عيد بأية حال عدت يا عيد ...... فيما مضى أم لأمر فيه تجديد
أم الأحبة فالبيداء دونهم ........ فليت دونك بيد دونها بيــــــــد
للعيد أشياءه الجميلة وذكرياته الرائعة ... ذكريات مفعمة بشوق لاسترجاع أيام الصبا
وما يلف في أطرافه من حلم طفولي ... وهرطقات غير معتادة ..... وها هو يقبل وقد عبرنا مساحات الطفولة والصبا الجميل وأخذتنا مرامي الحياة نحو منافذنا البعيدة حيث أوصدت أبوابها علينا ... تركتنا عالقين فقط في استرجاع صور كانت بالأمس لها نكهتها الخاصة ... وعبقها المميز ... واليوم تحولت إلى ذكرى مازالت حلاوتها وطعمها يستذكرها اللسان بين الفينة والأخرى .....
سأروي يا امونتي الجميلة عن العيد في مدينة اهلك ومرابع ذكرياتك ... مدينة الحب المدينة السومرية ... حيث كان أهل السماوة يحتفون به على طريقتهم الخاصة ووفقا لإمكانياتهم المتواضعة لإدخال الفرحة، فرحة العيد الصغير و على نفوس اطفالها اذ يقيمون لهم ملاعب للمرح يسمونها ( الدواليب) عبارة عن مساحة ترابية تتوزع عليها ما يعرف بالمراجيح ( الفرارة ? دولاب الهوى،المرجوحه....الخ) و كما يتوزع باعة الحلوى والمأكولات الخفيفة هنا وهناك لإضفاء جو من البهجة على عيد الاطفال بابتياع الحلوى والالعاب والاطعمة(اللفة والعصائر _الشربت) من عيدياتهم التي استحصلوا عليها.
كانت هذه الملاعب مقصد الأطفال منذ الصباح الباكر إلى المساء يمرحون ويلعبون متباهين وملابسهم الجميلة كل حسب إمكانيات ذويه و التي تتفاوت بين ميسورهم وفقيرهم .. إلا أن فرحة العيد لا تفرق بين براءتهم حينما يحل عليهم . يجلبهم جميعا الى
منطقه اسمها ( قاع باني )
نسبة إلى ( باني) صاحب هذه الأرض سابقا والتي تحولت الى مبان لاحقا
ومن اكثر الاشياء التي تمتع الاطفال في العيد يا إيمان ..كانت تلك العربات التي تجرها الخيول أو الحمير التي كانت تجوب المدينه محملة بالأطفال المبتهجين وهم يرددون أغاني وأهازيج بشكل جماعي تعبر عن البراءة والعفوية الطفو ليه .. ( لحد يسيد جبار واللحمه فوك الدار ) حيث يكون صاحب العربة قاصدا بهم لمرقد قريب من السماوة اسمه (مرقد سيد جبار ) وحين يزداد مرحهم يأخذهم الحماس للإنشاد لسائق العربة في أهزوجتهم ( هذا دريولنه الورد ... هسه يود ينه ويرد ) وكم اذكر مشهد لا يفارق مخيلتي مذ ذاك و حين تمر تلك العربات بالقرب من بعضها تصرخ كل مجموعة منهم بالاخرى لاثارتهم والتباهي عليهم بالسخرية البريئة من سائق العربة الأخرى فتتعالى ضحكاتهم واصواتهم وهم يغنون ( قربونته تروح وترد ) ويا للمزحة الجميلة البريئة ويا للابتسامه التي تزغرد على وجوههم وهم يحتفون بهذه المناسبة ....
يا إيمان حينما كنا صغارا نتلهف للعيد بكل شوق ... أتعلمين يا سيدتي انا درجنا على عادة اتصور اننا نشترك بها مع الكثيرين من اطفال المسلمين في كل بقاع الارض حيث كنا نهيء ملابس العيد على طريقتنا الخاصه، اذ نفردها كلها بما فيها الاحذية بالقرب من مخدعنا و من شدة فرحنا بها وشوقنا لارتدائها صباح العيد نضعها في اقرب مكان تراه اعيننا حين نفتحها صباح العيد لنزداد بهجة ورغبة في الظهور بها وسط اقراننا ونتنافس اينا يظهر بها اولا... كنا بعد ان ( نعيد ) ابوينا نذهب الى الاقارب لكي نحصل على النقود منهم وكنا نسميها ( العيديه ) كم كنا نقبل ايادي عماتنا وخالاتنا واعمامنا واخوالنا واجدادنا من اجل ان نحصل على اكثر قدر من النقود ( العيديه ) انها كالغلة اخر الموسم .
ايمان.... ما اجملها من متعة وكانني اليوم بها وهذا العيد قد اقبل .. مااروع الامس وما اجمله .. وما اعذب ايامه ... ذات ذكرى حين كنا نقصد منطقة على اطراف السماوة تعرف و..( المهدي ) كان سائق السياره يتجاوب معنا بكل مرح مستخدما بوق سيارته بلحن متقطع ونحن ننشد ونقلد صوت زمور السيارة تشجيعا له ( يسايق السياره طيط طيط...)
في نهارات العيد ومساءاته نفقد شهية النعاس او الرقاد لان ايامه وساعاته لا تعوض نبذل قصارى جهدنا لاستغلال الوقت بالترفيه و فالصباح مخصص للمراجيح وزيارات الاهل والاقارب، والعصرللسينما الوحيده في السماوة لذا ترينها يا سيدتي مكتظة دوما بالزائرين، وبرغم ان ما يعرض فيها من افلام لم يكن سوى افلام الكاوبوي والافلام الهندية، الا ان رغبتنا في المرح تقودنا للتفاعل معها بشكل كبيروبحجم براءتنا
لا ازال اذكر( محمد خضير و حسن ) حارسا دار السينما اياها , وكم اوسعونا ضربا جراء الازدحام والفوضى التي نخلقها للحصول على التذاكر ( محمد ابو السينما ) هل لا زلت تصرخ في وجه رواد السينما وتلقنهم ( علقة ساخنة كما كنت تفعل بنا..)
وهل لا زالت السينما تعرض ذات الافلام وتستحوذ على اهتمام اطفال السماوة، وهل لا زال صراخهم يعلوا حين يتقطع الفيلم اثناء العرض اكثر من عشرين مرة و حين ينسى القائم على تشغيله نفسه وهو يحتسي الجعة بهوس ويترك الفلم يذهب للجحيم برغم صفيرنا وصراخنا عليه ( يا مطرود الاعور) ..يا لله وللذكريات الجميلة...
يا صغيرتي.. .. بعد نهار مليء بالمغامرات والضحك والصراخ البريء نعود لأهلنا بحلم الغد وبرنامجه الجديد وماذا نفعل في اليومين التاليين و هكذا كانت احلامنا .. احلام الصبا الجميل .. كانت غلة العيد ( العيدية ) تمنح البعض فرصة للعب القمار والتي نطلق عليها ( اللكو ) او الزار .. ( فوق السبعه وتحت السبعه ) كان للعيد اباحية خاصه .. وعوالم خاصه ..
وكما يرغب الجميع بحفر ذكرياتهم على جدار التاريخ الزمن، كان الاطفال لا يقلون رغبة بذلك ايضا فياتي سيد (جليل المصور ) ليحقق هذه الامنية بوصفه مصورا فوتغرافيا متجولا يجوب المدينة راجلا يلتقط الصور التذكاريه لمن يرغب بهذه المناسبة ... ومصورين اخر هناك .. ولكن لصورة ( سيد جليل) طعم خاص بها
ففي مرة من المرات طلب منه ( حمزه الكببجي ) ان ياخذ له صور وهو يشوي ......
( الكباب ) فاخذ الصورة الى الرجل .. وحينما ظهرت الصوره وقدمها اليه اتضح
انها صورة الكباب وهو يشوى على الفحم في ( المنقله ) فقال له ( حمزه الكببجي ): اين انا ... اتعلمين يا ايمان ماذا اجابه ( هو اكو واحد ما يعرفك بس يشوف المنقله يعرف انها لحمزه الكببجي ) هكذا كانت المدينة البريئة باهلها وطيبة بناسها ...
سرقوا احلامنا يا ايمان ... جاؤا وسرقوا كل شيء .. الحلم .. الذكرى .. الطفوله ...اشيائنا ... كانوا ككابوس يجثو على الصدر ... ترى يا ايمان والعيد اليوم يمر على اطفال بلادي بلا اثرللدكتاتوريه ... ماذا يفعلون؟؟ .. ايفعلون مثلما كنا نفعل نحن .. ينتظرون ليلة قدوم العيد بنفس الشوق .. هل تمكن ذويهم من ابتياع لوازم العيد لهم؟؟؟.. وهل يمرعليهم العيد بكل ما يحمل من سلام ... و .... واحسرتا ... ونحن نقبع في زوايا منافينا ونكتب عن بلاد حالمة ... بلاد لها طعم خاص ونكهة خاصة ...
يا ايمان ... ما ابهى العيد في بلادي.. ذاك العيد الذي حال القدر بيننا وبين أن نشهد اناقته وعذوبة ايامه في بلادنا.. ومدينتنا .. حين يضنينا الشوق والحب الى ملاعب الصبا والطفوله .. الحنين الى قبلات جداتنا في اول ايام العيد عوضا عن قبلات امنا التي عاجلها الرحيل الى رحمة الباري عز وجل منذ نعومة اظفارنا .. والتوق الى بشر وجه ابائنا في يوم العيد .. الى اخوتي وكيف كنا نتصالح في العيد .. الى اصدقائي .....
الى سعد سباهي ونعمان الحميدي وفيصل جابر عوض وناجي كاشي ..
واحسرتاه ... مرت الاعياد والاعياد .. والمنفى يلفنا برداء الحزن ... وها انا وقد اقبل العيد ...اجدني مرارا منزويا في غرفتي ومجالس غربتي وهمي .. وانت يا ايمان بعيدة عني ...
فرحم الله ابو الطيب المتنبي ذكرني ببيته الجميل .. واثار شجوني .. وحنيني ..
سيأتي العيد يا عراق.....فارفل باثواب الحرية والسلام والبهجة ...لقد رحل قاتلوا الاحلام والاعياد ... وجاء العيد باشراقة الامل والامنيات بوطن اجمل وامستقبل ازهى
ايامك انشاء الله تملؤها السعاده والرفاهيه .. وانت تستقبلين العيد .. .. وانا من غربتي ووحدتي وحيرتي وحنيني ... ابعث اليك قلبي هدية لعيدك الجميل ...
سلام الى العراق والسماوة واهل العراق والسماوة ... سلام لاطفال العراق والسماوة .. وهم يستقبلون العيد .. بعد سقوط الطغاة وانهيار الدكتاتوريه .. في وطننا الجميل ..
وسالتقيك في ذكرى اخرى وحكايا اخر .. فافتحي دفترك واكتبي
النرويـــــج