|
عن حي المتنبي وستالين والمادة 140
ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 09:01
المحور:
كتابات ساخرة
ضحك كالبكاء رأيت جاري يضحك ويهز رأسه ويضرب كفاً بكف فسألته عن الخبر فقال : -كنا في قفص الأسر بإيران خليطاً متنوعاً من البشر؛ بين جاهل ومتعلم، بين مهندس معماري وعريف متطوع وعامل مخبز وأستاذ جامعي وكاسب كار، بين مقاول "متريِّش" وفلسان أباً عن سابع جد، لا يساوي بيننا غير كوننا "ضيوف أعزاء مكرمين معززين" على "جمهوري إسلامي" حتى أنهم من كثرة إكرامهم لنا كانوا يمنعوننا من العودة الى إهلنا إلا بعد عشرة أعوام على أقل تقدير ! وكان لطول اختلاط بعضنا ببعض أن صرنا مثل عائلة واحدة يعرف كل منا أحزان أخيه و"أفراحه" و"آماله" وعيوبه وحسناته وتحولاته وألقابه وخبالاته. وكان بين من كان رجل ظريف من أهل الحورانية (ولا تسألني أين تقع) في منتصف العقد الخامس من عمره نناديه أحيانا بـ"سيد عوده" وأحيانا "أبو الهوية" وأحياناً "سيد تجديد" واحيانا "أبو الصورة" وأحيانا "الفهيمه" ولهذا قصة مضحكة سأقصها عليك : كان "سيد عوده" كاسباً بسيطاً "لا بيها ولا عليها" يمشي في طريقه لا يلتفت يميناً أو يساراً لكن حظه العاثر ساقه ذات يوم الى الوقوع بأيدي مفرزة للجيش الشعبي نصبت له فخاً قرب دائرة الأحوال المدنية. - وماذا كنت تفعل عند دائرة الأحوال المدنية يا سيد عودة ؟ كنا نسأله المرة تلو المرة ونحن أدرى بالجواب. لكنه في كل مرة يقوم "عله حيله" إذا كان جالساً، أو "يتربع" على الأرض إن كان واقفاً ويسترسل في شرح الواقعة ونحن نغص بالضحك : - مرتي (الله يصخم وجهها) كالتلي صورتك بالهوية ما حلوة، عتيكة وتعبانة ، وجماله لابس بيها عكال ولا جنك مخلص خامس ابتدائي ! - وهل سمعت كلامها ؟ - في البداية عاندتها وضحكت على عقلها الصغير لكنها ظلت تلح علي وكأن الدنيا ستنقلب إذا لم أجددها، وتحاول كل يوم إقناعي بمراجعة دائرة الأحوال المدنية "عند ابن خالتها مفوض الجنسية" لغرض تجديد الهوية "هيّ صورتين بالجاكيت والرباط وطلب تجديد تنطيها لابن خالتي وهو يتكفل بالباقي". - واستسلمت لها في الأخير؟ - طبعاً .. حكم النسوان ولازم نطيعه. وبعدين يا خويه ابصراحه شفتهه شغله معقوله، صورة جديدة وجاكيت جديد وهوية جديدة ومجرد طلب تجديد ودينارين طوابع وأبوك الله يرحمه ! وما أضم عليك كلت ويه نفسي هلبت أجملها وآخذلي مرة جديدة وأرتاح من نكنكات الحجية! - وبعدين ؟ - هيّه ظل بيها بعدين. وروح جدي بعدني دا أنفخ على الصورة حتى تيبس ولن الرفاق موقفيني على باب الأحوال " هويتك أخي " و "إصعد أخي" "ما أصعد" إصعد ولك ابن الـ" وشالوني وشمروني بالهينو ... وما أشوف نفسي غير بالشلامجة و "إنزل رفيقي" و "انبطح رفيقي" وما أشوف غير " البسيج والباسدران" فوك راسي و "دخيل العباس لا تضرب" و بوكس على حلكي وشمروني بالجيب ولَنّي بالقفص مكابل وجوهكم الكشرة ! سكت جاري وهز رأسه ضاحكا وهو يسترجع تلك الذكريات فسألته : - وما قصة لقب "الفهيمة" ؟ - هذه قصتها قصة أخرى. فقد تفتقت أذهان بعض الخبثاء منا ذات يوم على أن نلعب عليه ونوهمه بأنه رجل عظيم ولا يلحقه أحد في العلم والذكاء. فافتعلنا خلافاً حول مسألةٍ جغرافية ورفعنا صوتنا كي نُسمعه آراءنا وأخيراً صاح واحد منا "هاي ميحلها غير سيد عوده" ونهضنا نحوه فتشاغل عنا وكأنه لم يسمع وخاطبناه وقد رسمنا على وجوهنا ملامح الجدية والتفكير: - سيد رحمة على جدك صار بيناتنا اختلاف على فد حسبة وكلنه ميحد يعرف يجاوب عليهه غير سيد عودة على اعتبار إنت قوي بالجغرافية. - كول إبن أخوي. - سيد يا هو الأكبر بالمساحة زمبابوي لو فنزويلا ؟ - هاي ما كو أبسط منها : طبعاً مندويلا أكبر من زنبابوي ! - شلون سيد رحمة على جدك ؟ - وليدي لا تسألني شلون مالون. هاي المسائل حافظها علغيب ! - والله يا سيد إنت حرامات تموت. والله يا سيد لو أكو فهيمه بالمعسكر هو إنته. ومن يومها إضيف لقب الفهيمة الى ألقابه. والعجيب إنه صدق المسألة وكأنها تحصيل حاصل وصار "يشيل خشمه" علينا ويستعمل كلمات مثل "بالحقيقة والواقع" و"بصراحة" و "أنا أعتقد" حتى انقلب سحرنا علينا وصرنا لا نفتح فمنا بشيء إلا علق عليه وصحح معلوماتنا. في إحدى المناسبات كنا نتحدث عن الحرب العالمية الثانية ومعاركها وقادتها فانبرى الفهيمة ليشرح لنا: -هو كل الصوج من "ستالين" لو ما كتب بوصيته من أموت خلوا "لينين" يصير رئيس وزراء مال "الإتحاد السانفيتي" كان "خروشاف" ما احتل "العلمين" وخله "مومغمري" يسقِّط "بكر صدقي" ! ثم قهقه جاري من جديد فسألته فأجاب: - المصيبة أن بعض البسطاء صدقوا الأمر أيضا وصاروا من أتباع "سيد عوده" لا يرجعون في كل كبيرة وصغيرة إلا إليه. في احدى المرات كنت جالساً مع زميل لي يهتم مثلي بالشعر والأدب وكان ثالثنا واحدٌ من هؤلاء السذج الغافلين، وحدث أن زميلي أراد الاستشهاد ببيت من الشعر فقال "وكما قال المتنبي رحمه الله". عندها خرج صاحبنا من صمته وقال مستنكراً : - استغفر الله عمي ! كيف تقول عن المتنبي "رحمه الله" وهو حي وعدل ؟ - ولكن المتنبي مات قبل ألف سنة ! - يمعود صلي على نبيك إنتو شلون خريجين ! دقيقة، خلّي نسأل السيد (واستدار الى سيد عودة) سيد بروح جدك المتنبي مو حي ؟ - طبعاً حي (أجاب أبو الصورة وهو يقوم ويتجه نحونا) - وكيف هذا يا فهيمتنا ؟ سأله صاحبي. - إنت رايح للكوفة؟ (سأل السيد وهو يتربع قبالتنا) - طبعاً رايح. - شايف الجسر؟ - نعم . اشبيه ؟ - أول ما تعبر الجسر تلكي قطعة زركة مرتين ابكد هاي الباب مكتوب عليها "حي المتنبي" . إي قابل اللي كتبوها ما يفتهمون وجنابك تفتهم ؟! عند هذه اللحظة لم أتمالك أنا الآخر نفسي من الضحك بصوت عال أثار انتباه الجالسين في المقهى. - ولكن ما "ربّاط الحكاية" ولماذا كنتَ تضحك وتضرب كفا بكف ومن ذكّرك بصاحبك القديم ذاك ؟ - والله لا أعرف أأضحك أم أبكي. قبل أن تدخل المقهى بدقائق رأيت المذيع في قناة "الحظيرة" الفضائية يقول : - ولغرض تسليط المزيد من الأضواء على الموضوع يحدثنا من بغداد الأستاذ "عواد الفاهم" المحلل السياسي والأمين العام لحزب "التجديد" : أستاذ عواد هل يمكن أن تضعنا في "صورة" ما يجري في العراق وبالأخص ما يدور من جدل حول مفهوم الفدرالية ؟ ورأيت سيد عودة بلحمة وشحمه يملأ الشاشة وهو يعدل في رباطه ويتنحنح ويجيب: - أي نعم، الصورة .. طبعاً بصراحة وبالحقيقة والواقع الصورة غير واضحة لأنه كما تعرفون كلش زين حزبنا يرفض الفدرالية رفضاً قاطعُن لأنه كما تعرفون كلمة الفدرالية موخوذة من "فَد" و "رالي" وهذه مو زينة لأن المفروض مو فد رالي واحد لكن راليين أو تلاثة أو أربع راليات عَلأقل حتى الشغلة تصير ديمغراطية حقيقية صحيحية تحافظ على "هوية" بلادنا وكما قال المتنبي: "إن العراقَ لخَوشُن بشرط أن ميصير فدراليا " !!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آهٍ .. ما أبعد بغداد
-
رثاء لهذا العالم
-
ماذا فعلتم بكتبي أيها ال..
-
ضحكٌ كالبكاء..عن جندرمة الآغا العثماني والعجوز العراقية وحزب
...
-
صرخةٌ على الخليج:شعرُ باسم فرات، الشاعر العراقيٌ المنفي
المزيد.....
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
-
أحلام سورية على أجنحة الفن والكلمة
-
-أنا مش عايز عزاء-.. فنان مصري يفاجئ متابعيه بإعلان وصيته
-
ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|