|
غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 08:59
المحور:
الادب والفن
إحتضنت الواجهة الأمامية لصالة الإحتفالات الملكية في " ساوث بانك " في لندن العمل التركيبي الجديد " غمامة مدينية " للمصممة والمهندسة المعمارية العراقية زها حديد. وقد توافق إفتتاح هذا العمل التركيبي مع معرضها الإستعادي الشامل الذي ينظّمه متحف التصميم في لندن. تتكون هذه " الغمامة " من " 150 " قطعة كونكريتية سوداء مصقولة ومربوطة مع بعضها البعض ببراغٍ حديدية. إن اللافت للنظر في هذا التكوين الذي يهدم الفواصل بين العمارة والتصميم والهندسة والنحت هو إنسيابية المادة الكونكريتية الصلبة، ورشاقتها التي إستمدتها الفنانة زها حديد من مخيلتها المرنة أصلاً، ولهذا فقد شكلّت المعالم الخارجية للقطع الكونكريتية وصاغتها عبر أشكال مرنة، منسابة، لدنة، وكأن الحجر الصلد مادة مطواعة لينة قابلة للمطِّ والتطويل. يزدان جدار الغمامة بعدد كبير من الثقوب التي يمكن الإفادة منها بواسطة المؤثرات الضوئية التي تمنح التكوين أبعاداً بصرية مضافة إذا ما أرخى الليل سدوله. إن ما يميز أي عمل معماري أو فني لزها حديد هو حركته، وإنسيابيته، وغياب الأشكال التقليدية فيه، وبالذات العمودية والأفقية منها، وهيمنة الميوعة " الفوضوية " التي تشي بالقلق، والخلخلة، وعدم الإستقرار، لكن المتمعن في أي عمل لها، سواء أكان تخطيطاً، أو رسماً، أو تكويناً، أو بناءً معمارياً كبيراً سيجد من دون عناء كبير أن هناك بنية قوية جداً قائمة على مبدأ تفكيكي يخلخل قناعة المتلقي القائمة على أشكال تقليدية مألوفة إستمدها من " ثنائية الأشكال الأفقية العمودية " وإعتاد عليها وألِفها، بينما لم يعتد على الأشكال الفوضوية المائعة والمتشظية في كل الزوايا المتاحة والممكنة، خاصة وأن مهندستنا الفنانة تنزع الى التماهي مع البيئة التي تحيط بعملها، وتطوّقه من جهاته الأربع. ورب سائل يسأل عن السبب الذي يدفع زها الى العزوف عن الأشكال التقليدية القديمة التي تتضارب كلياً مع مخيتلها المجنحة التي تجد ضالتها في كل ما هو جديد، وغريب، وحداثي، وما بعد حداثي أيضاً. صرّحت زها ذات مرة قائلة: " إن التخطيطات الهندسية التقليدية لا تستطيع أن تنقل " مشاعرها " المتطرّفة أبداً، وفضاءاتها المنسابة، لكن رسوماتها، وتخطيطاتها الجريئة تفلح في نقل تلك المشاعر المنفلتة. " ولا شك في أن هذه المشاعر المتمردة على الأشكال التقليدية تحتاج الى وقت طويل كي يفهمها عامة الناس أو يستسيغونها في الأقل، ولهذا السبب تلوذ المهندسة الفنانة بالرسوم التجريدية أو الإنطباعية القائمة على مخيلتها الخاصة التي تجنح الة الفرادة والإستفزاز أحياناً. ذات مرة عرض عليها المعماري الهولندي المشهور كولهاس إِثر تخرجها عام 1977 من " الجمعية المعمارية AA" أن تكون شريكة له في مكتبه المعماري الخاص، لكنها سرعان ما إنفصلت عنه، ولم يتذمر هذا المبدع الكبير، بل وصف سلوكها بالقول " إنها كوكب يدور في فلكه الخاص ". وعلى رغمٍ من أن وعيها المعماري قد تشكَّل على أسسٍ حداثية، وبنائية، وسوبرماتية، إلا أنها تنتمي كلياً الى تيار " الحداثة الجديدة " أو الحداثة الباروكية حيث يصعب تحديد نقطة الإرتكاز ظاهرياً في الأقل. ولهذا فقد قال كازامير مالفيتش ذات مرة " نستطيع أن نُدرك الفضاء حينما نتحرر من الأرض، وعندما تختفي نقطة الإرتكاز ". يمكن الإستدلال على إفادتها من التجريد الزخرفي للحروف العربية وتوظيفها بطريقية تجمع بين " التفكيكية والتركيبية المُشار إليهما سلفاً " كما أنها تحاول إستثمار البيئة، والإفادة منها في إستنباط أشكال جديدة. وربما يتذكرنا " الغمامة المدينية " بعافتها الثلجية المستمدة من نتوء واقعي وإن كانت مُحاطة بغلالة عجائبية. تحتشد السيرة الذاتية لزها حديد بنحو ثلاثين جائزة عالمية غير أننا سنتوقف عند جائزتين مهمتين وهما " جائزة البريتزكر " التي تُمنحها " مؤسسة هيات المالكة لسلسة فنادق ريجينسي " لأحد المعماريين الأحياء، وتبلغ قيمتها المادية " 100.000 " دولار مقرونة بميدالية برونزية. وقد اشادت لجنة التحكيم بالمنجزات العمرانية التي حققتها زها حديد ووصفتها بأنها " إسهامات هامة وباقية للبشرية " وقد حصلت على هذه الجائزة بعد " كفاح طويل ". وهي للمناسبة أول امرأة وأصغر مشاركة تحصل عليها منذ تأسيسها عام 1979. وتقارن غالباً بجائزة " نوبل " الشهيرة حيث أُسندت إليها بعد فوزها في مسابقة تشييد " مركز روزنثال للفن الحديث في سينسيناتي في أوهايو " عام 2004. أما الجائزة الثانية التي نالتها حديثاً فهي جائزة " توماس جيفرسون للهندسة المعمارية " لعام 2007 إذ مُنحت إليها تثميناً لمساهمتها الجدية والمتفردة في حقل الهندسة المعمارية. وجدير ذكره أن هذه الجائزة تُمنح سنوياً منذ عام 1966 وقد فاز بها خيرة المعماريين في العالم وبضمنهم زها حديد. لا بد من الإشارة في خاتمة المطاف الى عدد من الشواخص العمرانية التي أنجزتها حديد خلال رحلتها المعمارية الطويلة نسبياً من بينها مبنى شركة سيارات بي أم دبليو الألمانية في لايبزك، منصة التزحلق في مدينة أنزوبروك في النمسا، محطة إطفاء الحريق في مدينة فايل الألمانية، محطة الترام في سترايبورغ، المركز الإعلامي في دوسولدوروف، مبنى الأوبرا في كارديف، المكتبة الوطنية في كيوبك في كندا، مركز الفن الحديث في روما، صالة الفلهورمونيكا في الليكسمبورغ وغيرها من الشواهد العمرانية التي تكشف عن عبقرية المعمارية الفنانة زها حديد.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارك والنغر يفوز بجائزة تيرنر الفنية: عمل يجمع بين المفردة ا
...
-
- متاهة بان - للمخرج المكسيكي ديل تورو: تحفة بَصَرية تؤرخ لن
...
-
- مئذنة الشعر -. . قراءات نقدية في التجربة الشعرية لباسم فرا
...
-
الروائي مجيد خضر الهماشي يستجير من الرمضار بالنار، ويتخذ من
...
-
الفنان التونسي لطفي عبدلي: الوسامة وحدها لا تكفي لخلق الجاذب
...
-
في شريطه القصير - البغدادي - لميثم رضا: عراقي وبريطانية يتقا
...
-
قراءة في الأداء التعبيري لنيكول كدمان في - الموت من أجل . .
...
-
حدود الفنتزة في فيلم - لص بغداد -
-
المخرج رونالد إيميريش يوحِّد قوى الأرض ضد طواغيت السماء
-
المخرج الأمريكي ويْس كرافِن يستوحي - موسيقى القلب - من - عجا
...
-
أمجد ناصر وشروط الإستجابة لقصيدة النثر الأوروبية الخالصة
-
- غصن مطعّم بشجرة غريبة - مختبر للمقارنة بين ثقافتين وبيئتين
-
آن إنرايت . . . ثالث روائية آيرلندية تختطف جائزة البوكر للرو
...
-
بيكاسو الرسام الأكثر عرضة للسرقة في العالم
-
في معرض كاووش الأخير: نساء فاتنات، وكائنات مُجنَّحة، وأُغنيا
...
-
ظلال الليل لناصر بختي: جنيف تُقصي المهاجرين، وتنفي أبناءَها
...
-
في مسرحية - ديمقراطية ونص - لأحلام عرب: الرئيس آخر مَنْ يعلم
...
-
بعيداً عن بغداد كتاب جديد للفوتوغراف العراقي قتيبة الجنابي
-
الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود، ولكل ورد
...
-
الفنان جمال بغدادي: أشبِّه الأصوات الجميلة بالورود
المزيد.....
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
-
محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى و
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|