أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام الهلسه - ابو العلاء المعري:في لزوم ما يلزم!؟














المزيد.....

ابو العلاء المعري:في لزوم ما يلزم!؟


بسام الهلسه

الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:51
المحور: الادب والفن
    



* لو كان أبو العلاء المعري منتسباً لأمة أُخرى، لاحتل مكانة عالية بين اعلام النهضة الكبار في الأدب والفكر والثقافة في العالم، لكن الأمم المستضعفة والمتخلفة –شأن العرب والمسلمين اليوم- لا تدفع الثمن من حاضرها البائس فقط، بل من ماضيها المتألق أيضاً!
وهي لا تعاني من انكار وجحود الآخرين لها فحسب، بل ومن عدم تقديرها واحترامها هي لذاتها.. وهو الأمر الذي لا بد منه –احترام الذات- (بدون ادعاء أو تجاهل لمنجزات الآخرين طبعاً)، للأمم وللجماعات وللأفراد على السواء، إذا ما أرادوا أن يكون لهم شأن في الوجود، بل حتى إذا ما أرادوا أن يؤسسوا لوجود حي فاعل.
كان شيخ المعرة الذي رحل قبل 950 عاماً، من أكثر الشخصيات نفاذ بصيرة في عصره وفي تاريخنا عموماً، وهو الضرير الذي فقد بصره صغيراً في الرابعة من عمره.
فإضافة إلى الثقافة الموسوعية التي استوعبتها حافظته الهائلة، وذكائه الحاد، وسرعة بديهته، عبر المعري عن شخصية متميزة فريدة في الأدب والفكر العربي-الإسلامي، شكلت انقلاباً على الثقافة السائدة في عصره، والتقاليد التي أرساها من سبقوه.
وإذا كان قد تأثر بالمتنبي في مطلع حياته، كما يتبدى في ديوانه الأول "سقط الزند"، وكما يتبدى من شرحه لديوانه وتخصيصه بلقب "الشاعر"، فسرعان ما قطع مع التقاليد الشعرية العربية التي وظفت الشعر للتكسب ولطلب الحظوة والمال، ليكرس شعره للتعبير عن تجربته الخاصة وتأملاته ونظراته في الحياة والناس والوجود.. وهي نظرات وتأملات أعلت من قيمة ودور العقل في زمن عمت فيه الخرافات والجهل، واحتفت بالمعرفة والأحكام القائمة على الخبرة والمعاينة الحية للواقع.
وخلافاً للشعراء (وللمثقفين أيضاً) الذين "يقولون ما لا يفعلون" قدم المعري نموذج المفكر والأديب الذي توافق أفعاله أقواله، وتتطابق أقواله مع أفكاره ومعتقداته. وكانت حياته منذ اعتزاله في داره في المعرة، إثر عودته من بغداد ووفاة أمه، ترجمة صادقة لقناعاته التي عاشها بإخلاص مميز إلى الحدود القصوى.. وهي حالة فريدة في الأدب العربي وفي الأدب الإنساني عموماً.
عاش المعري (973م-1057م) في أوان شيخوخة الحضارة العربية الإسلامية وأفولها، بعد قرنين زاهيين (التاسع والعاشر الميلادي- الثالث والرابع الهجري) عدَّهما العلامة "آدم متز" قرني النهضة العربية الإسلامية.
وبحسه الرهيف وتبصراته الثاقبة، أدرك بؤس ما آل إليه المسلمون، وتفاهة ما هم فيه وعليه يتكالبون... وبدل أن يشكو الزمان ويندبه ويصارعه لأنه لم يعطه ما يستحق كما فعل المتنبي، نراه وقد نبذه لأنه لا يستحق، بل هو موضع شبهة:
إن رابنا الدهرُ بأفعاله ____ فكلنا بالدهر مرتابُ!
وهو موقف أسبغه على الحياة أيضاً التي لم ير فيها سوى عناء موصول غير جدير بالمجاهدة، وتساوى لديه النواح والغناء:
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي ____ نوح باكٍ ولا ترنمُ شادي
وهو أيضاً ما جسده في سلوكه الاعتزالي الذي امتد نحواً من أربعين سنة لم يغادر فيها داره سوى مرة واحدة اضطراراً ليتوسط لأهل المعرة لدى قائد أراد مهاجمتها (ابن مرداس):
أراني في الثلاثة من سجوني ____ فلا تسأل عن الخبر النبيثِ
لفقدي ناظري ولزوم بيتي ____ وكون النفسِ في الجسد الخبيثِ
وإذ ذهب في قناعاته إلى حد "لزوم ما لا يلزم" فقد امتنع عن تناول اللحم وما ينتجه الحيوان والطير، وعاش نباتياً متقشفاً، زاهداً في الحياة التي بدت له الرغبة فيها جهلاً:
رغبنا في الحياة لفرط جهل ____ وفقدُ حياتنا حظٌ رغيبُ!
ولم يكن موقفه من الناس في عصره إلا استئنافاً لموقفه من الحياة، بل ربما كان الأساس الذي انطلق منه:
يحسُنُ مرأى لبني آدمٍ ____ وكلهم –في الذوق- لا يَعذَبُ!
ما فيهمو برٌ ولا ناسكٌ ____ إلا إلـى نفـع لـه، يجـذبُ
أفضل من أفضلهم، صخرةٌ ____ لا تظلـمُ الناس، ولا تكـذبُ!
قلتُ: في عصره، لأننا نعرف رأيه في السابقين من داليته المشهورة:
خفف الوطأ، ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد!
وهو كلام لا يصدر إلا عن نفس شفيفة رفيقة تفيض بالحب.. وهو ما يؤكده لنا سلوك الشيخ العالم الذي لم تدفعه مواقفه للإنطواء السلبي، ولم يعنِ اعتزاله نبذ الناس وبغضهم، وهو ما نعرفه جيداً من حلقات الدروس التي كرسها لطالبي العلم، ومن عديد المؤلفات التي وضعها وصنفها، والتي شكل بعضها فتحاً في مجاله مثل "رسالة الغفران" التي تناقلتها لغات الأمم بحفاوة وتقدير.
وهذه مآتٍ لا يأتيها إنسان لا مبالٍ، بل إنسان وعلامة كبير يشعر بعمق وعظم مسؤوليته تجاه الحقيقة، وتجاه العلم انتاجاً وتبليغاً..
ولم تطفئ عزيمته الماضية، نيران الحقد والدسائس والافتراءات التي أوقدها حاسدوه الصغار..
وظل سراجه مضيئاً حتى آخر خفقة من قلبه، وحينما رقد رقدته الأخيرة، رثاه ثمانون شاعراً.. فيما نقش على شاهدة قبره بيت شعره المبرِّح:
هذا جناه أبي عَلَيَّ ____ ومـا جنيتُ علـى أحـد!
رحم الله أبا العلاء، ضاقت الأرض على سعتها بجسمه (بل قل: بنفسه الكبيرة) فالتمس العزاء لدى خالقه:
مَحَلُّ الجسم في الغبراء: ضنك ____ ولكن عفو خالقنا: رَحِيبُ

[email protected]

*واحة العرب



#بسام_الهلسه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجدتها!؟ تداول الشعوب لا السلطات!!
- تذكار من اليمن..نصر وشوق
- اغتراب؟ ولم لا؟؟
- الشرط البشري
- في ذكرى استشهاده:ورد للقسام
- عن مثقف انتحر احتجاجا:تيسير السبول...انحنى وظلت مشاغله
- معركة السويس:ذكرى مولد امة
- آنَ لي أن أرحلَ... أن اخرج مني علي!؟
- اللامبالاة.؟؟
- حدائق القلب
- عنترة:ضد العنصرية!!
- ... أن تحيا الجزائر
- مُتنبئيَّات:مختارات من المتنبي
- تنسيق المزاج !!- مختارات شعرية-
- العرب .. والإعراب !؟
- غلبتني -آن-...من موريتانيا درسان
- حبال من رمل !؟
- عن الضجيج، واللغو، وإنتاج الغباء أيضاً!!
- حول تعليم السيناريو ..
- وردة الروح


المزيد.....




- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...
- إطلالة محمد رمضان في مهرجان -كوتشيلا- الموسيقي تلفت الأنظار ...
- الفنانة البريطانية ستيفنسون: لن أتوقف عن التظاهر لأجل غزة
- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام الهلسه - ابو العلاء المعري:في لزوم ما يلزم!؟