أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سلام عبود - محاكمة الأدب الفاشي عالميا















المزيد.....

محاكمة الأدب الفاشي عالميا


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 2166 - 2008 / 1 / 20 - 11:21
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لم يكتف أدباء الحرب والتعبئة ومناصرو حقبة الاستبداد بماضيهم الثقافي الأسود, بل ذهبوا بعيدا في مجال الدفاع عن هذا الماضي وتبرير سقطاته. فحالما تقترب عين النقد من هذا الإرث اللاإنساني المظلم حتى يهبّ المدافعون عن ذلك الماضي, تحت ذرائع شتى, محذرين من مغبة المساس بعذرية ووداعة الكائن المسمى بالأديب والفنان! فهو كائن استثنائي, مثل قائده وحروبه, يدخل الحروب الثقافية استثنائيا, ويسهو استثنائيا, ويخرج من الحروب استثنائيا, ويتخلص من نقد السهو استثنائيا, ويواصل رحلة التزوير والمكر والتضليل استثنائيا. وقد تطرف البعض في هذا الدفاع حينما اعتبروا أي نقد يوجه الى ثقافة التعبئة ومثقفي الحزب والعنف ضربا من المحرمات, تعادل الحكم بـ "الإعدام"! إن تعبير "إعدام" لم يزل عالقا بأفواه المتصلّفين كالأشنات المتعفة, متجاهلين الأثر النفسي والثقافي والتربوي لهذه التبريرية الكاذبة.
كيف نظرت شعوب العالم الى تجاربها, ونعني تجارب كتابها الكبار, الذين تخطوا حواجز المحلية ودخلوا تاريخ الثقافة العالمية من أبوابه الواسعة؟
على الرغم من المكانة المرموقة التي احتلها شعراء وكتاب عالميون أثروا الأدب والثقافة بعظمة إبداعهم, إلا أنهم لم يفلتوا من نقد المجتمع. فالتاريخ البشري لا يسامح أعداء الإنسان, مهما راوغوا وتقنّعوا. والشعوب الحيّة لا تكنس الأوساخ وتخفيها تحت سجادة صلاتها, كما اعتادت شعوبنا أن تفعل. أدباء وصفوا بالعظماء فنيا ومعرفيا كإزرا باوند وكنوت هامسون وهيدجر, لم تتسامح معهم شعوبهم, حينما وجدت أنهم سايروا مشاريع الحرب والفاشية. فعلى الرغم من المكانة المرموقة التي يحتلها الشاعر إزرا باوند في التجربة الأدبية العالمية, إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الأميركية من القاء القبض عليه وترحيله الى الولايات المتحدة ووضعه في محجر عقلي. وضع باوند في مشفى للأمراض النفسية والعصبية في واشنطن من عام 1946 حتى عام 1958, أي حجرلاثنتي عشرة سنة. والحجر النفسي, في نظر الشعوب المتحضرة, عقوبة أقسى من السجن, حينما تقع على كاتب وفنان له مكانة باوند. أما كنوت هامسون, أعظم كتاب الشمال الأوروبيّ, الإنساني النزعة, والحائز على جائزة نوبل, فلم يتسامح الشعب النرويجي مع "موقفه" في مسايرة الحقبة النازية. وهو موقف مختلف عليه كثيرا. وعلى الرغم من شيخوخة هامسون, فقد وضع في مصح عقلي, وهو في السادسة والثمانين من عمره. ومن يقرأ مذكرات تجربة الحجر النفسي التي كتبها هامسون عن تلك السنوات الحالكات, يدرك عمق العقاب الذي تلقاه هذا العملاق الأدبي الكبير. أما هيدجر, الذي يحلو للجهلة التغني بـ "هفوته", فكانت هفوته أنه كان على صلة بالحزب النازي, وقبل موقعا جامعيا في السنة ذاتها التي صعد فيها هتلر الى قمة السلطة عام 1933. لكن هيدجر سرعان ما استقال بعد عام واحد فحسب. وإذا أردنا ترجمة تجربة هيدجر عراقيّا, ستكون الكارثة الثقافية لا حدود لها. فتجربة هيدجر تشبه تجربة استاذ جامعي كان على علاقة بانقلابيي 14 رمضان وقبل منهم منصبا جامعيا, ثم تخلى عنه طوعا. وعلى الرغم من هذا فإن اسم هيدجر ظل, وسيظل, محفورا في تاريخ الثقافة والفلسفة باعتباره أحد الذين خانوا ضمائرهم ومسؤولياتهم العلمية والمهنية والعقلية. وللتأكد من هذا يمكن مراجعه أحدث طبعة من كتاب "تاريخ الفلسفة الغربية", بقلم د. دبليو. هاملين, الصفحة347.
إن التاريخ لا يرحم . فكم إزرا باوند وكنوت هامسون عراقيا - إذا كنا نملك ولو على سبيل الافتراض مثل هؤلاء "العظماء فنيا" - وضع في محجر عقلي؟ وكم فيلسوفا "عظيما" كهيدجر ومطبلا عقليا للديكتاتور أو للاحتلال سجل في تاريخ الثقافة كـ "خائن" للضمير الوطني؟ إن الثقافة, عندنا, هي ميدان التضليل الأكبر, ميدان البيع الرخيص للكرامة والقيم والمواقف والمسؤوليات. ولكن, ليس الثقافة كلها, الثقافة المنحطة وحدها, الثقافة التي يكتبها لصوص الثقافة في زمن الطغيان, سواء كان طغيانا بعثيا أو أميركيا أو شموليا.
إن شعوبا أكثر تحضرا منا, وأقل ولعا بلعبة " الخائن" و"البطل", كالشعب الألماني, لم تزل حتى اليوم تنقب وتراقب ملفاتها السرية. فعلى الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على نهاية سلطة الرايخ الثالث, لم يزل التاريخ الثقافي الألماني موضع رصد وتمحيص. ففي آب 2007 أعلنت المتحدثة باسم الإرشيف الاتحادي الألماني أن الكاتبين مارتن ولسر وسيغفريد لنز كانا عضوين في الحزب النازي الألماني. وقد كذب الكاتبان الخبر. وأكد ولسر, المريض, الذي يبلغ الثمانين من العمر الآن, أنه كان مراهقا, في السادسة عشرة من عمره آنذاك, وكانت منظمة الشباب النازية تقوم بتحويل أسماء الشباب اليها تلقائيا. ويصرّ ولسر على أنه لم يقم بملء استمارة عضوية لأية منظمة حزبيّة. أما الأمر المؤكد فإنه لم يكتب حرفا واحدا يخدم عسكرة المجتمع.
ولم تزل منظمات كثيرة, منها جماعات عمل ترتبط بمنظمة هنريش بول ( حائز على جائزة نوبل عام 1972, مجند في الجيش الألماني وأسير في الحرب العالمية الثانية) تتقصى وتمحص الملفات السرية للمتعاونين مع الشرطة السرية الألمانية الشرقية. وقبل أقل من عام واحد فجّر الكاتب الألماني, ورفيق هنريش بول في حملة تطهير الإرث النازي, غونتر غراس, قنبلة أخلاقية, جرى تفسيرها بطرق مختلفة, تحدث فيها عن أمر من ماض سحيق, من زمن المراهقة: عن انتمائه الى المؤسسة النازية, وهي تهمة قريبة من تهمة ولسر, اعترف بها في شيخوخته, بمحض إرادته.
سيختلف الناس في سبل تأويل هذه الأحداث, لكنهم لن يختلفوا في أمر واحد: التاريخ لا ينسى, والحقيقة وحدها هي التي تكتب التاريخ الصحيح. وشتان بين مراهق يساق الى تنظيم لا إنساني وكاتب " كامل البلوغ" يخدم طوعا في معركة تشن ضد شعبه, أو كاتب يزور تاريخ البشر لصالح ديكتاتور أحمق أو محتل كريه. إن من يبحث لنفسه أو لغيره عن استثناءات في لعبة الشر لهو شرير أصيل, يعي بإصرار وصلف ما يقوم به من عدوان على حرمة الإنسان والمجتمع.

# ترتبط كلمة فاشي قاموسيا بتيار موسوليني السياسي تحديدا( 1922- 1945). وبعد سقوط سلطة موسوليني غدا هذا المصطلح تعبيرا عاما يشمل مؤسسات الفكر والتنظيمات الاستبدادية كافة, التي تمركز سلطة الدولة والحزب والمجتمع في يد القائد الأوحد.

# مقتطف من الفصل الرابع - الباب الأول من كتاب تحت الطبع بعنوان " من يصنع الديكتاتور؟", يصدر قريبا جدا عن دار الجمل.





#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يصرعون الله بالضربة القاضية
- تحالف الحكّام الشيعة والكرد: شراكة وطنيّة أم زواج متعة؟
- عراقي في لوس انجلس .. الحلم الأميركي والكابوس العراقي
- المذبحة الأخيرة على الأبواب: معركة كركوك
- قميص بغداد!
- الثقافة بين الإرهاب وديموقراطية الاحتلال
- زورق الأزل! من أساطير عرب الأهوار في جنوب العراق
- شهداء للبيع! البحث عن رفات الشهيد كاظم طوفان
- من أوراق مثقف عراقي من سلالة اليانكي
- حنين الى زمن أغبر! رد على نقد ثقافة العنف المنشور في صحيفة ا ...
- مشكلة كركوك أم مشكلة الحرب على العراق؟
- الجنس بين الرقيب الداخلي والرقيب الرسمي
- من زعم أن العراقيين لا ينتحرون؟ - دعوة رسمية لحضور حفلة انتح ...
- اجتثاثا البعث بين الحقيقة والوهم
- هل التربة العراقية صالحة لإنبات ثقافة مقاومة العنف؟
- اغتصاب الزوجات وانعكاسه في النص الأدبي
- هل العراقيون مؤهلون لخلق حركة ثقافية معادية للعنف؟
- تناقضات سياسة الاحتلال الأميركي المستعصية في العراق
- جواز سفر عيراقي, ولكن لغير العراقيين!
- هل كان الرصافي طائفيا؟


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سلام عبود - محاكمة الأدب الفاشي عالميا