إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:05
المحور:
مقابلات و حوارات
حوار مع محمد الحنفي/ فاعل سياسي و جمعوي
مختلف الطرق المؤدية إلى مراكمة ثروات الحسن الثاني
تعددت الآليات المعتمدة من أجل الاثراء السريع على حساب الشعب المغربي بفعل الاختيارات الرأسمالية التبعية منذ بداية الاستقلال، و بفعل الامتيازات و اقتصاد الريع و استغلال النفوذ و الارشاء و الارتشاء و السطو على الخيرات الوطنية و أموال الشعب و ممتلكاته.
هذا في وقت ظلت فيه الأسرة الملكية هي المصدر الأساسي لمنح الامتيازات المختلفة، لاسيما في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
- ما هي الآليات التي سمحت لفئة قليلة جدا من المغاربة بمراكمة ثروات طائلة، في وقت وجيز، وبطرق غير واضحة؟
+ نجد أن المغرب لم يعرف استقلالا تاما منذ البداية، بقدر ما بقي اقتصاده رهينا بإرادة الرأسمال الأجنبي، نظرا لانعدام أو لهزالة الرأسمال الوطني، ونظرا لأن الرأسماليين المغاربة كانوا في حالة الانعدام، أو في بداية مرحلة التبلور، ونظرا لأن اختيارات الرأسمالية التبعية، هي التي طبعت مسار الدولة المغربية، بحكوماتها المتوالية، ومنذ بداية الاستقلال، عدا حكومة المرحوم عبد الله إبراهيم، التي كانت تنطلق من اختيارات وطنية، فان الدولة المغربية اعتمدت مجموعة من الآليات المسرعة بإيجاد بورجوازية مغربية، لا وطنية، ولا شعبية، ولا إنسانية، تتوفر على تراكم رأسمالي يرتبط بالرأسمال العالمي من جهة، ومؤد إلى مساهمة هذه البورجوازية في تفعيل الاقتصاد الوطني، لخدمة مصالحها المحلية، ولخدمة الرأسمال الأجنبي في نفس الوقت.
وفي هذا الإطار، نجد أن الآليات المعتمدة من قبل الدولة المغربية، تتمثل في:
1) اعتماد ممارسة سياسية، لا ديمقراطية ولا شعبية.
2) اعتبار الاستبداد المخزني منطلقا لممارسة الحكم.
3) قمع كل الحركات المناضلة، والزج بالمناضلين في غياهب السجون، ولمدة قد تكون لا محدودة، ان لم يتم الحكم عليهم بالإعدام.
4) تقديم الامتيازات اللامحدودة للعملاء، في شكل رخص النقل، ورخص الاستيراد، والتصدير، وغيرها.
5) استغلال النفوذ المخزني من قبل الإدارة المخزنية، والأجهزة القمعية المختلفة.
6) سيادة الإرشاء، والارتشاء، في العلاقة مع مختلف المصالح الإدارية المحلية، والوطنية.
7) سيادة اقتصاد الريع على جميع المستويات.
8) تهريب البضائع من المغرب، وإليه، مما يدر على المهربين ثروات هائلة.
9) الاتجار في المخدرات بأنواعها المختلفة.
10) نهب المال العام، والتحايل عليه، على جميع المستويات.
11) استغلال التواجد في المؤسسات المنتخبة محليا، ووطنيا، من أجل تحقيق الإثراء السريع.
12) السطو على الممتلكات العامة، وتحويلها، بطرق مختلفة، إلى ممتلكات خاصة.
وهذه الآليات، وغيرها مما لم نذكر، هي التي أدت إلى:
1) تحويل الإقطاعيين الذين خلفهم احتلال الأجنبي إلى بورجوازيين.
2) تحول ذوي النفوذ، المختلفة أصنافهم، إلى بورجوازيين، أو إلى إقطاعيين جدد.
3- انتقال ذوي الامتيازات المختلفة، الذين نشئوا على العمالة، إلى بورجوازيين، أو إلى إقطاعيين جدد.
4) تحول المهربين، وتجار المخدرات، إلى أثرياء كبار، في خدمة المؤسسة المخزنية، وفي خدمة الرأسمال العالمي، في نفس الوقت.
وهذه الفئات من الأثرياء المغاربة، الذين تكونوا، منذ بداية الاستقلال، إلى نهاية السبعينات، لا يمكن أن تكون وطنية، وديمقراطية، وعادلة؛ لأن وطنيتها، وديمقراطيتها، وعدالتها، تتناقض تناقضا مطلقا مع مصالحها الطبقية، هي التي كانت الأساس، والمنطلق الذي بني عليه مغرب النصف الثاني من القرن العشرين، ومغرب القرن الواحد والعشرين.
- وهل الدولة، ومؤسساتها ساهمت في هذه العملية؟
+ نجد أن الدولة المغربية، بمؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وبسبب غياب دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، وغيا ب ملائمة القوانين المغربية المختلفة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي كان موجود آنذاك، هي التي كانت مسؤولة، شكلا، وموضوعا، عن التخطيط لخلق فئة قليلة ثرية لا تتجاوز في أحسن الأحوال 10 بالمائة من عدد السكان.
فالدولة المغربية هي التي تأخذ بالاختيارات الرأسمالية التبعية، منذ بداية استقلال المغرب، وإلى الآن. وانطلاقا من تلك الاختيارات اللا ديمقراطية، واللا شعبية، عملت على إيجاد تراكم رأسمالي هائل في يد فئة قليلة بالنسبة لعدد سكان المغرب، تشكلت منها طبقة رأسمالية إقطاعية، متبرجزة، ومغرقة في التخلف، لا تعرف إلا التمتع بالامتيازات، وجمع الثروات الهائلة، واستهلاكها بدون حدود، ودون التفكير في إيجاد تنمية حقيقية ، مما أدى الى تحويل القطاع العام إلى قطاع خاص، في ملك التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الحليف، والوسيط الهجين للرأسمال الأجنبي، الذي ساهم، ويساهم، بشكل كبير، في نهب ثروات المغاربة منذ بداية استقلال المغرب إلى اليوم.
- وهل سيرورة ذلك الإثراء السريع، آنذاك، كانت شرعية، ومشروعة، ونزيهة في عمومها، أم العكس؟
+ يمكن القول بان صيرورة ذلك الإثراء السريع بعد الاستقلال، وإلى نهاية السبعينيات من القرن العشرين لم تستند إلى أية مشروعية، أو شرعية؛ لأن الأصل في تراكم تلك الثروات، كان غير مشروع. فهو جاء نتيجة للامتيازات، واقتصاد الريع، واستغلال النفوذ، والارتشاء، والإرشاء، إلى غير ذلك، مما اشرنا إليه سابقا.
ولذلك، فمسؤولية الدولة المغربية حاضرة في اعتماد وسائل غير مشروعة، ومحرمة دوليا، في تحقيق الإثراء السريع، باعتبارها دولة رأسمالية تبعية مخزنية مستبدة، لا ديمقراطية، ولا شعبية، وغير عادلة. وهذه المسؤولية، لازالت حاضرة، وستبقى حاضرة، ما لم يكن هناك دستور ديمقراطي، يقر بالسيادة للشعب، وما لم تكن هناك قوانين لمحاسبة الأثرياء عن سبب إثرائهم، وما لم تتم مصادرة ثرواتهم الهائلة لصالح خزينة الدولة، حتى توضع في خدمة مصالح الشعب المغربي.
فإننا نجد أن الآليات التي اعتمدت في فجر الاستقلال، لمراكمة الثروات، جاءت امتدادا لنفس الآليات التي اعتمدها الاحتلال الأجنبي، لجعل عملائه من كبار الأثرياء، والتي تتمثل في آليات تقديم المزيد من الامتيازات المؤدية إلى حصول تراكم رأسمالي، ساعد على تحويل الإقطاع الذي خلقه الاحتلال الأجنبي إلى إقطاع متبرجز، أو إلى إقطاع جديد، كما يسمونه، بالانتقال من وضعية اللا شيء إلى وضعية الإثراء الفاحش، بالإضافة إلى آلية استغلال النفوذ، والإرشاء، والارتشاء، كما أتينا على ذكر ذلك في الفقرات السابقة.
والآليات المشار إليها، بقدر ما ساعدت على بروز الإثراء المتفاحش في صفوف قلة قليلة من العملاء، والانتهازيين، والوصوليين، وذوي النفوذ المخزني، والمرتشين في مختلف القطاعات، بقدر ما وقفت وراء تعميق الفقر في صفوف الأجراء، والمعدمين، والكادحين، وغيرهم ممن يواجهون الآلام المختلفة، بانعدام ذات اليد كما يقولون.
- كيف اغتنت الأسرة الملكية بالمغرب؟
+ فإننا يمكن أن نسجل أنه إذا كانت الأسرة الملكية هي مصدر الامتيازات المختلفة، التي يتمتع بها الكثير من أثرياء المغرب، فكيف لا يمكن أن يكون المنتمون إلى هذه الأسرة أثرياء يمنحون لأنفسهم المزيد من الامتيازات، خاصة، وان جميع أثرياء المغرب في المرحلة المحددة في الموضوع، كانوا يضعون أنفسهم، وما يملكون، رهن إشارة، وفي خدمة الأسرة المالكة، حتى يزدادوا بذلك ثراء، وتقربا بحصد المزيد من الامتيازات لهم، ولأقاربهم. هذا بالإضافة إلى كون هذه الأسرة تعتبر نفسها مالكة لكل شيء في المغرب. وما يملكه الأثرياء، يجب أن يكون رهن إشارتهم، هذا بالإضافة إلى جعل العديد من مؤسسات القطاع العمومي، وشبه العمومي، والقطاع الخاص، في خدمتهم.
- كيف تمكن الحسن الثاني من مراكمة ثروته؟
+ في عهد الحسن الثاني نعرف أن الدولة المغربية، هي دولة مخزنية استبدادية، لا ديمقراطية، ولا شعبية، كانت، ولا زالت، بدستور ممنوح. وهذا الدستور الممنوح منذ بداية الستينيات، لا يحضر فيه إلا الملك، باعتباره المقرر في كل شيء، وما الديمقراطية المعتمدة إلا ديمقراطية الواجهة، ومن أجل الاستهلاك الخارجي. ودولة كهذه، لا يمكن أن يكون الحكم فيها إلا مطلقا، نظرا لكون التعليمات هي التي تتحكم في الواقع اقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، السياسي. ورغم وجود مؤسسات تشريعية ظاهرية ، وقضائية، وتنفيذية، فإن التعليمات العليا، تقضي باعتماد مختلف الطرق المؤدية إلى مراكمة ثروات الحسن الثاني، والتي لا يعلمها إلا هو، والعاملون إلى جانبه، سواء تعلق الأمر بخوض غمار الزراعة، أو الصناعة، أو التجارة، أو قبول الهدايا، والتبرعات الآتية إليه من كل فج عميق، حتى لا يتفوق عليه أي ثرى مغربي، مهما كانت ثروته، وحتى لا تتأثر ثروته بمختلف الهزات التي يتعرض إليها الاقتصاد الوطني، في علاقته بالاقتصاد العالمي.
- ما هي الآليات التي مكنته من ذلك؟
من الآليات التي مكنته من ذلك:
ا ـ اعتماد الحكم المطلق في التعامل مع الشعب، ودون الحاجة إلى تفعيل الدستور الممنوح، كما حصل في مرحلة حالة الاستثناء، التي امتدت لأزيد من عشر سنوات.
ب ـ اعتماد الممارسة المخزنية في التعامل مع مختلف القطاعات الاجتماعية، ومع مختلف الطبقات، بما فيها تلك التي كانت تتمتع، في عهده، بمختلف الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ج ـ قمع الحركات الاجتماعية، والسياسية المناضلة، وتعريض المناضلين للاعتقالات الجماعية، والمحاكمات الصورية، التي أسفرت عن سلسلة من الإعدامات، والحكم بالمؤبد، وبالسنوات الطوال في أعماق السجون المغربية.
د ـ قمع الإعلام الحر، والنزيه، والتقدمي، والديمقراطي، عن طريق حرمان العديد من المنابر الإعلامية من الصدور خلال الستينات، والسبعينات من القرن العشرين.
ه ـ فبركة أحزاب إدارية موالية للمؤسسة المخزنية، وتمكينها من السيطرة على المجالس المحلية، والوطنية، حتى تصير في خدمة التعليمات الواردة على تلك المؤسسات، التي تصير موظفة لشيء آخر، غير معلن لا علاقة له بالقوانين المنظمة لتلك المجالس .
و ـ إغراق المغرب بالمزيد من الديون الخارجية، مما رهنه، ولعقود طويلة، في خدمة تلك الديون، التي تنهك القطاع العام إلى درجة الإفلاس، من اجل إيجاد مبرر لخوصصته، حتى يباع لذوي الامتيازات، وبدرهم رمزي في بعض الأحيان.
ز ـ إتاحة الفرصة أمام الشركات العابرة للقارات، من أجل التغلغل في الاقتصاد المغربي، ومن أجل جني المزيد من الثروات، وبدون حساب، ولا مراقبة، وخاصة في القطاعات المخوصصة، التي تحولت الى غول يكنس جيوب المواطنين من الدراهم التي يمكن أن تلتصق بها.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
بالإضافة إلى آليات أخرى غير معلنة، يمكن أن تؤدي إلى المزيد من تراكم ثروات الخواص، بما فيها ثروات الملك.
وبهذه الأجوبة ، نكون قد سلطنا الأضواء، من وجهة نظرنا، على مرحلة تحتاج إلى المزيد من الدراسة الموضوعية الهادفة إلى جعل المغرب يتجاوز معيقات التطور، التي قامت على أساس الحكم الذي ساد خلا ل فترة الاستقلال، وإلى نهاية السبعينيات من القرن العشرين، تلك المعيقات التي لازالت قائمة، والى يومنا هذا، إن لم تكن قد زادت استفحالا، بسبب التحول النوعي في الامتيازات الممنوحة للأشخاص، ولذوي النفوذ المخزني.
فهل ستعرف تلك المرحلة اهتماما من قبل الدارسين، ومن قبل منظمات المجتمع المدني، حسب اهتماماتها، ومن قبل الأحزاب السياسية المناضلة، من أجل التأسيس لفكر جديد، يمكن أن يكون منطلقا لسياسة جديدة، تضع في اعتبارها الأخذ بالاختيارات الديمقراطية، والشعبية؟ أم أن الأغنياء سيزدادون غنى، والفقراء سيزدادون فقرا؟
حاوره إدريس ولد القابلة رئيس تحرير المشعل
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟