|
أسئلة تحتاج إجابات قبل أن يحترق الوطن (2)
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 11:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان السؤال الأول الذى طرح نفسه على جدول اعمال ورشة العمل التى نظمتها أسقفية الشباب بالكنيسة القبطية عن الأقباط والبرلمان هو: هل يكره الأقباط الديموقراطية؟ السؤال- كما رأينا فى المقال السابق – ليس بلا سبب رغم أنه سؤال استنكارى، فضلاً عن أنه سؤال "كاشف"؛ لأنه كشف النقاب عن عورات عديدة فى حياتنا السياسية أدت إلى تقلص تمثيل الأقباط فى المجالس النيابية. والأخطر من مسئولية هذه الجهة أو تلك عن هذه الظاهرة السلبية، هو استشراء "ثقافة" تبررها، حيث تتعامل مع الأقباط كما لو كانوا "دخلاء" على المجتمع المصرى "المسلم"؛ ولهذا رأينا بعض جماعات الاسلام السياسى تتشبث ببعث مصطلحات منقرضة مثل "أهل الذمة"، ثم جاء أول برنامج لجماعة الاخوان المسلمين ليعطى أبعادًا سياسية تمييزية لهذه المصطلح بربطه بمصطلحات أخرى مثل "الولاية" الكبرى والصغرى، التى يقصد بها المناصب التى لا يجوز شغلها بغير المسلمين. ولم يقتصر الأمر على أدبيات جماعة الاخوان المسلمين، بل رأينا أحد "القضاة" الذين يجلسون حالياً على منصة القضاء يفتى جهارًا نهارًا بعدم جواز تولى قبطى منصب القضاء!! وفى ضوء هذه الصورة، استنتج الدكتور عبدالمنعم سعيد – الذى أدار ورشة العمل – أن تحليلات المشاركين إذا كانت تختلف فى عدد من الأمور فإنها تشترك فى ثلاث مسائل: 1- ان كثيرًا من الانتقادات تحمل الحزب الوطنى والحكومة جانبا من مسئولية هذا الوضع، وارتباط ذلك بالافتقار إلى الديموقراطية. 2- ان هناك تغيرًا طرأ على المجتمع يؤدى إلى ظهور أشكال شتى من التمييز بين المسلمين والأقباط. 3- ان جماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد، تقول صراحة إنها تريد إقامة دولة قائمة على التمييز وان هذا التمييز "فضيلة". هذه الثلاثية تؤدى – فى رأى د.عبدالمنعم سعيد – إلى وضع سلبى، يعرض الأقباط إلى شكل من أشكال التمييز، ويسىء إلى المسلمين بحرمانهم من فضائل التنوع. لكنه وقف أمام هذا الاستنتاج ليتساءل: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يحدث انهيار كبير فى مصر، فى صورة "خروج" واسع النطاق للأقباط من البلاد كما حدث فى بلدان أخرى؟! بيد أن مكرم محمد أحمد سارع للرد على هذا السؤال قائلاً إنه لا يحدث "انهيار" كبير فى مصر، لكن يحدث "تحلل" يفتح الباب أمام كل الاحتمالات. أما الدكتور مصطفى الفقى فقد ذهب إلى القول بأن المشكلة ترجع إلى عدم وجود رؤية شاملة ومتكاملة عما يمكن أن نتجه إليه فى ظل الاشتباك المتزايد بين الدين والسياسة، والتداخل المتعاظم بين السلطة والثروة، وعدم وضوح فكرة الوطن بحيث ان البعض يعتقد أن المسلم الباكستانى أقرب إليه من المسيحى المصرى، أضف إلى ذلك أن حجم الدين زاد فى حياة المصريين لدرجة الهوس وبالذات لدى النساء. وبدون حل هذه القضايا الكلية فى إطار دولة مدنية فلا أمل فى تجنب ما هو أسوأ. الدكتور أسامة الغزالى حرب كان الأقل تشاؤما بين الجميع؛ حيث أصر على أن الروح السائدة فى مصر – رغم كل ما سبق ذكره – مناهضة للتمييز، والدليل على ذلك – فى رأيه – معارضة أغلبية النخبة المصرية للبرنامج الذى طرحته جماعة الإخوان المسلمين والذى تضمن نعرة تمييزية وطائفية. لذلك فإنه رأى أملاً فى آليات من قبيل إنشاء لجان مصرية لمكافحة التمييز. أما الدكتور محمد أبوالغار فقد استنتج أن التمييز الرسمى أكبر من التمييز الأهلى، وأن المشكلة الرئيسية تكمن فى نظام التعليم الذى يكرس الفرز الطائفى بدلاً من أن يقوم بدوره الطبيعى كبوتقة للمواطنة. واقترح الدكتور سمير فياض عددًا من الآليات لكبح جماح سياسات التمييز، من بينها اقناع بعض أثرياء مصر من المسلمين والأقباط بإنشاء قناة تليفزيونية تلعب هذا الدور التنويرى، وخلق نواة لتنقية المناهج الدراسية والكتاب المدرسى من النصوص المسيئة للمواطنة. وبعيدًا عن الإجراءات العملية ذهب نبيل عمر إلى القول بأن مشاكل مصر لم تتغير منذ مائة سنة، حيث دأبت النخبة على مطاردة المشاكل دون حلها، ومع ذلك فإن هناك قشرة تخفى روح مصر الحقيقية البعيدة عن التمييز والتعصب. وأنهى مداخلته بفكرة لامعة خلاصتها أن مصر تحتاج إلى "الدولة البستانى" وليس "الدولة الخفير". ومثلما بدأ منير فخرى عبدالنورالحديث فى ورشة العمل – بناء على طلب عبدالمنعم سعيد- كان هو الذى اختتمها بعدد من الملحوظات الذكية: 1- لا يجب إغفال تأثير الأزمة الاقتصادية وندرة الموارد وفرص العمل على تكريس الطائفية. 2- لا يجب الانزلاق إلى الخطاب النخبوى، وبخاصة ترديد ألفاظ مخيفة للعوام مثل "العلمانية"، والأفضل استبدالها بخطاب سهل يفهمه الفلاح والعامل وأبسط مواطن. 3- بالنسبة لمسئولية الكنيسة: لا بأس فى أن تصبح الكنيسة ملاذا للقبطى الخائف لكن أن تحتضن هذا القبطى لدرجة تمنعه من الاندماج مع الشارع فهذا شىء فى منتهى الخطورة. 4- الناخب القبطى ليس هو فقط الذى يصوت للحزب الوطنى نكاية فى الاخوان المسلمين، وإنما هذا هو رد فعل غالبية المجتمع. 5- صحيح لم يحدث "انهيار" .. لكن حدث "هروب" من القرى إلى المدينة بدلاً من البقاء فى قرية يشعر فيها بالحصار، وهذا شىء خطير يكرس الانشقاق والعزلة. 6- صحيح أن فصل الدين عن السياسة لم يكتمل، وصحيح أن دستور 1923 نص على أن الاسلام هو دين الدولة الرسمى، لكن يجب ألا ننسى أن مصر فى ذلك الوقت كانت تخرج بالكاد من معطف دولة الخلافة الاسلامية، ثم تفاقم الوضع بعد ذلك من جراء جمود الكنيسة والأزهر منذ عام 1952. وهكذا، فإننا بدأنا ببحث تقلص تمثيل الاقباط فى المجالس النيابية لكننا انتهينا إلى الاصطدام بأمراض الاحتباس الديموقراطى، وتخلف التعليم، وصعود الثقافة الأصولية التى لا تعترف بالتمييز فقط وإنما تعتبره "فضيلة" أيضاً. باختصار، هموم الأقباط جزء لا يتجزأ من هموم مصر.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة تحتاج إجابات قبل أن يحترق الوطن -1-
-
باقة ورد علي ضريح فتحي عبدالفتاح
-
عندما جلس رئيس الحكومة على مقعد الأقلية!
-
مبروك.. لمصر
-
باقة ورد على ضريح فتحى عبد الفتاح
-
شيزوفرينيا وطنية .. مخيفة!
-
انتخابات نقابة الصحفيين .. تعليق أخير
-
شكر مستحق .. واعتذار واجب .. ل -طلعت حرب-!
-
قراءة في تقرير مهم .. مبادرة »ياسين« وتحذير »الجبالي«
-
طلعت حرب
-
متى نتوقف عن اللت والعجن فى قضايا القرون الوسطى؟!
-
هل تتذكرون بنك القاهرة ؟
-
جماعة الإدارة العليا .. بامتياز (2)
-
القلق لا يليق بإسرائيل .. فقط
-
الكل فى واحد : مدارس صحفية متعددة ومطالب نقابية موحدة
-
رغم سلبيات تافهة وتجاوزات غير بريئة.. ألف مبروك للصحفيين ..
...
-
الثورة الفرنسية .. الثانية
-
نشرة حكومية .. لكنها تستحق الاحترام
-
يومان داخل عرين -حلف شمال الأطلنطى- .. يا حفيظ!
-
إنها الحرية .. يا غبى
المزيد.....
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
-
من هنأ الشرع من القادة العرب بتنصيبه رئيسا لسوريا للمرحلة ال
...
-
-هذه هي المرة الأولى التي ألمس فيها أبي-، شابة فلسطينية تلتق
...
-
حماس تفرج عن المجندة الإسرائيلية آغام بيرغر وسط مشاهد مؤثرة
...
-
تحذيرات من تسرب فيروسات خطيرة من مختبر أبحاث في الكونغو بسبب
...
-
فيروس زيكا يتلاعب بالبيولوجيا البشرية لضمان بقائه!.. كيف يفع
...
-
-متلازمة الجلد المحمّص-.. عواقب التعرض الزائد لمصادر التدفئة
...
-
علماء يعثرون على قيء متحجر من عصر الديناصورات في الدنمارك
-
القمر ليس ميتا! .. دراسة تكشف عن نشاط جيولوجي حديث
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|