صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 2152 - 2008 / 1 / 6 - 10:06
المحور:
الادب والفن
أنا ابن الرؤيا حدّقتُ في المدى البعيد طويلاً . رأيتُ في البريِّةِ رايةً .. حدّقتُ أنا ابن الرؤيا ، الطالع أبداً في الرؤيا وفي الرؤيا رأوني .
أنا الذي رأى في ضحكةِ الشمسِ بيتَ الطفولةِ
أنا مَنْ عَبَرَ نحو الرغبةِ أنهاراً مُشعّةً
أنا دفق الضياءِ .. مُجسّد الفرحَ الرّبانيَّ
أنا خاتم الأشواقِ
حدّقتُ في المسافةِ فرأيتُ الرايةَ تقتربُ .. أنا منها أقتربُ
أنا الذي استوى على أُبهةِ الكلامِ
على شرفِها الرفيعِ
سأتبعُ في المدى سراباً وفيه أضيعُ
اقتربتُ وانكشفتْ الرؤيةُ
لن أضيعَ في السرابِ
ولن يتبرمَ ، ذات يوم ، أحدٌ فيقولَ تاه ابنُ البتولِ .
انكشفتِ الرؤيةُ .
فتساءلتُ أنا الأعرابيّ الذي طار بالمسافةِ وبه المسافةُ تأنس فتطير .. طوى المسافةَ وبدونه المسافةُ لا تنطوي أو تضيق .
أسألُ أنا المُلاحق بالرؤيا بعد أنْ اقتربتُ وانكشفتْ أمامي الرؤية .
أنا الرّاسف تحت أثقالِ طفولةٍ حفرت على عاتقي أنهارَ طلاسمِها.
أسألُ أنا المُراقب كالآثم في سجنِ الولاية .. المُحاصر بميراثٍ اشتعل في الرأسِ شيباً وبه عُلّ القلبُ .
أنا العابر في البريّةِ ، أسألُ :
مَن أنتَ أيها النابتُ في الطريقِ رايةً ؟
مِن أيِّ البلادِ أتيتَ ؟
أيها الخافقُ في باديةِ الكلامِ لِمَن تعاشر رؤوسَ التلالِ ؟ أترقبُ مدىً سيُقبِلُ بالنهارِ أم تنتظر سحابةَ حزنٍ تتكتم على نجمٍ أفل ؟
تأخذني حيرةٌ
أقتربُ بعد وضوحِ الرؤيةِ وبوجهه أتفرسُ . عليَّ يوفِّرُ المسافةَ ويجيبُ :
أنا ابن الرؤيا ومِنْ ماءٍ أتيتُ .
أظلُّ أنا الأعرابيّ أُردد :
أ هو أنتَ يا هذا ؟
يبهرني النورُ الطالعُ في وجهه .. يسحرني حديثٌ نقيُّ المأتى :
أنا مِن ماء .. أنا مِن ماء أتيتُ .
أتساءلُ أنا الأعرابيّ ثانية :
مَنْ تكون يا هذا ؟ مِنْ أيِّ البلادِ أتيتَ ؟
أنا الأعرابيّ القادم مِن بلادٍ بالماء غاطسة وأهلها ظامئون .
أسألُ وأنتَ منّي .
أنا مثلك كنتُ في عرضِ الصحراء ظامئاً وفي بيتِ الشَّعرِ سكنتُ ومِن حولي بئرُ ماءٍ اختلج فيها البردُ.
أنا الطالع مِن بئر الرؤيا أسألك :
يا ابنَ الرؤيا ماذا رأيتَ ؟
هل رأيتَ ما لم ترَ العمّاتُ مِن على جبلٍ ؟
أرأيتَ ملائكةً تشرح لك صدرَك ومنه فصوص بغضاء تنتزعُ ثم بلا كراهةٍ تُطلقك ؟
أرأيتَ يا سيدي ما لم نرَ نحن بعد قرونٍ كثيرةٍ ؟
أنا مثلك في السيرةِ .. أنا مثلك في الغربةِ .. أنا مثلك في النشأةِ والفرق ما بيننا أننا عشنا زمنين مختلفين .. أنا مثلك في الرغبة يا سيدي.
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟