حسام مطلق
الحوار المتمدن-العدد: 2151 - 2008 / 1 / 5 - 11:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الجزء الخامس في الإعجاز العلمي : وهذا البحث أقسمه إلى قسمين بدوره, أولها ما قيل أنه علم مصدره القرآن و ثانيهما ما قيل في القرآن وأثبت العلم خطأه.
أ- ب ما قيل أنه علم مصدره القرآن :
1- أن الشمس مصدر الضوء للقمر: قال بهذا أناكسجوراس ( 500 ق.م ) في كتاب تفصيلي هو واحد من كثير أنتجته المكتبة الإغريقية بعيدا عن الخرافة والعموميات التي تنجي صاحبها يل استنادا للبحث العلمي المنهجي.
2- السماء والأرض رتق وفتق, و العرش الذي على الماء :
يقول القرآن : " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " ومثل هذه الرواية وردت في الأساطير السومرية عرفت من لوح سومري مكتوب عليه صلاة لهم جاء فيها :
إن الرب من أجل أن يحدث شيء نافع
الرب الذي لا تبدل إرادته
إنليل الذي يخرج بذور البلاد من الأرض
أراد أن يبعد السماء عن الأرض
وأن يبعد الأرض عن السماء
( ألواح سومر – صومائيل كريمر ترجمة طه باقر )
واعتقد السومريون أن مردوخ كبير الألهة هو الذي فتق السماء عن الأرض بعد أن كانتا رتقا, وهذه الرواية ظلت متناقلة بين شعوب الرافدين والشام حيث كانت ممالك أشور وبابل تتسع لتشملها في مرات كثيرة. بل هي وصلت اليهود أيضا في السبي ويقدم د. فاضل عبد الواحد اسما أخر للإله الذي فصل السماء عن الأرض هو الاله أنليل وفقا لكتابات سومرية أخرى. ولا يعلم على وجه التحديد هل كان الاسمين لرب واحد أم أن التواتر وإعادة إنتاج القصة لبقية الآلهة بين شعوب سومر القديمة ومن تلاها هو ما أدى أن يتغير الاسم. الدكتور فاضل يقدم صورا لألواح سومرية تتطرق لعرش الله الذي يجسد على الماء " وكان عرشه على الماء " ويروي كيف أن السومريين اعتقدوا أن الله خلق من الماء كل شيء حي. ويروي كيف انتقلت هذه الأسطورة الخاصة بأزلية الماء إلى الحضارة البابلية في قصة الخلق البابلية المعروفة باسم اينوما ايليش ويقول أن مردوخ هو الاسم البابلي لأنليل. إذ اعتقد البابليون أيضا أن الكون في بدايته لم يكن فيه سوى المياه الازلية " أبسو" ( المياه العذبة , مذكر خلافا للسومريين اللذين كانوا يؤنثونها ) وتيامة ( المياه المالحة , ظلت مؤنث) وانه من امتزاجهما ولد الجيل الأول من الآلهة... .....
وتستمر أسطورة الخليقة البابلية باقتباسها السومري لنجد أيضا أن المياه كانت أصل الوجود , وان السماء والأرض تكونتا نتيجة انشطار جسد تيامة ( المياه المالحة) إلى شطرين على يد مردوخ." مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكاتب لا يتطرق للإسلام من قريب أو بعيد بل هو بحث تاريخي محض ( من سومر إلى التوراة- د. فاضل عبد الواحد تفصيل الأسطورة ص 194 لمن يهمه) .
ويتطرق فراس السواح للقضية الخلق وينقل ترجمة لصلاة بابلية تقول :
في وقت لم تكن فيه في الأعالي سماء
ولم يكن في الأسفل أرض
لم يكن ( من الالهة ) سوى آبسو أبوهم وممو , وتعامة التى حملت بهم جميعا
يمزجون أمواههم معا ( أمواء جمع ماء )
(مغامرة العقل الاولى- فراس السواح ص 56 الطبعة التاسعة )
قبل أن نغادر هذه النقطة دعونا نتفكر قليلا في التتابع الزمني لسير الآية " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " وهنا أستعرض شروحا لعلماء المسلمين لمعنى الآية منعا للاجتهاد في التفسير . يذكر ابن كثير انه جاء في صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله:إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة , وكان عرشه على الماء. " ج2 ص419 ويتابع فيقول: " قال مجاهد {وكان عرشه على الماء} قبل أن يخلق شيئا , وكذا قال وهب بن منبه و ضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد. وقال قتادة في قوله {وكان عرشه على الماء} : ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض . ويستعرض ابن كثير من أقول الفقهاء فيقول : وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى {هو الذي خلق ... وكان عرشه على الماء} : فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام. انتهى النقل.
ونلاحظ في كل شرح نقع عليه لهذه الآية أن الشارح يفر من التطرق للترتيب الزمني رغم أن هذا التفكير لابد وأنه يقع في بداهة كل متعاط مع النص. فإما أن عرش الله خلق مع خلق السماوات والأرض فهو كان بغير عرش حتى ساعة الخلق تلك, أو أن العرش كان سابق للخلق وكونه كائن على الماء فالماء سابق للخلق, أي الماء بدوره أزلي, وله صفة لا يجب أن تكون إلا في الله لأن ما هو زائل هو ما كل مخلوق و الشراح كلهم أجمعوا على لفظة ( بدأ الخلق ) فالماء من ذات العرش أو مزامن به بل إنه يسند العرش فهو أعظم. آن اتجهنا في التفكير في هذه الآية ضاق بنا التفسير إلا عن سؤال ليس له جواب يتوافق وباقي والسير العام للعقيدة الإسلامية, مما يدفعنا للتساؤل عن مدى إتقان الكاتب لكتابه.
3- الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد : العالم الفيزيائي الإغريقي طاليوس شرح الكسوف والخسوف شرحا علميا وفقا لحسابات هندسية دقيقة ولم يقدم الأمر عبر سرد لفظي عائم فقط, ومن الجدير التذكير أنه تنبأ بكسوف الشمس الذي وقع عام 585ق.م استنادا إلى معرفة علمية وليس رجما بالغيب.
4- النطفة والخلق : جاء في شعر السموؤل
نطفةً ما مُنيت يوم منيتُ...أمِرت أمرَها وفيها ربيتُ (اي خُلقت)
كنّها الله في مكان خفيّ...وخفيّ مكانُها لو خَفيتُ
وهو ما يمكن مقارنته بالآيتين 37 و38 من سورة القيامة: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى.. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى)، وبالآية 13 من سورة المؤمنون (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ).
5- كلمة " دحاها " : اعتبرها البعض دليلاً على قول القرآن بكروية الأرض لما جاء في الآية 30 من سورة النازعات: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) سبق أن وردت في شعر زيد بن عمرو بن نفيل (620م)، وهو من شعراء الحجاز، ومات قبل ظهور الإسلام بقليل إذ قال :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما استوت شدها بأيد وأرسى عليها الجبالا
كما تلاحظون هو يفصل تصورا لنشوء الأرض ويقارب المعتقد بأن الأرض تعبد الله كما كل الأشياء والمخلوقات. ولا حاجة للتذكير بأن القول القرآني بجعل الجبال رواسي أن تميد بنا الأرض قد تمت مقاربته هنا أيضا. ونفس المصطلح ( دحاها ) جاء في شعر أمية بن الصلت :
وبث الخلق فيها إذ دحاها...فهم سكانها حتى التناد .
والتنادي هو القيامة.
6- في تكوين الإنسان : ( كسونا العظام لحما ... الخ . وتدخلي سوف اسطره بين قوسين وبالخط الأحمر.
جاء في التوراة : ألم تسكبني كاللبن ( المني ) وخترتني كالجبن ( العلق ) وكسوتني جلدا ولحما فنسجت بها عظامي وعصبي. ( أيوب إصحاح 10 ).
وأيضا في خلق الإنسان هناك نص ديني لأخناتون وجاء فيه :
أيها الخالق لبذرة الحياة
أنت الذي يجعل من النطفة إنسانا
أنت واهب الجنين في رحم أمه
يا خالق الجرثومة ( البويضة ) في المرأة ( مع التنبيه إلى أن النصر ترجم أساسا إلى غير العربية ولذا جازت لفظة الجرثومة )
يا صانع النطفة في الرجل
يا مصور الجنين في جسم أمه
( السحر في التوراة – شفيق مقار ).
وأذكر كيف ساق أحد المعلقين مثالا مشابها لهذا من القرآن عن النطفة والعلقة معتبرا انه وروده قبل 1400 سنة حيث الطب لا طب دليل إعجاز, حسنا سيدي هذا نص قبل الإسلام بألفي سنة فما قولك أطال الله عمرك؟. دعوني استرسل هنا بعض الشيء نظرا لكثرة ما يلبس المشايخ على العامة في هذه النقطة وهو يمنعون في نفس الوقت كل مصدر يخالف ما يريدون. في شرح القول القرآني : " يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " قال بعض الجهابذة اللذين يلبسون على الناس ضعف المعرفة أن تفسير " يخرج الحي من الميت " هو أن النطفة ميتة ويخرج بها, ولا حظوا بها لا منها, الحي وقد فاتهم أن النطفة تحوي ملايين الحيوانات المنوية الحية. و حتى لو أرادوا بالنطاف الحيوانات المنوي فهي حية و تسبح بسرعة مذهلة في طريقها لإخصاب البويضة. وكل حيوان منوي يحمل في رأسه كل شفرات الوراثة من الأب. فلا يبقى أمامنا ميت غير عقول المفسرين التي يخرجون منها ما شُبِهَ لهم بأنه حي، من خرافات وهلوسات يضللون الناس بها عن الحقيقة والمعرفة منذ ألف وأربعمائة .
7- نشوء الحياة على الأرض " حب الحصيد " : والتي يقول بعض المشايخ أنها قراءة مبكرة لنشوء الأرض ودليل على زمن الأمطار وتبرد الأرض وظهور الغابات العملاقة وهي الأمور التي تم إثباتها اليوم قطعيا كمراحل مر بها كوكبنا إلا أنهم يتغاضون عن عمد عن التنبيه إلى أنها وردت في الصلوات السومرية وفقا للنص التالي:
بعد أن تفرقت مياه الأمطار
وعمت بركة السماء على أقطار
وغطى الزرع والعشب وجه الأرض
إنكي يا إله الغمر
أيها الملك
إنكي يا رب المصائر
فضة لازوردي أنت
النور الخاطف أنت
تسكن هناك في الأعماق
( إمبراطورية أبيلا – علي القيم )
8- الذرة وأنها وردت في القرآن : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة، قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِين). سورة سبأ. قد تهافت مشايخ الإسلام, كالغريق الذي يبحث عن قشة, فقالوا أن ورود كلمة ذرة في القرآن دلالة إعجاز علمي. وهنا التوضيح. بكل بساطة فإن كلمة ذرة في العربية تعني النمل الأحمر الصغير وهي تطلق على الغبار من هذا المنطلق " احمر وصغير " وهذا الشرح وارد عند ابن عباس ولست أفتري به. أما الذرة كمصطلح علمي فقد أوردها بعض المترجمين في فوضى الترجمة العربية كمقابل لكلمة (آتوم) اليونانية الأصل والتي تعني وفقا للفيلسوف وعالم الفيزياء اليوناني ديمقراطس الدقائق الأساسية " صفة اللا تقطّع واللا تجزّؤ " وكان الفارابي قد ترجم هذا المصطلح للعربية عن ديمقراطس بـ (الجوهر الفرد). وهي الترجمة الأكثر كفاءة ودقة علمية. ومن المفيد التوضيح أن مصطلح " آتوم " جاء تطويرا لأبحاث انطلق بها هيراقليطيس حوالي العام 450 ق.م عن مفهومه الفلسفي حول تركيب الكون، وهو أن المادة، والكون من حولنا تاليا، مبنية من لبنات أو دقائق أساسية لا يمكن قطعها إلى أجزاء اصغر منها، فأطلق عليها بلغته اليونانية كلمة (آتوموس) أي (لامُنجزئ او لامُنقطع) وذلك للدلالة على أنها الدقائق المادية الأساسية التي لا يمكن تفكيكها إلى دقائق اصغر منها. ولكن الفضل يعود إلى ديموقريطيس في اشتقاق المصطلح (آتوم) وإعطاء هذه الدقائق الأساسية صفة " اللا تقطّع واللا تجزّؤ ". فالفكرة عنده كانت قائمة على أساس قابلية القطع أم لا للمكون الأول للمادة, ولم تكن قائمة على أساس أي مدى من الصغر هذه الدقائق الأساسية هي قائمة عليه. فلو أراد المعنى الثاني لاستخدم كلمة (موريو) اليونانية مثلاً، وتعني (مقدار ضئيل). لاحقا وفي بداية القرن العشرين جاء العالم رذرفورد ليضع مفهومه لهذا " اللامنجزئ "، الذي أصبح منجزءًً، على شكل نموذج تكون فيه النواة في المركز حيث الشحنة الموجبة وغالبية كتلة " اللا منجزىء "، أما الالكترونات السالبة فتدور حول هذه النواة. ولكن مفهوم الآتوم تغير بعض الشيء بعد أن اصبح منجزئاً، إذ أصبح يعني (الوحدة الوظيفية)، كون الالكترونات والبروتونات والنيوترونات لا تستطيع بمفردها أن تدخل في تراكيب جزيئات أعلى منها، فالإلكترون لو خرج خارج " اللامنجزئ " الذي تحدث عنه ديمقراطيس لأحدث تيارا كهربائيا، ولو تصادم مع بوزترون, أي الإلكترون المضاد) لمحق كل منهما الآخر ونتج عنهما فوتون.
عندما وصل هذا العلم إلى البلاد العربية التي كانت خارقة في سطوة التفسيرات الأزهرية للمعارف والدين كالطوق على عقل البشر, حتى منهم المتنورين وفقا لذاك الزمن, لم يجد علماء العرب حرجا في ترجمة كلمة (آتوم) الى (ذرة)، رغم أن كلمة ذرة لا تُطابق في المعنى كلمة (لامُنجزئ)، فالأولى تحيل على مقدار الصِغَر والثانية تحيل على عدم إمكانية التجزئة. وانطلاقا من هذا الخطأ المركب, مفردة ذرة التي تعني بالعربية رأس النملة, والفهم غير الصحيح للمراد العلمي من آتوم, انبرى جهابذة التضليل في التاريخ الإسلامي لإسقاط " الإعجاز " على الآية المتناولة. هنا وقفة ضرورية لكل من يقول بوجوب الإبقاء على الدين كحامي للأخلاق والعلاقات الاجتماعية. ألا تلاحظون الفجوة الزمنية التي ضاعت بين أبحاث ديمقراطيس و هيراقليطيس وما كان انشغالهما وأي مدى من العلم والتطور كانت سوف تصل إليه البشرية لم يطل علينا الدين بصفته الجديدة من الأنبياء والرسل اللذين بعثت بهم السماء كي يضعوا قيودهم على العقل؟. لقد ضاعت على الإنسانية ألفين من السنين, وعلى الشرق الأوسط فوقها أربع مائة منهن, فهل انتم منتهون؟.
لقد قام المؤولون بإقحام الآية القرآنية في مجال العلم والمعرفة البحثية كي يوظفوها في جذب عدد جديد من الأتباع, فجعلوها تتحدث عن " اللامنجزيء "، ولكن هذا " اللامنجزيء " أصبح منجزءً إلى دقائق أخرى غير " منجزئة " مثل: البروتونات والنيوترونات والكترونات. والبروتونات تتكون من كواركات، وهذه الكواركات لها كواركات مضادة, وكذلك الالكترونات المضادة. والنيوترينو الذي لم يستطع العلماء حتى عام 2007 تحديد كتلته، والنيوترينو المضاد، وماذا عن الميون والتايو والجليون والجرافيتون والفوتونات؟ فكل هذه دقائق أساسية لا تتجزأ. ( مخاطر التأويل العملي للقرآن - د. مظفر مقدادي )
9- التكوير والثقوب السوداء : ( فلا أقسمُ بالخُنّس، الجواري الكُنّس ) كما وصلنا من كتب التفسير الإسلامية واللغة فهو إن القرآن يقسم بإحدى مظاهر " خلقه " الكونية وهي (الكواكب السيارة)، أي الخنّس الجواري الكنّس، لأنها أولاً: تخنُس, أي تتأخر في طلوعها وظهورها، وثانيا: تجري, أي تسير في فلكها، وثالثاً: تكنُس, أي تستتر كما تستتر الظباء في مكانسها أو كُنُسها أي مغاورها, وهذا المعنى هو مصدر كلمة كنيسة أو كنس فالرهبان كانوا لا يظهرون إلا نادرا فوق التشبيه. وهذه الكلمات الثلاثة جاءت على وزن جمع التكسير، فالخنّس جمع خانس وخانسة، والجواري جمع جارية، والكنّس جمع كانس وكانسة. هذا المعنى أورده أصحاب التفاسير: فحسب ابن كثير هي : " النجوم الدراري تخنس في حال طلوعها ثم هي تجري في فلكها ثم تغيب في كناسها ". وحسب الطبري: " النجوم الدراري الخمسة، بَهرام, أي المريخ, وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تخنس في مجرتها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها ". أما القرطبي فيقول: " هي الكواكب الخمسة الدراري حسب ما ذكر أهل التفسير ". ومن الجدير استحضار ما قال بن باز كبير علماء السعودية وأنا هنا أنقل حرفيا : " فإنه أعظم كتاب ، وأشرف كتاب ، وقد حوى خير العلوم كلها وأنفعها كما لا يخفى ، وهو أعظم عون بعد الله عز وجل على الفقه في الدين ، والتبصر فيه ، والخشية لله عز وجل ، وهو المعين في التأسي بالأخيار" (فتاوى بن باز، ج7، ص 153). أما وطأة هذا القصد الذي يحمله ابن باز وهو من المدرسة الوهابية التي قام مؤسسها أنه ناقل عن ابن تيمية وليس بذي بدعة كما جاء في إحدى رسائله العشر الشهيرة " رسائل محمد بن عبد الوهاب " أمام وطأة هذا العبء الذي ألقى به العلماء على القرآن يجد الكثير من محبي الدعوة المحمدية أنفسهم محاصرين بوجوب ربط كل ما يستجد على الساحة العلمية ب " الإعجاز " العلمي للقرآن فيقعون بفعل تهافتهم هذا في أخطاء, وللأسف فإن أي خطأ أو تقول في هذا الاتجاه له عقوبة واحدة هي الموت. إن لم يكن بحكم القانون فبحكم من أطلقتهم المدارس الوهابية المتتلمذة على يد ابن تيمية لتعيث في الأرض جهلا وتجهيلا باسم حماية الدين من المتقولين فيه. لنعد إلى الثقوب السوداء وما قال العلم فيها. قبل آينشتاين، وحسب العلم النيوتني، فهم العلماء المكان والزمان كـ " خلفيتين مطلقتين " للكون، وبذلك تعاملوا الزمان والمكان كمنفصلين وكمُطلقين. أي أن مسافة مكانية ما, متر واحد مثلا, وفترة زمنية ما, 60 دقيقة مثلا, تبقى ثابتة ولا تتغير بغض النظر عن مكان وسرعة المُراقب, أي الذي يقوم بالقياس. فهي نفسها بالنسبة لهذا المراقب إن كان جالساً في بيته أو كان يقود سيارته بسرعة 100 كم/الساعة أو في الطائرة حيث يسير بسرعة اكبر. ولكن الوضع تغير بالنسبة لآينشتاين في نظرية النسبية الخاصة، ففيها أصبح المكان والزمان غير مُطلقين، أي نسبيين، حيث أن المسافة المكانية والفترة الزمنية تتغيران بالنسبة لمراقب يقود مركبة فضائية بسرعة كبيرة جدا غير معهودة في عالمنا الأرضي الطبيعي، أي أن مقدار المتر الواحد سيتغير وكذلك الـ60 دقيقة ستتغير. وبما أن السرعة هي النسبة بين المسافة والزمن، فإن السرعة أيضا نسبية، أما الشيء الوحيد في هذا الكون الذي يسير بسرعة مطلقة فهو الضوء. ولكن آينشتاين كان بحاجة إلى " مرجع مطلق " ليكون خلفية لهذا الكون. هذا المرجع وجده آينشتاين حين دمج المكان بأبعاده الثلاث, الطول والعرض والارتفاع, مع الزمان، في منظومة واحدة متصلة أصبحت تُعرف بنظام " الزمكان " ذي الأبعاد الأربعة، وبذلك لم تعد الحركة هي انتقال شيء ما متموضع في أبعاده المكانية الثلاث عبر الزمن، وإنما أصبحت تعني تغّير إحداثيات الحدث الزمكاني.لاحقاً احتاج آينشتاين لإدخال المادة في هذا النظام " الزمكاني " ليدرس سلوكه وسلوكها ومدى تطابق نظامه الجديد مع ظواهر الكون. فقام بإدخال الكتلة إلى " الزمكان " لدراسة ظاهرة الجاذبية الناتجة عن هذه الكتلة، فتبين له أن الكتلة بدخولها على " الزمكان " قد أحدثت فيه تشوهاً أو تحدباً، هذا التحدب غيّر إحداثيات الحدث " الزمكاني ". وكلما زاد مقدار الكتلة زاد التحدب. مقدار هذا التحدب, أي التشوه الهندسي " للزمكان " هو مقدار جاذبية هذه الكتلة في العلم النيوتني. ولفهم الصورة أكثر دعونا نتصور أن النظام " الزمكاني " هو شبكة مرنة كالتي تُستعمل في السيرك. في حالة سكون الشبكة تماما وخلوها من أي شيء تماما يكون سطحها أفقيا تماما. الآن دعونا نضع عليها كرة كبيرة نوعاً ما، ماذا سيحصل؟ ستشوّه هذه الكرة سطح الشبكة وتقعرها في الموضع الموجودة فيه، إن مقدار هذا التقعر في هذه الشبكة هو مقدار جاذبية هذه الكرة. الآن دعونا نضع كرة أخرى صغيرة في موضع آخر قرب الكرة الكبيرة، ماذا سيحصل؟ ستشوه الكرة الصغيرة أيضا الشبكة ولكن بمقدار أقل، وسيكون مقدار هذا التشوه مكافئاً لكتلتها، وبما أن التشوه الناتج عنها اقل من التشوه الناتج عن الكرة الكبيرة ستندفع الصغيرة لترتطم بالكبيرة, أي تنجذب إليها بفعل الجاذبية الناتجة عن تشوه أو تقعر هندسة الشبكة. الآن دعونا نتصور أن مثل هذه الشبكة " الزمكانية " موجودة في المجموعة الشمسية، عندها ستشوه كل من الشمس وجميع الكواكب والأقمار وغيرها من الكتل هذه الشبكة " الزمكانية " بمقادير تكافئ كتلها, أي أن لكل منها جاذبيته الخاصة به، فتأخذ هذه الأجرام جميعا بالانجذاب باتجاه الشمس وباتجاه بعضها البعض وفقا لـ " مسارات التشوه " التي أحدثتها في الشبكة " الزمكانية "، الأمر الذي يؤدي إلى فهم الحركة الموجودة فعلاً في نظامنا الشمسي. وهذا يصح أيضا بالنسبة للكون ككل إذا نُظر إليه كنظام " زمكاني " واحد. لقد أصبح الآن للجاذبية الكونية معنى. هذا المعنى لم يكن واضحا حسب قوانين نيوتن. ( ملاحظة : تم تقديم هذا الشرح بصورة مبسطة في توضيح آلية تشكل الأرض كمقذوف أنطلق من النجم الكبير بعد الانفجار الكبير في مقال أخوان القردة ).وهكذا ادخل آينشتاين باقي تجليات المادة، مثل الطاقة والعزم، إلى نظامه " الزمكاني "، فأصبح يُعرف بالنظرية النسبية العامة. ووضع معادلاته الرياضية التي تصف هذه الحالات. وأثبتت الحسابات والدراسات أن النظرية دقيقة للغاية وأنها استطاعت تفسير بعض الظواهر الكونية التي عجزت عنها نظريات نيوتن. هذه النظرية، التي نشرها آينشتاين في 1915، سرعان ما جذبت انتباه العلماء لإيجاد حلول لمعادلات آينشتاين، فهذه المعادلات هي معادلات تفاضلية غير خطية لا حلول لها، إلا بالتعامل معها كحالات خاصة. لذا قام الرياضي الألماني شوارتزفيلد بحل أبسط هذه المعادلات في عام 1916، وذلك بافتراض أن النظام " الزمكاني " هو نظام كروي مُتماثل لا يدور وغير مشحون, وذلك لتبسيط النموذج والحل بالتالي. بإمكاننا تصور نظام شوارتزفيلد على انه الشمس مثلاً، ولنفترض أنها كروية تماما وثابتة لا تدور. إن ازدياد الكتلة في هذا النظام " الزمكاني " ستزيد من مقدار تحدب " الزمكان " وبالتالي الجاذبية، وبما أن البعد الرابع, أي الزمان, في هذا النظام يتجه إلى داخل النظام الكروي نحو المركز، فإنه عندما تصبح الجاذبية عالية لدرجة استحالة مقاومتها فإن الشكل الكروي أو الشمس في مثالنا, سيسحق أو ينهار إلى الداخل, بحيث تحتفظ الشمس بكامل كتلتها، ولكن حجمها سيصبح ضئيلا جدا, أي كأن الشمس بكامل كتلتها دخلت في ثقب الإبرة. هذا سينتج عنه شمس ميتة ذات كثافة عالية جدا. ولأن الكثافة عالية جدا فإن مجال جذبها سيكون هائلاً جدا لدرجة أن لا شيء يستطيع الهرب منها، حتى الضوء سيبقى في سجنها، أي أنها ستصبح معتمة وسـتبتلع بفعل تلك الجاذبية المدمرة كل شيء يقترب من مجالها الحيوي. لنعد الآن لآيتي " الخنس الجواري الكنس " وعلاقتها بالثوب السوداء. بعد أن واجه العلماء مشكلة في التفسيرات الساذجة التي أطلقها العلماء الأقدمون على هذه الآية " تهرب كالظباء " كما جاء في الشرح المنقول حرفيا أعلاه أراد بعض الجهابذة أن يعتمدوا على الثقوب السوداء حيث جعلها مشايخ خطب الجمعة مثل " مكانس كهربائية " تكنس السماء, أي قوة الجذب الهائلة التي تحدث عنها شوارتزفيلد. من قضية الكنس والشفط بدأت عملية التأويل العلمي للآيتين. لقد لاحظ احد المؤولين التشابه اللغوي بين كلمة (الكُنّس) القرآنية وبين اسم " مكانس كهربائية ", أي بين كلمة (كُنّس) وبين الكلمة (مكانس). فعاد أصحابنا المشايخ إلى تأويل معنى الكلمتين بالاستناد إلى أصول اللغة العربية. وبما أن الكلمتين مشتقتان لغوياً من نفس الجذر (كَنَسَ على وزن فَعَلَ)، وبما أن المعنى يحمل في طياته معنى الاختفاء والابتلاع، فإن تقديم تنازل بسيط من علم الصرف في العربية ( كما حصل سابقا مع سيبويه ) وتنازل أخر في طريقة شرح الاكتشاف العلمي للبسطاء، سيجعل مدلول الحالتين، القرآنية والعلمية، واحداً، وهو أن الآيتين تتحدثان لا محالة عن الثقوب السوداء. التنازل العلمي واضح هنا، فالثقوب السوداء جاءت نتيجة إحدى الحلول الخاصة النظرية لمعادلات النسبية العامة ضمن نموذج معين تم فيه بعض الافتراضات التي يطلق عليها اختصارا في المراجع العلمية اسم " افتراض شوارتزفيلد "، ولكنها بين يدي المشايخ الكرام رقيت إلى درجة الحقيقة الكونية الطبيعية المطلقة اليقينية تماما عن أي جدال. اما التنازل اللغوي فقد تم كما يلي:كلمة (كُنّس)، وكذلك (خُنّس)، هي صيغة جمع تكسير على وزن (فُعّل) لاسم الفاعل (كانس) و(خانس)، وهو مشتق من الفعل الثلاثي اللازم (كَنُسَ) و(خَنَُسَ) على وزن (فَعُلَ). أما لماذا جُمعت على وزن جمع التكسير (فُعّل) وليس على وزن جمع المذكر السالم (فاعلون) أي كانسون وخانسون أو على وزن المؤنث السالم: كانسات وخانسات؟ فلأن الفعل الثلاثي اللازم، حسب علم الصرف، يُجمع اسم فاعله على وزن (فُعّل) للدلالة على (طبع وطبائع) اسم الفاعل. أي أن الكَنس والخَنس هي طبائع كامنة في هذه الكواكب، تماما مثل المعنى الوارد في الكلمتين (سُجّد) و(رُكّع)، فالسجود والركوع هنا هي طبائع كامنة في أسماء الفاعلين الذين تتحدث عنهم الآيات القرآنية. فالقرآن يورد كلمتي (ساجدون وراكعون) أيضاً، ولكن (المعنى) يختلف تماماً، فهو في هذه الحالة معنى يفيد " وقوع الفعل وليس الإتيان به "، فهو لا يفيد أن هذا الفعل نتجَ عن طبعٍ مُتأصلٍ وكامنٍ في اسم الفاعل. وهنا أود التنبيه إلى الفرق الفلسفي بين الحالتين، فحالة الفُعّل (أي الطبع) تحمل معنى (الإطلاق)، أما حالة (فاعلون) فتحمل معنى (النسبية). أما كلمة (مكانس) فهي صيغة جمع تكسير لـ(اسم الآلة) وهي (مِكْنَسَة) على وزن (مِفعَلَة)، على شاكلة (مِسطرة) و(مِغسلة). إن اسم الآلة يحمل معنى (الوظيفة)، أي أن وظيفتها، وليس طبعها، هو ما يفهم من أسمها ( الجماد لا يفعل ولكن يفعل به ولذا تقع ضرورة التميز الفلسفي والرد إلى الجذر الرابع ). ولذلك تُشتق من فعل (متعدي) يتطلب مفعولاً به لكي نفهم هذه الوظيفة. فنقول مثلاً كَنَسَ الكانسُ القمامة أو كَنَستْ المِكنسة القمامة أو كَنَستُ بالمكنسة القمامة أو (كَنَسَ الثقبُ الأسود النجومَ)، وكذلك غَسَلَ الغاسلُ الثياب أو غَسَلتْ المِغسلة الثياب. وبهذا يصبح الفرق اللغوي والمفهومي بين الـ(الكُنّس) والـ(المكانس) واضحاً جدا مما لا يدع مجالاً للشك بأن الكلمتين مختلفتين، فالكُنّس هي (المختبئات والمستترات) لطبعٍ كامنٍ فيهن، والمكانس هي الآلات التي تقوم بوظيفة الكنس والتظيف. فلو أراد الله سبحانه بالخُنّس الكُنّس الثقوبَ السوداء، حسب ما يرى المؤولون، لكانت الآية: (فلا أقسم بالخانسات الجواري الكانسات) أو (فلا أقسم بالمخانس الجواري المكانس). إن القول الشهير لدى العرب : لكل مقامٍ مقالُ, هو في حقيقته قاعدة لغوية، ذلك أن أي تغيير في الكلمة أو تركيب الجملة أو مقصد النص يغير المعنى بالكامل. وهذا ما لا يأخذه المؤولون بعين الاعتبار.( المصدر السابق ).
ب – ما جاء في القرآن وأثبت العلم نقضه : وأضرب هنا مثلا قضية الجن والخبر الذي يأتي به من السماء. لاشك أن الخبر متصل بالزمان. فلا معنى للخبر إن هو وصل بعد انقضاء زمانه. كأن يأتيك أحدهم اليوم ليحدثك عن سقوط جدار برلين فيكون بذلك عونا لك على التدبر لما عليك أن تفعله إزاء هذا الحدث, فما بالك لو جاء أحدهم ليقول لك : لقد أحتل نابليون الإسكندرية. أو لقد مات هتلر. يقول القرآن أن الجن كانت تنقل الأخبار بين السماء وأهل الأرض, فتطلعهم على خبرها فيتسيد قوم على قوم بما " وسوس " لهم الشيطان به من معلومات يوظفونها في التغلب على أعداءهم, وأنه بعد " البعث " المحمدي حرم ذلك عليهم وصار يأتيهم شهاب رصدا. طبعا بداية لابد لنا أن نعلم أن الجن هو من أساطير العرب الذي نقلته عنهم باقي البشرية, وأنهم اختصوا به كون صوت الرياح في الصحارى مختلف عن صوتها في الأرض ذات الغابات والثمر, فهي هناك تتكسر وهنا طلقة تسير بنغم فهم منه العرب, خصوصا في منطقة قرب مكة أطلق عليها أسم واد الجن, حيث كانت الفتحات الجبلية وتقلب الرياح تجعل السامع يظن أنه يستمع إلى حوار بالصفير بين متقابلين يتحاورون عن بعد, لا يمكن لهم أن يتواصلوا إلا أن تكون لهم صفات خارقة في السمع والصفير. وهن هنا ظهرت قضية الجن وعلمهم بأمر السماء, فلا أحد يراهم ولكنهم يدركون بالأثر, الصفير, ولأنهم قادرون على التواصل عبر عشرات الكيلومترات التي تفصلهم عن بعضهم العض فلا مانع من أنهم يستطيعون الصعود للسماء و التلقف المعلومات ودفعها للكهنة والسحرة اللذين يأتون الناس بما لا قدرة لهم به. الجن عند البعض كان يقينا, وعند البعض الآخر كان هروبا من معركة خاسرة, كمعركة مواجهة الدين اليوم, والتي يقول الكثير من العلمانيين : كيف سوف تغير كل هذا التخلف. كأي سياسي محنك لم يكن بإمكان صاحب الدعوة المحمدية إلا أن يتعامل مع الأمر الواقع, المعتقدات والعادات. ومن أمثلة ذلك حصحصة الميراث " للذكر مثل حظ الأنثيين " ويذكر كتاب العرب قبل الإسلام، المجلد الخامس ص 274 أن أول من قال بذلك أنفذه في قومه هو عامر بن جشم بن غنم بن حبيب بن كعب المعروف في التاريخ العربي بـ ذي المجاسد وكذلك قضية العدة للمرأة فهي كانت عادة جاهلية وفقا للسان العرب، المجلد الرابع، ص 275 بيد أن الإسلام خفضها من سنة إلى ثلاث حيضات للحرة وحيضة واحدة للأمة ومن غير المعروف, والقصد من العدة حفظ النسب عن الاختلاط, لما ميز بين الجارية وبين الحرة مع أن كلتيهما تحيض وتتلقح والنسب قابل للخلط؟. ولكن جواب ذلك في الآية القرآنية "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌِ " النور (33 ) وفي تفسير سبب الترخيص بالبغاء وشرطه في إن على التحصن أن المنع وقع بعد شكوى جارية, قيل أنها لأبي بن سلول كعادة المراجع الإسلامية بنسبة كل ملتبس إليه, بأنها تكهر الدعارة فأمر النبي بمنع تأجير الجواري. وهنا وبالرغم من أن في سرد هذه القصة خروج على قصة الجن إلا أن الهدف في الإثبات واحد, ألا وهو السياسة ومجاراة الأمر الممكن. فوفقا للمصادر الإسلامية وعنها أنقل حرفيا. أورد ابن كثير " " وكانت لعبد الله ابن ابي بن سلول , جارية يقال لها معاذه , وكان القرشي الاسير يريدها على نفسها , وكانت مسلمة , وكانت تمتنع منه لاسلامها , وكان عبدالله بن ابي يكرهها على ذلك , ويضربها رجاء ان تحمل من القرشى فيطلب فداء ولده " ويضيف في تفصيل القصة قائلا : " فأقبلت الجارية الي ابي بكر رضى الله عنه فشكت اليه ذلك , فذكره ابو بكر للنبي صلي الله عليه وسلم , فامره بقبضها , فصاح عبدالله بن أبي من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا , فانزل الله فيهم هذا " وخوفا من تمرد عبد الله بن سلول وهو كبير قومه وقد تجرأ على القول : من يعذرنا من محمد. أي جرده من لقب النبوة وبدأ برفع صوته عليه جاء المخرج من " لا تكرهوا فتياتكم على البغاء " بأن أضيف شرط الإحصان وأن جعل الله لهن بعد إكراههن مغفرة ورحمة, وحكم من يكره فتاته على البغاء في الإسلام هو الكفارة, لا الرجم أو القتل بالزنى. أي أن الزنى بالتأجير ذات اليمين وقع موقع الكراهة لا موقع التحريم بدليل سقوط ما يعرف شرعا بالحد عن مرتكبه. فالسارق تقطع يده, والقاتل يقتل, والزاني يجلد, أما القواد الذي يتاجر بفتاته ويأجرها بالليلة فعليه الكفارة, وله الرخصة إن هي لم تكره, فالكراهة الحكمية هنا ليست على المطلق بدورها ولكنها على المقيد, وقيدها هو كره الفتاة المزني بها. وطبعا على الجميع أن يبقي في ذهنه أن الجارية مغلوبة على أمرها وغالبا ما كانت توعد بالحرية إن هي جلبت من الزبائن كذا من الدنانير فالآية تقول قبل أن تعلن كرهها للإكراه " وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا " وهنا النص الصريح الذي يبطل كل القصة الملفقة التي حاولت إلحاق كل فعل خسيس بعبد الله بن سلول, فالقرآن يقول صراحة أن الكتاب مباح لمن لم يجد نكاحا. والكتاب " هو العقد " ومثله : إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فأكتبوه, كما جاء في أية الدين في القرآن, فالكتاب هو عقد تأجير الجارية لمن ليس له طاقة على الزواج فيقضي منها وطرا لزمن محدد أو لمرات معدودات يتفق فيه عليهن فإما أن يقعن في بيت المكاتب أو في بيت المالك أو في موقع أخر يتفق عليه. وهذا التناقض بين سبب النزول الذي قاله به علماء الإسلام في محاولة للهروب من تشريع الدعارة ونسبته لابي بن سلول وبين النص الأول من الآية مما عجزوا عن تداركه إلا بمزيد من صرف انتباه القراء والمتفكرين في النص بشرح أخر عن ابن سلول لا يقل تشوها من الناحية التاريخية المنطقة كون ابن سلول كان كبير قومه من الأنصار ولا يصح أن يكون سيدا فيهم وهو على هذه الخسة, إلا أن الرجل كان ناكرا للإسلام فكان لابد من تشويه صورته إعلاميا كما حدث مع مسيلمة الذي لقب بالتاريخ الإسلامي بالكذاب وهو من قال بمثل سورة العاديات قبل أن ترد في القرآن وكما فعل التاريخ الإسلامي مع عمر بن الحكم الذي قيل فيه ما قيل مع أن جميع المصادر أجمعت على أن نبي الإسلام دعا يوما : اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين. ويقصده مع عمر بن الخطاب. فكيف يكون رجلا خسيسا وينتظر منه أن يعز دين الله في الأرض؟. سؤال لم يتنبه إليه من شوه صورة بن الحكم. بمثل هذا فإننا نسأل : لو كان سبب نزول الآية عبد الله بن سلول, وهو على ما هو عليه من الخسة في الطبع والعداء للإسلام, وأن الدعارة لم تكن في الإسلام إلا فيه, فلما سوف ينزل الله فيه قرآنا ولم سوف يرخص بها على الشرط ولم سوف يجعل لمن يكرههن مغفرة ورحمة بعد إكراههن؟. لو أصدرت دولة قانونا خاصا بشخص واحد لوجب أن نقول أن تلك الدولة فاشلة أو أن هذا الشخص ذو حاجة خاصة كحال قائد الجيش اللبناني اليوم. أي رجل ذو مكانة بيده حل وربط أو مشورة قوم. فكيف حين " ينزل " أمر إلهي في قضية دعارة لا يمارسها في دولة الطهر الأولى سوى رجل واحد؟. أليس الأمر بمستغرب؟. هذه الشرح وما سبق ذكره عن حكم جلد الزوج المدعي بالزنى على زوجته الوارد في بحث الاضطراب اللغوي الفقرة الرابعة المثال السادس يشكل سندا قويا على الدافع السياسي في القرآن. ولنعد بعد أن أكدنا على المحرك السياسي في " نزول " القرآن إلى قضية الجن والتي نقول هنا أن القول بها جاء لدوافع اجتماعية معتقدية لا تخلو من الوجه السياسي, أي مجاراة المجتمع في وعيه, فقد سبق صاحب الدعوة المحمدية إلى القول بالجن أمية بن السلط ( ورد الشاهد في بحث اللغة والقول بإعجاز القرآن فقرة التشابه اللغوي مع الشعر العربي النقطة السادسة ) فإما أن أمية كان مؤمنا بالجن وهو الموحد, كما سيرد معنا لاحقا في العلاقات اللاهوتية لصاحب الدعوة المحمدية, أو أنه عمل بنصح المرجع الأعلى للطائفة الأبيونية الراهب بحيرة بعدم مخالفة الناس في شرائعهم بما لا فائدة منه ولا يمس فكرة الوحدانية. على كل بعيد إن تفسير ما دفع بابن أمية للقول بالجن فإن القرآن بدوره قال بالجن في الآيات التالية :
وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا - 8
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا - 9 - الجن
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب - 6 -
وحفظا من كل شيطان مارد - 7 -
لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب - 8 -
دحورا ولهم عذاب واصب - 9 -
إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب - 10 -الصافات
كما هو واضح من الآية إن الجن كانت تصل إلي السماء و تلمسها و تسمع الأخبار ثم تعود إلي البشر لتخبرهم بالمستقبل
و عند بعثة الرسول تحول الموضوع بان الجني لن يستطيع إن يأتي بخبر السماء لأنه سيتبعه شهاب ثاقب. من البديهي أن الجني أبطأ من الشهاب سرعة و إلا كان الشهاب لن يصل إليه ليحرقه أو يثقبه .
من المعلوم أن سعة الكون المادي من نجوم و مجموعات شمسية و مجرات و سدم التي تم رصدها بأجهزة حوالي مليار سنة ضوئية من مرصد بالومار بكاليفورنيا, اينشتين جعل نصف القطر 35 مليار سنة ضوئية, أي أن السماء الدنيا تبعد عنا 35 مليار سنة حسب المعادلات النظرية فقط ولكن بالنظري اليقيني فإنها تبعد مليار سنة دون أدنى شك.
دعنا نعتبر أن آينشتاين كلامه نظري ولا قيمة له, ودعنا نعتبر أننا خدعنا في الأجهزة بنسبة خطأ 100 مليون مرة وهذا طبعا, احتمال لا معني له, بعد كل تلك المغالطات التقريبية تصبح أبعاد الكون بدلا من مليار سنة تصبح 10 سنوات ضوئية فقط
و دعنا نعتبر أن الشهاب يتحرك بسرعة معروفة قصوى هي ا/10 من سرعة الضوء, أي 30 ألف كيلومتر في الثانية وهذه سرعة خيالية للشهاب, ومع ذلك, سنفترض أن الجن الذي سوف يلقى شهابا رصدا سرعته تساوي سرعة الشهاب وليس للشهاب سرعة أكبر تفترضها الحتمية التي سوف يكون عليها تصريف حال " رصدا " , فكما بينا فلا يمكن أن تكون اكبر. عليه وبعد كل التنازلات المضحكة التي قدمناها سوف نقوم بالحسابات الرياضية المفترضة .ليصل الجن إلي السماء يحتاج إلي 100 سنة
و ليعود يحتاج إلي 100 سنة أخرى, أي 200 سنة, فما المفيد من أن تقول لي اليوم وبعد عشرين سنة, أي عشر ما وصلنا إليه , أن جدار برلين قد تهدم ؟. و كما رأينا فإن الاحتمالات الموضوعة كان فيها الكثير من التساهل ومع ذلك النتيجة مضجكة.
إمعانا في التساهل مع أخوتنا المشايخ دعنا نقول أن السماء " كانت أيامها " قريبة جدا فتطوى الرحلة إلى حدها, ذهابا و إيابا, في شهرين فقط, أي قسمنا الرقم 200 من السنين الذي هو بالشهور 2400 شهرا, قسمناه على 1200 مرة من التساهل وافترضا أن السماء الدنيا يومها كانت أقرب بـ 1200 مرة مما هي عليه اليوم ( حتى لا يحاججنا البعض بنظرية تمدد الكون ) أي أنه في كل سنة تتمدد السماء ضعفا تقريبا ( أرجو أن يسامحونا في الكسور فقد سامحناهم بملايين السنوات الضوئية ). عندها سوف تكون السماء على بعد ثلاث أيام ضوئية, إن افترضنا أن سرعة الجن هي 1/10 من سرعة الضوء وهي سرعة مبالغ جدا وفقا للمقدمة التي سبق أن مهدنا بها, فإن الجن كانت تصل الأرض وقد وقع الحدث قبل شهرين. وإن قلنا أن منها من كان يناوب في السماء فيتلقف الخبر ولا يحتاج إلى شهر الصعود, فإنه سوف يعود به وقد وقع لأهل الأرض قبل شهر. فأين الإعجاز وأين الدقة وأين وأين,,,؟.أيضا إغلاقا لباب الجدل البيزنطي و قبل أن يطل علينا أحدهم بتأويل مائع لما قصد بالسماء في الآيات دعونا نستحضر صاحب الدعوة المحمدية وما قاله فيها : روي عن ابن عباس أنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم ; فقال : ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ؟ قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته , ولكن ربنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء , حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه , فتتخطفه الجن فيرمون, فما جاءوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه .
إذا السماء هنا هي السماء التي يراها الصحابة التي جاء نص الحديث محددا لجغرافيتها بالكلمتين التاليتين : أهل كل سماء ..إلى هذه .
#حسام_مطلق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟