|
ألغاز وأفلام في مهرجان القاهرة السينمائي
أمير العمري
الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 09:59
المحور:
الادب والفن
هناك شبه إجماع بين الإعلاميين والصحفيين الذين حضروا الدورة الحادية والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الذي انتهى مؤخرا، على أن المهرجان أصبح أكثر ارتباكا عما كان، وأن أمره بات في حاجة إلى مراجعة حقيقية.
المهرجان حشد عشرات الأفلام في "الكتالوج" الذي يوزعه على النقاد والصحفيين، لم يستطع الوفاء بعدد كبير منها، بحكم العادة التي جرت على التباهي بعدد الأفلام مع انعدام القدرة على استقدامها بالفعل.
ومازال كثيرون يتذكرون "الواقعة" الطريفة التي لم يسبق لها مثيل من قبل، والتي وقعت قبل سنوات، عندما منحت لجنة التحكيم "الدولية" الجائزة الكبرى للمهرجان لفيلم لم يعرض بالمهرجان ولم يشاهده أحد من الجمهور والنقاد، بل عرضت نسخة الفيديو التي أرسلها منتجوه على لجنة التحكيم!
ليس المقصود من هذا بالطبع ازدراء الفيديو كوسيط، لكن هناك فرقا كبيرا بين مشاهدة الفيلم السينمائي في نسخته السينمائية الأصلية (من مقاس 35 مم) على شاشة عرض بمقاييس محددة، وبين صورة مستنسخة من الفيلم على شريط فيديو تعرض على شاشة جهاز التليفزيون. والمهرجان أولا وأخيرا، مهرجان سينمائي.
ولكن ليس هكذا يفكر معظم القائمين على المهرجان، فقد انتهى الأمر بهم إلى وضع أفلام لم تصل، وبالتالي لم تعرض، وعرض بعض الأفلام أكثر من 4 مرات، والبعض الآخر مرة واحدة فقط أو مرتان، وهو ما يخالف لائحة الاتحاد الدولي للمنتجين (الجهة التي تمنح تحدد قواعد المهرجانات)، ومُنع الصحفيون من حضور افتتاح المهرجان مما دفعهم إلى تنظيم احتجاج أكثر من مرة، وغابت المطبوعات الصحفية التي تصاحب الأفلام، وغابت الترجمة العربية عن شرائط الأفلام فالمهرجان لا يشترط ترجمة ما يعرض (حتى داخل المسابقة الرسمية) إلى لغة البلد الذي ينظم المهرجان كما تفعل كل مهرجانات الأرض.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل قام المهرجان بتكريم 6 شخصيات سينمائية مصرية في مهرجان دولي، وهو أمر مضحك يكرس فكرة أن المهرجانات "فرصة لتمجيد الذات والتغني بأمجاد النفس" وهو ما يسئ إلى كل من المهرجان والمكرمين الذين يعتبر المكان الحقيقي اللائق لتكريمهم في بلدهم هو المهرجان السنوي للسينما المصرية.
وعادة ما يكون التكريم في المهرجانات ذات التاريخ المعروف لثلاث شخصيات، واحدة فقط منها من الدولة المضيفة، وتعرض عادة مختارات من أفلام المكرمين.
والطريف أنه عندما شكا كاتب سيناريو لرئيس المهرجان من تجاهله وتكريم كاتب سيناريو آخر غيره، قرر الرئيس إرضاء الإثنين فضم الكاتب المحتج إلى قائمة المكرمين.
وعرض المهرجان فيلما بريطانيا محدود القيمة والأثر في الافتتاح بعنوان "موت في جنازة" وصفه الناقد البريطاني الكبير فيليب فرنش بأنه "كوميديا سوداء ضعيفة تضيع في ثناياها مواهب طاقم تمثيل بريطاني".
وللمرة الأولى، لا يختتم مهرجان القاهرة بعرض فيلم في الختام بل بحفل عشاء يقيمه وزير الثقافة المصري لضيوف المهرجان.
وتوزعت الأفلام على قاعات متعددة متناثرة يصعب الوصول إليها، وتحول مركز الإبداع الموجود في مجمع الأوبرا، إلى صالة لعرض الأفلام لموظفي الوزارة وأقاربهم.
وتغير برنامج دور العرض كالعادة دون إنذار، وبدا أن لا أحد يدرك قيمة وأهمية الممثل الأمريكي الكبير هارفي كايتل الذي ظهر ضائعا في كواليس المهرجان مما ذكرني بالحالة التي شاهدت عليها المخرج الإيطالي الكبير الراحل سيرجيو ليوني (عملاق سينما الويسترن اسباجيتي) في المهرجان نفسه قبل أكثر من 20 عاما.
تكريم ولم يبد ان هناك من يعرف أهمية رئيس لجنة التحكيم المخرج نيكولاس روج الذي ظهر اسمه في معظم مطبوعات المهرجان خطأ "نيكولس" وانتقل الخطأ إلى الصحافة العربية.
وقال المهرجان إنه عرض 20 فيلما من بريطانيا كنوع من التكريم للسنيما البريطانية دون وجود مناسبة واضحة، ولكنها في معظمها أفلام لا تقدم صورة حقيقية لأفضل إنجازات هذه السينما خلال السنوات الأخيرة فقد غابت عنها أفلام كن لوتش وبيتر جريناواي ومايك لي ونيل جوردان وستيفن فريرز، وهم أهم المخرجين العاملين في بريطانيا.
وازدحم المهرجان بالمسابقات (مسابقة للأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة لأفلام الديجيتال، وثالثة للأفلام العربية)، ولا نفهم سر وجود المسابقة الأخيرة في مهرجان يريد أن يكون دوليا أي على غرار كان وفينيسيا، كما لا نفهم سر وجود مسابقة للديجيتال بينما يمكن إقامة مهرجان خاص لهذا النوع من الأعمال، خاصة مع غياب مسابقة الأفلام القصيرة، التي تعد ركنا أساسيا في كبرى المهرجانات الدولية.
الأفلام المصرية عرض المهرجان ثلاثة أفلام مصرية: فيلمان بالمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، وفيلم خارجها . فيلما المسابقة هما "على الهوا" للمخرج إيهاب لمعي الذي أفادت الأنباء أنه تعرض لهجوم بعد عرضه من جانب الجمهور، و"ألوان السماء السبعة" للمخرج سعد هنداوي، أما خارج المسابقة فعرض فيلم "الغابة" للمخرج أحمد عاطف .
وألغى المهرجان عرض فيلم مصري رابع هو "بلد البنات" للمخرج عمرو بيومي عن سيناريو علا الشافعي، واستبعده من مطبوعاته الرسمية، إلا أنه على ما يبدو، عاد وعرضه عرضا "سريا" لم يعلم به إلا قلائل، خارج المسابقة بالطبع.
طحنان" ذات الروح المعذبة تتطلع إلى هجر عالمها والتحليق في أعالي السماء فيلم "ألوان السماء السبعة" الذي أخرجه سعد هنداوي عن سيناريو زينب عزيز، يطمح فيه إلى تقديم رؤية سينمائية جديدة تتخلص من القوالب السائدة في السينما المصرية: الميلودراما والمبالغات وعروض التهريج المصورة التي يطلق عليها البعض "الكوميديا الجديدة".
إنه يسعى إلى المزاوجة بين الواقع والخيال والتأمل الروحي، ويطرح من خلال قصة حب رومانسية، علاقة بين فتاة كانت قد استسلمت لعالم التجارة بالجسد، تتعلق بأجواء شعبية شبه صوفية في منطقة الحسين القاهرية العريقة، من خلال عرض فني يقدمه كل ليلة راقص بملابس شعبية تنتمي للقاهرة المملوكية.
هذا الراقص ورث المهنة عن أباه، ويجاهد ابنه الشاب الصغير لكي يتعلمها عنه لكن الأب يعارض معارضة شديدة.
ورغم كونها مهنة، إلا أنها ليست صالحة لأي شخص، بل يجب أن يتوفر فيمن يود أن يمارسها الإحساس بمعانيها السامية، الانطلاق نحو السماء، الانسلاخ من الجسد، والتحليق مع الروح في أعالي الفضاء.
إنها بالأحرى، مهنة "طقسية"، أي ترتبط بطقوس وملابس معينة وأحاسيس خاصة. الفتاة التي تقف بعيدا كل البعد عن هذه الأحاسيس بحكم ماضيها (تقوم بدورها ليلى علوى) تصبح هي الأكثر قربا منها، ومن الرجل الذي يمارسها يوميا، فعذابها الروحي يدفعها إلى البحث عن الخلاص من خلال التطلع إلى الطقس المسائي اليومي الذي يجعلها تقترب من السماء.
أما الراقص "بكر" (فاروق الفيشاوي) فهو أيضا معذب وحائر بين زوجته السابقة التي طلقها بسبب شكه فيها، من دون أن يملك اي دليل على شكوكه، وبين ابنه الحائر بدوره بين والده وأمه التي تبحث عن زوج، وحبيبته التي تستغله ثم تخونه مع شاب آخر.
حنان (ليلى علوي) تصبح مدمنة على عروض الرقص السحرية في الحسين، وتبدو في طريقها إلى الانسلاخ من عالمها، لتدلف إلى عالم جديد تراه أكثر رونقا وسحرا واستيعابا لروحها المعذبة، ويكون طبيعيا أن ترتبط ببكر.
مشاكل السيناريو لكن سيناريو الفيلم لا يسير على هذا النحو الواضح، عزف على ذلك الوتر الخاص المرتبط بالتسامي، بل يهبط كثيرا إلى الأرض لكي يبرر ويشرح ويمنطق: كيف كانت الفتاة ترتبط برجل ثم اكتشفت بعد مفارقات لا ضرورة لها خداعه لها وكيف أنها لم تترك سفارة من سفارات دول الغرب إلا وتقدمت بطلب للهجرة من مصر.
بلاغة أسلوب التصوير اضفى شاعرية على الفيلم ولا ينجح السيناريو من خلال رسمه للشخصيات في تكثيف ذلك الحس الصوفي المعذب، فالمتفرج لا يرى في صورة الرقصة اليومية المكررة بالملابس الفضفاضة المزركشة سوى رقصة فولكلورية، مبهرة حقا، لكنها لا تصل إلى الشفافية الروحانية التي يرغب الفيلم في نقلها إلينا، خاصة وأن "بكر" لا يحمل هما فلسفيا خاصا بل هو مجرد "صنايعي" يجيد حرفته، دون أن يتيه حبا بها بل يبدو نافرا منها، راغبا في إبعاد ابنه عن التعلق بها.
إلا أن الأكثر خطورة في مضمون الفيلم أنه يريد أن ينتصر بوضوح للروح على الجسد، وللدين على الدنيا، ويصبح بالتالي فيلما دعويا زاعقا، يرفض الواقع والحياة، وينادي بهجر الدنيا واعتزال الحياة والهروب من الواقع. وهو بهذا المعنى فيلم ذو نفس "ديني" ولكن دون أن يطرح تفسيرا فلسفيا جديدا، لا للدين ولا للحياة.
أما من حيث الإخراج فهناك محاولة جادة من جانب سعد هنداوي للتوصل إلى أسلوب خاص في الصورة السينمائية، ولذلك فقد بذل جهدا كبيرا في العثور على أماكن موحية للتصوير في القاهرة القديمة، حتى أنه أعاد اكتشاف حي السيدة زينب ومنطقة الحسين وقدمهما في فيلمه كما لم نراهما من قبل في السينما.
وساهم مدير التصوير الموهوب رمسيس مرزوق بخبرته الطويلة، وحساسيته الخاصة، وإحساسه المرهف بالصورة، وعلاقته المرهفة بالمكان والضوء، في إضفاء نغمة لونية أقرب إلى شفافية الحلم على لقطات الفيلم، واستخلاص أكثر من يمكنه، من المشاهد الخارجية التي بدت كما لو كانت مجردة أي خارج إطار الواقع.
ونجح هنداوي في السيطرة على الإيقاع رغم بعض التكرار والاستطرادات (خاصة تكرار اللقطة المصورة بالحركة البطيئة للكاميرا التي نرى فيها الراقص يدور ويدور على الحلبة)، وانكشاف خدعة الانتقال بالحركة البطيئة من الراقص، بديل الفيشاوي في لقطة بعيدة، إلى الفيشاوي نفسه في نهاية الحركة في لقطة قريبة.
ولكن يبقى العيب الرئيسي في الفيلم يتمثل في هشاشة السيناريو وامتلائه بتفاصيل لا تضيف بقدر ما تشغل المتفرج بعيدا عن جوهر الفكرة، وعدم نجاحه في توصيل فكرته بشكل يجعل الرؤية متوازنة. فهل يعني رفض الواقع الهرب منه إلى السماء.
عندما وافق الأب على تعليم الإبن أسرار المهنة العيب الثاني الواضح في الفيلم هو سوء اختيار عدد من الممثلين، أولهم فاروق الفيشاوي الذي لا يصلح بالتأكيد لدور البطل المحلق في عالم الروحانيات من خلال الرقص.
الفيشاوي لا يصلح، بسبب بروز تضاريس الزمن على وجهه وتكوينه الجسماني الممتلئ وانعدام قدرته على الحركة بشكل طبيعي ناهيك عن الرقص الرشيق.
وبينما وفق المخرج في اختيار ليلى علوى التي أدت دورها بإحساس رائق جميل دون أن تتجاوز أو تبالغ في التعبير عن المشاعر والأحاسيس، لم يوفق في اختيار شريف رمزي (في دور الإبن) الذي لا يزال يحتاج لدراسة طويلة ومضنية وتدريبات صوتية شاقة، إذا أراد أن يصبح ممثلا يؤخذ على محمل الجد.
أما أداء سوسن بدر وحسن مصطفى فلا غبار عليه بشكل عام، ولكن دون تميز خاص.
فيلم "الغابة" أما المخرج أحمد عاطف الذي بدأ مسيرته الفنية قبل 7 سنوات بفيلم جاد هو "عمر 2000"، ثم سرعان ما غرق في السينما السائدة في "عشان البنات تحبك"، فهو يعود بفيلم يتصور أنه سيرد له الاعتبار كمخرج شاب مهموم بقضايا مجتمعه.
الفيلم يحمل عنوانا مباشرا هو "الغابة"، وكان الأجدر بعاطف أن يحتفظ بالإسم الأصلي لفيلمه "شياطين القاهرة" فهو أكثر جاذبية وأقل مباشرة، لكن المباشرة هي الطابع الأساسي للفيلم كما أراده مخرجه.
يعالج الفيلم قضية أصبحت محورا للاهتمام الإعلامي منذ أن قدمت المخرجة المصرية تهاني راشد فيلمها التسجيلي الطويل "البنات دول" قبل عامين، وهي قضية وجود أكثر من مليونين من الأطفال المشردين يعيش معظمهم في شوارع القاهرة الكبرى.
"التوربيني" في الفيلم شخص سادي متوحش شاذ يتحقق عن طريق العنف ولكن على حين كان "البنات دول" المفتاح الذي اعتمد عليه سيناريو أحمد عاطف وناصر عبد الرحمن، في الغابة، إلا أنه اتخذ منحى آخر يخالف تماما فيلم تهاني راشد البديع.
كان الفيلم التسجيلي يركز على عالم أطفال الشوارع من الفتيات، من خلال شخصية رئيسية هي "طاطا" التي تنزل معها المخرجة لكي تتعرف على الحالات المختلفة من التشرد والضياع: ضياع الحق والقانون والواجب والأسرة والحلم بل والوطن.
تعدد الخيوط أما فيلم "الغابة" فهو يستخدم عددا من القصص والحكايات الفرعية، وينفذ من قصة إلى أخرى، ومن خيط إلى آخر، دون ان يملك مخرجه أي قدرة على السيطرة على تلك الشخصيات المتعددة، والمواقف المتداخلة، ويجنح إلى المبالغات الصارخة، ويستغرق كثيرا في تقديم مشاهد القتل والاغتصاب وتشريح الرأس وبقر البطن مما سثير القشعريرة في أبدان المتفرجين، ولكن دون أدنى ابتكار أو خيال خاص يمكن قبوله مهما كان جنوحه.
عاطف ينتقل من أطفال الشوارع إلى موضوع الاعتداءات الجنسية للآباء على البنات، والتعذيب الذي يتم داخل أقسام الشرطة، وما يتعرض له الأطفال المشردون من جرائم قتل بغرض الاستيلاء على أعضائهم لبيعها في للمرضى الأثرياء، وانصراف الدولة عن الاهتمام الحقيقي بالمشكلة، ونظرة أبناء الطبقة العليا إلى الظاهرة بتأفف ونفور وقسوة، وتواطئ الشرطة مع المجرمين من رؤساء العصابات مقابل الحصول على المعلومات واشياء أخرى، وانحراف الفتيات المشردات إلى ممارسة الدعارة.. وغير ذلك.
هناك فتاة قاصر يغتصبها والدها ثم تهرب لكي تقيم علاقة مع عدد من الشباب المشرد حتى يمكنها اقناعهم بالانتقام من والدها بقتله.
"حموسة" شخصية أخرى في الغابة مع "جميلة" التي تدافع عن مكانها في الأحراش بكل قوة وهناك التوربيني (باسم سمرة) اللص المثلي الذي يسيطر بقوته على "برشامة" ويستولي على ما تحصله من مال بانتظام، ويعتدي على جميلة التي حملت سفاحا بساطور، يشق به بطنها نصفين في مشهد زاعق يصل بالميلودراما إلى ذروتها.
هذا الخليط الذي يمتلئ بعشرات الشخصيات والمواقف الصارخة المفزعة لا ينجح في النهاية إلا في توصيل صرخة إدانة، لكنه يفشل في تقديم الموضوع برؤية سنيمائية جديدة عصرية بكل أسف.
ثلاث مشاكل ويرجع سبب تدني مستوى الفيلم إلى ثلاث نقاط أساسية هي أولا: ضعف السيناريو وتفككه وامتلائه بالاستطرادات والحشو والشخصيات الزائدة والمبالغات الشديدة، ورغبته في تقديم "بيان" احتجاجي صارخ دون الاهتمام بالتركيز والاقتصاد في السرد وبناء الشخصيات، وهذان العاملان تحديدا هما أساس السيناريو الناجح.
ثانيا: الإخراج الذي يفتقد إلى التركيز: التركيز في التعامل مع ما يفيد دراميا واهمال الإطالة والتخلص الصارم من الاستطرادات على طاولة المونتاج حتى بدا الفيلم مفكك الإيقاع، يعاني من التشوش والإطالة في الانتقال من لقطة لأخرى، ومن مشهد لأخر.
ويتحمل المخرج أيضا مسؤولية موسيقى الفيلم "الكارثية"، التي تقتحم معظم مشاهد الفيلم، وتغلب عليها النغمات الإيقاعية الغنائية الراقصة، وهو ما يتناقض تماما مع الطابع العام للفيلم ونغمته الدرامية العالية.
ثالثا: هناك عدم انسجام واضح فيما بين الممثلين الذين أثر هبوط أداء بعضهم بدرجة خطيرة على تدفق الفيلم وسلاسته.
حنان مطاوع رغم جاذبيتها وقدرتها على التلون تعاني في دور لا يمنحها المساحة الكافية للتعبير بالنظرات والحركة، وليس بالحوار الثرثار المتشنج كما في مسرح "الرسالة" المباشرة العتيقة.
وتكافح ريهام عبد الغفور كثيرا من أجل الصمود في دور "جميلة" الذي لا تصلح للقيام به أصلا، بسبب نعومتها ووداعة ملامحها وعدم قدرتها على تلوين صوتها بما يتناسب مع "فتاة شارع".
ولعل أكبر الكوارث التمثيلية في الفيلم ذلك الطفل الذي يلعب دور شقيق الفتاة "مكنة" الذي يقتل والده ثم يقطع جثته باقي أفراد أسرته ويضعون أجزاءها داخل أجولة ويلقون بها بعيدا.
ولا نعرف ما إذا كان هذا الصبي من أطفال الشوارع الحقيقيين الذين استعان بهم المخرج في فيلمه، (وهذه ليست ميزة خاصة دائما)، أم طفلا من هواة التمثيل. وأيا كان الأمر فقد جاء أداؤه قاتلا تنقصه الحرارة والصدق والقدرة على الإقناع حتى بدا في بعض اللحظات أنه، هو وغيره من الممثلين، يؤدون كيفما يتراءى لهم.
ولعل الممثل الأفضل الذي وجد في مكانه هنا هو باسم سمرة في دور التوربيني، فقد جاهد لكي يضفي على دوره أبعادا ويمنحه حرارة حقيقية يفتقدها الفيلم ككل بسبب جنوح مخرجه إلى لغة البيانات الاجتماعية المباشرة.
لاشك أن أحمد عاطف نجح في اختيار أماكن التصوير من الخرائب والأطلال وحتى الصورة الخاصة الموحية للعربة القديمة المتهالكة على إحدى ضفتي النيل، مما يجعل القاهرة العصرية شاهدا على المأساة التي يصورها.
ولا شك أيضا أنه نجح في اقتناص الكثير من اللمحات الخاصة التي تضفي على فيلمه حرارة الواقع وتجعل شخوصه وحوشا تتصارع من أجل البقاء، على استعداد لارتكاب أي شئ للتغلب على الآخر، وهو المعنى الكامن في عنوان "الغابة".
غير أن الرغبة في التعبير عن عمق المأساة من خلال الرسالة المباشرة، والازدحام الهائل للسيناريو بالشخصيات والأحداث والمواقف وغياب الشخصية المحورية، هزم القدرة على تقديم رؤية فنية متميزة حتى مع تصوير أقصى درجات العنف.
ولعل درس سكورسيزي في "رفاق طيبون" و"عصابات نيويورك" يفيد هنا في إدراك الفرق.
#أمير_العمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم -هي فوضى- ليوسف شاهين: الدوران حول ثنائية الكبت الجنسي
...
-
-السينما كفن تخريبي- أخطر كتاب عن السينما في العالم
-
عن المثقفين المصريين والسينما والصهيونية والتطبيع
-
فيلم -الملكة- لستيفن فريرز: دراما الصراع المكتوم بين الحكومة
...
-
بعد مائة عام من التاريخ
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|