أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بسم الله الرحمن الرحيم
ـ فى مؤتمر كليرمنت المشهور ( 27 نوفمبر 1095) الذى شهد الدعوة للحروب الصليبية بقيادة البابا أربان الثانى , أفلتت عبارة على لسان البابا تفضح الرغبة الحقيقية فى الغزوة الصليبية حين دعاهم إلى غزو بلادنا التى ( تفيض باللبن والعسل ). وكانت هذه العبارة كافية لإلهاب مشاعر الجَـوعى الفقراء وإثارة أطماع الفرسان والنبلاء .. فقد كانوا فى الظاهر يرفعون شعار الصليب , ولكنهم فى الواقع يدفعهم الجشع الرهيب ..
كانت أحوال أوربا فى القرن الحادى عشر الميلادى تدفعها إلى ضرورة العثور على حلول أقتصادية ترضى جميع الأطراف , ولأن العصور الوسطى كانت عصر التدين فإن المنتظر أن يجد أصحاب المشكلة حلا دينيا يرتضونه جميعا , لقد كانت المشكلة أقتصادية , وكان حلها داخل المجتمع الأوربى يعنى المزيد من الحروب و الانشقاقات , إذا كان هناك من يريد العدل , لذا أصبح الحل المتاح يكمن فى توجيه الفرقاء المتشاكسين نحو بلاد المسلمين , ففى ذلك تحقيق للاتحاد أمام العدو المشترك وتخليص لأوربا من عوامل النزاع وأصحاب القلاقل , ثم ـ وهذا هو الأهم ـ العلاج الناجح للمشكلة الاقتصادية ..
ـ أوربا فى ذلك الوقت كانت مجرد كيان جغرافى يغلب عليه الطابع الريفى الاقطاعى , يتصارع فيه على مستوى القمة الملوك وطبقة النبلاء والاقطاع والنفوذ البابوى , وعلى المستوى الاجتماعى يدور صراع آخر بين الطبقة التجارية البرجوازية الصاعدة والنظام الاقطاعى العتيد , ثم أغلبية جائعة من الفلاحين كانوا أرضية الصراع بين السادة ...
اهتم الملوك بتأكيد سلطانهم أمام النفوذ البابوى الذى يمثله بابا روما والذى يسيطر من خلال الكنائس على استثمارات مادية وعلى عقول الرعايا ، ويمارس سلطاته على أملاكه ورعاياه أمام ملوك أوربا ، والملوك يعرفون أن البابا يخلط بين منصبه الكهنوتى وأطماعه السياسية ويستخدم سلطته الروحية فى تأكيد سلطته السياسية , وفى نفس الوقت اهتم الملوك بتأكيد سلطتهم الداخلية أمام أمراء الاقطاع الذين توارثوا الحكم بأسماءالملوك ولكن تناسوا ذلك أحيانا بمرور الزمن وازدادت سطوتهم فى مناطقهم وزاد حرصهم عليها أمام أطماع سادتهم الملوك , و
الأطماع ليست سياسية فقط ، وإنما هى اقتصادية فى الأساس .. فالبابا يحرص على ايراداته الكنسية بقدر ما يحرص الاقطاعى على ثروته الاقطاعية , وبقدر ما يتمنى الملك أن يستأثر وحده بهذا وذاك دون شريك ...
ــ وكان من الممكن أن يظل الصراع دائرا بين البابا والملوك والأمراء الاقطاعيين فى داخل القارة الأوربية , وكان من الممكن أن تنشغل به أوربا عن بلادنا لولا أن حروب البيزنطيين مع السلاجقة المسلمين فى آسيا الصغرى أثارت انتباه الأوربيين خصوصا بعد أن استطاع السلطان ألب ارسلان هزيمة الإمبراطور البيزنطى رومانوس ديوجينيس وافناء جيشه وأسره فى موقعه ملاذكرد فى (رجب 463 هـ )أغسطس 1071 م ـ وتوسع بعدها السلاجقة فى آسيا الصغرى على حساب البيزنطيين , ومع أن البيزنطيين يخالفون أوربا فى المذهب إلا أن تلك الهزيمة المروعة أظهرت للبابا الكاثوليكى أن دوره قد حان ليتزعم المواجهة ضد المسلمين وليحل عن طريق ذلك كل مشاكله السياسية الاقتصادية مع الملوك , وفيما بين الملوك والأمراء والاقطاعيين ..
لقد اختلطت الدوافع الدينية بالسياسية بالاقتصادية فيما يخص الدعوة للحروب الصليبية , ولكن الواقع التاريخى الأوربى فى ذلك الوقت يقطع بأن الصليبين أتوا إلى بلادنا أساسا لأنها تفيض باللبن والعسل .. كانت الأطماع الاقتصادية هى المحرك الأساسى , وكان الدين مجرد شعار .. ولا يزال ..
ــ الفلاحون و الحرب الصليبية :
ـ كان الجياع الأوربيون هم وقود هذه الحرب الصليبية , وكانوا جندها وعمادها .. ولنلق نظرة على أحوالهم فى أوربا , تلك الأحوال التى جعلت خروجهم للحرب هى الحل الأمثل والمتاح ..
لم تكن درجة النمو الحضارى فى أوربا تسمح لها باستصلاح الأراضى بالقدر الذى يكفى النمو المطرد فى عدد السكان , فظلت الأراضى الزراعية محدودة بالقياس للبرارى والغابات والأراضى البور ، وكانت تلك البرارى موطنا للحيوانات المتوحشة وأساطير العفاريت التى تهدد أكواخ الفلاحين وعقولهم بعد يوم ملىء بالكدح الكثير والطعام القليل الحقير , وبسبب تأخر وسائل المواصلات ارتفعت تكلفة النقل للمحاصيل بين المناطق , فإذا تدهور المحصول فى منطقة عانى أهلها من المجاعة دون أن ينجدها أهل المنطقة القريبة هذا بالإضافة إلى ضعف السلطة المركزية واستقلال المقاطعات والاقطاعيات , وعدم اهتمام الأمراء المحليين بما يحدث للفلاحين ..
ـ ولم تكن المجاعات شيئا عارضا فى حياة الفلاحين بل كانت تتكرر كثيرا بسبب الفيضان , وقبيل الدعوة للحروب الصليبية سنة 1095م ـ شهد شمال أوربا مجاعة استمرت سنوات , وأحيانا كان يقترن الوباء بالمجاعة , أو يأتى الوباء منفردا فيحصد أغلبية الفقراء , وفى تلك المحن كان اللجوء للدين ضرورة حتمية ولم يكن الفلاحون يجدون أمامهم إلا قساوسة محدودى الثقافة ولكنهم كانوا شديدى التأثير , لذلك اندفع الفلاحون إلى الإنخراط فى الحرب الصليبية بمجرد أن دعاهم إليها اولئك القساوسة باعتبارها طريقا للخلاص فى الدنيا والآخرة ..
* وقد انقسم الفلاحون حينئذ إلى أحرار وأرقاء , وكان بعض الفلاحين يبيع نفسه بمحض إرادته ليكون عبدا للكنيسة يخدمها ويزرع فى أراضيها , وكانت الكنيسة تمتلك القسط الأكبر من أجود الأراضى الزراعية , ولم ينافسها فى ذلك إلا الأمراء , وعاش الأمراء الفرسان والقساوسة على عرق الفلاح سواء كان حرا أو عبدا ، وتسلط الاقطاعى على الفلاحين يشاركهم ثمرات عرقهم الفردى الذى يأخذونه لإطعام أطفالهم , فإذا صاد سمكا أو رعى بقرة أو خنزيرا , كان عليه أن يقدم جزءا من حصيلة انتاجه للاقطاعى لأنه استثمر وسائل الإنتاج التى يمتلكها السيد الاقطاعى , وفى المقابل فإن الفلاح كان يعمل بالسخرة فى حقل السيد وفى بيته وفى بناء حصونه وقصوره . وامتدت سلطة الاقطاعى إلى التحكم السياسى والقضائى فى حياة الفلاحين باعتباره ممثلا للملك اسميا , فأصبح هو المسيطر على الأمن والقضاء والتجارة والأسواق , وهو الذى يفرض الضرائب وهو الذي يقوم بتحصيلها , وهو الذي يعتقل خصومه وهو الذي يحاكمهم وهو الذي يتولى التنفيذ ..
ثم لا يكتفي الاقطاعي بذلك بل كان يزج بالفلاحين في معاركه الحربية ويجعلهم وقودا لجيشه يدفع بهم في مقدمة الحرب التي تندلع بينه وبين خصومه الآخرين , وهكذا كان الفلاح الأروبي يعانى الأمرَّين , من كوارث الطبيعة ومن ظلم السادة الحكام , لذا سارع الفلاحون بالاستجابة وانخرطوا فى الحرب الصليبية بصورة أدهشت البابا نفسه إلى درجة جعلته يأمرهم بالتريث وعدم الاندفاع ولكن قسوة الحرمان واليأس الذى عاشوا فيه فتحت لهم باب الخلاص إما بالموت وإما بالفوز , وفى كليهما فلن يخسروا شيئا لأنه ليس لديهم ما يخسرونه ..
الفلاحون فى الحملة الصليبية الأولى (حملة الشعوب) : ــ
ـ كان بطرس الناسك أبرز دعاة الحرب الصليبية ,وقد طاف أوربا سنة 1095 : 1096م راكبا حماره الأعرج وفى هيئة رثة يدعو الفلاحين إلى الإشتراك فى الحرب , ويرسل من لدنه مبعوثين على هيئته إلى باقى المناطق , وحيثما حلَّ يتبرك به وبحماره الجميع ، ويتبعونه حيثما سار , والفلاحون حملوا محاصيلهم وامتعتهم وأولادهم وزوجاتهم وأصبحوا جيوشا من البؤس تتبع ذلك الراهب , وبسبب كثرتهم وكثرة أثقالهم المحمولة على عربات بائسة فقد تكونت منهم فرقة حراسة يقودها مغامر يدل اسمه على شخصيته وهو والتر المفلس الذى جمع حوله طائفة من الأوباش صارت مقدمة للجماهير المحيطة ببطرس الناسك ...
ـ وتضخم هذا الجيش كلما مر على قرية أو مقاطعة , وقد عَبَرَ ألمانيا إلى المجر , ومنها إلى بلغاريا وكان قد انضم إليه أكثرية من العاطلين واللصوص فأثاروا الجيش إلى اتـِّباع طريق السلب والنهب فى القرى البلغارية ، مما جعل البلغاريين يهاجمونهم , فاضطر والتر المفلس بجيشه إلى الهرب ووصل إلى القسطنطينية مركز الامبراطورية البيزنطية التى يهدف بابا روما للسيطرة عليها , ولكن الامبراطور كومنين أمر والتر المفلس بأن يعسكر خارج أسوار القسطنطينية إلى أن يأتى بطرس الناسك بباقى جموعه ...
ـ وكانت جموع بطرس الناسك تتكون من جيش آخر كبير من المشاة والفرسان وأغلبية كبيرة من غير المحاربين من الرجال والنساء والأطفال , وقد عـَبَرَ ألمانيا فى 20ـ أبريل ـ 1096م وسمح له ملك المجر بعبور بلاده بشرط ألاّ يثير المتاعب , ولكن كان من المستحيل أن يسيطر بطرس على ذلك الجيش الذى يضم آلاف الجوعى والمجرمين وبنات الهوى والأفاقين , وقد أتيحت فرصة النهب والتدمير عند مدينة سملين على حدود المجر مع الإمبراطورية البيزنطية , ومع أنها مدينة مسيحية مسالمة فقد ذبح جنود بطرس الناسك أهلها وأحرقوها ونهبوا ما فيها , وخاف بطرس الناسك من انتقام ملك المجر فاختبأ بجنوده داخل الغابات , ثم تحرك الجيش ودخل حدود الإمبراطورية البيزنطية , وعلى طول مسيرتهم أحرقوا القرى ونهبوها , وتحرك جيش بيزنطى فهاجم جيش بطرس الناسك وهزمه , وفرت الجموع وتشتت بين القرى تواصل النهب والتدمير , ثم تجمعت مرة أخرى وسارت نحو صوفيا , وهناك التقى بهم مندوبو الإمبراطور البيزنطى بأوامر مشددة فى ألاّ يمكثوا بأى مدينة بيزنطية أكثر من ثلاثة أيام , وأخيرا وصلت جموع بطرس الناسك إلى أسوار القسطنطينية فى شهر أغسطس 1096م . وسمح لهم الإمبراطور بدخول القسطنطينية بعد أن أخذ على بطرس العهود والمواثيق بألا يثير المتاعب ولكن الجوعى من جنده حين بهرهم جمال القسطنطينية لم يملكوا أنفسهم فعاثوا فى الشوارع فسادا من سرقة للكنائس ونهب وإحراق فاضطر الإمبراطور لحملهم سريعا عبر المضايق إلى آسيا الصغرى ودعاهم إلى أن يسرعوا لملاقاة السلاجقةالمسلمين فيها ..
ـ وفى طريقهم فى الأملاك البيزنطية فى آسيا الصغرى ارتكب جنود بطرس الناسك أشد المذابح ضد السكان المسيحيين , وواصلوا تقدمهم إلى أملاك السلاجقة تسبقهم سمعتهم السيئة فى التدمير , وصبر السلاجقة عليهم إلى أن استدرجوهم إلى كمين وأفنوهم عن آخرهم , وهرب بطرس الناسك إلى القسطنطينية . ومن ناحية أخرى كانت هناك ذيول أخرى تتابعت خلف بطرس الناسك , وحاولت اللحاق به وسارت على طريقه فى السلب والنهب فتصدى لهم ملك المجر كولومان وهزمهم ..
ـ وإذا كانت حملة بطرس الناسك قد أفلحت فى شىء , فقد أفلحت فى توضيح السبب الإقتصادى فى الحرب الصليبية , فقد خرج أولئك الجوعى فى حملة انتحارية تخريبية يرفعون الصليب واسم الرب ويقتلون أخوة لهم فى الدين فى الدولة البيزنطية .. إلى أن كانت نهايتهم على يد الملك السلجوقى ـ قلج أرسلان ـ ..
الأمراء والفرسان والنبلاء فى الحروب الصليبية :ـ
ـ كان نظام الاقطاع مسيطرا على أوربا يستغل أرضها الزراعية والرعوية , وكان يقال " لا أرض من دون سيد إقطاعى " ويتكون النظام الإقطاعى من هرم يقف الملك على قمته وله السلطة الإسمية على كبار السادة الإقطاعيين , وكل الكبار يتقاسمون بينهم السيطرة على المملكة , كل حسب قوته ونفوذه ,وكل منهم يتبعه أمراء أقل , وكل أمير يتبعه عدة من الفرسان الكبار , إلى أن نصل إلى الفارس العادى الذى يتحكم فى أرض تكاد تكفيه وتعوله . وكان لكل عضو فى الهرم الإقطاعى واجباته تجاه سيده الأعلى , ولأن النظام الإقطاعى قام على أساس حربى , فقد كان التابع ملزما بتقديم الخدمة العسكرية لسيده الذى يعلوه , وهكذا تتدرج من الأعلى إلى من هو أعلى , وفى المقابل كان على السيد الإقطاعى أن يحافظ على تابعه الذى يليه , وتلك الرابطة لم تمنع من حدوث شقاق وحروب بين الأمراء فى داخل الإقطاع الواحد ..
والحرب كانت حرفة الفرسان الإقطاعيين , ينشأون عليها , ويعيشون عليها , وفى أوقات السلم لم تكن هناك لديه وسائل تسلية فى ذلك العصر المتخلف إلا فى الصيد أو اللذات الحسية البهيمية , وكان يحتاج إلى الكنيسة لتبرير ظلمه وهمجيته , لذا كان يخضع للكهنوت الكنسى دون مناقشة , وكان أمراء الإقطاع يكفرون عن ذنوبهم بتأسيس أديرة جديدة ولذلك كانت الدعوة للحروب الصليبية وما يصحبها من غفران مصدر إغراء لهذه الطبقة ..
ـ على أن العامل الإقتصادى كان الدافع الأكبر ..
فالزيادة السكانية كانت أكثر تأثيرا فى مجتمع السادة , فالأرض الزراعية لم تعد تفى بحاجة السادة , وقد أدت الحروب المتكررة إلى تقسيم الإقطاعات إلى إقطاعات أصغر , ومع ذلك فقد ظلت تلك الإقطاعات الصغرى الكثيرة العدد أقل من عدد الفرسان المتصارعين عليها , كما أنها لم تعد تكفى لسد احتياجات الأمراء الحائزين لها , وأصبحت الحاجة ماسة إلى العثور على مجال جديد يتم فيه استثمار الحيوية الحربية لأولئك الفرسان بدلا من تضييعها فى الحروب المحلية.. والبابا أربان الثانى فى مؤتمر كليرمونت قال للفرسان يعبر عن ذلك :ـ " هذه الأرض التى تعيشون عليها محاطة بالبحر من كل جانب , وتحوطها سلاسل الجبال وتضيق بأعدادكم الكبيرة , وهى لا تفيض بالثروات الكبيرة , وإنما تكاد تعجز عن توفير الطعام لمن يقومون بزراعتها , وهذا هوالسبب فى أنكم تشنون الحرب ضد بعضكم البعض وتقتلون بعضكم البعض " ..
ـ وبعض العائلات الإقطاعية حرصت على عدم تفتيت إقطاعها بأن يكون حق الإرث قاصرا على الابن الأكبر , وكان على باقى الأبناء أن يبحثوا عن منفذ إما بالإنضمام إلى الكنيسة وإما بالزواج من وريثة إقطاعية أو بالإنضمام إلى اللصوص وقطاع الطرق أو بأن يكون تابعا لأحد السادة الكبار .. ولكن زيادة السكان نتج عنها زيادة أخرى فى الأبناء ووجود نبلاء يحملون أسماء كبيرة دون إيراد, ويعملون على كسب الرزق باصطناع القلاقل والحروب ...
وقد جاءت فكرة الحرب الصليبية لتحقق طموح أولئك الفرسان , ليس فقط فى تحقيق أحلامهم فى الحصول على قطعة أرض بل فى حكم إمارة , وكانت فرصة لفرسان الدرجة الثانية أن يتحرروا من سيطرة الطبقة العليا وأن يشقوا طريقهم بسيوفهم لينشئوا لهم إمارات غنية فى بلاد تفيض عسلا ولبنا ..
والملوك وكبار الأمراء من ناحيتهم رأوا فى الحرب الصليبية متنفسا لطموحاتهم فى إنشاء إمارات غنية فى الشرق , وسبيلا يتخلصون من خلاله من عناصر القلق والفتن ومن سيطرة بعض الفرقاء المتنافسين .. والجميع كانوا يعتقدون أن بلادنا تكفى لتحقيق طموحاتهم كلها ...
ـ ثم دخلت البرجوازية فى المضمار ..
كان التجار يمثلون القوة المالية ويتحكمون فى التجارة الداخلية والخارجية , وتلك القوة المالية كانت مهددة دائما من الفرسان الإقطاعيين , وكانت أحلام البرجوازية فى السيطرة على الحياة الأوربية مرتهنة بالقضاء على النظام الإقطاعى الجامد , وتلك الحروب الصليبية كانت تمثل للبرجوازية الفرصة المثلى لإنهاك الفرسان والأمراء الإقطاعيين أو على الأقل تصديرهم إلى الشرق ليخلوا للبرجوازية الجو فى أوربا لتنهض وتنتشر من غير إرهاب الفرسان .. ثم إن إقامة إمارات صليبية ينتج عنها فتح أسواق جديدة أمام البرجوازية الأوربية تضاف إلى عناصر قوتها وتدفع بدماء جديدة إلى شريانها وتعجل بانتصارها المأمول على الإقطاع ..
ـ وقد قامت فى إيطاليا جمهوريات برجوازية احترفت التجارة والتوسط بين العالمين المسيحى والإسلامى , وانقسمت فى نفس الوقت فى الصراع الدينى المسلح بين المسلمين والمسيحيين , خصوصا وقد كان مجاهد العامرى الأندلسى يقوم بغارات ناجحة على جزر البحر المتوسط وشواطىء ايطاليا .. وكانت الحرب الصليبية فرصة ذهبية للإنتقام خصوصا لجمهوريتى جنوه والبندقية , بالإضافة إلى تحقيق الآمال فى السيطرة التجارية والبحرية على البحر المتوسط ومن خلاله يمكن التحكم فى ثروات المسلمين وتحتل مكانتهم فى التجارة والتحكم دونهم فى التجارة الشرقية ..
حملة الأمراء الصليبية :
استعد الأمراء والنبلاء والفرسان للحرب ، وكان على كل أمير أن يواجه مشكلة التمويل , وبرز هنا دور البرجوازية المحلية , بينما أسهمت جمهوريات ايطاليا البرجوازية فى نقل بعض الحملات الصليبية عن طريق البحر , وفى أواخر صيف 1096م تكونت عدة جيوش على أساس من التقسيمات اللغوية والجنسية والإقطاعية , وبينما فشلت حملة الشعوب بقيادة بطرس الناسك فإن حملة الأمراء قد نجحت فى إقامة إمارات صليبية فى آسيا الصغرى والشام وبيت المقدس .
وإذا كانت تلك الدول الصليبية قد انتقلت إلى متحف التاريخ فإن استغلال الدين لتحقيق الأطماع الإقتصادية استمر فى أوربا , وكانت الكشوف الجغرافية أبرز دليل على ذلك , فتحت شعار الصليب وفى صحبة القساوسة اكتشفت أوربا العالم الجديد ثم احتلت سواحل العالم القديم والهند ...
ومع اختلاف الظروف بين أوربا فيما بين القرنين العاشر و الحادى عشر وبين العرب المسلمين فى القرن السابع الميلادى فان العامل الاقتصادى و الاندفاع نحو الأودية الخصبة فى الشام والعراق ومصر كان هو السبب الحقيقى فى الفتوحات الاسلامية و الحروب الصليبية .
وسبق تفصيل ذلك فيما يخص المسلمين فى الفصل السابق.
( عن كتاب : (غارات المغول و الصليبيين ) للمؤلف ، وقد صادرته جامعة الأزهر ضمن خمسة كتب ، وحوكم المؤلف بسببها عام 1985 ، وترك الجامعة عام 1987)
الموقع
http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟