|
عملاء المخابرات السورية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:34
المحور:
كتابات ساخرة
ليس من قبيل الصدف البتة، أن تتماهى، اليوم، كثير من المواقف الوطنية المصيرية، والتصريحات العلنية لكتاب، وسياسيين، ومثقفين وحتى ضمن المعارضة، في داخل سوريا وخارجها مع الموقف الرسمي السوري من قضايا إقليمية محددة ومعروفة. فهذه المواقف المختلفة تنبع من وعي وفهم عميق ودقيق لحقيقة المرحلة وطبيعة الصراع ومعرفة أكيدة بالعواقب والنوايا المبيتة للإقليم وإن اتخذت عناوين، ورفعت يافطات شتى كالتغيير والإصلاح. كما أن هناك إجماعاً واتفاقاً، شبه عام، حول الموقف المعلن غير القابل لمساومة إزاء إدارة الحرب الإجرامية التي يقودها جورج بوش الابن. وإن اجتمعت هذه المواقف في نقاط التقاء كثيرة، ومفاصل حيوية وإستراتيجية عدة، فهي لم تكن بالضرورة وليدة تنسيق بين مختلف هذه الاتجاهات الرسمية والمستقلة والحزبية، بقدر ما كانت نقاط التقاء واتفاق وتوافق طبيعية ومنطقية على ثوابت بسيطة ومبادئ وطنية وأخلاقية عامة لا يختلف عليها اثنان على الإطلاق. فالموقف من العدوان الخارجي، وحماية التراب الوطني، وعدم الاستقواء بالخارج، والتصدي للعدو الخارجي المتربص شراً وسوءاً والضامر حقداً وغلاً، هي، وبالمطلق، بدهيات مبدئية وأخلاقية وسلوكية، لا تحتاج إلى كل ذاك العك والانهماك وقد تعارفت عليها البشرية شرقاً، وغرباً، وشمالاً، وجنوباً، منذ فجر التاريخ، ولا تبررها كل تلك الرطانة البلاغية والبهلوانيات الخطابية الصادرة من هنا وهناك.
ولا يجد البعض، في هذه اللجة، ونتيجة لفقدان أية أدوات عملية ومؤثرة، من تهمة يرمي بها خصمه السياسي والمختلف معه بالرأي سوى العمالة والانتماء لهذا الجهاز الأمني أو ذاك، ومحاولة شيطنته، وتأثيمه عبر ذلك، ولتصبح سوريا وإيران اليوم في ذروة وضوء المد البوشي الأرعن، الشيطان الأكبر والشر المستطير الأوحد في المنطقة. وإذا كنا نتفهم، تماماً، معنى وإمكانية أن يكون إنسان ما عميلاً لدولة أخرى، أو يتعامل مع جهات خارجية ما، فلا نستطيع أن نفهم، ولا ندري كيف يكون نفس هذا الشخص عميلاً لبلده ويعمل لحسابه ويخدم مصالحه الوطنية العامة، ويصنف، بالتالي، سلبياً، من الناحية المعيارية، وفيما إذا كان ذلك الخيار من الاصطفاف الوطني العام، أصلاً، عيباً من الناحية القانونية والأخلاقية؟
بداية، إذا كان العداء لبوش، والوقوف في صف الوطن تهمة وجناية، وكل من قال كلمة حق في وجه هذا المد والطغيان الانهزامي والاستسلامي، فيرجى اعتبارنا فوراً، ودونما إبطاء، في عداد عتاة المجرمين والخارجين عن القانون.
ومن ضمن أولئك الذين يعملون لمصالح وطنية سورية بحتة ترمي إلى حماية الوطن وبنائه وتحصينه وتطويره وفي خدمة أبنائه والوقوف في وجه أعدائه في هذه المرحلة الدقيقة نرى مثلاً، وناهيك عن أرفع المستويات القيادية، هناك السادة نواب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء ونوابه، وجميع الوزراء، وأعضاء القيادتين القومية والقطرية، وأعضاء الجبهة الوطنية، والجيش السوري بضباطه وجنوده بما فيهم أجهزة الأمن والشرطة، ومعظم الجهاز الوظيفي (باستثناء الفاسدين المعروفين منهم)، والفئات الشعبية الأخرى واسعة الطيف، سيتم تصنيفهم جميعاً كعملاء للمخابرات السورية وفقاً لمعايير ووجهات النظر المريبة والغريبة لبعض فصائل المعارضة السورية في فئة العمالة للمخابرات السورية. ولن نوغل أكثر داخلياً فالأمر لا يحتاج لشرح وتطويل، ومتفق عليه بين عموم السوريين.
وإذا تخطينا حدود الوطن السوري، سنجد أن هناك مواقف كثيرة لشخصيات وأحزاب وهيئات تتطابق مع الموقف الوطني الرسمي السوري من قضايا الإقليم، تنطق بالحق وتجهر به وتأخذ جانب الوطن، وتتوافق مع مواقف الكثير من الكتاب والمثقفين والنشطاء والحزبيين والمستقلين في سوريا، وستنسحب عليهم، وبالتالي، أيضاً تهمة "العمالة" للمخابرات السورية التي يوزعها بعض "شرفاء" المعارضة السورية المنزّهين ذات الشمال وذات اليمين. ونستطيع أن نذكر منهم على في هذه العجالة وبما يسمح به حجم مقال، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ويتوزعون على مساحات جغرافية متنوعة عبر العالم:
المقاومة الوطنية اللبنانية برموزها المعروفين وعلى رأسهم حسن نصر الله، الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، والنائب السابق أيضاً ناصر قنديل، الرئيس سليم الحص، الكاتب طلال سلمان، النائب نجاح واكيم، الوزير سليمان فرنجية، الفنانة المتميزة نضال الأشقر، الفنان الكبير زياد الرحباني، الكاتب رياض نجيب الريس، الأستاذ شارل أيوب، الأستاذ إبراهيم الأمين، المرحوم جوزيف سماحة، عبد الوهاب المسيري النائب البريطاني الأشهر جورج غالاوي، الكاتب البريطاني المعروف باتريك سيل، الخبير الاستراتيجي الكبير والمفكر القومي الدكتور منذر سليمان، الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز والبرازيلي لويس اناسيو لولا دا سيلفا حبيب الفقراء، الكثير من الأحزاب والشخصيات والنقابات والفعاليات العربية والأجنبية الشعبية والرسمية التي تدين السياسة الأمريكية في المنطقة، سيدني شيهان( والدة أحد الجنود الأمريكيين القتلى في العراق)، والتي رابضت لأكثر من مائة يوم أمام البيت الأبيض لإدانة بوش وحربه العدوانية، المفكر والناشط القومي كمال شاتيلا، النائب العربي في الكنيسيت الإسرائيلي الدكتور عزمي بشارة وزميله الدكتور أحمد الطيبي، فرناندو شافيز رئيس أركان القوات الأمريكية السابق في العراق والذي أصبح من ألد أعداء بوش السياسيين، نعوم تشومسكي أستاذ علم اللغة بمعهد ماساشوستس المرموق للتكنولوجيا وهو أيضاً من أشد المناهضين للإدارة الأمريكية الحالية، خالد مشعل، واسماعيل هنية من زعماء المقاومة الوطنية الفلسطينية، إضافة لزعماء تاريخيين لحركة التحرر الوطني الفلسطيني كأحمد جبريل ونايف حواتمة، عبد الباري عطوان رئيس تحير القدس العربي، الإعلامي البارز الدكتور فيصل القاسم، النائب المصري مصطفى بكري، توجان الفيصل، وليث شبيلات النواب البارزين في البرلمان الأردني، وأخيرا وليس آخراً العماد ميشال عون (والكل يعرف التباين التاريخي الذي كان له ذات يوم مع سوريا، وكان بينه وبينها ما صنع الحداد، وليبرز اليوم، وفجأة وغفلة، ويا لغرائب الصدف، كواحد من أبرز "عملاء" سوريا الكبار في لبنان حسب رؤية "شرفاء" الوطنية في سوريا، حين التقت رؤاه الوطنية المصيرية والإقليمية مع الرؤى والمصالح الوطنية السورية الكبرى). ولا يسعنا هنا إلا أن نعتذر من كافة "العملاء" الآخرين الذين لم يتسن لنا ذكرهم في قائمة "العمالة" هذه. ولا أدري كيف "تقبل" هذه الشخصيات البارزة أن تكون "مجرد" عملاء للمخابرات السورية، وعما إذا كانت هي أصلاً بحاجة مادية أو معنوية للعمالة لأية مخابرات، وهي التي طبقت شهرتها الآفاق، وتجاوزت حدود الأوطان، وهذا إذا سلمنا جدلاً بـ"الشيطنة" المطلقة لأجهزة المخابرات، وبأنها لا تقوم بأية خدمات أمنية جليلة، ولا تنجز أية مهمة وطنية، تعود بالنفع والهدوء والأمان والاستقرار على الصالح العام.
ومن هنا فقد صارت المواقف الوطنية والأخلاقية تهمة وعمالة، أما الحركات القرعاء، والتصريحات الصبيانية الهوجاء، والمواقف البلهاء كالاستقواء بالخارج الأمريكي، والدعوات العلنية لاحتلال سورية، و"القبض" من معهد أسبن، ومن هنا وهناك، والتعامل مع أجهزة استخبارية أجنبية فعلاً، والتنسيق معها، واعتبار بعض الصعاليك والمحكومين بتهم جنائية وأخلاقية من المتسكعين في الحانات والمواخير في أوروبا ممن يتعيشون على صدقات وهبات المافيات، ولا داعي لذكر أسماء، ويتطفلون على حساب وجهد وعرق دافع الضرائب "الصليبي اليهودي الكافر"، هم وحدهم المناضلين والشرفاء، وأفعالهم فقط هي التي ترتقي لاعتبارات الشرف والبطولة والمعارضة والنضال البولشفي الممتاز، فهذه، والله، واحدة من مفارقات، وأعاجيب وغرائب هذا الزمان.
ضبابية المواقف وخربطة المشهد والخلط الفوضوي وأخذ هذا بجريرة ذاك أمر مرفوض، فهناك خطوط حمراء معروفة يصعب على أي عاقل تجاوزها ، ومبادئ لا يمكن المساومة عليها واللعب بها على الإطلاق. إلا أننا، في نفس الوقت، نتفهم أن يكون هناك معارضة وطنية مشروعة لهذا النظام أو ذاك، وتصب في المحصلة في الصالح الوطني العام. ونتحفظ، كما غيرنا، على بعض الممارسات، ونتباين ربما مع هذا أو ذاك، ولكن لا نتفهم أن يحتكر البعض النزاهة، ويدعي لوحده الشرف والأخلاق لنفسه دوناً عن سائر الخلق والعباد، ويصادر الأحكام القيم والأحكام ويوزعها على الناس، ويكتسب لذلك شرعية مطلقة، وعصمة أبدية لمجرد معارضته لنظام ما، وعداء متعدد المنابع ومعروف الأسباب. لكننا ندرك، أيضاً، الحاجة الملحة للتغيير والإصلاح والتطوير الذي لا يخرج هو الآخر عن مطالبات ومناشدات ونوايا صادقة تخرج من أعلى قمة الهرم السلطوي. ولكن ما هو مطلوب تغييره أولاً، تلك الأدمغة والعقول العفنة والصدور الصدئة لبعض من أولئك الفصاميين والعصابيين الموتورين فئوياً ويهذرون و"يزُنـّون" ويطبلون ويزمرون لخراب العش السوري الجميل، ويبشرون بجورج بوش كأحد أدوات التغيير و"الخلاص".
نعم هناك حاجة ملحة للتغيير والإصلاح. وهناك جزئيات قد يختلف ويتفق بها البعض مع النظام، لكن لا خلاف البتة، ومن وجهة نظر وطنية وأخلاقية، على العموميات والمبادئ والثوابت الأخلاقية التي درج تاريخياً، جميع الشرفاء الحقيقيين، وليس الخلبيين منهم، على احترامها والعمل بها، داخل سوريا وخارجها. وما تلك الأسماء القليلة والشخصيات البارزة التي ذكرناها، إلا عيـّنات قليلة، وطلائع أولية في جيش طويل وجرّار من الناس الذين يميزون بين ما هو صالح وطالح، وبين ما هو خير وشر، وبين ما هو وطني وأخلاقي وسواه، وهم بالتأكيد، ليسوا، من فئة العملاء كما يرطن، ويردد بعض الصغار.
هذه في الحقيقة ليست لوائح عملاء توصم بالعار، بل يجب أن تصنف كأسماء لامعة بيضاء وتوضع في لوحات شرف مؤطرة بأكاليل الغار.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصريحات الترك والنفخ في صور إعلان دمشق
-
متى نعيد الاعتبار لسايكس وبيكو؟
-
إعلان دمشق: متاهات البحث عن مرجعيات
-
السعودية الجديدة والعلاّك الكبير
-
بوش النبيل: هل أصبح الترك جلبي سوريا؟
-
إعلان دمشق والأصابع الأمريكية
-
وإذا المغتصبة سُئِلَت بأية شريعة جلدت؟
-
مأزق الإخوان المسلمين
-
آل البيوت السياسية
-
حوار ساخن عن الأصولية وأم الدنيا
-
الحوار المتمدن: شمعة جديدة تقهر ظلام الفكر
-
أنابوليس خليجية: زمن التوافقات
-
في حوار مع نضال نعيسة IPS:عقوبة الإعدام تعزز مصالح أنظمة الا
...
-
الدكتور: دكاترة لا عالبال ولا عالخاطر
-
فالج الفواليج: في الرد على النقاش
-
نُذر الشؤم
-
الكافيار السوري
-
لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل
-
هل كان السلف صلحاً فعلاً؟
-
باب الحارة: جذور الاستبداد
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|