|
عام كهرباء وضياء
ابتسام يوسف الطاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2148 - 2008 / 1 / 2 - 11:28
المحور:
كتابات ساخرة
وصلني ايميل عن صور لبعض مدن وعواصم العالم، لمعالمها ليلا حيث تتنافس بحلة الضياء فتظهر وكأن شموسا عدة تحيطها بمصابيح لا عد ولا حصر لها.. تتوالى المدن من أبو ظبي لطوكيو من باريس الى لندن وغيرها من بلدان العالم المضئ ومن العالم الثالث كذلك، ليصل اخيرا.. لبغداد.. لتختفي معالم عاصمة الرشيد ومنارة المجد التليد .. فتبدو قطعة سوداء وقد اختفت معالمها باختفاء شمس الصباح فبغداد تعيش عصر ما قبل الكهرباء، بل عصر ما قبل التاريخ اصلا! فقبل الكهرباء كانت المشاعل تحترق كل الليل لتضئ بعض الشوارع. وفي احدى القنوات الفضائية العراقية تتجول الكاميرا في بغداد ليلا، فلا تلمح سوى أشباح مباني وأشباح نخيل..هل تبكي أم تلوذ بفراشك هربا من الظلام وما يجلبه من قوى الشر والظلام؟ هل تصرخ أم تشهر سيفك، قلمك، بوجه المسئولين؟ يكبر سؤالك وأنت تمشي صباحا بشوارع لا يكفيها معاناة الخوف والتفجيرات الارهابية وعبث الاحتلال ليطغى ضجيج المولدات المزروعة في كل بيت وركن وشارع على صوت تفكيرك ليكبر غضبك. الليل كنهارك قضيته بين تشغيل المولدة الصغيرة التي (يسطرك) صوتها ورائحة البترول المبعوث منها، أو الاخرى التي يملكها حجي فلان والثالثة التي صاحبها علان بدائل الكهرباء المركزية التي تعاني من زمان. يدوي برأسك السؤال: هل يعقل أن يتواصل الظلام ببلد النفط والشمس والنخيل؟ كيف صارت بغداد دون أتعس قرية في المغرب أو موريتانيا أو حتى بنغلاديش؟ مع الاحترام لتلك الدول. تلك الأرض التي عرفت ازدهارا لعصور ودهور وكانت منارة العلم لأقوام من مشارق الأرض ومغاربها، واشعاع الحضارات أضاء سمائها عصورا ودهورا حتى في عصر الازدهار الاسلامي حين كانت بغداد عاصمة الرشيد. اليوم يتكالب الكثير ليسرق ضيائها نهارا جهارا، لتعيش عصر الظلام بأسوأ حالاته. متى تخرج مدينتي من قمقم الظلام الذي تعانيه من عقود؟ في قرية نائية بالمغرب العربي والتي قد يتجاوز عدد مساكنها أصابع اليد، شاء المسئولون أن لا يحرموا أهلها من متعة مشاهدة التلفزيون فمدوا مساكنها بألواح تجميع الطاقة الشمسية (salor energy ) مستفيدة من شمسها في الصباح لتتمتع بالكهرباء بلا انقطاع. وفي بلدة صغيرة نائية واقعة بشمال استراليا تتمتع بأشعة شمس ساطعة يخطط المسئولون عنها أن تصل لمرحلة الاعتماد على الطاقة الشمسية وحدها وستكون قادرة على توليد الكهرباء في الأيام الغائمة وخلال الليل من المحطة والتي ستسري من الحرارة المختزنة في قوالب من الغرافيت. وقالت حكومة ولاية كوينزلاند إنها ستبني محطة الطاقة التي ستبلغ تكلفتها سبعة ملايين دولار استرالي (6.5 مليون دولار) وطاقتها 10 ميغاوات لجعل بلدة كلونكري تعتمد على الطاقة الشمسية وحدها. وتختلف الطاقة الشمسية الحرارية عن الخلايا الكهربائية الضوئية التي تولد الطاقة مباشرة. وبدلا من ذلك ستعكس 8 آلاف مرآة ضوء الشمس على قوالب من الغرافيت، وستضخ المياه خلال القوالب لتوليد بخار سيولد الكهرباء عبر توربينات. وفي هولندا أي الأراضي المنخفضة، التي لا تعرف الشلالات حيث لا وجود للجبال، وشمسها من الشحة لا يمكن الاستفادة منها بتوفير الطاقة الشمسية، ولا تعرف وجود الآبار النفطية، اعتمدت على الرياح لتزرع أرضها توربينات عملاقة في أعلاها مراوح تحركها الريح ليتمتع أهلها بكهرباء لا تعرف الانقطاع وتوفر الطاقة لتشغيل المعامل والمصانع وتوفر ما تحتاجه المنازل من طاقة كهربائية.
فهل شمس بغداد باردة لكي يصعب الاعتماد عليها بتوليد الطاقة الكهربائية؟ هل نفط العراق الذي تهافت الحرامية على سرقته عاجز عن توفير الطاقة الكهربائية؟ ام ان آبار النفط تعجز عن توفير بضع ملايين لتشغيل كهرباء انتظرها العراقيون دهرا من التي تغنيهم عن المولدات النفطية الصغيرة التي ساهمت بتلويث الأجواء وضجيجها يصك الآذان ليسبب آلاما تضاف لآلامهم الاخرى!. أم أن الرياح والعواصف التي يزخر بها جو العراق توظف لذر الغبار بالعيون وتلويث المساكن وصبغ الاشجار والنخيل بلون التراب؟. العراق غني بنفطه، غني بشمسه وحرارته، غني برياحه صيفا وشتاءا وغني ايضا بشلالاته. لكنه ينتظر المخلصين لاستخدام ثرواته لخير الشعب والناس المتعبين. هل شح العراق ان يكون بين أغنيائه من يشبه كولبنكيان، الذي بنسبة الخمسة بالمئة فقط، حصته من النفط الذي اكتشف بالمقاطعة التي يملكها، منح العراق الكثير من الجامعات والمدارس وملعب الشعب ومدينة الطب وقاعات فنية ومتاحف وغيرها من الصروح التي يفخر بها العراق بالرغم أن معظم العراقيون لا يعرفون تلك المعلومات عن ذلك الرجل المخلص غير انه كان يأخذ خمسة بالمئة من نفط العراق. بينما الذين أمموا (الثروة الوطنية) واستولوا على كل النسب من نفط العراق، لم يخلفوا غير الدمار والخراب والحروب وأبدعوا ببناء القصور التي استولى عليها المحتل! فهل نواصل الامل بالحكام المنتخبين والوزراء المسئولين أوالاغنياء المتكاثرون؟ عسى ان يخجلهم ذلك العجز والخيبة والتقصير بتوفير ابسط الخدمات والتي صارت من البديهيات لكل الشعوب حتى المتخلفة منها، يعجزون عن توفير كهرباء طبيعية للناس الذين أتعبهم الانتظار؟ أليس بينهم من يحرجه رؤية مدينته يستولي عليها أشباح الظلام؟ ألا يحرجهم مواصلة ما فعله السابقون؟ كم من الدهور والعقود سننتظر لنتمتع بماء بارد من الثلاجة وهواء يزيح بعض الحر من المبردة او المكيف، او لنطمئن لشوارعنا وحدائقنا وغرفنا وهي تضاء بمصابيح تبعد عنا وحشة الظلام والخوف ممن يتخذوه ملاذا لجرائمهم. كل عام والعراق بخير، عسى ان يكون العام القادم عام كهرباء طبيعية وماء غير ملوث لكل العراق، وبغداد الحبيبة تنعم مثل العواصم بالضياء.
#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراثنا من اساطير الحضارات العراقية
-
لن تأتي حياة
-
حلم جبار
-
هل يصلح موزارت ما أفسده الارهاب
-
مستقبل العراق مرهون بوحدة شعبه
-
ما الخطورة التي تشكلها جبهة التوافق !؟
-
في يوم مشمس
-
هدية اسود الرافدين لشعبهم، شئ من الفرح
-
التهديد الامريكي بفوضى بلا حدود
-
ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف
-
الحرية التي ضحى الشعب العراقي من اجلها
-
في ضرورة فصل الدين عن الدولة
-
من يوقف انتشار خلايا السرطان ؟
-
هل تستحق قناة الجزيرة ذلك الاهتمام؟
-
بقادة مثل هؤلاء، لاعتب على الاعداء
-
افشال الحكومة العراقية يعني بقاء الاحتلال
-
أما لهذا الليل ان ينجلي
-
عن الشاعر طه الطاهر ومسعود العمارتلي
-
الحب مش حرفين, بل اكبر
-
الارهاب يختطف مبدعا اخر, الكاتب د.عصام البغدادي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|