أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - رائحة الوحش














المزيد.....

رائحة الوحش


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 661 - 2003 / 11 / 23 - 10:40
المحور: الادب والفن
    


كلما وجدت نفسي أمام شخص يعرّف نفسه على أنه طورد ولوحق وسجن ونفي وتشرد وجرح وقاوم، شعرت بأنني أمام شرطي من شرطة الفكر أو جلاد مستقبلي، ما عدا استثناءات نادرة خرجت من الجحيم وهي تحمل، رغم النار، ملامح الفراشات وقلوب الأطفال، وهؤلاء كانوا مرشحين في أزمنة غابرة لوظيفة كبار الأنبياء والرهبان والحكماء والعشاق.

وصحيح قول الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وهو شاعر ومناضل قضى 8 سنوات تقريبا في السجن:
من كثرة ما عاشرت الوحش
رائحته تلتصق
الآن
بجلدك).
 
المصاحبة الطويلة للوحش، والحقد، وسلوك الانتقام، والإذلال الطويل، وكل المشاعر الصفراء الكريهة تعلق في جسد وروح ومشاعر الضحية حتى النهاية وتطبع سلوكها دون وعي، ولا تعود تفكر إلا من خلال ثنائية العدو والصديق، أو الجلاد والضحية ..الخ... وهذه الثنائيات تتناسل كل يوم حتى يقع في الحبس الذي لا فكاك منه: حبس الرؤية. أي أنه يرى العالم بعين جلاده القديم. ونحن لا نغادر سجوننا الداخلية لمجرد فتح الأبواب، بل أن بعضنا يحملها معه بكل حنان أينما ارتحل ويدخل كل يوم، بل كل لحظة، خصوما جددا فيها حسب شروط جلاده أيضا في مصيدة العدو/ الصديق/ الضحية/ الجلاد...الخ. 

لا أحد ينجو من الوحش، الخوف، الألم، حين يقع تحت رحمته حتى لو (نجا) جسديا منه، فسيظل عالقا فيه الكثير من ملامح وحشه وجلاده، وهو يعيد إنتاجه كل مرة في شكل مواقف تتسم بالشراسة والكلبية والسعار ولغة الافتراس حتى لو كان ذلك مغلفا بشعارات ملونة، حتى لو عاشت هذه الضحية في مكان بعيد لا سلطة للوحش القديم فيه.

إما إذا تمكن احد هؤلاء من حرفة الكتابة فسيعيد كتابة كل شروط جلاده وسجانه ووحشه الغائب على شكل ( مقالات) هي أوامر عسكرية أو أوامر مركز بوليس أو بيانات زجرية تتسم بأقصى حالة صبينة وغوغأة رغم غلاف الرصانة مثل( أسكتوا هؤلاء عن الكلام!) أو ( اخرسوا جماعة السراب والريح لأنهم من العدو الطبقي!) أو( أوقفوا هذه الظاهرة الشريرة!).

أي أن هذه الظاهرة الشريرة وذلك الخصم وذاك الكلام لا يمكن أن يعالج أو يحل إلا بالإسكات والإخراس والرصاص أيضا.

على محطات اسكندنافية أرى مرات عديدة حوارات بين رهبان وشرطة وزعماء أحزاب ومفكرين وعاهرات ومجرمين ومربين وناشرين  لمعالجة ظاهرة ما غير مرغوب فيها.

وليس الحوار مفيدا فحسب، بل الطريقة الراقية الآدمية في الحوار حيث لا يخطر ببال أحدهم في أعلى درجات الخرف والشطح والتسلطن أن يطالب بإسكات الآخرين أو اقتلاع أصواتهم، وهذه الظاهرة مشرقية بامتياز.

صحيح أنه لا أحد( يدخل نفق الفحم ويخرج بقميص ناصع البياض) وصحيح أيضا أن العيش تحت القمع فترات طويلة يترك تلك الرائحة الكريهة الزاجرة الآمرة الغبية، لكن كثيرين دخلوا، بالمقابل، عاشروا الوحش، وعاشوا، منذ الطفولة مشردين، يتامى، لكنهم خرجوا يحملون رائحة خبز التنور وهي تفوح بعطر شهي، ويحملون رائحة فجر مبلل بالندى، ويحملون رائحة مساء دافئ معطر برائحة موقد عائلي مشع بالبهجة. 
  
ليس السجن قضبانا بل ذهنية
ونحن قد نخرج من سجون الأسمنت
كي نعيش، على البحر، وفي الهواء الطلق،
سجناء إلى الأبد
داخل جلودنا
ورائحتنا تخيف الوحش نفسه!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة
- مغني الفيدرالية
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!
- من يؤجج هذه الروح الكريهة؟
- دعوا زهور الخراب تتفتح
- الإمام المسلح
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة مرة أخرى


المزيد.....




- من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم ...
- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - رائحة الوحش