|
اور حكاية الزمن الخالدة
حسين الهلالي
الحوار المتمدن-العدد: 2159 - 2008 / 1 / 13 - 08:38
المحور:
الادب والفن
اور البناء الشامخ الذي ينتصب في السهل الممتد مع نهر الفرات الخالد ومنذ ان اصبحت شاخصة في هذا السهل وكأن حديثها لا ينقطع معه تبثه نجواها وحكايتها عن الأزمان الغابرة ، فرحها في اعياد الزواج المقدس واغانيها التي ترافق طبولها ومزاميرها وهيام عشاقها الذين يلتحفون سماء المعبد حتى انبلاج الفجر ، ثم مراثيها لفقدان عزيز او لهجوم اعداء عليها والفرات يردد صدى كل ذلك ثم يبتعد عنها رويداً رويداً حتى تختفي الأصوات لأن المسافة بينه وبين اور اتسعت وصمتت الأصوات الى الأبد لكنها حفظت كل ذلك في حجاراتها التي أمدتنا بأوائل المعارف في العالم . اور حكاية الزمن والكنوز التي صنعها الفنانون وتميزت بالدهشة والإعجاب مثل ( قيثارة أور ) التي قال عنها ( سير ليوناردو ولي ) ذات مرة : ( ان الدهشة تغشي الأبصار جراء التناخر المتجسد في الثور الذي نمت لحيته ) واور مربض النبي ابراهيم ( ع ) ومقر نشأته الأولى كما أكدتها المصادر التأريخية ، حيث ورد ذكر المدينة في كتاب العهدين القديم والجديد ، وجاء في سفر التكوين الإصحاح الحادي عشر ( مات هازان قبل ابيه تارح في أرض مولده في أور الكلدانيين ) . وجاء في أعمال الرسل 408 ومن خطبة لأسطفانس : ( ان ابراهيم ضعن في ارض الكلدان وذهب ليسكن حران ) ومن هنا نجد وضوح الرؤيا ومتانة العلاقة بين ابراهيم الخليل ( ع ) وهذه المدينة الخالدة وسماها المؤرخون العرب ( قمرنية ، ومدينة القمر وذو قار و المقير ) وتكتسب المدينة اهميتها التأريخية من كونها احتضنت ثلاث سلالات حاكمة : 1. سلالة اور الأولى 177 عاماً . 2. سلالة اور الثانية حكمت نحو 108 أعوام . 3. سلالة اور الثالثة من 2113 – 2006 من هنا بدا حقد العيلاميين على مدينة اور ومليكها – ابي – سين ، وبدأوا يفتشون عن الثغرات لينفذوا منها الى المدينة الملتفة حول مليكها رغم ما تعانيه من نقص في الحبوب ، لذلك اضطر هذا الملك ان يستشير شعبه بجمع الأموال ويرسلها الى ( اشي ايرا) حاكم مدينة ( ايسن ) ليشتري له الحبوب وهو بأمس الحاجة اليها ليطعم شعبه ولكن نرى ( اشي ايرا ) لم يرسل الحبوب وقايضه على السيادة على مدينة ( ايسن ) مقابل ارسال الحبوب له مما اضطر – آبي – سين – ان يوافق على هذا الطلب التعجيزي ، بدأ العيلاميون يتحركون بمساعدة ( اشي ايرا ) الذي مهد لسقوط اور ووصلوا الى المدينة وبدات المدينة تدافع عن نفسها وتؤكد لنا النصوص المسمارية المختلفة بأن الملك – ابي –سين وسكان المدينة بمختلف طبقاتهم ( كهانها وفنانوها ، وتجارها ، وشعراؤها ) دافعوا عن كل شبر من ارضها ، وقاتلوا من اجلها قتال الأبطال وكلفت مقاومتهم العنيدة العيلاميين وحليفهم ( قوم – سو ) خسائر كبيرة وجعلتهم يوغلون في حقدهم على المدينة وعلى سكانها لكون كلما ازداد حقدهم تلاحم سكانها ووحدتهم واحتضنوا مليكهم – ابي – سين – وهو يقاتل امامهم ببطولة وهو يدعمونه بكل ما يملكون وهذا ما تؤكده النصوص المسمارية التي تحكي عن هذه الظاهرة ، ولا تشير الى أي صوت يعارض ذلك ، وهذا ما عزز وحدة الموقف ودفع المقاومة الشرسة ضد العيلاميين الى حد الفناء دفاعاً عن مدينتهم أور وأبي – سين الملك بقي بطلاً في مقدمة الأبطال المدافعين عنها لا يخشى أي شيء رغم علمه بمصيره ومصر المدينة ، لذا نرى اسمه قد حفر في قلوب ابناء شعبه وكتبت عنه مرثية ، لم يحظ أي ملك من ملوك سومر بمثلها . لقد دمر العيلاميون كل شيء في المدينة وحتى المدن الأخرى الموالية الى اور دمروها ولم يكتفوا عند اجتياحهم المدينة بقتل الرجال والنساء ، بل جمعوا الجثث في ساحة افراح المدينة امام المعبد حتى سالت وتبددت كما يتبدد دهن الخروف تحت اشعة الشمس ) وهذا المقطع من مرثية أور لشاعر سومري خير دليل يجسد هول المأساة : ( ازقة مدينة أور أصبحت مليئة بجثث القتلى ) . في الأماكن التي تقام فيها الأعياد كرست جثث القتلى والدماء قد اريقت مثلما ينصب النحاس المنصهر والجثث قد تبددت كما يتبدد دهن الخروف تحت اشعة الشمس والرجال الذين قتلوا بالفؤوس رفعت عنهم خوذهم رمز البلاد والجرى كانوا مثل الغزالة المصادة بالشبكة وراسها في التراب والرجال المصابون بالنبال وكأنهم ساعة ولادتهم ممرغين بالدماء ومن بشاعة التخريب صار اناس سكارى من دون خمر ) ان الأعمال الوحشية غير الإنسانية جعلت النصوص المسمارية تصفهم بالمخربين حيث تقول المرثية : ( السوئيون والعيلاميون المخربون الذين لا يعيرون أهمية لأي شيء كانوا قد جعلوا المدينة كتلاً من الأنقاض ) لكن ( أور ) بقيت وبقت حضارتها وبقى معبدها شاخصا ًوشاهداً على هذه الحضارة ولم تسقط ، وهذه مرثية أبي – سين لشاعر سومري بعد أن تحررت المدينة ورحل الغزاة على ايدي الملك ( شبي ايرا ) ملك سلالة ( آيسن ) وضم المدينة الى سلالته وأعاد الطمأنينة الى سكان اور ، وملك آخر بعد هذا الملك ( شوايليشوا ) 1984 – 1975 ق.م اعاد الثقة كثيراً الى النفوس لذلك نرى الشعراء بدأوا يعبرون عن مشاعرهم الحقيقية تجاه مليكهم ( آبي – سين ) ومدينتهم اور الخالدة فكتبوا ( مرثية اور ومرثية آبي – سين ) وبدأ المنشدون يغنون بهاتين المرثيتين تعبيراً عن مشاعرهم تجاه مليكهم ومدينتهم . ومرثية – ابي - سين التي كتبها شاعر سومري في تلك الفترة تقول : ونبدأ من الشطر الثالث لأن الأول والثاني غير واضحين : كل أنظمة بلاد سومر قد الغيت فتهدمت المدن والبيوت وحظائر الحيوانات والأغنام والأبقار قد اخذت من حظائرها والقنوات بدات تجلب ماء مرا وحقول الحبوب الجيدة لم يعد ينبت فيها سوى الحشيش والأم لم يعد باستطاعتها العناية بطفلها والزوج لم يعد يعرف زوجته عرش الملوكية قد تغير والقرارات الصائبة انتهت والملوكية قد ابعدت عن بلاد سومر كل ذلك قد حدث بسبب غضب الاله ( آنو ) والإله ( انيليل ) ولهذا اوقفت الالهة ( نتو ) خلق الإنسان حتى دجلة والفرات قد تغير مجراهما وليس بامكان الناس ان يسكنوا بيوتهم وعلى ضفاف النهر لم يعد ينبت سوى الأعشاب الضارة آبي – سين قد أخذ الى عيلام وأصبح كالطائر الذي هدم عشه وكالغريب الذي لايستطيع العودة الى وطنه والناس لم تعد تستطيع السفر عن طريق الأنهار والمدن جميعاً قد تحولت الى أنقاض وشعب ذوي الرؤوس السود قد قتل داخل المنازل والأبقار لم تعد تعطي الحليب والزبد والإله ( شكان ) إله الحيوانات بدأ لا يجد الراحة وهو القصب بدأ ينبت قصباً برؤوس مؤذية واشجار الفواكه والحدائق لم تعد تعط براعم وهذا ما قدره الإلاهان ( آنو و اينيليل ) عليه آبي – سين وقد عبر شعراء هذا الوطن المعاصرون وخاصة الشعبيون منهم عن غضبهم ضد التدمير الذي لحق بالمدن والقرى والحقول والآثار من جراء الحرب الأخيرة على العراق ، لكن بقي هذا الوطن وأهله لم تنحن هاماتهم وبقيت اعناقهم تتطاول مع نخيله الشامخ تبتسم للحياة وتديم الصبر كلما حدث تفجير او اطلقت قذيفة من طائرة . الشاعر عريان السيد خلف اخذ هذه الصورة وجسها في قصيدته ( قلبي على وطني ) : كلبي على وطني كلما تدق صفارة وكلما قذيفة غدر تنطلق من طائرة وعن كل طفل منذهل وعن نظرته الحايره وكل قنبلة لو اجت وبأرضك انفجرت اتفجر لحالتي وجفوك الناثر احزانه صوغتك وايامنه امكابر وبس احزن والألم من شجرتك ينحني كلبي على وطني وقصيدة اخرى لشاعر آخر يقول في مقطع منها : رادوك تنذل يا وطن رادوا تجف النهران بس مادروا يظل بردي العمارة فشك يحرك عيون الطغيان ويبقى نخل ( زرباطية ) ايضيف البلابل ما يضيف الغربان ويقول شاعر آخر : هذا الوطن كبل العشك عشكناه هذا الوطن من جان ممنوع الغنه غنيناه هذا الوطن عصرنه مايه كلوبنه وشربناه هذا الوطن .. سلهله اذا كلك نعم صعبة اذا كلك .. لا وتبقى اور اسيرة بيد الأمريكان في عصرنا هذا لايدخل اليها احد الا بعد تحقيق هوية وبالأخير يمنح بطاقة حمراء ، اننا نضم صوتنا الىالأصوات الداعية لرفع الحضار عن اور وتسليمها الى قيادة القوات العراقية ،وندعومن الجميع لرفع اصواتهم تضامناً معنا
الفنانون والأدباء في ذي قار
#حسين_الهلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذورالفن السومري /القسم الرابع /النحت بين شرعية الريادة والأ
...
-
جذور الفن السومري / تماثيل كوديا تحتل مكانتها بين فنون العال
...
-
شاكر حسن ال سعيد / احد رواد الحركة التشكيلية والمنظر لها
-
جذور الفن السومري /الملكة (بو- آبي ) (شبعاد )/وفنانو والأدوا
...
-
خيول فائق حسن اليتيمة
-
مقهى عزران البدري / ظاهرة الأدب في الناصرية
-
فتشها المخبرون
-
خالد الجادر الطائر المهاجر وصاحب التعبير الغنائي
-
جذورالفن السومري
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|