|
متى نعيد الاعتبار لسايكس وبيكو؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2151 - 2008 / 1 / 5 - 10:46
المحور:
كتابات ساخرة
لا أدري لماذا يكلـّف الأمريكيون أنفسهم عناء إعداد المشاريع السياسية، ورسم خرائط الطريق، والتفكير في أنجع السبل وأيسرها لتفتيت المنطقة. ولا أدري فيما إذا كانت تستأهل منهم تلك المهمة كل هذا الجهد والتعب والتخطيط. فإحدى أهم أهداف السياسة الأمريكية قائمة على تفتيت هذه المنطقة، وتحويلها إلى كانتونات، وغيتوهات طائفية، وإثنية، ومذهبية. فمن ينظر إلى خريطة هذه المنطقة، وسلوك سياسيها يلاحظ أن هذه المنطقة قد تحولت وبعد حوالي القرن على ولادة المشروع القومي العتيد إلى دويلات مسخ، تسهل جداً على المسؤولين الأمريكيين مهمتهم التفتيتية، وأن المشروعalready" " موجود ولا داعي البتة لبذل الجهد من أجله.
فاتفاقيات "المغفور لهما"، وزيري الخارجية، مارك سايكس الإنكليزي، وجورج بيكو الفرنسي، تعتبر وفق ما آلت إليه الأمور، ومن منظور جيو- استراتيجي بحت، واحدة من أنجح المشاريع القومية العربية في التاريخ على الإطلاق، وأكثرها قرباً من الحلم القومجي الموعود. حيث لم يكن هناك في الواقع أي كيان سياسي عربي تاريخياً موحد، وقائم وفق المنظور والأسس التي تقوم عليهما الدول الحديثة. ولا تشكل دولة الخلافة، هنا، أوالتجمعات الهيراركية والمشيخات القبلية المعروفة أي شكل من أشكال الدول المدنية الحديثة والمتقدمة التي يعتد ويؤخذ بها. وعلى القوميين العرب، ومن والاهم، ولف لفهم من أجاويد ونشامى الفحيح القومجي المؤرق، أن يقيموا النصب التذكارية في الساحات العامة لطيبي الذكر سايكس وبيكو، بسبب رؤيتهما القومية الفذة، وشكرهما، في الحقيقة، على إيجاد ذلك الأنموذج الراقي للحد الأدنى من شبه الدولة العربية التي أصبحت مستحيلاً وحلماً وسراباً في ضوء كل المعطيات والمستجدات الحديثة.
ومن هنا يجب أن تتم إعادة الاعتبار لهذين "الرائدين" القوميين الفذين، واعتبارهما من أبطال الفكر القومي العربي، قولاً وفعلاً، وجنباً إلى جنب مع كل من ساطع الحصري، وميشال عفلق، وزكي الأرسوزي، من حيث عدم التفريط بالتراب والجسد العربي قياساً بما نراه اليوم من تفريط من صناديد القومجيين والإسلامويين المستعربين الذين يعملون بتؤدة وثبات على تفتيت الجسد العربي مع جورج بوش وجوقة المحافظين الجدد. وعلى أن تكون أيام ميلادهما أيام عطل رسمية ومناسبات قومية وفرح شعبي عام. وأن تطلق أسماؤهما الخالدة على كافة شوارع المدن العربية الرئيسية التي بقيت على قيد الحياة من طنجة إلى خورفكان. فكم كان هذان السياسيان ثاقبي النظر ورؤوفين جداً وهم يقوما بتمزيق أوصال الجسد العرب الرث الموروث عن خلافة بني عثمان البائدة إذا ما قورنا بما يقوم به ورثة القبائل القومجية من تقطيع لأوصال هذه المنطقة المسماة زوراً وبهتاناً بالوطن العربي عبر الاقتتال والاحتراب ورفع المصاحف والسيوف والرماح؟ وكم كانا على درجة من الاستحياء والخجل والرؤية القومية الفريدة وهما يفتتا جسد الكيان العربي إلى جمهوريات، ومشيخات، وممالك لم تفتأ هي الأخرى أن انشطرت لاحقاً فيما نراه من تهافت وانهيار للمشروع القومي، الأمر الذي يؤكد أن فكرة القومية العربية لم تكن سوى واحدة من خزعبلات وأزعومات وهلوسات القوميين العرب الكبرى.
وستبقى الخريطة التي بنى عليها سايكس وبيكو هي المثال الأرقى والحلم الأسمى للكيان القومي العربي المزعوم الذي لا يمكن أن تتم إعادة تجميعه على الإطلاق الآن كما رسمه رائدا الوحدة العربية سايكس وبيكو، رحمهما الله؟ فمن يستطيع أن يتنبأ بكم فلسطين سيصبح لدينا في المستقبل؟ وإلى كم لبنان سنشطر هذا "اللبنان"؟ وكم سودان سيتولد من هذا السودان؟ وهل سنكتفي بثلاث "عراقات" أم أن الحبل على الغارب والقادم أدهى وأعظم؟ وهل يستطيع أحد أن يتكلم اليوم عن أي شكل من أشكال الوحدة الوطنية، ولندع الكلام هنا جانباً عن أي نوع من الوحدة القومية العربية، في كل من الجزائر، واليمن، ومصر، والسعودية، والمغرب العربي في ضوء الصراعات متعددة الأسباب الناشبة، والمرشحة للنشوب، في هذه الدول؟ فإن من يتابع حروب "الأشقاء" اليومية يستغرب فعلاً عن جدوى وحقيقة كل تلك المحاولات الأمريكية والإسرائيلية للسيطرة على المنطقة وافتعال الحروب وإشعالها، والأخوة الأعداء، يتكفلون، وبعون الله، بهذه المهمة المقدسة ودون أدنى تدخل من أمريكا وسياستها، التي أصبحت جهداً وحملاً زائداً، لا حاجة لنا به البتة. وأعتقد أن هذا هو السبب الوحيد الذي من أجله يستنكر العروبيون والقومجيون ومن لف لفهم السياسات الأمريكية في المنطقة ولسان حالهم يقول: "جحا أولى بلحم ثوره يا إخوان"، فنحن قادرون على تصفية بعضنا البعض، وتفتيت بعضنا البعض، وإبادة بعضنا البعض عن بكرة أبينا وأمّنا، ولا حاجة بنا لأيدي الغرباء أو لأية مساعدة و تدخل خارجي معيب ومرفوض بالمقاييس القومجية والعروبية والإسلاموية للقضاء على هذه الأوطان. وهذا هو السر والسبب الوحيد في حملة القومجيين الهوجاء، وحنقهم، وغيظهم من السياسة الأمريكية في المنطقة التي تنافسهم في نشاطاتهم القومجية؟ ولا أدل على تشتت هذه الأمة، وتفرق كلمتها، والحمد والشكر وكل الفضل لله، سوى مؤتمرات لم الشمل الفاشلة، ومحاولات التقريب بين المذاهب المتناحرة، وفزعات تبويس الشوارب بين القبائل "الحردانة"، والمتنازعة، التي يكفر بعضها بعضاً، ويدّعي كل منها النجاة والعصمة والحجز المسبق لجميع مقاعد الجنة لأفرادها، والتي تنتهي كلها بشتى أنواع المشاجرات، والتكفير، والتخوين والمهاترات الرخيصة على الهواء، وبرغم كل أدعية وزعيق وتضرع الفقهاء الذي يملأ الأرض والفضاء، ضجيجاً وصخباً وضوضاء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلان دمشق: متاهات البحث عن مرجعيات
-
السعودية الجديدة والعلاّك الكبير
-
بوش النبيل: هل أصبح الترك جلبي سوريا؟
-
إعلان دمشق والأصابع الأمريكية
-
وإذا المغتصبة سُئِلَت بأية شريعة جلدت؟
-
مأزق الإخوان المسلمين
-
آل البيوت السياسية
-
حوار ساخن عن الأصولية وأم الدنيا
-
الحوار المتمدن: شمعة جديدة تقهر ظلام الفكر
-
أنابوليس خليجية: زمن التوافقات
-
في حوار مع نضال نعيسة IPS:عقوبة الإعدام تعزز مصالح أنظمة الا
...
-
الدكتور: دكاترة لا عالبال ولا عالخاطر
-
فالج الفواليج: في الرد على النقاش
-
نُذر الشؤم
-
الكافيار السوري
-
لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل
-
هل كان السلف صلحاً فعلاً؟
-
باب الحارة: جذور الاستبداد
-
موائد الرحمن
-
نحو مؤسسة أكثر تجدداً للحوار المتمدن
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|