|
بائِعةُ الورد
زهير دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 10:53
المحور:
الادب والفن
كانون الثاني يهرول نحو التلال والاوداء ، ويركض مشمّراً عن ساقيْه ، يسابق الريح النائحة فوق أشجار الزيزفون ، والعابقة بشميم عبهرة شبه عارية ، ويتوق الى الوصول الى الكون قبل أن يعزف اخوه النغم الأخير !! سباق الزمن مع ذاته ، هذه الذات المتضوّعة شمماً وزنبقاً منتوفاً ونرجسات نعسى مغمضة المُقل . وينهمر المطر شقّيًا ، يغسل خدود الشوارع ووجنات الحارات المتكئة على كتف الأيام ، وتنبري العاصفة ترقص عارية ، وحيدة فوق أجساد الحياة ، تعانق أشلاء النُسيمات الولهى، في حين تروح الجمرات تنكمش في أحضان ذواتها في الموقد الفَخّاري تُقبّل حبات الكستناء بشفاه مُلتهبة ، عنودة، حالمة ، ينفّرها اللظى بين حين وآخر ، فتهب تارة تصرخ وطوراً تزغرد وأخرى تقفز فوق حِضن صبية مِِِغناج استوطن الشموخ في محياها ، وقبع الغَنَج الشارد في حناياها ، فتصرخ ذات الشال الليلكي وينحسر فستانها المذعور عن ركبة خجولة ، فتروح تلملم ذاتها ، والحياء يُلوّن خديها بلون ألجوري الذي يملأ دكانها والسّوسن الغافي في زوايا الحانوت ...
ورحْتُ أنا الآتي من بعيد وبدون جواز سفر أقف على الباب تحت الرفرف الراجف ، اراقب المشهد الساحر الأخّاذ ، وقد نسيت لماذا قُدتُ قدماي في مثل هذا الوقت المتأخر الى حانوت الورد ، نسيت أنني جئت اطلب اضمامة من ورد شتائي أزفّها ريّا الى تلك التي غنيتها شعراً وكتبتها غزلاً وبعضاً من خواطر . إني على موعد مع كانون الثاني وحبات المطر وحواء الجديدة المنتظرة هناك ... المنتظرة الشاعر يغزل لها في العام الجديد ومن أريج الأرض قمراً وإكليل غار يُتوّج به عنقها الحالمة . أنّى لها ان تغادر ، أنّى لها ان تفكر الا به وبعودته العجولة ، فاليوم وقبل عشرين كانون فرحت الأرض بها !! أتراه يتأخر ؟! أترى ذاك الذي قال لها دوما :" ضعي رأسك الصغير فوق قلبي ونامي الى الابد – أتراه لا يعود ؟!!" . المطر الشقي يأبى الا ان ينهمر فوق رأسي ورفرف دكانها ، والريح الحافية ما زالت توقع سيمفونية جديدة ، وذات الشال الليلكي تدعوني بإيماءة من رأسها الصغير ان ادخل ... ادخل يا رعاك الله ... وادخل فقد بلل المطر ثيابي وبعثرت الركبة الأحلى بقايا وجداني ، وأسرع الى الداخل ، إلى الموقد والجمرات وكتاب ملقى هناك ، قرأت عنوانه بعد جهد " أنّا كرنينا " .. وأصمت انا الذي ملأ الآفاق شدواً وتغريداً ، وأروح أسوح في محراب زنّرته الأنوثة الغائرة وسيّجته الازهار الهائمة . وأنسى ذاتي في غمرة الأحداث ... واستفيق على الدقات ألاثنتي عشرة الفضيّة الوثّابة ، تعلن للملأ قدوم عام جديد .. وحبّ جديد ، فلا حاجة بعد لاضمامة ورد ، ولا حاجة لجواز سفر ، فلينهمر المطر ما شاء ، ولتعصف العاصفة كيفما حلا لها ، فأنا مطمئن عند الموقد وذات الشال ، ولتنتظر تلك القطة الشقراء الى ما شاء الله ، فالكلّ قد صار جديدا !!!
#زهير_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عامٌ جديدٌ وأملٌ جديدٌ
-
المجد لله في العُلى
-
بابا نويل ومحمود الصغير
-
ما بين بيت لحم واورشليم
-
الوقت من ذَهَب
-
الراعي الصالح
-
قصص قصيرة جداً
-
لا تبعدي
-
ما احوجنا لامثاله
-
مُخيّم وسنونو
-
الو.....عاصي الرّحباني
-
وديع الصّافي....نحبُّك
-
وتأبى ان تُهاجر
-
ما بين الغزل والتحرّش
-
أباء
-
المصلحة العامّة – يخدمونها أم يسرقونها ؟!
-
سيل جارف في ادب الاطفال
-
مبدعونا اولى بالتسمية
-
كذا انا
-
سقى الله تلك الايام
المزيد.....
-
من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق
...
-
الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
-
واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا
...
-
الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|