|
الشرقاوي و الرؤوس
ديرار عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2152 - 2008 / 1 / 6 - 10:05
المحور:
الادب والفن
حين يشرعون في التوافد على مقهاهم ، يكون الشرقاوي / النادل أكمل بالكاد تصفيف الطاولات و الكراسي بالداخل و بعضا منها على شكل سطر مستقيم على الرصيف الضيق ، هم مجموعة من المستخدمين البسطاء للغاية و الموظفين من أدنى المراتب أو الاسميين على الأصح ، وبعض المتوسطين الزائفين إلى جانب مجموعة من المتقاعدين من مهام بسيطة ، و كذلك بعض العاطلين و الحرفيين شبه المشتغلين . كلهم باتوا مشهورين بالمقهى منذ زمان و اشتهرت هي بهم . يسابق كل منهم الزمن كل صباح و كل مساء كيلا يسبقه أحد لزاويته المنذورة له ، بل لكرسيه نفسه ، و لا يستطيع من اصطدم عند قدومه بغريب منشور بزاويته إخفاء تقاطيع وجوم و حزن عميقين من على وجهه ، تحسبه خسر خسرانا فادحا ، وتجده فرحا و نشيطا كطفل و قد غادر الغريب المكان و استعاد هو زاويته دون أن يخفي طقوس الجلوس لأول مرة . كل منهم يتخلص من البيت أو الأولاد أو الزوجة العاملة أومنهم كلهم بسرعة جنونية و ينقذف إلى مقهاه . و من يكون مجبرا على العمل صباحا تجده كالذي يساق إلى الجحيم ، فهو لا يخلف الوعد مع زاويته و كرسيه و لا يغادره إلا في آخر لحظة و في عينيه علامات غبن فادح لعدم إتمام الجلسة إلى آخر رمق و هو ساعة الغذاء أو العشاء الملزمة .و عموما فعلاقاتهم كلهم بعملهم هي علاقات كراهية و حقد لامحدودين ، يعبرون عنها في كل مناسبة و بدون مناسبة ، هي علاقة غريبة فعلا و لكنهم كلهم يتآمرون على استساغتها و تبريرها رغم شذوذها اللايحد. هم لا يجلسون فرادى أو بالمثنى أبدا ، ومن فعل ، تحوم حوله الشكوك و الشبهات ، إما بكونه في ورطة مالية أو معضلة أسرية أو أصابه مرض خطير أو مسه الجن ! ، بل يتوزعون في شكل مجموعات ، بكل منها أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو...، و ما دامت طاولات مقهاهم صغيرة، تجدهم شبه ملتصقين بعضهم ببعض، و يصبح الالتصاق فاحشا كلما ولت ساعات الصباح الأولى و التحق المتأخرون بمجموعاتهم. أما الشرقاوي ، فما أن يستوي الواحد منهم على كرسيه حتى يهرع إلى مده بكأس قهوة و كوب ماء دون أن يستفسره عن طلبه في الغالب ، فهو يعرف منذ زمان طقوس كل واحد منهم ، و عموما فهم لا يطلبون سوى القهوة ، و ناذرا جدا الشاي. الجالس الأول من كل مجموعة في الزاوية المرهونة لها تحسبه من فرط تشوقه إلى رفقاء الجلسة و كأنه ينتظر أمرا عظيما أو بشرى هائلة أو حبيبا مفقودا عائدا ، و ما أن يصل أحدهم حتى يسارع الاثنان إلى إزاحة رأسيهما من على جسديهما و يضعانهما جانبا أينما اتفق ، ثم يبدأ الكلام . ليس فعلهما هذا من الغرابة في شيء ، فمقهاهم اشتهرت منذ أمد طويل بكون زبنائها غالبا ما يتخلصون من رؤوسهم عند ولوجها ، وتعود الشرقاوي على جمعها في زاوية ما بانتظار ساعة مغادرتهم ليعيدوا الرؤوس فوق الأجساد ، بل تعود أيضا على أن ينسى البعض منهم رأسه ، و يحتفظ بها إلى حين تبين جسد بدون رأس .أما الكلام الذي يبدأ بين الجالسين الأولين ، فهو أي كلام ممكن ، حول طقس اليوم الجاري أو الحرب في مجرة أخرى ، أو الطب و أسراره ، و الفلك و إعجازه ، و البطاطس و طرق إعداد وجبات مفيدة منها ! ، و العدس و فوائده الجمة ، و صحافي جديد غير كل الجديدين السابقين و فتوحاته ! ، و الوزراء و أملاكهم الفلكية ، و التوابل و البلدان المنتجة لها ، و لعبة الكرة و أبطالها و الأسماء الدقيقة لفرقها و مدربيها على المستوى الكوني ، و كل لاعب و أصله و طوله و وزنه و لون عينيه و شعره و طريقة تسديده و تاريخ انتقاله الأول و الثاني و المنتظر ! ...، ثم عيوب و مشاكل و أسرار أفراد المجموعة الذين لم يصلوا بعد، و هو كله مجرد كلام لا صلة له بوقائع، أو على الأقل لا يتم الاهتمام أبدا بمدى صلته بوقائع لأنه هو المقصود في ذاته، إنتاجا و استهلاكا. و كلما توافد المتأخرون و تكاملت دائرة كل مجموعة، يزداد اشتعال الكلام و يتسابق الكل من أجله، يفصل الأول في فوائد البطاطس ! كخبير من معهد تغذية عند قوم أهلكتهم المجاعة ، و يجاريه الثاني بحجج دامغة ! ينسبها لعراف أو ساحر، و يقسم الثالث بالغليظ على تجربته للفوائد، و يصرخ الرابع، و يقاطعه الخامس بالتنبيه إلى معجزة لاعب ما في مباراة ما ، و يتغير الموضوع بسلاسة منقطعة النظير وينخرط الكل في فك رموز الموضوع الجديد . و في العديد من المرات ، و غالبا خلال أوقات حرجة يكون اليأس استبد بالكل ، وتضخم الإحساس بالإحباط ، يدور الكلام عن الخمرة و فوائدها و نعمها و نعيمها ، فيسترسل الأول في تمجيد لحظات معاقرتها ، و يسرد الثاني أنواعها القديمة منها و الجديدة و خصائص كل منها كمهندس ذواق مشهور ، و يلح الثالث على المكانة الرفيعة و الفوائد البليغة للنبيذ بالقياس إلى الجعة ، و يحتج الرابع بكون الجعة سلطانة المسكرات ، و يعلو صوت الخامس بكون الشراب الأمثل هو المقترن بالنساء و الأمر سواء إن كان نبيذا أو جعة أو هما معا . و تحس اللعاب يجري في أفواههم و علامات انتشاء من الماضي عائدة لتعلو وجه كل منهم أو عنقه ، فكلهم أو غالبيتهم العظمى على الأقل امتنعت عن الاقتراب من الخمر في الآونة الأخيرة تحت وطأة اشتعال الأسعار على الأرض حولهم و تمكن الزوجات من زمام الأمور بدعم من الأولاد ، و رغم هذا الادعاء ، فليس ناذرا أن يختلس الواحد منهم ليلة أو لحظة شبه عمرية رديئة من الزوجة و الأولاد ...،يبرر أحدهم بؤس الحال بكون ثمن قنينة جعة اليوم كان يؤهله ذات زمان لشرب عشرة ، لا بل عشرين ، يحتج الثاني ، "و ما بالكم بصندوق بأكمله ! " يقول الثالث في ادعاء واثق من نفسه ! ، و ينطلق الرابع بتصنع مفرط في الرزانة في حكي بدء تناول الخمرة في بطن أمه ! و يفصل في جودة النبيذ القديم و الجعة القديمة و زمرة رفاق الأقداح القدماء و...و...و كل شيء قديم ! ، و يوافقه الخامس بتعصب فظيع ، و يقاطعه السادس ...، و يستفحل جريان اللعاب في الأفواه ، و يعمد الكثيرون إلى إزاحة رؤوسهم من على أجسادهم إلا أنهم يبقون على قيد الكلام بأعناقهم و هي تتلوى من فرط الثمالة ، و تمتد الأيدي إلى ما تبقى في الكؤوس من قطرات قهوة ، تفرغها في الأعناق بحركات من يمسك بأكواب خمر الجنة ...، و تتعالى الأصوات من الحناجر مباشرة ، و يتدخل الشرقاوي خوفا على الكؤوس . تهدأ العاصفة ، ثم يبدأ أحدهم في الحديث بهمس كالذي يبوح بسر رهيب ، عن قضية ما كبرى وقعت بالبلد ، نشرها " علامة " كبير ما ، تخص وزيرا كان فقيرا و تحول إلى ثري ! أو معوز مشهور ربح " الربحة " الكبرى في اليانصيب أو الثري المشهور بالمدينة الذي يخرج ليلا يبحث عن عاطل مفتول العضلات يغدق عليه مالا و نساء ليشبع شذوذه !! ، أو زوجة الثري الآخر الذي حلت به لعنة العجز الجنسي نتيجة ما اقترفه من آثام ! و تبحث عن فحل تغطيه بالمال لتنام في حضنه !! ...، وان هي إلا هلوسات غالبا ما يتأكد بطلانها ، و لكن لا أحد يهتم بذلك ، المهم هو الكلام ، و استهلاك الكلام . لا غرابة في الأمر ! فكل أقوام الدنيا اليوم يشتهرون باستهلاك شيء ما ، هناك من اكتسحوا الريادة في استهلاك الكتب ، و آخرون بالجعة ، و نزقون بالسمك حتى و إن اقتضى الحال جمعه من كل أصقاع الأرض و حرمان أصحابه و من يتراقص على شواطئهم و أعالي بحارهم منه ، بينما اشتهر جشعون بالتهام نصيب السباع من لحوم الأرض ، و هؤلاء من قوم حطموا كل الأرقام في استهلاك الكلام ، بل جمعوا بين الريادة في إنتاجه و استهلاكه، هم أصحاب سبق تاريخي إذن ... ! و مع بداية كل شهر، و بالضبط لحظة تقطير حوا لاتهم الهزيلة ، بحساباتهم البنكية طبعا ، فكلهم من أصحاب الحسابات !، تتغير ملامح مقهاهم ، إذ يحرص معظمهم إن لم يكن كلهم على حلق و وجوههم و تبديل لباسهم ، لا بل يهرع القليل منهم بالتناوب إلى اقتناء ثوب جديد أو على الأقل آخر مستعمل /جديد مع الحرص على إخفاء اللعبة ، كما تقل بشكل ملحوظ الرؤوس المنسية ، مما يثلج صدر الشرقاوي و يريحه . و تشهد مقهاهم منذ الساعات الأولى للتقطير جلبة زائدة ، انه الكلام ، ترتفع الأصوات من كل ركن وخصوصا من على سطر الكراسي المستقيم بالخارج ، و يتسابق كل فرد من مجموعة إلى الإنتاج / الاستهلاك ، و يتحقق فائض مريع ، لولا أن الأصوات تتطاير بعيدا في سماء المدينة ، لكانت مقهاهم انفجرت ألف مرة . و سطر الكراسي على الرصيف تتبدل أحواله بشكل ملحوظ عند التقطير ، ينتعش و تبدو وجوه الجالسين كتماثيل أزيح عنها غبار عمر طويلا ، إنها رعشة الكلام و نشوته ، و قهقهات فرح طفولي تغمر المكان ، لا يتغيب أحد تقريبا يوم التقطير . و في غمرة الانجماع يقبل أحد الغائبين وفي يديه مؤونة ما غير كمالية أبدا ، يحركها يمينا و يسارا و هو ينتج / يستهلك الكلام ليرى الجالسون مجده و يستشعرون ترفه ! ، يتصنع أمرا يخصه بالداخل ، و إن أخفق يسلم المؤونة للشرقاوي إلى أن يحين موعد الانصراف ، ثم يجلس و علامات نشوة بادية عليه ، هو في لحظة ترف ! . يدرك الشرقاوي اللئيم و المحنك بالفقر و الالتصاق بالأرض المغزى التافه للحركة و يتماهى مع صاحبها بمكر و استصغار واضحين . لا غرابة في الموقف ، فهم كلهم يحيون محنة حقيقية ، و قد خلدت أفكار من كشف أن هذه الفئة في صورتها النموذجية لا في شرطهم الممسوخ ، هي مرادف للتمزق و التشرذم و الزيف و التناقضات و العذابات ، لأنها تتطلع إلى الأعلى فيصدها المستحيل ، و تلتفت إلى الأسفل القريب فتفزعها أهواله ، و تستسلم للمحنة و الكلام ... وما أن ينتصف الشهر أو يكاد ، حتى تسترجع مقهاهم كل تقاطيع حالها ، تخفت الجلبة و يبقى الكلام ، لا شئ يزحزح الكلام . و كلما نال الزمن من النصف الثاني من الشهر ، يعود الكلام للتضخم عن الوزير الفقير الذي دخل الوزارة معوزا ، عاريا ! و أصبح مليونيرا ، لا بل ميليارديرا يصرخ البعض بأعناقهم ،و عن المعوز الذي ربح أو عثر على مليار أو مليارين ! و لاعب الكرة البئيس ابن البئيس و حفيد العوز الذي أصبح ملاكا كبيرا و بقصر فوق الماء ! ، و زوجة الملياردير التي تبحث بكل جوارحها عمن يروي عطشها و تغطيه بالمال ! فزوجها المسكين اليوم عاجز !،و " ليس الأمر إشاعة " يؤكد أحدهم لأنه رأى و لم يسمع ! ، و يجاريه الثاني باندفاع فظيع بكونه هو الآخر رأى !و لولا أمر ما لكان ارتكب الفاحشة منذ زمان ! كم من مرة تحرشت به و تحرش به مالها !!.المهم أن الكلام يعود للاشتعال ، و يعود الكل للافتتان بالكلام في انتظار التقطير ا للاحق ، كما تكثر الرؤوس المنسية التي يتكفل الشرقاوي بها إلى حين استفسار أحد عنها . و كلما ابتعدت لحظة التنقيط تكثر الأجساد الملقاة على الكراسي بدون رؤوس ، و مع ذلك يستمر الكلام ، فهو لا يحتاج أصلا لرؤوس ، الكل هنا ينتج الكلام بالأعناق ، أينما وليت وجهك تجد أعناقا تترنح و تفيض بالكلام ، و من حين لآخر يفرغ فيها أصحابها قطرة قهوة كي لا تجف و ينضب الكلام ، الكل هنا تعود الشرب بالعنق ، و حتى الجريدة التي يمسكها أحدهم كالممسك بصنم أو حجر ضريح ولي ، يصوب نحوها عنقه لا ليقرأ و لكن ليستمد منها ملحمة للكلام ، و عموما فالعلاقة بالجريدة ، هذا المكتوب الذي قاوم لمدة ، تآكل اليوم بشكل رهيب أمام طغيان الكلام. أما من سولت له نفسه أن يدخل المقهى بكتاب أو يدخله في الكلام ، فالويل له بإجماع لأنه يهدد سلامة الإنتاج و شبق الاستهلاك ، تتشنج كل الأعناق بعد إزاحة كل الرؤوس و تهذي بكونه إما مجنون أو مدع أو مسه الضياع ! أو هو من السذج الذين لم يستيقظوا بعد ! ، و الغريب أن نفرا كبيرا من أصحاب الإجماع يعلّمون، إلا أنهم لا يفعلون سوى بأعناقهم ، و الأعناق تخشى الكتاب و تعشق الكلام . و عموما فعلاقتهم بعملهم هي علاقة عداء، و لولا التنقيط المنتظر أبدا لهربوا منه كالهارب من الجحيم، و كم يتألمون علنا على إفلات فرصة منهم للهروب منه في ظرف جد ملغوم كان يضمن استمرارا لتنقيط رغم الهرب. و في يوم من الأيام الأخيرة العصيبة من شهر ما ، كان موعد طقس جماعي محفور و يتطلب النقد اقترب ، يتمثله كل رواد المقهى وحشا أسطوريا لا مناص من تنكيله بهم ، و موعد التنقيط بعيد ، توافد الرواد كالعادة و لكن واجمين ، و كان الشرقاوي المستعد دوما للطقوس يراقب الأمر عن كتب و يستشعر عميقا الموقف الجلل و مأساوية المشهد ، فهو الجاثم على الأرض بقوة ، و الذي لا يمكن أن يغيب عنه أنين الأجساد . اتخذ كل منهم مكانه الأبدي ، إلا أنهم كلهم و على غير عادتهم كانوا يزيحون رؤوسهم من فوق أجسادهم و يلقون بها أرضا قبل الانبطاح على الكراسي ، لم ينتجوا كلاما كثيرا هذه المرة و لم يستهلكوا منه الكثير ، ربما حصلت لهم التخمة ، و بدل ذلك ، كانت أعناقهم تتلوى و تترنح في اتجاه بعضها البعض كأفاعي مضروبة على رؤوسها ، وعند المغيب استقام كل جسد و تاه وسط المارة المكتظة شوارع المدينة بهم استعدادا للطقس . وما أن بدأ الشرقاوي يجمع الكراسي و الطاولات لتنظيف المكان ، حتى صعق برؤوس كل الرواد و بدون استثناء مرمية على الأرض ، تحت الكراسي في الداخل و على طول السطر على الرصيف. خاف خوفا عظيما على زبنائه و مصدر عيشه ، أكمل مهمته و انصرف إلى بيته ، إلا أنه لم ينم ، كانت علامات حيرة و خوف شديدين بادية عليه ، استفسرته زوجته و كذلك أولاده إلا أنه لم يبح بالكارثة المنتظرة في اعتقاده، صحيح أنه ألف أن ينسى أحد الزبناء رأسه ، و لكن غالبا ما يتداركه قبل أن تغلق المقهى بابها ، أما أن ينسى كل الزبناء رؤوسهم و مرمية على الأرض ، فهذا ما لم يسبق وقوعه . و في االلحظات الأخيرة من الليل ، هرع الشرقاوي مفزوعا إلى المقهى ، تفقد الرؤوس و رتب الكراسي و الطاولات كالعادة ، و وقف بالباب متسمرا يرقب من يأتي ليسأل عن رأسه و يرتاح هو من هذا الكابوس ، إلا أن أحدا لم يقدم طيلة اليوم ، ازدادت حيرته و استفحلت دهشته ، و لاحظ صاحب المقهى غير العابئ بالأمر أن الشرقاوي يكلم ذاته ، ربما هو الآخر في ورطة مع الطقس على غير عادته . و في المساء ، عند موعد الانصراف ، بدأت روائح نتنة تنبعث من كومة الرؤوس ، و ما كان من رب المقهى إلا أن أمر الشرقاوي بالتخلص منها صيانة لمقهاه. لم يكن أمام الشرقاوي المغلوب على أمره سوى أن ينفذ ، جمع الرؤوس في كيسين كبيرين و ألقى بهما في حاوية القمامة على الرصيف ، إلا أن خوفه تعاظم و بانت على وجهه علامات مرض طال أمده ، لم ينم الليلة أيضا و سمعته زوجته يحدث نفسه عن رؤوس و مخاطر ، و خافت عليه ، فالأيام أيام طقس و الجن ينشط في مثل هذه المناسبات ! ، و في اللحظات الأولى من الصباح ، سارع إلى المقهى و قد نال منه الخوف حد الهذيان ، رتب الأمور كالعادة و وقف بالباب مترقبا و هو يرتجف ، وما هي لا بضع دقائق حتى بدأ الرواد يتوافدون تباعا ، و لم يكونوا بدون رؤوس ، كان كل منهم يضع رأسا على جسده ، لم يصدق الشرقاوي عينيه في البداية و بدت عليه علامات ارتباك فظيع ، فهو من جهة في غاية الفرح بعودة الأمور إلى حالها ، إلا أنه لم يتمكن من استيعاب ما يجري أمامه ، لم يكن يتوقف عن فرك عينيه بقوة و هو يحيي كل واحد منهم دون أن تزيغ عيناه عن الرؤوس . اكتملت كل المجموعات ، وتبين الشرقاوي أن الرؤوس ليست ناذرة، فهي في المقاهي المجاورة مرمية على الدوام ، و من ضاع رأسه بمقهاه يجد رأسا بسهولة بمقهى أخرى ، و لم يعد هناك من فرق بين الرؤوس ، المهم أن تجد رأسا تضعه فوق جسدك ، و هذا أمر مضمون ، ثم لا حرج في أن يقضي البعض يوما أو يومين و حتى أياما بدون رأس ، فالكلام لا يحتاج إلى " رأس ".
#ديرار_عبد_السلام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ضيافة الفلسفة بالمعنى الجديد -قراءة في كتاب عبد السلام بن
...
-
صغار المفسدين و كبائرهم
المزيد.....
-
-هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط
...
-
السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
-
فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف
...
-
أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس
...
-
أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر
...
-
متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
-
بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
-
مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان
...
-
لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال
...
-
«خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|