|
التحية إلى روح بينظير بوتو
نذير الماجد
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:40
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لم يخطئ القاتل! وجه ناحية العنق مسدسه المحشو بالحقد مع البارود . و لكي لا يخطئ هذه المرة أطلق عددا من الطلقات، و لكي يمعن في القتل و استباحة الدماء و لكي تتناثر الجثث على الأرض في احتشاد القرابين و الأضاحي ضغط الزر ليدوي الانفجار الرهيب.. لحظات من الصمت أعقبتها انتفاضة غضب عارمة. أمطرت السماء دما.. دماء و جثث ثم الصمت قبل أن تترجل في الفردوس.. هذه المرة نجح القاتل و فازت الضحية باعتلاء المجد و البطولة. إنها "بينظير بوتو" أضحية الحرية و الديموقراطية في باكستان.
في اكتوبر عام 2007 نجت بنظير بوتو من عملية اغتيال مماثلة بعدما تلقت تحذيرات بشأن خطورة العودة إلى أرض الوطن، لم تكن تلك العملية لتفاجئ أحدا لكن نجاتها تلك أثارت جوا من الاطمئنان لبعض الوقت سرعان ما بددته تلك الطلقات الغادرة التي استهدفتها بعد مؤتمر انتخابي حاشد، حينها وقفت شامخة تحيي الجماهير في مدينة "روالبندي" فانهال عليها الرصاص و وقع الانفجار الأثيم لتختم "روالبندي" و معها باكستان عامها المنصرم بفاجعة دموية رهيبة مؤذنة باندلاع فوضى أمنية في بلد متوتر يعيش على مفترق طرق بين الحرية و الاستبداد، بين الحياة و الموت.
قبل ما يناهز العقدين و تحديدا في العام 1988م اعتلت بنظير بوتو منصب رئاسة الوزراء كأول امرأة تتبوأ هذا المنصب على مستوى العالم الإسلامي كله، كان الحدث بلا شك استثنائيا، فليس من المعتاد أن تتسنم امرأة الزعامة في بلد يعج بالتطرف و تسوده العصبيات و الاصوليات المتطرفة. بلد كباكستان لم يكن من السهل أن تتصدر العمل السياسي فيه امرأة لا تلتزم جيدا بالحجاب و هو الشرط الملزم في النظرة الأصولية لكي يُعترف لها بالمكانة اللائقة و الحرية و الانسانية و سائر الحقوق التي لا تمنح إلا للإنسان! لقد صمدت في وجه التطرف و منهجيات "القبول المشروط" تلك التي تسلكها العصبيات و الأصوليات لتعلن عن نيتها تدشين مشروع بناء الديموقراطية و الحرية، لهذا لم يكن من السهل أن يستمر هذا المشروع، فكانت هذه الرصاصات الظلامية أجلى تعبير عن تلك الارادة التي تعتمل في الخفاء بين القبائل و تكتسب زخمها في مهاجع التطرف و معاقل الارهاب.
في هذا البلد يراد لصوت الجهل و الاستبداد و التطرف أن يعلو على صوت العقل و إرادة الحياة. لهذا يجب أن تموت بنظير بوتو، لأن كل من يطالب ببناء دولة و وطن و عدالة و دستور يجب أن يموت ، و كل من يتجرأ على ذلك مصيره القتل ككباش ليس لها سوى الذبح، من قال لها أن تعلن الحرب على الجهل و الفقر و الإرهاب؟! من أذن لها في أن تطالب بالعودة إلى الدستور و تفعيله بعدما أصبح مطيةً للطامحين للسلطة و المستأثرين بها؟ لماذا تبالغ في جرأتها كثيرا حيث تطالب بشن الحرب على القاعدة و الطالبان و باقي الحركات التي لا تجيد سوى العزف على أنغام الموت، و لا تتقن سوى القتل لغةً و سياسة، و لا يغمض لها جفن إلا مع رائحة الدماء، و لا تسكن أو تستقر إلا على بغض الإنسانية و شهوة الذبح و لعق الدماء و الجثث،؟! يجب أن تخرس هذه النغمة و هذا الصوت النشاز لتبق معزوفة الرعب و الخوف هي التي تتردد على الأسماع.
قبل أسبوعين فقط من الانتخابات التشريعية وجدت باكستان نفسها على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة، فالديموقراطية مهددة و أشباح الموت تلوح في الأفق متمسكة بخيار "تطاير الجثث". و بات العالم بأسره يخشى سقوط الأسلحة النووية في تناول تلك الأيد الإرهابية الآثمة التي ما انفكت عن بغضها للإنسان وعشقها و تعلقها الكبير بالإبادة!. الإنسانية كلها تخشى انبعاث جديد لطالبان التي وئدت في أفغانستان لتعود من جديد و تظهر في باكستان، فنحن بصدد أفغنة أو عرقنة لبلد كبير شاسع لديه قدرات نووية و كثافة سكانية عالية مما يعني إشاعة رعب حقيقي ليس على مستوى باكستان و حسب بل على مستوى العالم كله. و هذا هو تحديدا ما يسعى إليه الإرهاب و تلك هي استراتيجية الأصولية!
لقد حبس العالم أنفاسه قبل ولوج العام الجديد خشية انفلات الأوضاع في المنطقة كلها، فاغتيال شخصية سياسية بحجم بينظير بوتو أمر له تبعات خطيرة جدا بحيث من الصعب توقعها و الإلمام بكل تداعياتها و ارتداداتها، ذلك لأن الاعتقاد السائد هو أن وجود بينظير بوتو في المشهد السياسي في باكستان يشكل عاملا مهما لفرض الأمن و الاستقرار و تكريس الديموقراطية. و لأنها شخصية معارضة لنفوذ المتطرفين الاسلاميين، فإنها بمثابة الموازن الذي يحفظ لباكستان قدرتها على التعايش و احترام الآراء المخالفة، لا بل يذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن بينظير بوتو هي وحدها القادرة على إحياء العمل السياسي في باكستان مقللين بذلك من أهمية زعماء آخرين في المعارضة كنواز شريف الذي لم تكن عودته بالزخم الذي شهدته العودة المظفرة لبنظير بوتو.
لكن هذه الآمال كلها قد تلاشت في تلك اللحظة الرهيبة مع نزوة القتل و الكراهية التي كان لها الكلمة الفصل! فكان الحكم بالموت على أول امرأة سياسية بهذا العيار الثقيل الذي تملكه مناضلتنا الشهيدة. في تلك اللحظة العصية على الوصف كنت -كما آخرين غيري- مسمرا أمام شاشة التلفاز أتابع يحنق شديد الوجه القبيح للإرهاب و الحزن الشديد الذي تركه على تلك الوجوه المصدومة و المشدوهة، فأدركتُ أن الهمجية الطالبانية التكفيرية لازالت ترقص على أشلاء الموتى و أنها في هذا اليوم و أكثر من أي يومٍ مضى كشفت عن وجهها الحقيقي المرعب، لقد سطقت ورقة التوت لتعري نفسها تلك الأصوليات التي ليس لها همٌ سوى التراجع و التقهقر إلى الوراء و فقط إلى الوراء!
كانت بينظير بوتو تلقي نظرة الوداع و تحيي الجماهير المحتشدة قبل أن تغتالها تلك الرصاصات الحاقدة واضعة الحد لحياتها و حياة حزب الشعب الذي تتزعمه في آن معا، و معها أُطلقت آخر رصاصة على حنجرة الحرية لتخرسها و تسقط معها مضرجة بالدماء..إنها عادت من المنفى إلى أرض الوطن من اجل إنقاذ باكستان من ذلك الغول الإرهابي السلفي الرابض على تخوم المدن و المتأهب دوما لإشاعة الموت و نشر الدمار، إنها عادت لتناضل من أجل الدموقراطية و الحرية تلك الفريضة الغائبة على امتداد العالم العربي و الإسلامي مع الأسف..
بنظير بوتو ذات الشخصية السياسية الحديدية كانت مفخرة كبيرة في مجتمعاتنا ذات النزعة الذكورية المفرطة، فرغم بحار القهرو التنكيل و الظلم و التهميش التي لازالت تتعرض لها المرأة في مجتمعاتنا على المستويات كافة إلا أنها قد حققت نجاحا مذهلا في تجاوز التابو الذي يحظر على المرأة أن تصبح قائدة و تتشح برداء الزعامة و القيادة، لتثبت للجميع أن المرأة قادرة على ذلك و أكثر! لهذا واجهت حتفها وحيدةً بين ركام الأحقاد القديمة و الجديدة، حيث لا يمكن لامرأة أن تصبح بهذا القدر من الأهمية.
هاهي بينظير بوتو ترقد بسلام تحت أكاليل الورد، بعدما تُوجت على عرش البطولة زعيمةً تاريخيةً لا يشح التاريخ أبدًاعن ذكرها رغم أنوف الارهابين و القتلة، لهذا فالقاتل لم ينتصر و إن سبق السيف العَذَل!
#نذير_الماجد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو رؤية جديدة للزواج
-
الإسلاموية و فوبيا التجديد!
-
أحاديث في الحب
-
فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
-
الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
-
العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
-
الفن ليس محظورا منذ الآن!
-
عمامة برجوازية في باريس!
-
ثقافة النقد و نقد الثقافة
-
الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
-
--تأملات حول التشيع السلفي-
-
المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية
المزيد.....
-
وصول امرأة لمشفى العودة اصيبت بنيران آليات الاحتلال قرب مدخل
...
-
وكالة التشغيل تحسم الجدل وتوضح الحقيقة: زيادة منحة المرأة ال
...
-
هيئة تحرير الشام.. قوة أمر واقع تهدد مكتسبات النساء السياسية
...
-
بيدرسون: يجب ان تكون المرأة السورية جزءا من العملية الانتقال
...
-
حـدث تردد قنوات الاطفال 2025 واستقـبل أحلى الأغاني والأفلام
...
-
معاناة النساء في السجون.. وزير العدل يوجّه بتخفيف الاكتظاظ و
...
-
قائد الثورة الاسلامية:على الجميع وخاصة النساء الحذر من اسالي
...
-
قائد الثورة: الزهراء (س) هي النموذج الخالد للمرأة المسلمة في
...
-
الحقيقة وراء تأثير وسائل منع الحمل على وزن النساء
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل الآلاف من النساء والفتيات بمناس
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|