أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي النجار - الحالمون والازمنة الفاسدة














المزيد.....


الحالمون والازمنة الفاسدة


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2157 - 2008 / 1 / 11 - 11:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نحسدهم أولئك الذين تخلصوا نهائياً من ضغوطات الواقع وعذاباته المريرة وارتموا بكل ثقلهم، النفسي والعقلي، في أحضان التوهمات الجميلة. لا ريب نحن أيضاً الذين نزعم بإنشدادننا المتين لارضيات التاريخ المحسوس ونحاول مجابهة الواقع في شروطه المتوحشة ، نحاول تفسير التباساته وغموضاته وترهلاته الحياتية والفكرية بأقصى طاقات اشتغال العقل، ترانا أحياناً مأخوذين بهذه الفضاءات الطوباوية البديعة التي تضفي على آلامنا وفواجعنا المعاني وتسوغ مصاعبنا وتجعلنا نستريح في خيال رطب ، يبعث الحيوية في نفوسنا ويخرجنا ولو للحظة من صداماتنا مع القهر اليومي ومساوئ المعيوش، أترانا نستطيع أن نذهب بعقولنا إلى ابعد الحدود من دون استراحات خيالية عذبة، نهجر بها ساعاتنا المليئة بالانهيارات والرداءات والعفونات؟!… فعلها ذاك الفرنسي لويس التوسر، لم يستمتع ولو لحظات بالخيال الرطب، كان مغموراً من رأسه إلى أخمص قدميه في الكتاب الكبير الذي هو العالم في وجوده ذاته ، كان باحثاً وناقداً في آن ، كان مثقفاً إشكاليا من طراز مذهل، شكل فكره حالة تساؤليه فريدة أودت به إلى مصاف من بعقولهم مس ، حتى ذاك الذي طواه التاريخ، السياسي والمثقف الصعب المران، المؤسس الكبير للطوباويات البروليتارية، نعني به دافيدو فيتش تروتسكي، عاش لحظات حلم زاخرة، صف فيها المعذبين في كل الأرض وأعلنها ثورة كونية، يقول: "لا يمكن أن اكف عن الإيمان بالعقل،والتضامن الانساني، كلما تقدم في العمر اشتد بي الايمان، انا لم اعرف في حياتي المأساة الشخصية، الهزائم وخيبات الألم لا تمنعني من أن المح وراء الهزائم الحالية نهوض المعذبين في كل مكان" ، لم يكن في حسبان نبوءاته إن جيوش الكمبيوتر والتكنولوجيا ستقوض مشاريعه العالمية، كان عديم الشفقة مع نفسه ومع الذين من حوله، نخر المنفى السيبيري عظامه، تجرع مرارات المنافي القاسية وفي نفس الوقت تفنن في طرق الهرب منها بجوازات سفر ملفقة،انتحرت ابنته زينايدا من الوجع والهلع والمطاردات والاستجوابات، بينما تراجع روجيه غارودي بخطوات سريعة ومرتبكة عن "العقل الجدلي" ليرمي بنفسه بعد عناء مرهق فوق ضفاف بلا واقعية، أتعبته الواقعية التي خاضها على مدى اكثر من ربع قرن، شاخ وصار مثل طفل بحاجة إلى هدهدة رومانسية تُخلصه من معارك العقل، كتب: "من أكون في اعتقادكم"، رسم في هذه الرواية عالماً آخر غير العالم الذي أرتآه عبر صرامته المؤسسية، انتقل إلى عالم طوباوي مفعم بالأمل الأسطوري، من محور التمرد بكل مراحله يبدا غارودي ببناء خلاق لعالم زاه ما زال في الضفاف الأخرى،يبحث عن أطوار تكوينه في مأساة البشر وأوجاعهم ورفضهم وتمردهم، منقباً عن إيقاعه الداخلي ومشاركًا في ذلك الإيقاع، نسيج من عالم متخيل زاهر، يصنعه غارودي من خلال الحركة والتذكر والحلم والانتظار والخوف، من ذاك العالم المتفسخ تحدث ولادة جديدة لعالم حي ينبض فيه الفرح: "أترى سيكون من الممكن صنع عالم يخلق فيه البعض البعض الآخر؟! هذه قضية أخرى ،ولكن إن حدث ذلك،فسيكون على الأرجح عالماً يشبه هذه الزهرة: ستكون ثمة شمس لا تنفد، ولن يحاول أحد أن يكبر على حساب الآخرين بل يستمد حاجته من هذه الشمس" !!
حسناً فعلوا أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين حين نزعوا العقل عن ثقافتهم وأرخوا العنان للقال والقيل وسر ديات العنعنة(قال فلان عن فلان عن فلان…)، تاهوا بأوابد الكلام وغرائبه، منذ أن دشنوا تاريخ الثقافة بمهزلة: "من تمنطق فقد تزندق" وطردوا الرأي المجتهد،والفكر الناقد الفاحص شر طرده، عفروا تربة النظر من بذورات التساؤل والتفكر، هدروا دم الرافضين للاعوجاجات والاستبدادات،باسم الزندقة تارة وباسم الهرطقة تارة أخرى،هؤلاء الروافض حاولوا الاقتراب من الحق، الاتجاه نحوه، حاموا حول وهجه، حول نار وجهه، كان رفضهم كما يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: "منازعة الحق بالحق للحق"، ذبحوا شاعر العقل بشار بن برد، صلبوا المتصوف الحسين بن منصور الحلاج على دجلة ثم احرقوا جسده، كان متهوراً جسوراً يروم اقلاب الدولة، صرخ شاعر البصرة وواعظ مسجدها الكبير، صالح بن عبد القدوس مستنكراً بوجه الخليفة: علام تقتلني؟!…لكن السياف اخذ غفلته، فإذا رأسه يتهدهد على النطع .
لم يشتروا بفلس احمراوراق:تهافتات ابن رشد، وامتاعات التوحيدي، ورسالات المعري، وتهذيبات مسكويه، ومقدمات ابن خلدون، ومواقف النفري، وفتوحات ابن عربي، واشراقات السهروردي…الخ، نثروها نتفاُ في مهب أزمنة النسيان، جعلوا الذات في عطالة مستطيلة على مدار القرون، انقسموا إلى فئات اجتماعية ومذاهب متناحرة ومتصلبة الشرايين، راحت هذه الفئات تنطوي على نفسها وعلى لهجتها وعقائدها السحرية والشعوذية، استراحوا بفضاءات أسطورية منهوكة دب في عظمها التكرار والإعياء فتحولت إلى سماجات ونواحات، يقول محمد اركون: "حين تشيخ الأسطورة تتحول إلى خرافة"، ناموا أبناء جلدتنا نومة عميقة لا صحوة بعدها ولا نهضة، كأن تطور العالم وفتوحاته المعرفية لا تعنيهم،ناموا تحت وصاية مضروبة على الجميع من قبل أنظمة استبدادية ضعيفة المشروعية،إن لم تكن معدومة المشروعية، يسميها البياتي: "مسلات ملوك البدو الخصيان"، وها نحن جميعاً نسير في تاريخ مقلوب، فبدل أن يسير بنا إلى الأمام والحداثة، راح يقذف بنا إلى الخلف والقدامة، إلى أزمنة بدائية قاحلة، بموجات بشرية مذلولة،تعبى،عارمة،لا أحد فيها يدري: من يضحك على مَن؟!
ـــــــــــــــــــــ



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- النفري افكار مشوشة وتاريخ غامض
- معنى الانسان في تصورات ابن عربي
- الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي
- ايها المتشددون اصنعوا ثمة شئ للعالم
- السهروردي قتيل الاشراق
- سيبويه رائحة التفاح
- صالح بن عبد القدوس
- بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا


المزيد.....




- بطراز أوروبي.. ما قصة القصور المهجورة بهذه البلدة في الهند؟ ...
- هرب باستخدام معقم يدين وورق.. رواية صادمة لرجل -حبسته- زوجة ...
- بعد فورة صراخ.. اقتياد رجل عرّف عن نفسه بأنه من المحاربين ال ...
- الكرملين: بوتين أرسل عبر ويتكوف معلومات وإشارات إضافية إلى ت ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في كورسك
- سوريا بين تاريخيْن 2011-2025: من الاحتجاجات إلى التحولات الك ...
- -فاينانشال تايمز-: الاتحاد الأوروبي يناقش مجددا تجريد هنغاري ...
- -نبي الكوارث- يلفت انتباه العالم بعد تحقق توقعاته المرعبة خل ...
- مصر.. مسن يهتك عرض طفلة بعد إفطار رمضان ويحدث جدلا في البلاد ...
- بيان مشترك للصين وروسيا وإيران يؤكد على الدبلوماسية والحوار ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي النجار - الحالمون والازمنة الفاسدة