|
حوار مع الفنان الاسرائيلي التقدمي مئير غال
نير نادر
الحوار المتمدن-العدد: 107 - 2002 / 4 / 20 - 21:24
المحور:
الادب والفن
"عندما بكوا فرحا لاوسلو رأيت ضوءا احمر"
من اعوامه الثلاثة والاربعين امضى الفنان الاسرائيلي مئير غال 15 عاما في مدينة نيويورك. يعلم غال في كلية للفنون، وقد نظم خمسة معارض فردية وشارك في 36 معرضا، واخيرا قدم في تل ابيب معرضين. الرسالة السياسية لمعارضه واضحة، بل صارخة. الموقف السياسي المعارض الذي يتخذه فنان اسرائيلي في هذا الوضع الدقيق بالذات، هو بلا شك موقف جريء وتعبير عن ظاهرة معينة في الاوساط المثقفة في الجانب الاسرائيلي، ويستدعي منا الوقوف عنده والتأمل. فيما يلي مقتطفات من المقابلة التي نشرتها معه مجلة "تشالنج" الانجليزية الزميلة للصبّار في آذار 2002.
حاوره داني بن سمحون ونير نادر
مئير غال : قبل عدة ايام القيت محاضرتين في الجامعة العبرية بالقدس، الاولى كانت حول ظاهرة شطب حقائق التاريخ، وتناولت قيام المؤسسة الاسرائيلية الاوروبية الاصل بشطب تاريخ اليهود الشرقيين. وكان هناك اجماع شامل بين الطلاب حول هذه القضية.
في نفس المساء القيت محاضرة اخرى، قدمت لها بمعرض صور التقطتها اثناء زيارتي الى مستوطنة بسغات زئيف (شمال القدس). هذه المحاضرة اثارت حالة من عدم الارتياح بين الجمهور. الصور كانت عبارة عن لافتات تحمل عنوان البيت واسم العائلة التي تسكنه، ما لفت نظري في المستوطنة واستدعى التأمل ان اسماء شوارعها جميعا مأخوذة من اسماء لوحدات الجيش الاسرائيلي، ومنها "شارع الدورية" و"شارع سلاح الجو" و"مفترق جنرال بار ليف" الخ. كما لاحظت ان بعض الناس اختاروا ان يكتبوا اسم العائلة الى جانب اسم الشارع، على سبيل المثال، "عائلة ستيرنبرغ - وحدة جولاني 17أ".
خلال عامين عملت على تطوير مشروعين متزامنين لعرض انطباعاتي من الزيارة. المعرض الاول قدمته في صالة العرض "عامي شتاينيتس" في تل ابيب عام 1997، بعنوان "لي شخص محبوب في وحدة خروب" (وهو اسم اغنية اسرائيلية من السبعينات). المشروع الثاني عرض في "متحف تل ابيب" عام 1998 بعنوان بيت حنينا/ بسغات زئيف، وفي كتابة العنوان شطبت جزئيا اسم بيت حنينا بشكل متعمد، ولكني مكّنت القارئ من التعرف على الكلمة.
وعودة للمحاضرة. فيما انا واقف اقدم صور حي بسغات زئيف في عتمة تامة، فوجئت بشخص يصيح في وجهي: "هناك اناس ضحوا بحياتهم لتتمكن انت من التكلم هنا"، ثم اخذ جهاز بث الصور وكسره. وسرعان ما انقسم الحضور بين مؤيد لفعلته وبين مندد ولكن متفهم. احد من الحضور الذي اتى لسماعي، لم يدعمني.
الرسالة التي وصلتني كانت: ان الجنود الاسرائيليين الذين ضحوا بحياتهم اثناء احتلال هذا الموقع هم الذين يمنحوني كفنان الحق بالكلام، ومن هنا، وباسمهم، يستمد الانسان الذي هاجمني حق استخدام العنف ضدي. موت بعض الجنود في هذا المكان يعني انهاء اي نقاش حر، ويمنح المكان صفة القداسة بحيث يصبح مجرد التفكير بالانسحاب منه امرا ممنوعا. ولما كان الاصرار على البقاء في هذه المواقع يزيد عدد القتلى، فان هذا يعني زيادة قدسية هذه الاماكن، وبالتالي يصبح علينا ان نواصل القتل والموت دون نهاية.
محاضرتي استهدفت اثارة السؤال "كيف تضحي الدولة بحياة مواطنيها؟"، ولكني بالمقابل واجهت رد فعل عنيف اتهمني بخيانة ذكرى الموتى. فماذا يقول هذا عن المجتمع الاسرائيلي؟
نير نادر: الشخص العنيف استعمل الوسيلة المتبعة في اسرائيل لحل جميع الخلافات: العنف. عندما كسر آلة بث الصور كان يريد الانتقام منك لانك كسرت الاجماع القومي الذي يرى في كل يهودي شريكا تلقائيا في الحرب ضد العرب.
مئير غال: طالما انحصر حديثي في مسألة الصراع الطائفي داخل المجتمع الاسرائيلي، كان الجمهور مؤدبا وهادئا. لكن في اللحظة التي بدأت اتحدث فيها عن الفلسطينيين كضحية، تغير كل شيء. الفلسطينيون في نظر الاسرائيليين هم الطرف المعتدي. معظم الاسرائيليين الذين اعرفهم يعتقدون انهم الضحية.
داني بن سمحون: الحديث عن ثورة لليهود الشرقيين في اسرائيل يبدو امرا تقادم عليه الزمن في عصر العولمة. هذا الموضوع هو محور معرضك بعنوان "كل شيء سيكون على ما يرام" الذي تضمن عملا فنيا جديدا اسمه "Arms pit " وهو عبارة عن صورة لشعر ابطك الذي يتخذ شكل خريطة اسرائيل. هلا حدثتنا عن هذا العمل؟
مئير غال: معنى اسم هذه الصورة مركّب: فكلمة Arms pit تعني ابط، ولكن باللهجة البريطانية تعني كلمة Arms pit مستودع اسلحة. القصد من هذه اللوحة اظهار اسرائيل كدولة تملك سلاحا يمكنه تدمير قسم كبير من الكرة الارضية. وليس هذا فحسب، بل هدفت من خلال رسم خريطة اسرائيل على جسمي ان أُبرز الطريقة التي تتدخل فيها الدولة بحياة ونفسية المواطنين. التعامل مع المواطنين كما لو كانوا مجرد ارقام، يُفقِدهم حريتهم وحقهم في بناء شخصية مستقلة عن الشخصية التي تفرض عليهم الدولة تقمصها.
بعض الناس يقولون لي احيانا: انت تعيش في نيويورك، ولذلك ليس من حقك انتقادنا. هذا الاتهام يقول لي عمليا انه ليس من حقي ان احمل ذاكرتي وتاريخي الشخصي الى المكان الذي اخترته للسكن. بكلام آخر، يرى هؤلاء ان ما يحدث الدولة هو ملك للدولة، واذا اردت الانتقال للسكن في مكان آخر فعليّ ان اترك ضميري وذاكرتي وافكاري في البلاد كوديعة.
الحقيقة ان احد اسباب انتقالي للسكن في مكان آخر، كان شعوري بمصادرة جسمي. في اواخر السبعينات بدأت اشعر ان دولة اسرائيل تسيطر على حق مواطنيها في اجسادهم. ففي سبيل تحقيق هدفها العقائدي والاستعماري، تطلب الدولة من مواطنيها تقديم ارواحهم. الصهيونية قامت بتجنيد الناس لهذا الهدف منذ بدايتها، مستخدمة الادعاءات الكاذبة وغسيل الدماغ والرشوة والوعود الكاذبة. لذلك اخترت ان اسمي معرضي "كل شيء سيكون على ما يرام"، قاصدا ان ان اكشف زيف شعارات الدولة التي تخلق الوهم الخطير بان الصراع سينتهي يوما ما وان الجميع سينتعش ويربح.
الدولة تعد من يموت في سبيل الهدف القومي بالحياة الابدية، وبان موتهم سيبعث الحياة في الباقين من بعدهم. حتى الموت يحولونه الى نوع من الرشوة. دولة اسرائيل تدّعي انها توفر الحياة الآمنة لسكانها اليهود، وانها تضمن لهم مكانا واحدا في العالم يمكنهم ان يشعروا فيه بالامان، ولكن العكس هو الصحيح: المواطنون في البلاد يعيشون دون الحد الادنى من الامان والاطمئنان.
نير نادر: ماذا تقول في اليسار الاسرائيلي الذي قبل بتسوية اوسلو طالما انها ضمنت امتيازاته بينما مسّت بحرية الفلسطينيين.
مئير غال: اذكر جيدا اليوم الذي وقعوا فيه على اتفاق اوسلو. الاسرائيليون كانوا يبكون من الفرح، ولكن اقلية منهم فقط اهتمت بقراءة نصوص الاتفاق. انا ارى في اتفاق اوسلو جريمة. لقد كان هدف هذا الاتفاق تكريس فقر الفلسطينيين وبسط سيطرة اسرائيل على حياتهم الى الابد. هذا النوع من الاتفاق كان لا بد ان يؤدي الى انفجار المقاومة والى سفك الدماء.
في الوقت الذي تم فيه تأجيل كل الامور المصيرية التي كانت تهم الفلسطينيين دون تحديد موعد لبحثها، حصلت اسرائيل على الفور على كل ما كانت تريده - الاعتراف العربي بها وكسر المقاطعة العربية. عرفات تحول الى ضابط في خدمة الجيش الاسرائيلي، واصبحت مهمته الاساسية الحفاظ على امن الاسرائيليين. اليوم، بعد تسع سنوات، وبعد ان دفع آلاف الضحايا ثمن الاتفاق وتدهورت الاوضاع، لا يستطيع احد ان يتحجج بانه لا يفهم الامور او انه لم ير الضوء الاحمر.
لصبار 151 نيسان 2002
#نير_نادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيلم الوثائقي الملتزم حول احداث سياتل ضد العولمة
المزيد.....
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|