|
لن نقف أمام تكايا آل مبارك
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 11:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
يقع في خطأ التعميم كل من يتهم مبارك الأب بأنه يخلف وعده ، و أنه رئيس س و سوف . فلكي نكون أكثر دقة علينا أن نقسم تلك الوعود إلى نوعين ، الأول منها هو ما فيه فائدة الشعب المصري ، أو قطاع منه ، و النوع الثاني ما فيه الضرر للشعب المصري ، أو قطاع منه .
النوع الأول هو ما يمكن أن نسميه الوعود السرابية ، التي لا تتحقق أبداً . أما النوع الثاني فإنه غالباً ما يتحقق ، و كثيراً ما يكون ذلك بشكل يفوق المتوقع .
مبارك الأب أعطى في مايو من عام 2005 إشارة توعد للمعارضة المصرية ، و ذلك في حديثه لرئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية ، و قد تحقق الوعد قبل نهاية ذلك العام ، بل إن حربه الشرسة على المعارضة المصرية لم تنته بعد منذ ذلك الحين .
و في أواسط الثمانينات هدد مبارك الأب و توعد الشعب المصري ، بأن الحكومة - و كأنها حكومة شعب أخر - سوف تكون غير مسئولة عن الشعب ، و تنفض يدها من مشاكله ، كما يحدث في دول أخرى ، على حد تعبيره ، بعد أن ظل يصرخ في وجوهنا لعدة خطب : حاوكلكم منين ؟ و هذا التساؤل هو مفتاح ما سأتطرق إليه فيما بعد ، حيث يوضح منطق أل مبارك معنا . و قد كان ، و ها هي الأيام ترينا كيف أخذت حكوماته المتعاقبة في نفض يدها من مشاكل الشعب ، و بخاصة تجاه الطبقات المكافحة ، التي ينتمي لها غالبيتنا .
لقد إختار مبارك الأب ، أو لنقل اليوم آل مبارك لكي نكون أكثر دقة ، من بين كل الأنظمة الإقتصادية ، أكثرها توحشاً و شراسة ، إنه النظام الإقتصادي البريطاني الحر في القرن التاسع عشر ، و الذي يقوم على أساس دعه يعمل ، دعه يمر ، و لا يكلف أنظمة الحكم بأي دور إجتماعي مسئول تجاه المستضعفين .
ذلك النظام الذي أعاد صياغته في ثوب حديث يناسب مصطلحات العصر الحالي ، إقتصاديين محدثين معاصرين ، كانت وصفاتهم هي عماد الوصفات التي تقدمها المؤسسات الإقتصادية العالمية ، مثل البنك الدولي ، و هو النظام الذي تبنته مارجريت تاتشر – أو ثاتشر - رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ، و التي دائماً ما يتخذ أنصار ذلك النظام الإقتصادي من تجربتها و تجربة الديكتاتور العسكري الشيلي الراحل أوجست بونيشية ، مثال على نجاح هذا النظام . دون الإشارة إلى التكاليف الإجتماعية الرهيبة التي تكلفها كل من الشعب البريطاني و الشعب الشيلي ، و كل شعب طبق ذلك النظام بحذافيره ، كالشعب التركي في عصر الفساد ، عصر الدميات الذين حكموا تركيا بإسم العسكر ، و الشعب الروسي في عصر يليستين ، و الشعب المصري في الوقت الراهن ، عهد آل مبارك الأغبر .
في الإتحاد الأوروبي رأينا كيف عادت دوله بشكل فردي ، و بشكل أيضاً جماعي ، لوضع حد لخطر الخصخصة الحرة المتحررة من كل قياد ، و التي رأوا فيها تهديد للسيادة الوطنية . و في بريطانيا أخرج البريطانيون حزب المحافظين - حزب ثاتشر - من الحكم منذ عام 1997 ، لأنهم أرادوا أن يكون للدولة دور في ميادين التعليم و الرعاية الصحية ، و هذا ما بشرهم به حزب العمال ، و حقق بعضاً من وعوده خاصة في ميدان التعليم ، لهذا هو في الحكم منذ أكثر من عقد ، بشكل متواصل ، و اليوم حزب المحافظين و لكي يعود للحكم ، عاد للتأكيد على واجبات الدولة تجاه الشعب . و في روسيا رأينا كيف كافئ الشعب الروسي بوتين ، لأكثر من مرة ، لأنه إستعاد روسيا لهم ، و الأهم لأنه أعاد دور الدولة ليكون لها يد رؤوفة حانية في ميادين التعليم و الصحة و الإسكان و التوظيف ، و دون أن يشعر مواطنيه بأن ذلك إحسان أو تفضل .
مبدأ السوق الحر المتوحش - أو الثاتشري – القائم على الخصخصة المنحلة من كل قياد ، و على أساس أن الدولة ، كنظام حكم ، ليس لها أي دور إجتماعي تجاه الضعفاء في المجتمع ، و أن المسألة هي مسألة علاقة بين أغنياء المجتمع و فقراءه ، و يحكم تلك العلاقة مبدأ أن مساعدة المعوز هو خيار خلقي شخصي ، للأغنياء تجاه الفقراء ، إن شاؤوا أعطوا ، و إن شاؤوا منعوا ، و أن المسألة بالتالي تقع بعيداً عن مسئولية الحكومة ، مبدأ مرفوض لدينا تماما ً.
آل مبارك يريدون أن يحولوا المسألة من مسئوليات للدولة تجاه الشعب ، و بخاصة المستضعفين منهم ، إلى مسألة إحسان و صدقات . فيعود التعليم ، ليس حقاً كالماء و الهواء ، بل بالمال ، مع إحسانات في شكل منح مجانية أو نصف مجانية للمتفوقين من أبناء المكافحين ، و يعود نظام شهادات الفقر التي يتم بموجبها إستثناء أبناء المهضومين من دفع المصاريف الدراسية ، المتصاعدة في قيمتها ، لتناسب حركة السوق الحر .
آل مبارك يريدون أن نتحول إلى شعب متسول ، حيث مساعدة المعوز خيار خلقي ، كما أرادت رائدتهم مارجريت ثاتشر ، فننتظر إحسان الإقطاعيين الجدد الذين صنعوهم ، فنجلس حول شاشات الإذاعات المرئية ، الرسمية و الخاصة ، و بخاصة في شهر رمضان الكريم ، لنشاهد و نسمع الإقطاعيين الجدد ، و هم يلقون علينا محاضراتهم و مواعظهم ، و في النهاية تلك البرامج يلقون علينا ما تجود به نفوسهم ، من أموالنا المنهوبة ، و علينا الشكر ، و لهم المنة علينا ، فاليد العليا خير من اليد السفلى ، و إلا أصبحنا جاحدين لنعمهم علينا .
و علينا أن نصتف في صفوف أمام المقار ، أو التكايا المباركية ، التي ستوزع صدقة آل مبارك علينا ، بعد أن شرعوا في العمل على رفع الدعم ، و تحويله إلى صدقة ، علينا أن ننتظرها مع طلعة كل شهر ميلادي .
لا يا آل مبارك ، نظامكم الثاتشري عفا عنه الدهر ، بعد أن ثبت فشله ، و رفضته الشعوب ، شرقاً و غرباً ، بعد أن قاست حنظله . فالدولة هي إلتزامات ، و لا تقوم دولة على مبدأ الإحسان . و نحن المستضعفين ، نعلم إن لنا حقوقاً معلومة و مشروعة ، سنأخذها بأنفسنا ، و لن نقبل أن تعود شهادات الفقر ، و لن نقبل أن نصتف صفوفاً لنتلقى إحساناتكم ، و ما سرق بليل نظامكم ، فسوف يعود في نهار الجمهورية المصرية الثانية ، جمهورية الضمير و الحرية ، التي نعمل من أجل تأسيسها .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخاوفنا مبررة ، فالحرية الإقتصادية ليست مطلقة
-
هكذا يجب التعامل مع آل مبارك
-
نصب تذكاري لضحايا مذبحة المهندسين
-
يعقوب صنوع أديب الحرية
-
الأغنياء و المساتير أيضاً يثورون
-
هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام
-
لا يا بلد شامبليون، الحضارة المصرية لم تبن بالسحر
-
يا راكب القارب، تعال نصنع أوروبا في مصر
-
حتى لا يساء للقرآن، إبحثوا عن بديل لكلمة إرهاب
-
مبارك و بوتين، الفارق بين من فرط و من إسترد
-
مبارك و بوتين، لا وجه في المقارنة بين من فرط و من إستعاد
-
الجمهورية المصرية الثانية، هكذا ستقوم
-
أحمدي نجاد، لا فارق بينك و بين آل سعود و آل مبارك
-
لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنية؟
-
الخطوة القادمة شريحة تحت الجلد
-
ماذا لو ان عرفات في غير عرفات؟؟؟
-
حالة الطوارئ الباكستانية هل تختلف عن المصرية؟؟؟
-
لا تتوسلوا للبناويين أو لأحد
-
إنه مخاض لعصر أكثر إظلاماً، يا أستاذ هيكل
-
و حملها الإنسان، الرد على مفكر النازية المصرية
المزيد.....
-
خطط ترامب في غزة: أنباء عن كون المغرب من المناطق المرشحة لنق
...
-
مخطّط ترامب في غزة: ليبيا تعلن رفض سياسات التهجير والتغيير ا
...
-
مصراتة
-
ردا على مخطّط ترامب: الجزائر ترفض بشكل قاطع تهجير وإفراغ قطا
...
-
تونس: عائلات مفقودين في عمليات هجرة غير نظامية تحتج أمام الس
...
-
تونس: اعتصام ثان لقيادات في اتحاد الشغل والأزمة تتفاقم
-
النائب الجمهوري جو ويلسون: -الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتور
...
-
3 سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا: هل بوتين مستعد لل
...
-
أحكام سجن مشدّدة في تونس: محاكمة نزيهة أم -محاكمة سياسية ظال
...
-
صورة متداولة لشبان جذابون ووسيمون: هل هؤلاء هم أعضاء فريق شر
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|