها الأثر الكبير بإرغام صدام على الأنسحاب من الكويت مدحوراً وهو يجر وراءه أذيال الهزيمة النكراء والأنكسار المخزي . لقد عانى الشعب العراقي الويلات من جراء السياسة الحمقاء لنظام البعث ، بدءً من دخوله في حربين عبثيتين مع إيران والكويت ناهيك عن سياسة القمع والبطش والترهيب التي كان يمارسها ضد أبناء الشعب ، وخاصة المناضلين من القوى والأحزاب الوطنية والقومية التقدمية والحركات الأسلامية ، وزج بالكثير منهم في غياهب السجون السرية التي لا يعرف طريق لها فضلاً عن تصفيته الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية والدينية والأجتماعية والناشطة في حقوق الأنسان والمجتمع المدني . لقد كانت لمعاناة الشباب من سياسة التجنيد الإجباري وسوقهم بالأكراه الى جبهات القتال والزج بهم في أتون حرب لا طائل من ورائها سبب آخر يضاف الى جملة الأسباب ، الى جانب الآستهتار بالقيم الأجتماعية وأستغلال السلطة والمال العام بشكلٍ سيء من قبل العائلة المتسلطة ، والبعض من المرتزقة والمتزلفين والمبوقين ، وهو ما جعل هذا النظام يقف على شفا حفرة من السقوط الى الهاوية . كان وضع الشعب العراقي أشبه ما يكون ببرميل بارود قابل للأنفجار بمجرد أن تقترب إليه الشرارة ، وما إن أعلن عن أنسحاب الجيش العراقي من الكويت وهو منكسر حتى بادر الجنود للهرب من جبهات القتال والقائهم السلاح ، ومن ثم ألتحاقهم بمحافظاتهم في الجنوب والوسط بعد إن علموا إن جماهير هذه المدن قد أعلنوا في أذار ــ شعبان من عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين الأنتفاضة الشعبية ، وأعلان التمرد المسلح وبداية الهجوم على المقرات الحكومية والحزبية التابعة لحزب السلطة في مدينة البصرة ، ومن ثم أمتدادها الى مدن العراق الأخرى ، وجرت السيطرة على المدن بشكل كامل ، وما كانت تتسم به هذه الأنتفاضة هو أنطلاقها بشكل أشبه ما يكون بالعفوي ودون توجيه مسبق من قيادة أي أحد ، إلا بعد حين حيث أشترك الوطنيون والشيوعيون والأسلامويون والمستقلون والجماهير الغاضبة والمتضررة من النظام الشمولي ، ومن جميع الطيف العراقي المختلف التنوع ، من الكورد والعرب والتركمان ، وغيرهم ، ذلك لأن قيادات الحركات الوطنية والقومية والأسلامية إما كانت خارج البلاد في بلدان الجوار والعالم أو في جبال كوردستان . لقد كان الظلم والأضطهاد والأستهتار من قبل النظام الصدامي قاسماً مشتركاً للمنتفظين ، وعاملاً محركاً لهذه الجماهير المسحوقة والمظلومة ، ولم يكن لها أي هدف سوى أسقاط النظام الدكتاتوري البغيض ، وبأي شكل كان دون أن تحدد البديل في حينها ، لا كما كانت تخطط له القيادات السياسية المعارضة المجتمعة في بيروت . بالرغم من نجاح الجبهة الكوردستانية بفصائلها كافة من السيطرة التامة على الأقليم في هذه الأنتفاضة ، وتوجه بعض كوادر الأحزاب السياسية الوطنية والقومية والأسلامية لقيادة الجماهير التي سبقتهم في الأنتفاضة ، إلا أن تغييراً في موقف قوات التحالف الغربي ، ونتيجة مواقف أقليمية ولحسابات ومصالح خاصة أُوقف الدعم المعنوي للجماهير المندفعة ، وبالتالي أطلاق العنان لصدام وأجهزته العسكرية والأمنية باستعادة المبادرة والسيطرة على الأوضاع داخل المدن العراقية التي سقطت بيد الجماهير ، فحدث ما حدث ، حيث هاج الثور المجروح فأخذ ينتقم من المدن المنتفضة من خلال دكها بالمدفعية الثقيلة والدبابات وحتى الطائرات السمتية ، ثم قام بعد دخوله المدن بأعتقال كل من يشك بمشاركته في الأنتفاضة ، وأُ عدم الكثيرون في الشوارع ثم سيق الآخرون الى سجون الرضوانية والأمن العامة والمخابرات ، فتمت تصفيتهم ودفنهم أحياء في مقابر جماعية ، وقد أضطر البعض من المنتفضين للهرب من بطش النظام الى خارج العراق أو اللجوء الى الأهوار أو الصعود للجبل في كوردستان العراق ، لكي يواصلوا النضال من أجل أسقاط نظام صدام البغيض . لقد كانت الأنتفاضة الشعبية عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين أحدى الصفحات المشرقة في تاريخ هذا الشعب الأبي ، وكانت فيما بعد المقدمة الحقيقية للتغيير الحاصل في نيسان من عام ألفين وثلاثة
#عبدالحسين_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاولة أغتيال عدي صدام حسين ... وأسطورة الجدار الأمني الموهو
...
-
نحو جبهة وطنية عريضة
-
ملحمة الطف قراءة من وجهة نظر أخرى
-
سميرة مزعل إمرأة من هذا الزمان *
-
معارك الأهوار ( معركة أبو الروس) الحلقة الخامسة
-
الشهيد البروفسور صفاء الحافظ ( 1 )
-
معارك الأهوار ( معركة أم الغزلان ) الحلقة الرابعة
-
معارك الأهوار ( معركة الحَمَّارَة ) الحلقة الثالثة
-
معارك الأهوار ( معركة الزورة ) الحلقة الثانية
-
معارك الأهوار ( معارك هور الغموكة ) الحلقة الأولى
-
مقاومة مدينة الكاظمية عام 1963
-
سجن الكوت وداعاً والى الأبد
-
- سيدة الأعصر - مهداة الى مهناز (1)
-
المتحف
-
إنتفاضة الحي 1956 .... ذاكرة تتجدد
-
المجد لذكرى أنتفاضة تشرين الثاني عام 1952
-
أي قنون للآستثمار نريد ؟
-
كابوس
-
ذاكرة
-
في ذكرى منفى بدرة الحدودي
المزيد.....
-
الحكومة اللبنانية تدين تفجيرات بيجر: -عدوان إسرائيلي إجرامي-
...
-
الجيش الإٍسرائيلي: لا يوجد أي تغيير في إرشادات الدفاع لقيادة
...
-
9 قتلى و2750 جريحًا في انفجار أجهزة -البيجر- وحزب الله يحمل
...
-
-إرنا-: شويغو يلتقي بزشكيان في طهران ويسلمه رسالة من بوتين
-
مسؤول في -حزب الله- يكشف لـ-رويترز-: حسن نصر الله بخير
-
لبنان.. مقتل نجل النائب عن -حزب الله- علي عمار في انفجارات أ
...
-
الجيش الإٍسرائيلي: لا يوجد أي تغيير في إرشادات الدفاع لقيادة
...
-
لوكاشينكو: نعلم بما تخططه ليتوانيا لبدء محاكمة ضدي في لاهاي
...
-
قتلى وجرحى بسبب حرائق الغابات في البرتغال
-
تتارستان.. اكتمال الحفريات في مقبرة تاريخية أقدم من الأهرام
...
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|