|
هل صحيح أنهم لم يُجربوا؟!
حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 11:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إحدى الأطروحات المتداولة في الثقافة السياسية العربية الراهنة، في العلاقة مع قوى الإسلام السياسي، تذهب إلى طرح سؤال استنكاري فحواه التالي: لماذا لا نجرب الإسلاميين، لنعطهم فرصة، فلقد جربنا القوميين واليساريين وسواهم، ولم تكن تجاربهم ناجحة، فلماذا لا يعطى المجال لقوى الإسلام السياسي، فلعلها تنجح في ما أخفق فيه الآخرون. هذه الأطروحة تنطوي على مقدار كبير من التضليل وتزييف الحقائق، وهي تغفل المسار المعقد من صعود التيارات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي في العقود الماضية، وهو مسار يشير إلى انه ما من قوة سياسية واجتماعية تيسرت لها فرص من التمكين كتلك التي تيسرت للإسلام السياسي. وبنظرة طائر سريعة إلى مسار صعود هذه التيارات، سنجد كيف عقد الراحل أنور السادات صفقته الشهيرة مع الإخوان المسلمين، حين أعادهم من منفاهيم في السعودية وبلدان الخليج الأخرى، وأخرج المعتقلين منهم ، ووفر لهم كل فرص العمل المحمي في صفوف الشباب وطلبة الجامعة، ليواجه بهم خصومه يوم ذاك من اليساريين والناصريين وسواهم وبقية القصة معروفة. وليست طبيعة الحكم التي يعدنا بها الإسلام السياسي طبيعة مغفلة أو غير معروفة. فقد قاد حسن الترابي انقلابا على الحكومة الديمقراطية المنتخبة التي جاءت نتيجة انتفاضة شهيرة في السودان على حكم النميري، وبالتحالف مع الجيش أعاد الإسلاميون السودانيون حكم العسكر مرة أخرى بالقوة وليس بالآليات الديمقراطية. وحين استتب لهم الأمر اضطهدوا القوى السياسية الأخرى ولاحقوا خصومهم، وأقاموا حكما منعزلا في الخرطوم، سرعان ما تصدع من داخله، ولم يجلب هذا الحكم لا الديمقراطية ولا الخبز للسودانيين. سنستطرد في الأمثلة: ألم يكن حكم طالبان حكما »إسلاميا« نموذجيا؟! لنستعيد ما فعلته وتفعله هذه الحركة في إدارة الأمور في الإمارة التي أقامتها، وما موقفها من المرأة ومن أمور الحياة اليومية، ولنسأل ما البرنامج الاجتماعي - الاقتصادي الذي قدمته هذه الحركة، بل لنسأل أصلا إن كان هناك من برنامج لها في الأساس. ويمكن أن نذهب أكثر فنتحدث عن الفكر الظلامي، الإرهابي الذي فرّخته هذه الحركة وامتداداتها في »القاعدة«، والذي قدم من الذرائع ما يكفي ويزيد لتعميم نهج المواجهة الدامية الذي يعمل المحافظون الجدد في البيت الأبيض على تعميمه عالميا، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي أودت بحياة المئات من الشبان العرب والمسلمين إلى موت عبثي في معارك فارغة من أي مضمون. ولا نحسب أن النموذج الإيراني يصلح لأن يكون بديلا مقبولا أو مقنعا، لا لغير منتسبي الإسلام السياسي ومريديه فحسب، وإنما لقطاعات كبيرة من الإسلاميين أنفسهم الذين يأخذون على الحكم في طهران هويته المذهبية والطائفية، وما نجم عن ذلك من علاقة ملتبسة مع الإيرانيين من الملل والمذاهب الأخرى غير الشيعة. ورغم الطابع الشعبي الواسع والعميق للثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه، ألا أن حكم رجال الدين عجز عن الذهاب بهذه الثورة إلى مداها في بناء إيران المتطورة والديمقراطية والعصرية، بل إنه في مجالات كثيرة صادر ما بلغه المجتمع الإيراني المعروف بتطوره من أوجه رقي ونهضة، وأعاد المجتمع، في أمور كثيرة للوراء. بعد ذلك ليس صحيحا أن الإسلاميين لم يُجربوا. لقد جُربوا وكانت حصيلة هذه التجربة على درجة من البؤس، ليست خافية على أولي الألباب.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نتدبر الأمور
-
مداخلات في ندوتي الوطن والوقت حول الأحداث الأخيرة
-
مجيد مرهون: فلذة من تاريخنا
-
ثلاث عشرة توصية
-
كلمة جمعيتي - المنبر التقدمي - و-وعد- في حفل إحياء ذكرى الشه
...
-
النص الكامل لأجوبة الأمين العام للمنبر التقدمي د . حسن مدن ع
...
-
عن رواتب الوزراء والنواب
-
أملاك الدولة
-
قانون مستنير للصحافة
-
قمصان جيفارا: رمز أم موضة ؟!
-
بين الدراما والتاريخ
-
أسئلة راهنة (1-4)
-
أسئلة راهنة
-
انفلونزا الفساد
-
لماذا يغيب المسؤولون؟
-
مداخلة المنبر التقدمي في الحلقة الحوارية بمناسبة يوم استقلال
...
-
نضالات مطلبية
-
صفقات التسلح .. لماذا ؟!
-
هل نفتح النوافذ ونمنع الهواء؟!
-
لجان التحقيق !
المزيد.....
-
غموض شديد يحيط بلقاء نادر جمع مبعوث ماكرون وفريق المترشح الر
...
-
الأردن.. جماعة الإخوان تتبنى -عملية البحر الميت-
-
أنا البندورة الحمرا ?? .. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القم
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية ينعى الشهيد السنوار ويؤكد أن المقا
...
-
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينعى الشهيد يحيى السنوار ويؤكد
...
-
الاحتلال يقيد وصول المصلين إلى المسجد الأقصى
-
مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر
...
-
نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|