أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ختّاوي - قصة/ هيروشيما في متحف اللوفر















المزيد.....

قصة/ هيروشيما في متحف اللوفر


أحمد ختّاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2161 - 2008 / 1 / 15 - 09:39
المحور: الادب والفن
    



امتلأ الجو رعبا .. قاذفات الروكيت تطحن الحي العتيق ، القابع على قارعة الطريق كطفل شحاذ فقد أبويه في لحظة مزمنة ..مسح محمود عبرات ظلت عالقة بخده المبتل بالصقيع الشتوي.. أدار رأسه نحو أنقاض ولدت منذ أسبوع ، بوضع آلي مرغوب فيه .. كانت أطلالا منذ سنة فقط .
أخرج سيجارة نصفها مبلل ..لفظ آخر نفسٍ بها ..رماها في بركة تكوّنتْ منذ يوم فقط ..بل منذ ساعات معدودة ..تأمل الكون لحظة ، حاوره دهرا ..خطر بباله :
قال الحائط واش أنا غير الفأر يثقبني
قال الفأر واش أنا غير القط يغلبني .
قال القط واش أنا ،غير الكلب يغلبني
قال الكلب واش أنا غير العصا تطردني .
قالت العصا واش أنا غير النار تحرقني .
قالت النار واش أنا غير الماء يطفئني ..
..قال الماء واش أنا غير الجمل يشربني
قال الجمل واش أنا غير ( المدية) تذبحني
قالت ( المدية) واش أنا غير الحداد يصهرني ..
قال الحداد واش أنا غير الموت تأخذني (1).
الكون لحظة انفعال سيكولوجي صرف ، هكذا حدّث محمود نفسه وهو يقترب من دورية للعدو كانت تعبر إحدى الأزقة المترعة بالأتربة الصالحة للزراعة والوجود.. تقدّم نحوها بخطى ثقيلة ، كأن الأرض الطيبة تجذب بمغناطسها ذي الحرارة المتأججة بين الحب وا واللاحب ..بين الإرتباط واللارتباط .
الشمس توشك أن تغرب .
تعثّر بإحدى البرك الصغيرة .. تحوّلَ إلى شجرة مثمرة .. غمس رجليه في بركة أخرى ..أضحى برتقالا نصفه طازج .. ونصفه الآخر مرٌٌّ ..إحتار كثيرا ، أيكون –طوعا- جينرالا) وجوديا- أم كراهية – سمكة برمائية .
سأل أطفال الحي العتيق ؟؟؟ ..نفوا معرفتهم مثل هذه الخرافات الحياتية .
واحدهم :
- إسأل نياق امريء القيس .. المهلهل المضربة عن الشرب تخبرك سرد الوجود الأبدي ..
- - لم أملك ناقة في فصل الصيف ولا الشتاء حتى أسألها ..،ولهذا يبدو لي أن تدخّلك غير مجد في الوقت الراهن ، مادامت الأخبار الواردة من المدن القريبة تقول أن جابر بن حيان أخطأ في رسم بعض معادلاته الجبرية ، وأن أغلب العرب بيعت أمتعتهم ليحصلوا على جواز سفر أخضر يؤهلهم للحج مرتين في الموسم .
- اسمح ،إسمح لي أيها الولد البار . ليست كل المحطات والفنادق متشابهة في العالم ..إسمح لي إن قلت:ساعة هارون الرشيد المهداة لشارلومان معطّلة .. تتأخر عن التوقيت العالمي بنحو خمسة عشر قرنا ..
- اسمح لي إن قلت :
- بيوتنا القصديرية أصبحتْ منذ اليوم أبنية وسطوحا عصرية .. مادامت ساعة العرب معطلة.
- كل المدن تُقرع أجراسها ..تعلن ميلاد ليالي الفرح المنتظر .. ناطحات السحاب في الأفق الخلفي لناطحات الضباب عبر مشارف المدن العربية تقيم المآتم على غراب إفترسه غراب في واضحة النهار..
- الناس جيّاع بدون استثناء .
- حتى محمود الذي يملك مملكة كلها بساتين .. وحقول ونخيل .. تسقيها روافد الجوع المزمن الذي أصاب أغلبية العجزة في متاهات السرو والأرز..
- -إلهي.. ما لها أغصاني تذبُل وقد سقيتها منذ لحظة فقط... أم أن الأتربة لم تُحرث منذ حرب البسوس ،أم أن ناقة البسوس داهمتْ حقولي ..فجفّّتْ ينابيعها ..ربما هذا بسبب إصابتي أنا كذلك بالجوع المزمن ..الفتّاك .قال محمود هذه الكلمات بصوت ممزوج بالحشرجة والبحة ..سكتَ ، ثم انتفض على كل قاله ..
- من الأول إلى ما بعد الأخير ...
- وواصل سيره ممتشقا سيفه الأبدي المسلول ؟؟؟
- - كم طردا وصلني إلى حد الساعة منذ نشأة عصبة الأمم المتحدة ؟
- - كم رسالة تلقّيتُ من الدول العربية منذ تأسيس لجنة حقوق الإنسان ؟.
- - كم قميصا ارتديتُ منذ سافرتُ يوما ما ..إلى نيويورك لأزور مبنى الأمم المتحدة العظيم ...ولأُطل على نهر ( المسيسيبي )( المتدفق) بالمياه التي تمنيتُ أن أسقي بها حقولي...وقد أصابها الظمأ منذ فيضان النيل آخر مرة في التاريخ ؟
- -كم مفتاحا أضعتًٌ منذ الحروب الصليبية،لأفتح مدنا عربية لما تُفتح ؟؟.
- كم عدد أزقة هذا العالم الموحش ، وكم عدد الرحلات في اليوم بالجو على متن الخطوط الجوية العربية المتحدة ...هذا ما أدركتهُ وغاب عني..منذ انبعاثي (في) المرة الألف ..؟؟؟؟
- - إرفعوا سياطكم أيها الجلادون .. هذه أختي ...وهذا أخي ..وابن أختي وابن عمي..وليس( ...) كما تدّعون .. ارفعوا سياطكم أيها الخونة وإلاّ أخبرتُ أمي ..
- -من تكون ؟
- -محمود.
- - آه .. إنك تذكرنا بحادثة أبرهة .. والفيل محمود ..ألستَ أنت الفيل الملقب بمحمود ؟
- - أبدا ذاك زمان .. وهذا زمان ..
- -إذن من تكون ؟
- - خبز ملفوف في قضية .
- كفانا تفلسفا ..ليس هذا وقت المزاح
- قلتُ لكم دعوا هؤلاء ..
- رئيس الجلادين في صوت آمر :
- -خذوه إلى لزنزانة وأجلدوه أربعين جلدة ،ليكون عبرة لمن يعتبر.
- يسير محمود والحرس وسط دهاليز لا قرار لها ،بصعوبة يفتك سيجارة من جيبه ، ثم يطلب من العسكري إشعالها ،يرفض ْ..يلح محمود . يسمح له بذلك ..ينفثها ..يرميها. يلتقطها العسكري خوفا من أن تشعل النار بالدهاليز ، أو تبعث بصيصا من نور فتكتشفها القوات المرابطة خلف القبو .
- دار بينهما الحوار التالي:
- - أنت عدوي،كيف تعرف ذلك ؟
- - بشرتك تشبه بشرتي تماما.. غير أن تطلّعاتك للمستقبل تختلف ..
- -ما دام الأمر كذلك ، كيف تميز بيني وبينك أمام حشد من المخلوقات ؟
- - شواربك – يا محمود- أقصر من شواربي – وشواربي أقصر من شواربك ..
- - إذا طلبت ُمنك أن تطلق سراحي ،هل تفعل ؟. يحنى العسكري رأسه.
- -أجل ،لكن شرط أن تفتك هذا اللغز: باخرة محمّلة بالماء ، هل تساوي في حمولتها وثقلها باخرة مماثلة محمّلة بالبترول . محمود دون أن يفكّر مليا.
- -لا ، باخرة الماء أثقل ،، في مفهوم الزمن الراهن ..
- - مع الأسف ..لا أستطيع فك قيودك، لأنك لم تتوصل إلى الحل الصحيح .
- - وما هي الإجابة الصحيحة ؟
- - الباخرتان من صنع يد واحدة ، ولهذا تستويان في الوزن والحمولة .
- جلسا بعد التعب الذي أصابهما..أغمض محمود عينيه ،بينما ظل العسكري يراقبه ..رأى محمود في المنام أنه يذبح شعبا بكامله . فزع لهول ما شهد ( انفكتْ) قيوده ..تظاهر بأنه مقيّد. نام العسكري..تسلل مختفيا إلى أن ابتعد عنه .. دلف غرفة مظلمة دون أن يأبه الحراس .. قبع في إحدى زواياها ..غادر المكان في همس متناه .
- قال : الدنيا لا تخلو من حراس.
- حقوله الظمأى يسقيها رجل عجوز..وقف أمامه وسأله من يكون ؟ .
- -حارسك يوم هربت َ.
- - لكن شواربك أقصر من الرجل الذي كان يحرسني .ضحك وقال :
- -ألم أقل لك بأن شواربك أقصر من شواربي ..وشواربي أقصر من شواربك ؟ .
- - وماذا تفعل هنا ؟
- --أسقي نخيلك ونخيلي بالمناوبة.
- - لم أفهم .
- - كنت أحرسك –طوعا- وكنت أحرسك –كراهية .
- -لم أفهم كذلك ما تقول ؟ظ
- -فترة حراستي كانت ( مناوبة ) وفترة سقيي للنخيل كانت كذلك ( مناوبة) ، فأنت وأنا واحد .. فقط تختلف تطلّعاتنا إلى المستقبل ..ألم نتفق على هذا ؟.
- - آه ..الآن فهمتُ ، قل لي بربك ، كم الساعة الآن ؟
- - خمسة عشر قرنا للوراء .
- - كم عمرك ؟
- - خمسون عاما
- - ما هي وظيفتك ؟
- - مناوب في المقاولة العامة لبناء التاريخ العربي .
- - كم تتقاضى في الشهر ؟
- - قل في الدهر .
- يردد محمود دون أن يناقش
- - كم في الدهر ؟
- - وجودٌ بأكمله ، وبانهياره ،إذا مرض محاسب الرواتب ، أو تعطّل الكومبيتر ...ويسأل العسكري الذي تحوّل شيخ محمودا ؟
- - وأنت ما هي وظيفتك ؟
- - محاسب متقاعد إلى إشعار لاحق .
- -لم أفهم .
- - كنتُ أتقاضى مرتباتي من بعض البنوك العربية المقيمة عبر الخريطة العربية ، لكنها تلقتْ إشعارا من دول أخرى مفاده أن توقيعاتي لا تتناسب وأوراق هذه البنو ك، فجُمّدتْ رواتبي ، وأرصدتي..وأُحلت على التقاعد ..
- - ومن يغذيك ؟
- - نخلتي التي تسقيها الآن .
- - إذا عرضتُ عليك إبنتي للزواج ، هل تقبل ؟ لي إبنة إسمها (كوثر) .
- - نعم .. لك شرط أن ترحل معي إلى حيث أقيم .
- -أين تقيم؟
- - في كل قلب نابض.
- - ذاك هو مكان إقامتي .
- ****** ****
- تزوّج محمود( كوثر) ..أنجبا طفلا بهي الطلعة إسمه ( رعد) مات قبل أن يرى النور ، ثم حملت كوثر مرة ثانية ،فأنجبتْ طفلا إسمه ( عز) مات قبل أن يرى النور ، وحبلتْ مرة أخرى كوثر فأنجبت بنتا شقراء، عيونها واسعة كالأفق ،اسمها ( كرامة ) ماتت قبل أن ترى النور ، ثم حملت كوثر ( في )المرة العشرين، فأنجبت ْطفلا دميما، إسمه ( صقر) ن فعاش،تزوج امرأة اسمها ( سدرة ) فأنجبا حلما ونخيلا وبرتقالا ،إلى أن وافتهما المنية في الشهور المتلاحقة من جانفي إلى ديسمبر ،مرورا بجوان (حزيران) وكل الأشهر .رحمهما الله واسكنهما فسيح جنانه وألهم ذويهما الصبر والسلوان ، إنه مجيب الدعوات . تعثّر محمود العجوز، وهو يعبر الطريق العام المودي إلى حقول النفط الملغومة ، يوزع النصائح والحكم بالمجان على الأطفال .قال :
- هيروشيما ، حبيبتي .. لا تجزعي ..
- فإن الذي بيني وبينك لا ينتهي ..
- لا تيأسي..هيروشيما ..ما زلتُ أستطيب رائحة الدخان ..
- هيروشيما ..كل البائسين معي..يستنشقون رائحتك الطيبة.
- ينثرونها على مقاعد المفاوضات في ( لوزان )
- غبارا لا ينتهي .
- ( لوزان) عشقها المطر ، طلقها المطر ..
- هذه هي حكايتي إليك .. هيروشيما ..
- إنها ليست سرا .. وليستْ غير الذي بيني وبينك .
- هيروشيما .. يا تحفة في متحف اللوفر ..
- فأين غرناطة .. وفيل أبرهة الحبشي ؟.
وتبدّد الحلم .. كسا الجو ..فامتلأ ذعرا .. وراح محمود يردد من جديد : قال الحداد واش أنا ..غير الفأر يثقبني )) .سقط ..اندلعت النيران في حقول البترول ..مات محمود من الفزع .
اهتز سريره ..
كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا عندما قرعت أمه الباب بلطف لتقول له :
حان وقت الدراسة يا ولدي الصغير .
.======
هامش /
1) -1)لعبة صبيانية من التراث الشعبي الجزائري ، كنا
2) نرددها ونحن صغار ، لا نعرف معناها .




#أحمد_ختّاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة/الدقائق التي لاذت بالفرار
- رواية/ إبط السفينة
- الدقائق التي لاذت بالفرار
- الشمس تتوسط صدر الأشياء


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ختّاوي - قصة/ هيروشيما في متحف اللوفر