|
شاء الله ان يراك قتيلا .. !!
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2157 - 2008 / 1 / 11 - 11:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هذا مقطع من خبر كاذب يقولون فيه : إن الحسين - ع - لما عزم على الخروج من مكة بقصد العراق ، قال : لأخيه محمد بن الحنفية [ إن النبي - ص - أمرني قائلاً : - أخُرج فأن الله قد شاء ان يراك قتيلا !! ] . وقبل التعرف على طبيعة هذا الخبر ودلالته وسنده التاريخي ، يلزمنا التذكير بإن هذا الخبر غير صحيح و غير موجود في كل المصادر التاريخية والروائية التي شكلت وعي وتاريخ المسلمين القديم ، فالخبر المزعوم هذا لم يكن موجوداً حتى النصف الثاني من القرن السابع الهجري أي بعد تدوين وقعة كربلاء بستة قرون ونصف ، لكن هذا الخبر أخذ شهرة كبيرة بين ألسن الوعاظ و الخطباء على نحو غريب وعجيب مع إن هذا الخبر مخالف لأصول الإعتقاد .. وإليكم جدول بأسماء المصادر التاريخية والروائية التي لم يذكر فيها هذا الخبر وهي مرتبة حسب تسلسلها الزمني : أسم الكتاب أسم المؤلف سنة الوفاة 1- الإمامة والسياسة أبن قتيبة الدينوري 276 هجرية 2- الأخبار الطوال أبو حنيفة الدينوري 290 هجرية 3- تاريخ اليعقوبي أبن واضح بعد 292هجرية 4- تاريخ الطبري محمد بن جرير 310 هجرية 5- العقد الفريد أبن عبد ربه 328 هجرية 6- الكافي الكليني 329 هجرية 7- مروج الذهب المسعودي 349 هجرية 8- مقاتل الطالبيين أبو الفرج الأصفهاني 356 هجرية 9- الإرشاد الشيخ المفيد 413 هجرية 10- روضة الواعظين الفتال النيشابوري 508 هجرية 11- إعلام الورى لأمين الإسلام الطبرسي 548 هجرية 12- مقتل الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم 568 هجرية 13- التهذيب لأبن عساكر علي بن الحسن الشافعي 571هجرية 14- الكامل لأبن الأثير 630 هجرية 15- تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي 654 هجرية إذن كل هذه المصادر لم يذكر فيها هذا الخبر ، ولكننا وجدناه عند أبن طاووس المتوفي سنة 664 هجرية في كتابه - اللهوف - وقد نُقل منه إلى كتب أخرى كالبحار وناسخ التواريخ ونفس المهموم وغيرها ، فالمنشأ الرئيسي لهذا الخبر هو كتاب اللهوف ، وكتاب اللهوف كما هو معلوم كتب في النصف الثاني من القرن السابع الهجري ، ولكي نقف على ما كتبه أبن طاووس ، سيدور بحثنا حول عبارات جاءت في كتاب ( أصل ) لأحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد [ وعلى الأصل إنه كان لمحمد بن داوود القمي ] بالأسناد عن أبيه عبدالله قال : (( سار محمد بن الحنفيه إلى الحسين في الليلة ألتي أراد الخروج صبيحتها عن مكة فقال : ياأخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت ان تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه فقال الحسين : ياأخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يُستباح به حُرمة هذا البيت فقال : له محمد بن الحنفيه فان خفت فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البحر فانك أمنع الناس به ولا يقدر عليك ، فقال : أنظر فيما قلت ، فلما كان في السحر أرتحل الإمام الحسين فبلغ ذلك أبن الحنفيه ، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها فقال : ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ! قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ! قال : أتاني رسول الله – ص- بعدما فارقتك ، فقال : ياحسين أخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلاً ، فقال له ابن الحنفيه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ فقال له : قد قال ليّ - إن الله قد شاء ان يراهن سبايا - وسلم عليه ومضى )) - اللهوف ص 55 عبد الكريم بن طاووس - . في البداية يجب ان نتعرف على قيمة هذا الخبر من الناحية التاريخية ، حيث إننا لم نجد لهذا الخبر سنداً تاريخياً ، وهذا بحد ذاته إشكال في معرفة الخبر إن كان صحيحاً من هذه الجهة ، ولأن الخبر كما نقله أبن طاووس جاء هكذا من دون ذكر لرواته ، ولذلك فنحن نجهل من هم ؟ وهل كانوا ثقات يُعتد بهم أم لا ؟ كما إننا لانعرف بالضبط طبيعة وماهية الكتاب الذي روى أو أخذ منه أبن طاووس هذا الخبر ، وهل كان كتاباً معتبراً ؟ أم إنه مجهول الحال لا يُعتد به ؟ وهل إن صاحب الكتاب شخصية تاريخية من طراز اليعقوبي أو شخصية روائية من طراز الكليني ؟؟ كل هذه الأمور الضرورية واللازمة لا نعلمها ولا نعرف كيف دخلت بين صفحات كتاب اللهوف ؟ . ثم إن كان هذا الخبر موجود بالفعل فلماذا لم ينقله الشيخ المفيد أو غيره من الاعلام ؟ مع إنهم كتبوا كل تاريخ الحسين المقروء ؟ . أضف إلى هذا فالخبر المزعوم له ما يعارضه حيث يروي – ابو مخنف – عن الحارث بن كعب الوالي عن الإمام السجاد قوله : - إن عبدالله بن جعفر حاول منع الحسين من الذهاب للعراق ، فقال له الحسين : إني رأيت رسول الله في المنام وأمرني بما أنا ماض له عليّ كان أولى ، فقال له أبن جعفر : وما رأيت ؟ قال الحسين : ما أنا محدث به ؟ - الطبري ج4 ص 292 والإرشاد ص200 - . وواضح من هذا الخبر ان الحسين لم يحدث بما رأه في المنام ، لكن خبر اللهوف يقول إنه حدث أخيه بما رأه وبما أمره به رسول الله – ص - ، وهذا حسب القواعد الأصولية تعارض صريح بين الخبرين ، ولازم التعارض مع إنتفاء المرجح سقوط الخبرين من الإعتبار هذه من الناحية القواعدية كما هي مقررة في الأصول . بحث في المعنى : ومع إن البحث في معنى خبر صاحب اللهوف بعدما تبين التعارض يكون بحثاً زائداً ، إلاّ إن ذلك لا يمنع من البحث والتنقيب التامين ونقول : إن لفظة - شاء - الواردة في سياق خبر اللهوف ، إما ان تكون : 1 - شاء التشريعية . 2 – أو شاء التكوينية . فلو كانت – شاء - تشريعية فانها ليست صحيحة ، لإنها لو كانت كذلك فانها ستكون بمعنى الأمر أو التكليف ، وفي هذه الحالة يجب ان يكون أمر الله متعلق بأحد هذه الإحتمالات الثلاث التالية لاغير : الإحتمال الأول : ان يتعلق الأمر بقتل الحسين ، وهذا باطل لأن الله لا يأمر بقتل الحسين مطلقاً . الإحتمال الثاني : ان يتعلق الأمر بذهاب الروح عن البدن ، وهذا إيضاً باطل لأن ذهاب الروح عن البدن من باب الإنفعال وليس من باب الفعل ، والتكليف يتعلق بالفعل لا بالإنفعال . الإحتمال الثالث : ان يتعلق الأمر بمقدمات القتل يعني إن الله أمر الحسين إن يقدم نفسه للقتل ، وهذا باطل إيضاً ، لأنه على أساس ذلك يكون تقديم الأخرين أنفسهم للقتل حراماً لأنهم غير مأمورين بذلك .. أضف إلى ما تقدم فان قتل الإمام الحسين وسبي أهل بيته من الكبائر ، ولا يجوز أن ننسب ذلك إلى الله أو إن الله أمر بذلك ، بحيث يكون يزيد في هذه الحالة ينفذ أمر الله ، وهذا ما لايقبله عاقل !! . وفي المنطق الكلامي نقول : إن الله شرع القوانين لحماية الناس من الظلم والعدوان ، هذا من الناحية المبدئية فلو إن أحداً تجاوز وظلم الناس وأشاع الفوضى فلا يجوز لنا إن نقول إن الله أمر بذلك أو إن الله أراد ذلك ، فحين نقول إن الله نهى عن الكذب ووجدنا رجال يكذبون فلانقول إن الله أباح لهم ذلك !! وبنفس المنطق نقول إن الله حرم قتل النفس بغير حق ، ولكن الناس تتجاوز وتقتل وتستبيح الحرمات ، وهذا ما حصل بالفعل فقد قُتل الحسين وسُبيت عياله ، ولو لم تكن كذلك لما وصف الإمام السجاد قتل والده الحسين بانه أعظم مصيبة حلت بالإسلام وبالمسلمين . ومما لا ريب فيه إن الله لا يريد ان تحل هذه المصيبة بالإسلام ولا بالمسلمين ولا ان تلقي بظلالها عليهم . نعم إن يزيد وعبيدالله بن زياد أرادا ذلك ، أرادا إن يقتل الحسين وان تُسبى عياله ، لا إن الله أراد ذلك ! إذ لو كان الله في مقام التشريع أراد ان يرى الحسين قتيلاً ، فلماذا إذن نهى الله عن قتله ؟؟ إن قلت : إن القتل في طريق الله أمر مطلوب منه . قلنا : إن القتل بذاته لم يطلبه الله ، بل المطلوب هو الدفاع عن الإنسان وعن العدل و عن الحرية والسعي لرفع الظلم هذا هو المطلوب ، أما القتل من حيث هو هو ليس مطلوباً ولا هو هدفاً مستقلاً بذاته ، لكنه يقع في العادة عرضاً لغيره . ( طبعاً لا يجب القول : إذا لم يكن الله يريد القتل بذاته ، إذن فلماذا أمر الله النبي إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ؟ ونقول : إن هذا الأمر منه سبحانه وتعالى هو إمتحان لإرادة إبراهيم في تصديق الرؤيا ، ولذلك حينما همّ إبراهيم بتنفيذ ما رأه منعه الله من ذلك قائلاً : ان ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وهذا هو مراد الله من ذلك ) . ولو رتبنا الأمر وفق المنطق الرياضي لحصلنا على البرهان التالي وحسب التسلسل الدقيق : [ فنقول : هل يكون قتل المظلوم مطلوباً عند الله ؟ الجواب : طبعاً لا ، إذن فتعريض المظلوم للقتل أمر غير مطلوب ولا مراد من الله ، والحسين - ع - مظلوم : فهل يكون قتل الحسين مطلوباً من الله ؟ الجواب : طبعاً لا ، إذن فتعريض الحسين للقتل أمر غير مطلوب ، كما إننا أثبتنا بالدليل : إن القتل لم يكن هدف الحسين من تحركه نحو العراق ، وليس من أهدافه كذلك تعريض أهل بيته للسبي ] .. وأما لو كانت - شاء - في الخبر المزعوم تكوينية !! فهنا يُطرح السؤال التالي : هل تكون - شاء - تكوينية أم لا تكون ؟ وهو سؤال موضوعي ، وفي الجواب عليه يلزمنا توضيح فلسفي مختصر يتناول البنية المعرفية للمشيئة والتكوين ، ونقول : عالم الوجود والإمكان يقع بالضرورة في ظل المشيئة التكوينية ، فالله حين رتب الكون جعل نظامه قائم على أساس عليّ أعني قوانين العلة والمعلول ، وهي قوانين دائمة الصيرورة ، لهذا فلكل علة في الوجود يجب ان تكون ناظرة إلى موجود معين ، ومن الطبيعي حسب هذا القانون الجدلي ان تكون أعمال العباد كلها سواءُ أكانت تلك الأعمال حسنة أم سيئة داخلة ضمن هذا القانون العليّ المضطرد ، فالصلاة هذه الشعيرة داخلة ضمن هذا القانون ، كذلك قتل النفس داخل ضمن هذا القانون ، وهذا يعني إن الأعمال الحسنة تقع ضمن دائرة المشيئة التكوينية ، كذلك فهي تقع في دائرة المشيئة أو الأوامر التشريعية ، فالصلاة مثلاً واقعة في دائرة وحدود المشيئة التكوينية ، ذلك لأن العلل الوجودية للمشيئة حاصلة لها ، ولذلك وجدت الصلاة ، وهي من باب أخر أمر تشريعي ، ذلك لأن الله أمر بها ، ولكن قتل النفس لم يشرعه الله ولم يأمر به ، ولهذا فهو خارج من دائرة المشيئة التشريعية ، ولكنه داخل في دائرة المشيئة التكوينية ، أي مع توفر علل القتل يقع القتل ويوجد بالفعل ، لكن هذا لايمنع من كون القتل منهي عنه ، وعلى هذا الإعتبار يكون مقتل الحسين داخل ضمن دائرة المشيئة التكوينية ، وفي نفس الوقت هو منهي عنه ، ولأنه كذلك فلايمكن ان يكون أو يقع ملاكاً لأمر تشريعي ، ذلك لأن ملاك الأمر التشريعي يجب إن يكون مطلوباً وفيه مصلحة لا ان يكون منهي عنه . إذن وحسب هذا المنطق الفلسفي العقلي : لايجوز القول بان الرسول – ص - أمر الحسين ان يخرج - بملاك - إن الله يريد ان يرآه قتيلا - بالمشيئة التكوينية - وهذا ليس صحيحاً في الواقع ، لأن قتل النفس محرمة في الشرع ، ولا يمكن ان تكون ملاكاً لأمر تشريعي .. [ ولكنه يكون كذلك في حال أغمضنا أعيننا عن لفظة – أخرج – فتكون عند ذلك - شاء - تكوينية ، وفي هذه الحالة يكون معنى - شاء ان يراك قتيلا - يعني ذلك إنك ميت وأنهم ميتون فيكون الكلام فيها من باب العموم لا أكثر .. يتبع [ بحث موضوعي في كتاب : إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية لوقعة كربلاء - للشيخ الركابي – ج5 ]
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجزء الرابع : من كتاب إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية ل
...
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|