أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قيم السرد بين كالفينو وإيكو















المزيد.....

قيم السرد بين كالفينو وإيكو


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:29
المحور: الادب والفن
    


وهو يلج بيت السرد باحثاً عن تعريف جامع لعمله يحتفي إيتالو كالفينو بستة عناصر يراها قيماً تطبع جوهر السرد الروائي هي ( الخفة والسرعة والدقة والوضوح والتعددية والاتساق ). وقد أعد خمس محاضرات عن القيم الخمس الأولى لإلقائها في جامعة هارفارد الأميركية في إطار برنامج ( قراءات نورتون الست ) في العام1985 فعاجله الموت، في السنة ذاتها، قبل إكمال المحاضرة السادسة وقبل سفره إلى أميركا. وقد نشرت المخطوطة الناقصة التي أعدّها بعد وفاته في كتاب كان قد اقترح له عنواناً، يبدو للوهلة الأولى، غريباً: ( ست وصايا للألفية الثالثة )*.
ولكن لماذا ارتأى أن تغدو هذه القيم السردية وصايا لألفية قادمة حال بينه وبينها الموت؟. أتراه آمن بأن ما هو صالح للسرد هو، بالضرورة، صالح للحياة، ولمستقبل البشر؟.
يكرّس كالفينو محاضرته الأولى للتعارض بين الخفة والثقل. وإذ لا ينكر فضائل الثقل يعترف أنه حاول "إزاحة الثقل عن الناس أحياناً، وأحياناً عن الكائنات السماوية، وأحياناً عن المدن، وفوق كل شيء.. عن بنية القصص واللغة".. كان العالم من حوله هائجاً ودامياً. وكان يرغب بإيجاد انسجام بين إيقاع عالمه الداخلي وما يجري في الخارج. واعياً للفجوة بين ثقل العالم الخارجي الذي كان يشعر به وكأنه يتحول إلى حجر، وبين اللمسة الخفيفة والسريعة التي أرادها لكتابته. وما كان يهمه ليس السرعة المادية بل العلاقة بين السرعة المادية وسرعة الفكر. وماذا تعني سرعة الفكر غير "الرشاقة والحركية والسهولة، وكلها خصائص تسير مع الكتابة، حيث يكون من الطبيعي أن نستطرد، أن نقفز من موضوع إلى آخر، أن نفقد الخيط مئات المرات، ونجده ثانية بعد أكثر من مائة انعطاف واستدارة". وحين يعرّج على القيمة الثالثة ( الدقة ) يخبرنا أنها تعني ثلاثة أشياء "خطة محددة ومحسوبة جيداً للعمل المعني.. استحضار صور بصرية واضحة وحادة لا تنسى.. ولغة محددة قدر الإمكان في كل من جانبي اختيار الكلمات والتعبير عن حدة الفكر والمخيلة..".
وكالفينو يفهم سلطة المخيلة.. المخيلة التي لولاها لن يكون ثمة فن، أو أدب، أو علم. والغاية هي الوصول إلى ( الجدة والأصالة والابتكار ) حيث المخيلة البصرية تسبق التعبير اللفظي.. يقول؛ "أول شيء يرد إلى ذهني عن الاستعداد لكتابة قصة، صورة تقتحمني لسبب ما بوصفها صورة مشحونة بالمعنى، حتى وإن لم أتمكن من صياغة هذا المعنى بتعابير منطقية أو مفاهيمية".
نتذكر أن رواية ( الصخب والعنف ) بدأت بصورة متخيلة في رأس مؤلفها وليم فوكنر، كما ينوه في مقابلة صحافية، عن فتاة صغيرة سروالها ملوث بالطين تحكي لأطفال على الأرض، وهي فوق شجرة، ما تراه عبر نافذة غرفة في منزل أهلها إذ تجري الاستعدادات لتهيئة جنازة الجدة المتوفية تواً.
إن المخيلة التي تبغي الوضوح تواجه عالماً معقداً، متشابكاً، متعدداً. فكيف يمكن أن نستعير شكلاً فنياً لفوضى العالم عبر موشور المخيلة ومنظور الذات ( المبدعة ). ولاسيما إذا كان القصد اختزال هذا المعقّد، المتعدد، المتشابك في عمل ذي قوام رشيق، مختزل، ومتسق؟. هذا ما يشغل بال كل من تستهويه الكتابة السردية. وهذا ما سعى كالفينو الإجابة عليه في ضوء تجربته في الحياة، وفي دنيا الكتابة.
بعد ثمان سنوات ( 1993 ) يستحضر أمبرتو إيكو في إطار المحاضرات ذاتها ( نورتون ) ذكرى إيتالو كالفينو. ويتخذ من بعض القيم التي تطرق إليها كالفينو نقاط ارتكاز أو إلهام. غير أنه وهو ( الناقد والروائي ) كان يبغي في جزء كبير من محاضراته الست تناول وضعية القارئ في النصوص السردية. معترفاً أن كتابه ( القارئ في الحكاية ) ليس سوى تعليق نظري على كتاب كالفينو ( لو أن مسافراً ذات ليلة من ليالي الشتاء ).
يعنون إيكو محاضراته بـ ( 6 نزهات في غابة السرد )**. والغابة هنا استعارة ذكية تحيلنا إلى تعقيد وتعددية وتشابك عالم السرد، إذ يتجسد كون من الاحتمالات، من أشكال الولوج ( عنوان محاضرته الأولى: ولوج الغابة ). حيث تتهيأ أمام الوالج/ القارئ شبكة من فرص الاختيارات، حيث وبتعبير إيكو "على القارئ أن يقوم باختيارات معقولة داخل الغابة السردية". وكلمة ( معقولة ) في هذا السياق، بحسب إيكو، لا تتعلق ببساطة بالحس السليم، بل تفصح عن شيء أبعد. وهنا يفرّق بين نوعين من القراء ( القارئ النموذجي والقارئ الفعلي ) يقول؛ "القارئ الفعلي هو أي كان، نحن جميعاً. أنت وأنا ونحن نقرأ النص. فهذا القارئ قد يقرأ بطرق مختلفة، فلا وجود لقانون يفرض عليه طريقة معينة في القراءة. وعادة ما يتخذ النص وعاءً لأهوائه الخاصة. وهي أهواء مصدرها عالم آخر غير عالم النص، ولا يقوم النص سوى بإثارتها بشكل عرضي".
تغدو عملية ولوج الغابة أشبه باللعبة. وعلى القارئ احترام قواعد هذه اللعبة، والانتباه إلى إشارات المؤلف التي هي في الغالب ملتبسة. والقارئ يعتمد على حدسه وخبرته وثقافته في اختياراته، وأكاد أقول في تأويلاته. لكنه أبداً لن يستطيع إهمال إشارات الصانع/ المؤلف أو إشارات السارد داخل غابة النص.
وفي مقابل القارئ النموذجي ثمة المؤلف النموذجي الذي يعلنه إيكو بعدّه أسلوباً، واضحاً وبديهياً ومميزاً. وهو يتجلى كما لو أنه إستراتيجية سردية، أو حزمة من التعليمات علينا الخضوع لها إذا ما تقمصنا دور القارئ النموذجي. والقارئ النموذجي "يتصرف بطريقة تجعل النص يكشف عن روابطه المتعددة الممكنة.. وهذه العلاقة ينتجها الذهن الذي يقوم ببلورة المادة الأولية للنص.." وهو أيضاً، وما زلنا ماضين مع تخريجات إمبرتو إيكو، "مجموعة من التعليمات النصية التي تبدو على سطح النص إثباتات أو إشارات أخرى..".
يخبرنا إيكو إذن عن قارئه التخييلي الماكث في النص الذي يولد من النص مشكلاً العصب الإستراتيجي التأويلي. وعن مؤلفه النموذجي الذي لا يخلو منه أي نص روائي، حتى الرديء منه، والذي يحفز تخيلنا وردود أفعالنا الجسدية، كاشفاً عن نفسه من غير مراوغة القارئ "منذ الصفحات الأولى محدداً له الانفعالات التي يجب أن يحس بها في الحالة التي قد يفشل فيها الكتاب في إثارتها". وهذا القارئ التخييلي يتجسد من طريق التأويل، على الرغم من أن وجوده وجود شبحي. وكل نص يتوقع مثل هذا القارئ العنيد والخاضع والصبور والمصاب بأرق مثالي.
تتجلى العلاقة بين القارئ النموذجي والمؤلف النموذجي في أثناء القراءة، أو في نهايتها. وقد لا نتعرف على المؤلف النموذجي إلاّ بعد قراءة النص مرات عديدة، وربما إلى ما لا نهاية.
حين يلتفت إمبرتو إيكو إلى قيم السرعة والتهدئة في النص السردي يلجأ إلى اصطلاحات نقدية ثلاثة هي مظاهر للزمن: زمن الحكاية.. زمن الخطاب.. زمن القراءة.. تتطابق الأزمنة الثلاثة في الموسيقى إلاّ أنه من الصعوبة التمييز في السردية بين زمن الخطاب وزمن القراءة، حيث أن زمن الخطاب "هو نتيجة لاستراتيجية نصية تتفاعل مع استجابة القارئ وتفرض عليه زمناً للقراءة". ويمكن جعل زمن خطابي قصير زمناً طويلاً للحكاية، أو بالعكس.. إنها لعبة المؤلف النموذجي في علاقته بالقارئ النموذجي. ويعود إيكو إلى كالفينو الذي يحتفي بالسرعة من غير أن ينكر المتعة الناتجة عن التهدئة.
متى يسرع المؤلف النموذجي أو يهدئ من زمن الخطاب ليتحكم بزمن الحكاية، ( وأيضاً باهتمام القارئ ) وكيف، أي على وفق أية إستراتيجيات؟.
أحسب أن لا أجوبة نهائية على هذا السؤال، طالما أننا معنيون بأجناس السرد الأدبي، ولاسيما الرواية التي هي جنس مفتوح وواسع الممكنات.. فكالفينو يقر بمزايا السرعة والمتعة الناجمة عنها، لكنه لا يلغي مزايا التباطؤ، يقول؛ "إن قطعة تعقل خاطفة ليست أفضل بالضرورة من قطعة تأمل طويلة. إنها تختلف عنها، إلاً أنها توصل شيئاً خاصاً ينبع بكل بساطة من مجرد انخطافها ذاته". ويروي كالفينو حكاية صينية ذات مغزى نتلمس عبر قراءتها خريطة العلاقة المتداخلة بين المبدع وعمله، وبين المتلقي وذلك العمل، من زاوية السرعة والتهدئة.
"كان من بين مهارات تشيانغ تزو المتعددة مهارته في الرسم، وطلب منه الإمبراطور رسم سرطان بحري، فقال تشيانغ تزو إنه بحاجة إلى خمس سنوات وبيت ريفي واثني عشر خادماً لإنجاز الرسم. وبعد خمس سنوات لم يكن قد بدأ الرسم. وقال تشيانغ تزو؛ أنا بحاجة إلى خمس سنوات أخرى واستجاب الإمبراطور. وعند نهاية هذه السنوات العشر تناول تشيانغ تزو ريشته، وفي لحظة، وبضربة فرشاة واحدة، رسم سرطاناً بحرياً. السرطان الذي لم يسبق لأحد أن شاهد ما هو أكثر كمالاً منه على الإطلاق".
المصادر:
* ( ست وصايا للألفية القادمة/ محاضرات في الإبداع ) إيتالو كالفينو.. ترجمة وتقديم؛ محمد الأسعد.. إبداعات عالمية، العدد: 321 ـ ديسمبر 1999 ـ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ دولة الكويت.
** ( 6 نزهات في غابة السرد ) أمبرتو إيكو.. ترجمة؛ سعيد بنكراد.. المركز الثقافي العربي.. الدار البيضاء، بيروت.. ط1/ 2005.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..
- تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
- تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 4 الشعراء والنهضة ( الزهاوي مثا ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 3 السياق المصري (من محمد عبده إ ...
- تباشير فكر النهضة في العراق 2 السياق المصري: الطهطاوي والأفغ ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 1 السياق التركي
- دلال الوردة: كسر المألوف وصناعة الصور
- فقراء الأرض
- أخلاقية الاعتراض
- شيطنات الطفلة الخبيثة: رواية الحب والخيانة والغفران
- ما حاجتنا لمستبد آخر؟
- قصة قصيرة: بنت في مساء المحطة
- سعة العالم
- -قل لي كم مضى على رحيل القطار- فضح لخطايا التمييز العنصري


المزيد.....




- جبل الزيتون.. يوميات ضابط تركي في المشرق العربي
- شوف ابنك هيدخل كلية إيه.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ب ...
- LINK نتيجة الدبلومات الفنية 2024 الدور الأول بالاسم ورقم الج ...
- رسمي Link نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس والاسم عب ...
- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قيم السرد بين كالفينو وإيكو