|
الخلفية الفكرية لمشروع -الشرق الأوسط الكبير-:رؤية نقدية
منير لخضر
الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 11:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تقديم: تسعى هذه الورقة إلى استجلاء أهم التصورات والكتابات النظرية التي تشكل الخلفية الفكرية لتيار المحافظون الجدد، لكون هذا الأخير هو الذي كان وراء خروج كل من "وثيقة القرن الأمريكي الجديد"، ووثيقة "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، إيمانا منا بأن أي سلوك سياسي إلا ويقف من وراءه فكر سياسي معين. بعد التوقف عند أهم هذه الكتابات، سنحاول التذكير بأهم المدارس والنظريات التي تشكل أصول نظرية لمثل هذه الكتابات والتصورات، ثم سنحاول تقديم مساهمة نقدية لهاته التصورات. 1-مضمون هذه الكتابات: أ)النموذج النهاياتي: "نهاية التاريخ والإنسان الأخير "لفرانسيس فوكوياما": أصل هذا الكتاب مقال كتبه فرانسيس فوكوياما في صيف 1989، وبعد أن أضاف عدة مقالات أخرى، أصدر كتاب يحمل هذا العنوان: "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" في بداية التسعينات، ما هو مضمون هذا الكتاب ؟ إن الديمقراطية الليبرالية، كما صاغتها الحداثة الغربية تمثل قمة ما يمكن أن يصل إليه العقل الإنساني على المستوى الاقتصادي والسياسي، وتوقع نهاية الإيديولوجية والانتصار الحتمي والتاريخي والنهائي للليبرالية. ويربط فوكوياما في تحليله، بين الديمقراطية الليبرالية والرفاهية والسلم، ويؤكد أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الاقتصاد الحر والمبادرة الحرة. نهاية التاريخ، في نظر فوكوياما، تحدث عندما يصل التاريخ إلى لحظة الدورة (اللحظة المطلقة)، أي انتصار الشكل العقلاني بصورة مطلقة، والشكل العقلاني عنده هو الديمقراطية الليبرالية، التي انتصرت عالميا، بعدما وصل العالم إلى لحظة الذروة، اللحظة المطلقة، أي عند انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالتالي يتضح أن الشكل العقلاني الذي يتحقق في هذه اللحظة التاريخية المطلقة، ليس هو الشكل العقلاني، الذي حدده هيغل في الدولة كتجسيد للحق الموضوعي، ولا كما حدده روسو وكانط في الإرادة العامة اللذان اعتبراها عقلانية جدا لأنها عامة (روسو) ولأنها كلية (كانط)، ولا كما حدده ماركس في ثورة البروليتاريا، والانتقال للمجتمع الشيوعي، وإنما الشكل العقلاني المنتصر انتصارا تاريخيا، وحتميا ونهائيا هو الديمقراطية الليبرالية، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ب)النموذج الحضاراتي: "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" ل: صمويل هنتغتون: هذا الكتاب هو الآخر مصدره مقالة نشرها هانتنغتون بعنوان "صدام الحضارات" سنة 1993 في مجلة (Foreign Affaires Summer) وصدر هذا الكتاب كتطوير لتلك المقالة سنة 1996، ما هو مضمون هذا الكتاب ؟ إن التاريخ كله تاريخ للصراع، ليس صراع طبقات، كما يرى ذلك الماركسيون، وإنما هو يرى أن هناك تاريخية للصراع: (صراع الملوك والأباطرة - صراع الشعوب - الصراع الأيديولوجي - صراع الثقافات والحضارات). وبالتالي فنظرية هانتنغتون تنبني على أن الصراع المتعدد بين الثقافات سيحل محل الصراع الثنائي الذي استحكم على العالم طيلة القرن العشرين، يلاحظ هانتنغتون أن الأيديولوجيات الكبرى كلها إنتاج غربي، وأن الغرب لم ينتج ديانة كبرى كما أن الشرق لم ينتج أيديولوجية كبرى، ولكن المثير للانتباه هو أن هذه الأيديولوجيات الغربية وجدت صداها خارج العالم الغربي، من خلال التأويل اللينيني للماركسية، في روسيا أو التأويل الماوي في الصين. فالصورة التي يرسمها هانتنغتون للصدام المستقبلي هي صورة حضارية، ويميز بين ثماني حضارات مختلفة إلا أن كتابه يركز على الحضارة الإسلامية، وبالتالي فهذا الصدام يوصف بكونه "لا غربي" يقول ص. هـ: "في الحقيقة فإن الحرب العالمية القادمة إن كان مقدرا لمثل هذه الحرب أن تقع ستكون حربا بين الحضارات ..." (ص 29). ج)إعادة هندسة الشرق الأوسط: ل: برنارد لويس" برنارد لويس، أستاذ التاريخ الإسلامي، وعميد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة شيكاغو الأمريكية، وكان من المساهمين في تأسيس اللوبي الصهيوني في و. م. أ. والذي رأى فيه العديد من المختصين بأنه تجسيد للحلم الشتراوسي (ليوشتراوس) في ولادة المثقف المكيا فللي الذي يسير الأمير. عموما مقالة برنارد لويس تتمحور حول أربعة محاول أساسية وهي: 1) نهاية القومية العربية وموتها. 2) تراجع قيمة النفط. 3) استرداد الشرق الأوسط لهويته الأصلية: من المغرب إلى باكستان. 4) دور الريادة في الشرق الأوسط الكبير: إسرائيل، إيران، تركيا. و في موضوع الديمقراطية في العالم العربي يرى برنارد لويس أن أي فرصة لبناء دولة ديمقراطية في العالم العربي –الإسلامي يجب أن تكون على الشاكلة التركية – الكمالية، أي بإتباع النموذج القاضي بالفصل بين الدين والسياسة. د)روبرت كاجان: "القوة والضعف": روبرت كاجان مدير مشروع "القيادة الأمريكية في معهد كارنجي للسلام"، هذه المقالة نشرت في الدورية المتخصصة في المراجعات السياسية "بوليسي ريفيو" في صيف 2002. يرى روبرت كاجان كغيره من الواقعين التقليديين، أن شيئا لم يتغير في العلاقات الدولية، منذ مكيافللي، فقوة الدولة العسكرية والاقتصادية هي التي تقرر مصيرها، أما التعاون والمؤسسات الدولية فهي ظاهرة ثانوية وهشة وأهداف الدولة تفرضها التهديدات للوجود والأمن. إذن هذه بعض الكتابات والتصورات التي تشكل إلى جانب العديد من الأدبيات التي لا يمكنها حصرها كلها في هذه الورقة المرجعية الفكرية لتيار المحافظين الجدد، الذين كانوا وراء صياغة "مشروع الشرق الأوسط الكبير". السؤال المطروح الآن: ما هي الأصول النظرية لهذه الأدبيات السياسية ؟ 2-الأصول النظرية لهذه المرجعية: أ)طوماس هوبس: (كتاب اللفيتان) يرى أن أكثر السمات غير الظاهرة للعيان في السياسة الدولية الحديثة هي الفوضوية، فمنذ ظهور الدولة القومية، لم تظهر سيادة أقوى من سيادتها، فهي "التنين الأكبر" وغياب الاجتماع حول قيم وطرق لحل النزاعات يعني أن السياسات الدولية كانت دائما في "حالة حرب" واقعية أم محتملة، وما المهادنات التي تقع إلا تنازلات وقتية، فما دامت الفرص هي التي تسود فلن تكون هناك نهاية لإمكانية نشوب الحرب. ب)نيقولا مكيا فللي: (كتاب الأمير) كان له اهتمام كبير بالعوامل التي تضمن الاستمرارية السياسية، وهذه الأخيرة من الهموم الفكرية لمكيافللي، فالعصر الذي عاش فيه عصر الصراعات السياسية بين المدن، الأسر والدول، وبالتالي فهو يتموقع في مجتمع دولي صراعي، مما حدى به إلى البحث عن عناصر الاستمرارية السياسية للنظم القائمة في ظل هذا المحيط الدولي الصراعي وهي: المصلحة الوطنية، القوة، التوسع، التوحيد والتوحد. ج)نيتشه: "موت الله" و "الإنسان الأخير" يرى نيتشه أن القيم ليست ثمرة العقل الخالص، ومن العبث البحث عن سر الحقيقة أو الفضيلة، والأدويسا التي ابتدأت مع أوليس بعد ثلاث آلاف سنة، انتهت إلى إثبات حالة الفشل. انطلاقا من هذه الخلاصة أعلن فريدريك نيتشه "موت الله" في كتابه "هكذا تكلم زرادتست". نفس الشيء الذي تحدث عنه كافكا في رواية "صمت عروسات البحر" عندما صور أوليس (رمز السياسة) تائها وضائعا وسط أمواج البحر لا يعرف الطريق التي توصله إلى اليابسة، إلى موطنه الأصلي. وكانت عروسات البحر، تنظر إليه وهي صامتة ولا تريد إرشاده إلى موطنه الأصلي، في هذا النص الروائي الجميل، يصور لنا كافكا، بطريقة مجازية ضياع وتيهان السياسة في المنظومة الغربية. ونيتشه أول من اعترض على الميزة التقدمية للصيرورة التاريخية. ويرى نيتشه أن الإنسان الذي عرف حتى الآن قد انتهى (نتذكر أن الشق الثاني من عنوان كتاب فوكوياما هو الإنسان الأخير) والإنسان الأخير أي الإنسان الذي سيأتي فهو إما الإنسان الأخير أو الإنسان الأعلى. الإنسان الأخير: الإنسان الأحط والأوضع، بلا طموحات، بلا مثل، إنسان القطيع، جيد التغذية، حسن المسكن، مطبب جيدا من طرف أطباء نفسيين وعاديين، إنه إنسان ماركس منظور إليه من زاوية لاماركسية. الإنسان الأعلى: السوبرمان، تحدث عنه في سياق حديثه عن فكرة العود الأبدي، أي عودة الماضي في كليته وبالتالي ففي ظله تكون عودة الإنسان الأعلى ممكنة التحقيق. د)كارل شميث: جدلية الصديق والعدو له إسهامات فكرية متعددة معروفة بتفرقتها بين الصديق والعدو وهذا هو مصدر فكرة المحافظون الجدد حول تقسيم العالم إلى قسمين بين الخير والشر، بين الأصدقاء والأعداء (من ليس معنا فهو ضدنا)، كارل شميت تحدث عن "قوة الدولة"، "الديكتاتورية الشرعية"، "الروح الجماعية"، "الروح الجرمانية"، "الأصالة المفقودة"، ومعاداة الحداثة والتشكيك في أصالتها. و)ليوشتراوس: الفلسفة السياسية الإغريقية يرى ليوشتراوس أن الدين ضروري من أجل انضباط البشر. فالناس كما يرى نيشه بعيدون عن إدراك الحقائق فهم عبيد وقطيع، وبالتالي فهم في حاجة إلى الحقن الأخلاقية عن الخير والشر وهم بحكم طبيعتهم هاته محتاجون لفلاسفة متفوقون أو ما يسميهم نيتشه "كهنة ملحدون". والحقن الأخلاقية أكاذيب وأضاليل يسميها ليوستراوس "أضاليل أو أكاذيب نبيلة". هـ)ماكس فيبر: التشاؤم القانوني يمثل مجمل تفكير ماكس فيبر في عمقه التشاؤم القانوني إزاء تطور المجتمعات الحديثة، ويرى أن العقلانية أتت بالبيروقراطية، وأن مسار الإنسانية ليس مسار تقدم ، وأن مفاهيم من قبيل: الحرية، الديموقراطية، الأيديولوجية ... أضحت مفاهيم قديمة وستزول بفعل تنامي وتساعد التقنية والبيروقراطية. ك)جيمس برهايم: "عصر المديرين" صدر هذا الكتاب في سنة 1940م ومضمونه هو أن العالم يسير في اتجاه ستزول فيه الأيديولوجيات والمفاهيم السياسية الكلاسيكية، وأن الكلمة ستصبح فيه فقط للتكنوقراط: المديرين أو المنظمين.
م)زمياتين: "نحن الآخرون" (Nous somme autres) مفكر سوفياتي، وهذا الكتاب عبارة عن تصور خيالي لمجتمع مرتقب يترك لدى القارئ انطباعا قاتما، سوداويا، حول تطور البشرية في هذا الكتاب يصف زمياتين المجتمعات المرتقبة، بصورة قاتمة، والإنسان فاقد للحرية، فاقد لوعيه بذاته، وخاضع لبيروقراطية جامحة، مراقب من كل جهة، الأسماء استبدلت بأرقام، مما يدل عن فقدان الهوية. ن)أفول الغرب: شبغلر (Le déclin de l’occident / spengler) تنبأ بأفول الحداثة أو بغروبها، وهذا الكتاب اعتبر كوثيقة دامغة على أزمة الحداثة الغربية. ل)جورح أوريل: رواية "1984" صدرت هذه الرواية سنة 1950، يصور فيها مجموعة من الأدبيات التي ستحل في العالم، في نهاية القرن 20 من قبيل الموت، نهاية العالم، وأن السلام والانسجام لن يعود إلا بعد هزة عالمية كبرى. إن تنامي هذه الأدبيات العدمية والتشاؤمية رافقته تنامي الاتجاهات اليمنية، والشوفينية، التي برزت في كتابات عديدة ككتابات شارل موراس التي تنادي بتفوق الحضارة الغربية وتنادي بالغزو والاستعمار، وهي كتابات معادية للديموقراطية والحداثة، وتدعو إلى العودة لقيم ماضوية (النازية، الفاشية). في ختام هذا المحور نتساءل: هل اختفى كليا، "مبدأ الأمل" الذي تكلم عنه أرنست بلوخ ؟ 3-رؤية نقدية لهذه الأدبيات: تنطلق هذه المساهمة النقدية من فرضية أساسية مفادها: يرى المفكر العربي أنور عبد المالك في كتابه "تغير العالم" سلسلة عالم المعرفة، عدد 95 نونبر 1985، إن عملية تغير العالم أمر مركزي في تطور المجتمعات البشرية الحديثة وهذه العملية تلعب فيها الإرادة السياسية دورا أساسيا، وبالتالي فعملية تغير العالم يقتضي بالضرورة دراسة القوى العاملة على تغييره، وفي هذا الصدد نجد تياران أساسيان الأول يعمل من أجمل توسيع رقعة التحرر والعدالة والتقدم، والثاني يعمل من أجل إخضاع عملية التغير إلى هيمنة المركز الوحيد. أ-نقد أطروحة فوكوياما حول نهاية التاريخ: هل يمكن من الناحية التاريخية والعلمية للعالم أن يعيش بقوة واحدة ؟ إن هذا ما يجعل من كتاب فوكوياما يبتعد عن العلمية ويسقط في صيغة تبشيرية صرفة. علاوة على ذلك يركز فوكوياما على أن مدخل التقدم والازدهار هو الاقتصاد الحر والمبادرة الحرة، ألا أن التجربة بينت محدودية المدخل الاقتصادي في بناء المجتمع الديموقراطي، على الأقل في عالمنا العربي-الإسلامي. يرى عبد الرحمان منيف في كتابه (الديمقراطية أولا الديمقراطية دائما) أن الديمقراطية تفترض الحوار، وهذا الأخير يعني الاعتراف بالآخر وهذا الاعتراف يعني أن الآخر جزء من البنية التي تشكل المجتمع، مما يقتضي التعايش والتعامل معه. تم إن الديمقراطية ليس مطلب سهل وليست حلا كاملا وإنما هي مفتاح للوصول إلى الحلول، وهي مطلب سياسي، هي نضال ومقاومة. مما يعني أن الديمقراطية الليبرالية كما يسوقها فوكوياما ليست بالضرورة الشكل العقلاني التي يمكن لكل الشعوب الاحتداء به. وبالتالي فما دامت الديمقراطية ديموقراطيات، فالدول والشعوب قادرة على الاستفادة من كل التجارب الديمقراطية وبناء نموذج من الديمقراطية لا يتعارض مع خصوصياتها التاريخية والحضارية. تشارلز كراوتمر في محاضرة له بعنوان "الواقعية الديمقراطية" انتقد نظرية فوكوياما، فيما يتعلق بحتمية الانتصار التاريخي للنموذج الديمقراطي الليبرالي، وقال بإمكانية قيام ديمقراطيات ليست بالضرورة محاكاة للنمط الليبرالي الغربي. خلال أيام 8 و9 أبريل 2005 نظمت مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء ندوة دولية تحت عنوان: "وجهة التاريخ: العقل وشروط الوجود الإنساني" شارك فيها عبد الله حمودي، فرنسيس فوكوياما، عبد المجيد الشرفي، عبد السلام الشدادي، عبده الفيلالي الأنصاري،و عبد الله العروي بمداخلة مكتوبة. خلال هذه الندوة أعاد فوكوياما التأكيد على نظريته التي أعلنها منذ 18 سنة، بتأكيده على أن الديمقراطية الليبرالية كما صاغتها الحداثة الغربية تمثل القمة التي يمكن أن يصل إليها العقل الإنساني على المستوى الاقتصادي والسياسي. قام الأنثروبولوجي المغربي، عبد الله حمودي، بالرد بشكل مباشر على نظرية فوكوياما واصفا إياها بالتبسيطية والسطحية والآلية والرغبة في الهيمنة، قائلا "أفضل لي أن أقاتل مع باقي المسلمين (المقاومة العراقية) لبناء نموذج خاص بي للديمقراطية على ألا تمارس علي وصاية الغير وتفرض وصفات جاهزة بقوة السلاح". إن فوكوياما يقوم بتأويل أطروحات هيغل، واستثمار، أفكار ماركس ومشاكسة أفكار نيتشه واستقراء مجريات التاريخ الحديث واستغلالها جميعها في اتجاه يخدم المسار الأيديولوجي المساند لتيار المحافظون الجدد في أمريكا. ب-نقد أطروحة هنتنغتون حول صدام الحضارات: إن فكرة المركزية الأوربية فكرة مركزية في النموذج الحضارتي الذي يقترحه صامويل هانتنغتون. يتساءل المفكر عبد الله العروي، كيف يوفق الباحث في الحضارات غير الأوروبية بين موضوعية المنهج وبين عبادة العقل المجرد ؟ يرى العروي أن هذه الإشكالية لم تجد حلها في فلسفة الأنوار خاصة في الشق الفرنسي بل في الشق الألماني. الذي استحدث مع هردر مفهوم جديد للتاريخ الذي يرى أن الحقيقة انتقلت للتاريخ و لم تعد رهينة العقل المجرد كما يرى ذلك الفرنسيون. ليخلص مع هردر إلى خلاصة في غاية من الأهمية مفادها خطأ دراسة حضارة معينة بمقاييس زمن لا تنتمي إليه. سبغلر كذلك طالب بالكف عن اعتبار أوروبا مركز الكون والانتقال من التاريخ الأحادي الحظي إلى التاريخ المتعدد لمختلف الحضارات والثقافات. توينبي هو الآخر انتقد بشدة الأوهام الفردية للغرب، وقال إنه لا ينبغي الحكم على الحضارات غير الأوروبية انطلاقا من مقاييس الحضارة الغربية. يضيف العروي في كتابه (الأيدلولوجية العربية المعاصرة) في سياق حديثه عن العقل الكوني، إن الغرب كان يدافع عن الوحدة الذهنية للبشر لما كان يعتقد أنها تخدمه، ولما أدرك أن هذه الوحدة لم تعد منسجمة مع مصالحه سار يدافع عن فكرة التنوع والتعدد الثقافي، ويقول "هذا خطأ وذلك خطأ، وهل كتب علينا أن نصحح خطأ بخطأ". لهذا كله اتهم هانتنغتون بالعنصرية والشوفينية، والديماغوجية وكراهية الشعوب، وأصبح ناطق باسم البيض الأنغلوساكسونين البروتسات ووصفه كارلوس فوينتس "بالعنصري المقنع" فهو يعبئ الأمريكيين من خطر لخطر: الخطر الهندي، الخطر الأسود، الخطر الأصفر، الخطر الأحمر، الخطر الأخضر والخطر البني ... ذهب آلان وولف إلى القول أن هانتنغتون نسخة من السياسي الأمريكي المحافظ بات بوكانان الذي يدعو لسياسة انعزالية لأمريكا ويدير مجلة " أمريكا المحافظة". أما خيبوس ماركيز فيلقب هانتغتون ب" ستيفن كينغ علم السياسة" بأمريكا (الروائي الأمريكي الشهير المتخصص في روايات الرعب". ج-نقد أطروحة برنارد لويس حول "إعادة هندسة الشرق الأوسط" 1)هل يمكن القول بالفعل أن القومية العربية ماتت وانتهت: من خلال الصمت العربي من قصف ليبيا. والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ومجزرة صبرا وشاتيلا. يجب التمييز في هذا المستوى بين المواقف الرسمية للدول العربية والمواقف الشعبية، والقوى الحية فيها التي كانت دائما مساندة للقضايا القومية، حيث تشكل القضية الفلسطينية، مثلا، بالنسبة لها قضية وطنية، وإلا بماذا نفسر المسيرات العربية الحاشدة المتضامنة مع فلسطين والعراق، التي باتت تسمى "المسيرات المليونية" ؟ "إن النظام العالمي الجديد" ما فتئ يسدد الضربات تلو الأخرى، للوحدة العربية وكل مخططاته تصبو إلى شر ذمة وتمزيف هذه الوحدة بدءا من فلسطين، والعراق، ولبنان وسوريا، والسودان ... بل ذهب البعض إلى حد نفي شيء اسمه العروبة وإن مفهوم الوطن العربي مجرد مفهوم زائف، وأبحاث برنارد لويس وأمثاله وفرت، حسب بوش، رؤية شاملة وخطوط توجيهية لاستراتيجية "الفوضى البناءة"، وكانت أساس النظر لواقع يجب تدميره من أجل نشر الفوضى لأن الاستقرار لم يعد يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، فإنكار وجود القومية العربية أو الإقرار بموتها ينم عن تحليل ينهل من المنظومة الفكرية الصهيونية على امتداد تاريخ الصراع مع الهجوم الاستعماري الغربي، الذي حجزت فيه الهوية مقعدا ثابتا لها. 2)إن القول بأن النفط لم تعد له قيمة في العلاقات الدولية الاقتصادية غير صحيح، لقد بينت الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة أن النفط سيبقى مصدر الطاقة الرئيسي في العالم لعقود قادمة وأن الاحتياطي النفطي الأكبر في العالم موجود في الشرق الأوسط، لذلك تسعى أمريكا للسيطرة على المنطقة حتى تتمكن من الإمساك بالعصب الاقتصادي الذي يمكنها من الاستمرار في الزعامة العالمية، ألم يقل بول وولفونتير أثناء زيارته لسنغافورة بشكل واضح أن سبب غزو أمريكا للعراق هو كونه طافح بالبترول. د-الجيل الشاب من المستعربين – المحافظين ضد برنارد لويس يرى هذا الجيل أن تمجيد برنارد لويس للنموذج العثماني – التركي في مسألة إقامة الديمقراطية في العالم العربي – الإسلامي فيه تجاهل لخصوصيات المنطقة العربية التي لعبت فيها المؤسسة الدينية أحيانا كثيرة دورا حمائيا لصالح المجتمعات المحلية ضد استبداد السلطة السياسة. وهو ما يؤهلها للعب دور إيجابي في إطار البناء المؤسساتي. وهنا نستحضر ما قاله المفكر عبد الله العروي في "مفهوم الحرية" في كون التصوف، العشيرة، التقوى والبداوة أدلة ورموز للحرية خارج الدولة أو ضد الحكومة. يلجأ إليه الفرد في المجتمعات العربية الإسلامية لاتقاء جور السلطان وظلم أولي الأمر. هذا فيما يخص نقد الأطروحات الرئيسية التي تشكل الخلفية الفكرية لتيار المحافظين الجدد المتنفذ داخل الإدارة الأمريكية الحالية، فما هو النقد الأجدى لأصول هذه الأدبيات ؟ يرى يورغن هابر ماس أن هذه الأدبيات (توماس هوبس، مكيافيللي، نيتشه، كارل شميت، ماكس فيبر، برهايم، زمياتين، هنتنغتون، فوكوياما ...) ترسم لنا رؤية تشاؤمية تعكس الخيبة واليأس والتذمر وتعكس تصور للعالم بدون آمال بدون آفاق تغييرية، وتغيب العالم المعيش (مفهوم العالم المعيش عند هابر ماس: عالم الحوار والتواصل، والتخاطب في الفضاء العمومي) ويرى أن هده التحليلات أعاقت عنصر أساسي وجوهري في العقل العلمي وهو ما أسماه في مشروعه الفكري "أخلاقيات التواصل". وبالتالي نحن في حاجة إلى فضاء للتواصل والتحاور ومقاومة الأفكار الغازية المتحدرة من عوالم الاقتصاد والبيروقراطية والحاملة للنزعة النفعية والأذاتية. وفي كتاب يحمل عنوان "le concept de 11 septembre" وهو عبارة عن مجموعة من الحوارات أدارتها الصحافة الإيطالية جيوفانا بارا دوري مع كل من هابر ماس ودريدا. فرغم أن كل واحد منهما انطلق من براد يغم معين، هابر ماس انطلق من براد يغم التواصل،و دريدا انطلق من براد يغم التفكيك إلا أن ما يهمنا نحن هو أنهما يتفقان في نقطة هامة جدا، وهي أن الإدارة الأمريكية بعد حادث 11 شتنبر 2001 قامت بإحياء أساطير مأساوية تعبر عن انحراف يميني خطير: - أسطورة انحدار الحضارة الغربية: التي دافع عنها سبنغلر. - أسطورة نهاية التاريخ: التي دافع عنها فوكوياما. - أسطورة العداء اللامتناهي بين الشعوب: التي دافع عنها كارل شميت الذي يضفي طابع انطولوجي على جدلية العدو والصديق في العمل السياسي. - أسطورة صدام الحضارات: التي دافع عنها صامويل هانتنغتون. هـ-أخيرا عودة إلى سؤال: هل اختفى مبدأ الأمل الذي تحدث عنه "أرنست بلوخ" اختفاءا نهائيا ؟ هناك كتاب هام جدا يحمل عنوان "الإمبراطورية" (Empire) لكل من "مكائيل هاردت". و"انتونيو نيكري": يبحث في الجذور التاريخية والفكرية التي قادت إلى التوسع الإمبريالي. ويحدد الظروف التاريخية التي أفضت إلى نهاية فلسفة التعالي وبروز فلسفة المحايثة. إن هذا الكتاب يخلص إلى نتيجة رئيسية مفادها أن قوى التغيير ما زالت متجلية في المجتمع الدولي، فالشباب العالمي، في تظاهراته الكبيرة دل على أن قوى التغيير لم تختف، بل هي متصاعدة ومتنامية والحركات المعادية للعولمة تنظم لقاءات وندوات للتفكير في أساليب ديمقراطية جديدة بعيدا عن المؤسسات الكلاسيكية. إن الغرض من استحضار أنور عبد المالك، عبد الله العروي، يورغن هابر ماس، عبد الرحمان منيف، مكائيل هاردت، انطونيو نبغري ... وغيرهم هو التدليل على إمكانية التفكير والتأمل في الديمقراطية والمسار الإنساني بطرق أخرى وإعادة اكتشافها من جديد بعيدا عن منطق هيمنة المركز الواحد، ومن أجل توسيع رقعة التحرر والحرية والتقدم. المراجع - فرانسيس فوكوياما. "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" ترجمة: فؤاد شاهين, جميل قاسم, رضا الشايبي, مراجعة وإشراف وتقديم د.مطاع صفدي. معهد الإنماء القومي. بيروت. 1993. - صامويل هنتنغتون. "صراع الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي". ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف. الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلام. بنغازي. الطبعة الأولى 1999. - الطاهر الأسود "النزاع بين المحافظين الجدد حول طبيعة الديمقراطية الإسلامية" مجلة الفرقان العدد 53 2005. - د. رشيد علمي الإدريسي "ديمقراطية بدون دولة" ندوة هل مازالت الدولة ضرورية اليوم يناير 2004 كلية الحقوق مراكش. - محمد بن كيران "صدام الحضارات المركزية الأوروبية" جريدة الاتحاد الاشتراكي العدد 8190 , 9 مارس 2006 . - عبد الله العروي "التاريخ والعقلانية" الجريدة الأخرى العدد 9. 13/19 أبريل 2005.
#منير_لخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام العالمي والجيوبوليتيك:رؤية نقدية
-
أدب السجون و مقاومة الاستبداد السياسي بالمغرب
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|