أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الحكم العضوض والتغيير الممنوع















المزيد.....


الحكم العضوض والتغيير الممنوع


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 670 - 2003 / 12 / 2 - 02:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أدخل الغزو الأميركي للعراق وإسقاط النظام الحاكم فيه طريقة جديدة للتغيير السياسي في البلاد العربية، تضاف إلى الطرق الثلاثة التي عرفتها في مرحلة ما بعد الاستقلال. سمى الأميركيون طريقتهم "تغيير الأنظمة" بكل بساطة، أما الطرق الثلاثة الأخرى فهي الانقلاب العسكري والانتخاب الديمقراطي، ثم وفاة الحاكم المعمر على كرسي حكمه. وكان قد بدا لبعض الوقت أن الآلة السياسية المضادة للتغيير قد وصلت حد الكمال في معظم الدول العربية. فقد أمكن وأد احتمال الانقلاب العسكري دون تقديم أي تنازل لمصلحة التغيير الديمقراطي. وحتى الموت الطبيعي أمكن التحايل عليه عبر توريث الحكم عبر خط النسب بما يلغي المفعول التغييري المأمول للتدخل الإلهي. وهكذا بدا أن الوظيفة الأساسية للنظام هي منع التغيير بكل الوسائل حتى لو اقتضى ذلك تحطيم المجتمعات المحكومة. وقد اقتضى بطبيعة الحال. إذ التغيير وظيفة حيوية لا غنى عنها للاجتماع البشري، ولا يمكن إلغاؤها دون قتل حيوية المجتمعات وردها كما بشريا عاطلا.   
آخر حكم عربي تغير فعلا بوفاة الحاكم هو حكم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر. فقد نجح أنور السادات في الانقلاب عليه بعد وفاته. ولعل هذا النجاح هو الذي ألهم أكثر من رئيس عربي معمر فكرة التمديد لنفسه بعد الوفاة بوضع ولده في مكانه، قاطعا بذلك الطريق على أية انقلابات postmortem، ومرسيا نموذجا جديدا لنظام الحكم نسميه الجمهوريات العضوض تيمنا بالتحول إلى الملك الوراثي العضوض بعد الخلافة الراشدة التي تلت وفاة نبي الإسلام. وكعادتها كانت سورية طليعية في هذا المجال، ويعتقد أن ثلاث دول عربية على الأقل تفكر بالاقتداء بالمثال السوري، فيما حذف الأميركيون مقتديا رابعا هو نظام صدام حسين في العراق.
ومثال "تغيير النظام" الذي ضربه هذا الحذف العنيف هو بالضبط الاحتمال الذي لم تتحسب له الالة السياسية العربية. ولعل نظم الحكم في جهتنا من العالم لم تتحسب لهذا الاحتمال لأن ثبات النظام الدولي هو الافتراض المضمر في بناء آلتها السياسية.
لقد قامت هذا الآلة على تجييش المجتمع وعسكرته بما يمنع تكون أطراف سياسية فعالة تجبر النظام العضوضي على التفاوض معها، ثم على تسييس الجيش وتأمينه بما يجعل احتمال الانقلاب العسكري مستحيلا. وبالرغم من أن معظم الأنظمة العضوض، الجمهورية منها بصورة خاصة، مقادة من قبل عسكريين فإنها النظم التي روضت الجيوش أكثر من غيرها. وقد تم لها ذلك بأسلوبين: تقسيم الجيش إلى جيوش متفاوتة الامتيازات، بينها جيش نخبة واحد على الأقل هو بمثابة حرس بريتوري للنظام العضوض؛ ثم قطع الرؤوس العسكرية الكبيرة تباعا، وتسليط "المدنيين" على العسكر خلافا لانطباع شائع. والمدنيون المقصودون هم حزبيون ومفوضون عقائديون و"أقرباء" ورجال أمن، بل وحتى عسكر "منحلون" ومضادون للجيش.
والحال إن تجييش المجتمع غير ممكن دون نزع اجتماعيته، بقدر ما أن تسييس الجيش مستحيل دون نزع عسكريته (ونزع سياسيته ايضا، أي تجريده من فاعليته السياسية المستقلة، من كونه طرفا بل "حزبا" سياسيا). وهذا التسييس المضاد للسياسة ممكن عبر تغيير معنى السياسية. فالسياسة العضوض سياسة ولائية تتكثف كليا في صاحب السلطة وحوله، والتسييس بهذا المعنى هو التفاف إلزامي حوله وولاء نشط له بقدر ما هو إلغاء للحياد والاستقلال والذاتية. وعبر تغيير معنى السياسة حققت هذه الأنظمة العضوض معادلة كانت تبدو مستحيلة: إبعاد الجيش عن السياسة دون أن يصير جيشا محترفا. فالسياسة المنزوعة من الجيش هي عسكريته بالذات، أعني استقلاله بقواعد عمل نوعية وسلطة ذاتية مستقلة لا تلتبس بغيرها. ومن هنا تبذيل الرتب كعلامات لهذه السلطة النوعية ومقاييس لها في الوقت ذاته: فلا سلطة بلا ندرة ولا نزع للسلطة دون تبذيل.
ونزع الاجتماعية عملية عنيفة تستهدف بدورها عصر ماء السياسة من المجتمع و"تجفيف مستنقعها" (الإرهابي بالضرورة) بما يعطل القدرة الاجتماعية على إنتاج إرادة عامة أو تمثيل عام أو أحزاب سياسية. وفي غير بلد عربي وصل هذا التجفيف إلى درجة حرق الأرض الاجتماعية وتبويرها أو تصحيرها كي لا تنبت عليها الأحزاب السياسية (تماما كما تم حرق الجيوش كي لا ينبت عليها الانقلابيون). فالسياسة هي "روح" المجتمع أو مقوم اجتماعيته، وحين يتم تجفيف السياسة فإنه ما يموت هو المجتمع الذي لا تبقى منه غير قشور يابسة لا تتماسك.
وإنما عبر هذا النزع المزدوج للذاتية، نزع الاجتماعية الذاتية ونزع العسكرية الذاتية، أمكن التخلص من احتمالات التعدد السياسي والانقلاب العسكري معا. الذاتية هي الاستقلال والقدرة على الاختيار وممارسة السياسة. وفي الجوهر نزع الذاتية هو نزع للسياسة.
وفي إطار هذا النزع العام للذاتية الذي يتجاوز المجتمع والجيش ليشمل الثقافة والإعلام والانشطة الانتاجية والقضاء، تتكثف الذاتية كلها، والسياسة كلها بالتالي، في شخص واحد أو قطب واحد هو صاحب السلطة. إنه بمثابة ثقب سياسي أسود: كل شيء ينجذب إليه، لكن الاقتراب منه خطر ومميت. فالأنظمة العضوض كلها أنظمة "مشخصنة" أو أنظمة قطب واحد، وتتناسب شدة صفتها العضوضية مع شدة شخصنتها، وبالعكس يصلح انخفاض الشخصنة مؤشرا على تراخي العض على السلطة.
والملاحظة العيانية تشير إلى أن تخلع أسنان السلطة، أي هرمها، هو السر في تراخي عضتها على "الملك". فالملك العضوض خاضع لهرم لا يرتفع إذا حل وفقا لقوانين ابن خلدون القدرية التي لا ترحم.
في عالم اليوم لا يمكن ترك الدول للتحلل الحر لأن نتائج التحلل في قندهار "طيرت برجين" في نيويورك. والآلة العضوض لا تستطيع التحسب لمخاطر التغيير الداخلية والخارجية في آن معا. فهي في الأصل لم تستطع البقاء بعد أن دمرت أسس بقائها الداخلية إلا باستبطان الخارج والاستسلام لقضائه وقدره. لقد أمسى تغيرها، بما في ذلك بقاؤها وزوالها، خاضعا لخطط تتجاوزها. لذلك فإن التحلل ليس منهجا للتغيير في مجالنا العربي. إننا محرومون من حرية الاهتراء.
 عالمنا الذي عرفناه خلال عقود يتغير بسرعة قد لا ندركها نحن المنجرفون في جوفه. إن اجتماع هرم الداخل وتحلله وتدفق الخارج منذ 11 ايلول 2001، وبعد سقوط بغداد بخاصة، يتواطآن على استئناف التغيير دورته في حصتنا من "الشرق الأوسط". التغيير واقع، وفاعل التغيير ليس ذاتيا. هذا يسمى انجراف.
دمشق 14/11/2003



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا
- بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة
- السلطة والتبعية -تحالف- الأمير والأميركان
- الإرهاب العربي-: بعض الأصول والمحددات
- احتلال من باطن نظام إقليمي جديد في -الشرق الأوسط-؟
- ندوة حول الارهاب وعالم ما بعد 11 ايلول - المشاركون: د. صادق ...
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط
- المعارضة السورية والعلاقات السورية اللبنانية
- ديمقراطية بالوكالة
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟
- رياض سيف والإصلاح السوري
- الفلسطيني الذي فجّر الهويات
- السلطة و... التوبة
- السياسة المبدئية والسلطة والدستور
- الاستبداد والطغيان تأملات سياسية


المزيد.....




- قد لا تصدق.. فيديو يوثق طفل بعمر 3 سنوات ينقذ جدته المصابة
- مستشار ألمانيا المقبل يواجه طريقًا وعرًا لتعديل سياسة -كبح ا ...
- اندلاع النيران في محرك طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية ع ...
- الموحدون الدروز في سوريا وتحديات العلاقة مع السلطة الجديدة
- أمريكا وإسرائيل تتطلعان إلى أفريقيا لإعادة توطين غزاويين
- موريتانيا.. حبس ناشط سياسي بتهمة -إهانة- رئيس الجمهورية
- مترو موسكو يحدّث أسطول قطاراته (فيديو)
- تايلاند تحتفل باليوم الوطني للفيل (فيديو)
- اختتام مناورات -الحزام الأمني البحري 2025- بين روسيا والصين ...
- القارة القطبية الجنوبية تفقد 16 مليون كيلومتر مربع من الجليد ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - الحكم العضوض والتغيير الممنوع