|
أقاليم البوح في شجر الكلام
عبدالقادر حميدة
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 08:55
المحور:
الادب والفن
الشاعر وليد علاء الدين في مجموعته الشعرية الأولى ( تردني لغتي إلي ) :
يترنح شجر الكلام عند الشاعر وليد علاء لدين كلما هبت عليه نسمات الذكرى و الحنين و البحث عن الدفء الأول ، صوت شعري مميز يستقي حالاته من رؤى موغلة في الاعتراف بغربة تنهمر عليك و أنت تتلوى بين منعرجات مجموعته الأولى ( تردني لغتي إلي ) .. و ينحت لغته من وهج الكلام الأول حين كانت العبارة تساوي إشارة ، و لا تضيق بها .. هي إذن ( لغتي تردني إلي ) المجموعة الشعرية الأولى للشاعر وليد علاء الدين المشرف على القسم الثقافي بيومية الخليج الإماراتية ، و هي المجموعة المكونة من حوالي 32 قصيدة ، و المهداة كلها إلى روح الأديب و الشاعر أحمد علاء الدين ، و قد جاءت في طبعة أنيقة وراقية في حوالي 144 صفحة و على غلافها لوحة موغلة في السواد و الدكنة و الحزن .. ألوان حاسمة بريشة الفنان علي الجق .. و قد اختار وليد علاء الدين أن ينهمر عليه سيل الكلام من جهة مناقضة من جهة النزوح .. كأنه يذكرك عند ذهابك بالإياب و عند حزنك بالفرح القادم و العكس أيضا يصح .. أهل المدائن في الحقيقة نازحون .. و أنا المعاد ابن المعاد من البشر .. تغتالني كل اللغات .. تردني لغتي إلي .. ( النازحون ) ص 11 إنها المتاهة أو هكذا تحس و أنت تدلف من أبواب لا تعرفها إلى عوالم وليد علاء الدين الشعرية ، متاهة تجعل وجيب قلبك في أذنيك ، تجعلك تلهث وراء لغته بغية العثور على خيط ما يدلك على الطريق الصحيح ، إنها استفهامات الشاعر الإنسان ، الذي مل المدائن الأولى و اللغات الموجودة ، وراح يبحث عن مدينة أخرى و عن لغات مغايرة ..و لعل هذا هو السر في كون هذه المجموعة لا تسلمك لنفك حتى تكملها دفعة واحدة و نفسا واحدا .. ما عدت أعرف – حين أصنع خطوتين بسكة – أي البلاد تضمني .. ( النازحون ) ص 13 هكذا اختار وليد علاء الدين أن يقول حزنه الأول .. و أن يتخلص من غصة الأسئلة التي حاصرته زمنا .. و يرمينا بها من على أعلى شجرة كلام و ينام مستريحا إلى أن تلفه أسئلة أخرى .. و لغة أخرى .. و ألوان أخرى .. فيعيد الكرة .. ويعود إلى مناجاة رؤاه من جديد ليرمينا مرة أخرى .. في مجوعة ربما تكون قادمة .. و لن نسأل عن شكلها لأننا لن نستطيع أن نتنبأ بشكلها إن نحن تنبأنا بوجودها .. أنا نازح .. يجتاحني قلق هصور .. و النازحون : هم الذين يمررون غيابهم .. جمرا على سفر كأن الريح تسكنه .. ( النازحون ) ص 17 ولعل الشاعر بعد أن يضعك في أجواء النزوح و خلو تلك المدائن .. يستفيق داخله ذلك الحنين إلى الأشياء التي كانت .. و ندخل البكاء على الأطلال من أوسع أبوابه ( باب ذكر الحبيبة ) و لقد أصرت علي و أنا أقرأ ( ترجني لغتي إلي ) أبيات من أقصر قصيدة للشريف الرضي رحمه الله .. طللية رائعة : و لقد مررت على ديارهمو و طلولها بيد البلى نهب فتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب .. فأحسست صدق شاعرنا وليد علاء الدين في باكورته هذه حين رحت أعيش أجواء قصيدة ( حتى الحبيبة ..و الوطن ) : هم الصحاب يدغدغون الأمسيات .. بذكرهم طيف الحبيبة .. يرمونك بؤبؤا في عينها .. أو يصطفونك للهوى .. و العشق .. فردا / سامقا و يخايلون عن الوطن .. ( حتى الحبيبة .. و الوطن ) ص 27 إنها لغة أليفة .. تحملك إلى عوالمك .. و تردك إليك .. لغة تحكي عنوانها بشفافية تبشر بشاعر مسكون بالهوى و التراب الأول .. و المدائن النقية .. لغة قريبة من القلب طيعة .. تعرفها و لا تنكرها .. تتعامل معها بحنو و تقربها و لا تبعدها .. لغة تسكنك بسيولة فتجعلك تتجاوب مع عوالم الشاعر و تعيشها .. و ها هو ليد علاء الدين يجرب .. يعيد اكتشاف اللغة و الكلمات .. فيأتي مختلفا في كل محطة من محطات مجموعته هذه .. إنها لغة واسعة حقا .. يعرض علينا قاموسا منها ثم ينتقل لقاموس آخر فهاهو في ( انحسار ) يستخدم الكلمات الأخرى التي عرفناها عند السهروردي و الحلاج و النفري و أصحاب الحضرة و الغائبين و الزهاد و المتلفعين بالصوف و المرقعات .. فنجد الحضرة / و موقف الأنس / و التجلي / و الرقص / و الينبوع / و العباءة / و العشق / و السدرة / والعرق /و المنديل / و السعي / و المواجد / والفناء / نقتطف استئناسا هذه الصورة : و قالت و قد أوقفتني في موقف الأنس منها : لما سيأتي .. أتجلى يرقص في حضرتي .. و أرقص في حضرته .. أساقط منديلا بلله العرق .. أتشقق .. أنشق و أرتد إليه .. ينبت في سدرتي .. و أنبت في سدرته أتوحد فيه .. أتقطر عطرا .. يجمعكم من فلوات الأرض .. ( انحسار ) ص 41 ثم يغاير الجو و اللغة في ( برديات : النهر و السيف و الأرض ) .. فيقول في بردية النهر : إذا ماارتويت من النهر لا تحتقره .. فقد يعتريك .. ص 45 و يقول في بردية السيف : حين يكون السيف الماثل في كفك من عظمي .. حاول .. ألا تطعن لحمي .. ص 49 و يقول في بردية الأرض : و في أي أرض ستلقى النهاية .. و تروي دماؤك رمل الصحاري .. ص 52 ثم تسكنك المجموعة بمختلف محطاتها .. كأنها مدن تحملك إليها طوعا لا كرها .. و قد استسلمت لها و لبيوتاتها و سقائفها و منحدراتها .. كيف لا و قد أسرك الشاعر و وورطك في هذا التجوال .. إنها روحه المغامرة .. التي لا تعرف حدودا و لا استقرارا .. إنها الآن تطوح بك و قد طوحت قبلك بالشاعر .. فها أنت في ( حصاد ) معه تعترف : هو النهر .. ما ضل يوما عن الراغبين .. فهل يذهب السلسبيل جفاء .. و يبقى الزبد ؟ ص 57 ثم هاهو يدل فضاءات جديدة من التجريب في فن القول و القبض على اللحظة الهاربة .. هاهي تضغط عليه هاهو يمنحها فضاء جديدا في ( احتمالات جديدة للدخول إلى دائرة البوح ) عبر فواصل أربعة : فضاء / دهشة / البنت الوردة / فرح القرنفل هي النار لا تعرف الانحياز .. و لكنها الآن ترفض أن تحتويني .. ص 75 ثم تأتي تداخلات عبر نفس النسق وفق فواصل أربعة أيضا هي : منطق / طقوس / سكر / سماوية .. و تأتي قصيدة (غياب ) مهداة لروح الشاعر سعد محمد شحاته و تأتي تجربة أخرى هي قصائد قصيرة جدا مثل ( جنة ) ، ( لا شيء ) ، ( قهوة ) ، ( جوهر ) ، ( مساء ) ، ( انتظار ) ، ( زاوية قائمة ) ، ( وعلة ) ، ( دانهل ) ، ( منحدر ) ، ( حجرة ) ، ( لفائف ) ، ( عشاء ) ، ( أحبك جدا ) ، ( مسرح ) ، ( عفن ) ، ( غريب ) و ( تشتت ) وهي مواقف و مقامات يبدو أن الشاعر قد وصل إليها بعد تجربة في الكتابة ، و أراها عصارة اللغة و الاقتصاد الممكن دون هذر و لا حشو .. هي تجربة ختم بها الشاعر مجموعته .. ليفتح الأفق الرحب أمامه على مختلف التنبؤات و الصور الممكنة .. فما يحمله الغد قد يكون مواصلة لطريق التجربة الأخير التي وصلنا إليها صعدا و قادنا إليها كأنه يروي محطات مسيرته الشعرية منذ أن سكنته لعنة الكلمات .. إن وليد علاء الدين في باكورته هذه تجلى مغامرا فذا و مجربا جريئا .. و حاور اللغة و ناورها .. تقلب فيها و بها .. قربها و أبعدها .. من خلال معنى يهر و يستتر .. و يحضر ويغيب .. و سننتظر من وليد علاء الدين الاستمرار في مشاكسة اللغة و نحن نمني النفس بالمولود القادم قريبا .. لأن موعدنا الشعر .. و لأننا كلما ابتعدنا اقتربنا و كلما اقتربنا ابتعدنا ..أليس الشعر بقريب ؟ ..و نحن لأن يعيد فعلته التي اجترحها في لفائف : و عند المساء أغلق كل النوافذ كي لا تطيرين مني .. و أخلع كل اللفائف .. ………………. كي أحتويك .. ( لفائف ) ص 124
عبدالقادر حميدة الجلفة / الجزائر
#عبدالقادر_حميدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غليون بايزيد
-
لأننا نحب آسيا جبار
-
مضى كل شيء
-
فضاءات الدهشة .. في خرائط السؤال (الكتابة بالطباشير.. مقالات
...
-
مواسم الحزن
-
رائحة إديت
-
حجارة على الجسر
-
خبز و نبيذ / صفحات من مفكرة كاتب مغمور
-
خبز و نبيذ
-
سيرة الوقت
-
ايحاءات التفاح و مغامرة التجريب
-
شجر بري
-
للخطوة الصحيحة .. تجل أكيد
-
مشارف .. تمحو الأرض
-
رشا
-
الحكاية لا تنتهي
-
ثلاث قصائد
-
طفلة
-
رقش
-
أيهن تصلح مسودة لعارضة القصيدة ؟
المزيد.....
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
-
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|