|
الخروج من عنق الزجاجة
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:39
المحور:
القضية الفلسطينية
من حق المواطن الفلسطيني أن يتساءل بعد مرور أكثر من ستة أشهر على أحداث غزة الدامية : هل كان ما قامت به حركة حماس مدبرا ومخططاً له؟ أم أن ما حدث كان اعتباطيا ومرتجلا دون تخطيط مسبق كما يؤكد بعض قادة حركة حماس حين يقولون إن الحسم العسكري فرض على الحركة دون تخطيط مسبق وأن الأمور تدحرجت فوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟! ولو افترضنا جدلا أن ما حدث كان مفروضا على حركة حماس، فقد كان من واجب قادة الحركة أن يفكروا مليا قبل أن تتسع دائرة الاشتباكات والتدحرج حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه من قطيعة بين شطري الوطن، كان من الواجب أن تتوفر إجابة واضحة لسؤال يفترض أن يوجهه كل إنسان عاقل إلى نفسه قبل الإقدام على أي عمل حتى ولو كان هذا العمل ضئيلا جدا وليس بحجم الكارثة التي حلت بغزة وكل سكانها، ألم يكن من واجبنا أن نسأل أنفسنا: وماذا بعد؟ وكيف ستتطور الأمور؟ وما هي ردود أفعالنا إزاء كل ردود الأفعال التي نتوقعها أم أن الفعل هو الذي سيطر على العقول ومن بعد ذلك يتم تدبر الأمور وبالتالي أصبحت الحركة في غزة في حالة من ردود الفعل الدائمة. هناك حوالي مليون ونصف مواطن يقيمون في غزة باتوا اليوم يعيشون في وضع لا يحسدون عليه، هؤلاء المواطنون بحاجة إلى تصريف أمور حياتهم اليومية وتسهيل أسباب معيشتهم وتوفير حرية التنقل لهم، فهل فكرت حركة حماس في ذلك وهل كانت لديها توقعات لردود الأفعال الفلسطينية والعربية والدولية على ما قامت به من حسم عسكري في غزة؟ لم يعد سكان القطاع بحاجة إلى المزيد من التصريحات أو إلى مشاجب لتعليق أسباب الوضع عليها، على الجميع وفي مقدمتهم حركة حماس أن يبحثوا عن طريقة للخروج من عنق زجاجة غزة المحكومة بالحصار بدلا من الإصرار على أن الآخرين على خطأ، سكان غزة لا يحتاجون إلى التراشق بالتهم ولا إلى التبريرات مهما بلغت من الصدق أو الكذب، الناس يحتاجون إلى عمل، ويحتاجون إلى سيادة القانون وحرية التعبيرعن الرأي، الناس في غزة يحتاجون إلى مؤسسات توفر الخدمات لهم بدلا من تعطيل القضاء وعرقلة عمل المحاكم، الناس لا يريدون صراعات فئوية لأنهم بحاجة إلى أن يسود مبدأ الأخوة والتسامح وأن يتوقف هذا التدحرج الذي يتحدث البعض عنه، لا يمكن أن تظل الأمور تتدحرج حتى تتعطل كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن العمل، فقد أصبح معظم الموظفين عاطلين عن العمل بسبب سياسة الإقصاء والإحلال، كيف يمكن التخلص من أي موظف أو استبعاده عن عمله وإحلال موظف مكانه وهو لا يعرف شيئا عن طبيعة هذا العمل، إن أي مجتمع تتعرقل فيه ثلاث مؤسسات هي مؤسسات التعليم والصحة والقضاء يصبح مجتمعا منهارا لا أمل في نهوضه أو تحرره. علينا بداية أن يتوقف الجميع عن المناكفات غير المجدية، على سبيل المثال لا الحصر: لماذا تم تعطيل عمل موظفي لجنة الإحصاء المركزي وإضاعة شهر ديسمبر الذي كان محددا للانتهاء من عملية الإحصاء في محافظات غزة، لمصلحة من يتم هدر الزمن وتعطيل عملية الإحصاء؟ ولمصلحة من يتم الاحتراب حول ما إذا كانت الإجازة يوم الخميس والجمعة أو يوم الجمعة والسبت؟ والحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى أكثر من يوم إجازة واحد كما قررت حكومة السيد سلام فياض في المدارس الحكومية أو حين رفضت وكالة الغوث في غزة الالتزام بعطلة اليومين في مدارسها، إن معظم موظفينا يمارسون بطالة مقنعة ولا ينتجون شيئا، لقد تراكم لدينا كم من الموظفين يجلسون في مكاتبهم ويشكلون عبئا على ميزانية مجتمع في طور البناء والنهوض، فهل يحتاج هذا المجتمع إلى يومي إجازة، ولماذا يتم رفض عرض رئيس الوزراء السيد سلام فياض بفتح معابر غزه واستعداده لتسييرها والإشراف عليها، يجب على الجميع أن يضعوا مصالح المجتمع الفلسطيني فوق كل المصالح الحزبية الضيقة، يجب أن يتم فتح معابر غزة للتخفيف عن سكان القطاع الذين باتوا يئنون من وطأة الحصار وبعد أن اختفت معظم الضروريات من الأسواق المحلية شريطة ألا يكرس ذلك الانقسام بين غزة والضفة، هل هذا هو جزاء سكان غزة على صمودهم وتحملهم، يجب غض الطرف عن مثل هذه الأمور الصغيرة لأن ذلك تفتح الطريق أمام التفاهم على الأمور الكبيرة بما يحفظ ماء وجه الجميع ويحافظ على أواصر الأخوة بين الجميع. لا بد من وقفة مع النفس ومراجعة المواقف ولا ضير في أن نعترف بأننا أخطأنا في هذا المجال وأصبنا في مجال آخر وأن غيرنا أصاب وأخطأ لأن الخطأ طبيعة بشرية ولأن من يعمل يخطئ ويصيب ولا بد من محاسبة المخطئ ومكافأة من لم يخطئ في عمله. علينا أن ندرس تجارب الشعوب الأخرى وأن نستخلص منها العبر، لأن ما حدث في غزة لا يفيد إلا الخصوم الذين يفركون أيديهم فرحا وهم يرون حالة التمزق بين شطري الوطن الذي لم يتحرر بعد ولن يتحرر إلا إذا تلافينا الصراعات وتجاوزنا حالة الانقسام دون اهتمام بالمصالح الحزبية، ودون مكابرة أو تقديم لكرامة الحزب أو الحركة على كرامة الوطن وإلا قتَلَنا اكبرياؤنا الزائف الذي نقدمه على كرامة الوطن والمواطن . سأقدم هنا مثالين من تجارب الشعوب في معارك تحررها وفي حياتها، الأول من فيتنام قبل انتصار الثورة على الغزاة الأمريكان، فقد استمر القتال في فيتنام الجنوبية بينما كانت المفاوضات تجري في باريس طيلة خمسة أعوام إلى حين انتصار الثورة، كانت جبهة التحرير الفيتنامية " الفيتكونغ " تفاوض في بار يس وتقاتل في فيتنام، ولعل الأجيال الشابة في فلسطين لا تعلم أن جبهة التحرير الفيتنامية كانت تتكون من أربعة وأربعين حزبا ثوريا كانت كلها تقاتل في إطار جبهة تحرير فيتنام الجنوبية بعد أن تنازلوا عن خصوصياتهم وعن أنانيتهم الحزبية من أجل الوطن وتحريره، لم يختلفوا لأنهم يدركون أنه لا مجال للاختلاف في مراحل التحرر الوطني؛ فما بالنا إذا تجاوزنا مرحلة الاختلاف في الرأي إلى حالة من الصراع الدموي التي تبعد النصر وتجعله مستحيلا، وبعد، أليس من واجبنا أن نتساءل : لماذا نتحدث عن تمثيل منظمة التحرير لنا وأهمية انضواء الجميع تحت لوائها دون أن نطبق ذلك عمليا ودون أن ننصهر في بوتقتها وهي التي وقعت اتفاق أوسلو وأقامت السلطة الوطنية الفلسطينية؟ وبعد اكتمال التحرير يكون لكل حادث حديث. المثل الآخر من تركيا المستقلة، فقد اختلفت وجهات النظر في تركيا بين العلمانيين وبين حزب العدالة التركي، ذلك أن الدستور في تركيا يؤكد على علمانية الدولة، وقد دخل حزب العدالة الانتخابات على هذه الأرضية تماما كما دخلت حركة حماس الانتخابات وهي تدرك أنها من إفرازات اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير وإسرائيل وقبلت بدولة في حدود 1967م ، واجه حزب العدالة صعوبات جمة في ترشيح عبد الله غول لمنصب الرئاسة في تركيا، وقد قرر الحزب بعد تكرار الفشل في ذلك أن يتوجه إلى انتخابات مبكرة وفاز بالأغلبية التي تتيح له انتخاب عبد الله غول رئيسا لجمهورية تركيا العلمانية والذي تعهد بأن يحافظ على علمانية الدولة على الرغم من أن الجيش رفض أداء التحية لزوجته المحجبة دون أن يتحسس من ذلك ، فلماذا لا نحاول أن نتفق على التوجه إلى انتخابات مبكرة وليفز فيها من يمنحه الشعب ثقته حتى لا نظل ننطحن بين شقي رحى الصراع الفلسطيني الفلسطيني الذي سيؤدي إلى شطب قضيتنا من أجندة اهتمامات العالم بعد أن حققنا هذا العام تواجدا ملموسا في الساحة الدولية، من واجبنا أن نطور هذا التواجد وأن نجعل من العالم ظهيرا لنا في نضالنا السياسي والإبقاء في الوقت ذاته على خيار المقاومة مفتوحا إن فشلنا في نضالنا السياسي مع ضرورة أن نقوي جبهة المفاوضات حتى لا يحدث أي تنازل عن الثوابت الوطنية بدلا من التراشق بالتهم وتخوين من يفاوضون . وأخيرا ، لا بد من التأكيد على أن المقاومة لا تنحصر في شكل واحد ناجع ، لقد اعتمد الفلسطينيون الكفاح المسلح منذ بداية الاحتلال سنة 1967 م ، وقد تجاهل بعضهم أو جلهم أشكال النضال الأخرى مثل الكفاح السياسي والفكري والنقابي والطلابي، لقد كنت أشعر بنشوة غامرة وأنا أسمع من غرفتنا في سجن غزة المركزي في بداية 1968 م صوت المتظاهرين عند مفترق شارع الجلاء وهم يهتفون بسقوط الاحتلال، لم نركز على التظاهرات والإضرابات والاعتصامات وصولا إلى العصيان المدني وهو المرحلة التي تسبق الكفاح المسلح وتحضر العقول والقدرات لبدئه، فقد علا صوت البندقية على كل ما عداها، ولعل الأناشيد الوطنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت كان لها دور في ذلك ( مثل "أنشودة أصبح عندي الآن بندقية" وذلك على سبيل المثال لا الحصر) ومع أننا أطول ثورة في التاريخ المعاصر إلا أن المزيد من التراجعات كانت حصاد نضالنا لأننا لم ندرك أن علينا أن نحدد لنا هدفا موحدا يتناسب مع قدراتنا على تحقيقه وأن تكون لنا رؤية مشتركة وموحدة نحدد من خلالها وسيلة أو وسائل ناجعة لتحقيق هذا الهدف بدلا من أن يتم التراجع عن الهدف الذي نحدده بعد أن نكتشف عدم قدرتنا على تحقيقه ضمن المعطيات المحلية والعربية والدولية، فأن تأخذ القليل اليوم لا يعني بالضرورة أنك ستقر بالنازل عن الكثير حتى ولو تم توقيع اتفاقيات ملزمة، فكم من اتقاقيات تم توقيعها لتمزقها حنازير الدبابات علما بأن الفلسطينيين لم يوقعوا أية اتفاقية بل وقعوا اتفاق أوسلو فقط وهو ليس اتفاقية ملزمة لأي من الطرفين إلا إذا تحول إلى اتفاقية تعالج فيها قضايا الحل النهائي وينتج عنها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، ولعل اتفاقية عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين خير مثال على ذلك، فقد تم توقيع الاتفاقية سنة 1939 م، وفي سنة 1941 كانت الجحافل الألمانية تدق أبواب موسكو لتنال بعدها هزيمة قاسية ليدخل الروس بعدها برلين في مقدمة جيوش الحلفاء .
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص قصيرة جدا 2
-
قصص قصيرة جدا - د . محمد أيوب
-
لجبهة الشعبية في الذكرى الأربعين لانطلاقتها - د . محمد أيوب
-
في ذكرى الأربعين - د . حيدر عبد الشافي - مسيرة عطاء متواصل
-
نفحات شعرية
-
غزة تحت خط القهر
-
في ذكرى حرب حزيران
-
شركة توزيع الكهرباء في محافظات غزة تساؤلات تحتاج إلى إجابات
...
-
في الذكرى 59 للنكبة
-
شركة توزيع الكهرباء والانقطاع المتكرر للتيار
-
زغردي يا امرأة - خاطرة ،
-
أوقفوا هذا الجنون
-
هذا الوطن ليس لنا - خاطرة
-
عزوف - خاطرة ،
-
العراق وفستان مونيكا
-
قراءة في قصيدة أفين شكاكي - في يدي أفق ماطرة -
-
أمطار غزيرة وآمال كبيرة
-
التاسع والعشرون من أكتوبر والذكريات المؤلمة
-
طفالنا والعيد - خاطرة
-
نداء عاجل موجه إلى السيد مدير عمليات الوكالة بغزة
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|