|
الفجوة الحضارية بين الشرق والغررب
منذر عجاج
الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:06
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
عند الاطلاع على المجتمع الغربي والمجتمع العربي نجد أنما مجتمعان مختلفات في تكوينتهما فالمجتمعات الغربية مجتمعات فردانية والمجتمعات العربية هي مجتمعات جمعانية تربطهم علاقات على أساس روابط الدم .و مبدأ فردانية في المجتمعات الغربية المبنية على العقيدة في البروتستانية امتد ليشمل التربية وعلاقة الفرد بالمجتمع والسلوك الاقتصادي وأساس بناء الدولة. فقد تأسست على الفردانية حرية المبادرة وروح الابتكار والمغامرة في الاقتصاد، والتربية على الحرية في السلوك، واقامة المجتمع السياسي على التعاقد بين ارادات أفراد أحرار. ومما اسهم ويسهم في الصعوبة التي يواجهها العرب في الاستيعاب الحضاري حالة الشعوب والدول العربية، وهي الحالة التي تجعل من الاصعب الاستيعاب والتمثل الحضاريين. ومن سمات هذه الحالة غلبة النظام الذكوري الابوي (الباطرياركي) والتسلط والاستبداد الاجتماعيان بالمعنى الاوسع للعبارة والاقطاع والعشائرية والطائفية والفكر الرومانسي والافتقار الى الفهم الدينامي للظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها من السمات ذات الصلة. الفجوة الحضارية بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية تظهر في المؤشرات التالية بشكل واضح وهي: 1- مستوى التطور الاقتصادي الناتج عن الثورة الصناعية والقائم أساسا على إنتاج وسائل الإنتاج وتركزها وتمركزها في الغرب الذي مكن دولها من امتلاك قوة اقتصادية جبارة وسمح بسيطرة وهيمنة شركاتها المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات على الاقتصاد العالمي، بينما لا زالت المجتمعات العربية تراوح في مستوى الإنتاج الحرفي الصغير والمبعثر وإنتاج وسائل الاستهلاك المعتمدة على تكنولوجيا غربية متقادمة وتهدر رؤوس أموالها على الاستهلاك وبناء القصور وترف الحكام والسلاطين والملوك والأمراء وضمان أمن أنظمتهم الاستبدادية. 2- مستوى تحول العلم ومستحدثاته إلى قوة إنتاج حقيقية في الغرب والمعبر عنها بالثورة العلمية –التكنولوجية ودخول التكنولوجيا كافة مجالات الحياة ، وما أحدثه ويحدثه العلم من صيرورة حضارية نتيجة التنظيم العلمي للمعارف وإدراكها والاستفادة منها. 3- سيادة مناهج وأنماط التفكير الحديثة في الغرب كالعقلانية والنقدية الموضوعية والعلمانية والعلمية والبراغماتية والإنسانية والنزوع للحداثة، فيما لا زالت المجتمعات العربية تغط في التفكير السلفي والآيديولوجي والديني واللاهونية والميتافيزيقية والتأملية والقدرية والرؤى السيكوليستيكية والمنهج السجالي المنكفئ على الذات والتراث التاريخي و العاجزة عن فهم كنه التطور الحضاري الحاصل في الغرب واللحاق به. 4- درجة التمدن التي وصلت إليها المجتمعات الغربية نتيجة قدرة الثقافة فيها على إدماج القيم الحضارية البشرية في بنية مفاهيمها وقيمها الخاصة ودرجة إشباع الحاجات النوعية للمواطن وضمان العيش في بيئة لائقة؛ و كذلك قدرة هذه المجتمعات على رغم التنوع والتناقضات الداخلية على الحفاظ على مستوى عال من الوحدة الداخلية والترابط والتحديث القائمة على التواصل وليس الاكراه ، و الذي رفع من مستوى "الأنا " القومية وتمثلها للحضارة وسمح بتقارب أمم الغرب 5- مستوى تطور التنظيم السياسي للمجتمع في الغرب وترسخ المجتمع المدني والمأسسة الدستورية الديمقراطية التي تسمح بالتعددية الفكرية والسياسية وكفالة الحقوق وتوسع الحريات والمشاركة السياسية وتداول السلطة سلميا . 6- مستوى التقدم الذي وصله الغرب في تثوير واستخدام وسائل الاتصال والمعلوماتية والمواصلات ، التي عمقت الفجوة بينه وبين غيره من المجتمعات وأضافت إليها فجوة رقمية معلوماتية ومعرفية. ومن خلال هذه النقاط الدالة على عمق الفجوة بين العرب والغرب ، فالعالم المعاصر يشهد متغيرات و تحولات غير مسبوقة في ظل النظام الكوني الجديد الناشئ . وفي هذا العالم يواجه العرب تحديات حضارية بسبب الفجوة الحضارية التي تفصلهم عن عالم الحقبقة الواقعي ، وتعاظم إحساسهم بقوة صدمة ما بعد الحداثة. فالعالم العربي لا يزال عاجزاً عن الإجابة عن أسئلة صدمة الحداثة الأولى التي داهمته قبل مائتي سنة ، ولا ريب في أن هذه التحديات تقتضي تشغيل مفاعيل الاستجابة لها كضرورة يستحيل بدونها عبور الفجوة الحضارية التي تحول دون الحضور الفاعل للمجتمعات العربية و في هذه الحقبة من تطور العصر والعالم. ولقياس معاير نجاح الحضارة في أي مجتمع يكون من خلا المعيارين المعيار الداخلي:المتمثل فيمدى توفير الامن الغذائي والحاجات الانسانية حسب المستوى الحضاري به دولياً، والمعيار الخارجي:وهو المجتمع الذي يستطيع منع الاخرين من الاعتداء عليه،ومن أجل تطبيق المعيارين السابقين يتوجب على المجتمع أن ينتج. فالفجوة الحضارية،يمكن تفسيرها من خلال تتبع التطور التاريخي ، فبداية الحضارتين الإسلامية والرأسمالية كانت بداية دينية: ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، وظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا الغربية. يخفي هذا التشابه الاختلاف الثالث بين الحضارتين الإسلامية والرأسمالية، وهو اختلاف مهم من حيث دلالته بالنسبة لموضوعنا. يتعلق هذا الاختلاف أيضاً بالبداية التاريخية لكل من الحضارتين. لا يمكن تناول ذلك بالتفصيل هنا، لكن تكفي الإشارة إلى أن ظهور الإسلام، باعتباره الشرارة الأولى للحضارة الإسلامية، حدث في إطار سياسي في مكة يفتقد إلى الدولة، وبالتالي جاء تأسيس الدولة، في المدينة، على يد الإسلام. ربما أنه بسبب ذلك اتسمت البداية السياسية للإسلام في مرحلة الخلافة الراشدة بشيء من الانفتاح، والحوار والمساواة، خاصة داخل الطبقة السياسية التي كانت تتهيأ لتولي المسؤولية بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لم تدم هذه التجربة أكثر من ثلاثين سنة، على أكثر تقدير، لتأخذ الدولة بعد ذلك طبيعتها الاستبدادية مع الدولة الأموية. في المقابل كانت بداية الحضارة الغربية في العصور الوسطى داخل إطار راسخ لدولة اتسمت بالاستبداد الثيوقراطي. ومع أنها كانت بداية دينية، إلا أنها انتهت بفصل الدين عن الدولة. بعبارة أخرى، بقيت الدولة الإسلامية، وبعدها الحضارة الإسلامية، وفية لجذرها الديني- الإسلامي، ولأنها لم تواجه استبداداً يقف في وجهها، أخذت هي تستولد خاصيتها الاستبدادية. في المقابل كانت بداية الحضارة الرأسمالية ثورة على دولة وثقافة العصور الوسطى، وبالتالي ثورة على الدين والاستبداد اللذين قامت عليهما تلك الدولة. ولعله كان من الطبيعي أن تنتهي هذه المسيرة الحضارية إلى صيغتها الحالية، وما تتسم به من خصائص تتحيز إلى تحرير الفرد من عبودية الفكر الديني وعبودية الاستبداد السياسي "الحرية"، وإلى تبني مبدأ العقلانية باعتباره المبدأ الوحيد الذي يجب أن يحكم حياة الإنسان، ومن ذلك جاء "المنطق العلمي" لينتظم هذه المسيرة. وقد استطاع الغرب أن يراكم في كافة المجالات ويصل مع عصر العولمة الى مستوى من التقدم العلمي التكنولوجي ما جعله يتقدم على المجتمعات العربية بمسافة كبيرة من حيث كافة المؤشرات الحضارية .وعلى الرغم من التوفر النسبي لأسباب المعرفة ، ألا أن طبيعة الأنظمة السياسية العربية الاستبدادية وأنماط التفكير السائدة وضعف وتخلف مستوى البحث العلمي لدى العرب، واحتكار الغرب للتكنولوجيا الحديثة واستمرار سيطرته وهيمنته الاقتصادية على اقتصاد العرب وأسواقهم وثرواتهم ، والنزعة الشمولية لثقافة العولمة ، تبقي جميعها أسباب الفجوة قائمة ، وقد تسمح بتوسعها إن لم يمسك العرب بأسباب النهضة والتقدم الحضاري ، وإصلاح هذا النظام ليكون على مستوى التحديات الحضارية ، هو الذي يمكن العرب من اللحاق بركب الحضارة.
#منذر_عجاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن ماذا تبحث الحكومة الحالية ؟؟؟
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|