|
خروف ..وتخاريف..!!
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 11:50
المحور:
كتابات ساخرة
"الحمدلله الذي لم يخلقني خروفا" عبارة قلتها حين شاهدت سوق بيع خراف العيد في طريقي الى غزة..ضحك من معي في السيارة ثم سادت لحظة صمت ..تأملت ماقلت..وجدتني أعيد النظر فيه وأبدأ بالسؤال..ولم لا أكون خروفا....؟!! أليس هذا أشرف وأكرم من أن نكون ذئابا تنهش بعضها البعض حتى الموت..!! وكلها على اختلاف انيابهافرائس سهلة للعنقاء العبرية..؟!!
أن أكون خروفا في هذا الزمن المر ..فان هذا يضمن لي صفحة سوابق بيضاء ناصعة وغير مصنفة على فصيل أو لون معين ويضمن لي قبل الذبح طبعا تبنا وشعيرا كثيرا ممزوجا بالملح من التاجرالجشع لضمان زيادة وزني وبيعي بأكبر مبلغ ممكن من الدنانير أو الدولارات أو الشيكلات ..هذا عدا الجولات السياحية في المراعي للتحلية بالحشائش الطرية المنتوعة بعيدا عن الهم البشري من طحين وغاز وفواتير التليفون والكهرباء والسولار وتزايد ضنك من يعيشون الحصار ويعانون من اغلاق المعابر ولا يجدون حتى الكوبونات ورغم ذلك فان الفريقين المتناحرين يستثمرون معاناه الابرياء ويوضفونها لخدمة أغراضهم الضيقة ويتسابقون في صراع كروي محموم ..لايهمهما سوى حصد أكبر عدد ممكن من النقاط في دوري المهرجانات..!! صحيح ان لي عقل خروف ولكني أعي بقدرة الله مايدور حولي أكثر من اؤلئك المتأستذين وفطاحل الفتاوى السياسيةالذين يعملون بالريموت كونترول..!! ولهذا .. فاني أرحب بمصيري على يد سكين جزار تنفيذا لقيمة التضحية الالهية ..ففي رأيي كخروف عيد ان نهايتي بهذه الطريقة هي أعظم من نهايات كثيرة للبشر من حولي حيث يذبح الاخ أخيه والابن ابيه من أجل مخترة أوشيخة ..!!
استغرقت في الصورة.. فرأيت ان التاجر يقرر بيعي ويذهب بي السوق راكبا لانه يخشى على من التعب والارهاق..ياسلام على الانسانية ،وهناك يبدأ المساومات وحلف الايمان والصلاة على النبي وهو الذي لم أره يصلي منذ فتحت عيني على الدنيا وحرمني من الرضاع من امي التي باعها بعد ميلادي بعشرة أيام..!! بعد ربع ساعة ..باعني التاجر فاقد الذمة الى رجل موسر من أهل الحكم وقبض المبلغ بالدولار فدسه في جيب البالطو الوسخ..وقال مبروك أخذني المالك الجديد راكبا ومعززا مكرما الى بيته..وهناك استقبلني الاطفال من رأس الشارع..زفوني وداعبوني و حاولوا اضحاكي وصوروني عدة صور للذكرى.. ولكنى لم ابتسم فكيف أفعل ذلك وأنا سأغادر الدنيا بعد يومين..؟!!
كان المكان أكثر دفئا وأنسا فقد سمعت لاول مرة أخبار الجزيرة وأناشيد الاقصى وبكيت لما سمعت أغنية حزينة عن الغربة والاسر ولكني فوجئت عندما سمعت اغنية خاصة للخراف أمثالي..!! سمعت أيضا شيئا عجبا عن امام فتنة من أئمة هذا الزمن رفض أن يصلي على شهيدين.. أي والله شهيدين..!! بدعوى انهمامن فئة غير الفئة ومن لون غير اللون..!! تصوروا..الى هذه الدرجة من التوحش والتبلد وضياع الدنيا والدين وصل البشر.. كنت أحس بطعم كل لحظة تمر ..في هذا العز وقبل أن اساق الى مصيري وفي ليلة العيد ..سهرت حتى الصباح وفكرت في حكمة ان نكون نحن معشر الانعام الضحية عن بشر يضحون في الحقيقة ببعضهم البعض ويجيدون فقط لعبة النعي والتأبين..!!
انها حكمة الخالق وأنا مؤمن بالله..ومايعزيني انني كخروف ذاهب مباشرة الى الجنة دون واسطة لأني لم اسيء لأحد ولم أكذب على أحد ولم أسرق مال أحد..صفحتي بيضاء.. كحمام مكة بينما سيصلى معظم الذابحين والمذبوحين بنار جهنم لأنهم اقتتلوا على الباطل بالباطل..!!
قبل لحظات من موعد الذبح جاء "أبو الحسن" من صلاة العيد والسبحةفي يده وبرفقته جزار محترف .. ايقنت لحظتها ان ساعتي قد دنت.. قرأت الفاتحة..ودعوت الله ان يخفف عنى سكرة الموت..سمعت كما الحلم زوجة صاحب البيت.. توصي زوجها بلهجة أمرة ان لايفرط بالكبد والكلاوي والفشة والمعلاق وحتى الكرشة وثلثي الضحية لانها ستخبئها في الثلاجة الكبيرة..فاللحمة طار سعرها الى 50شيكل للكيلو ..وأولادها أبدى..!!
كانت ضحكتي الاخيرة قبل أن أرفض بصمت الشرب من الجردل الاسود شربتي الاخيرة.. وهنا أمسك بي الجزار وداعبني بيده الجافة قليلا..وعيني على سكينه الفضي الحاد.. بكى الطفل الصغيرمن جلال المنظر..فأخذوه بعيدا..هتف الجزار العبوس :الله أكبر..!! تجلدت..وتقلصت فرائصي وأخذتني العزة فلم أصرخ ب..ماء..ماء فقال أبو الحسن ..ان هذا يذكرني بموقف صعب جرى في صبيحةعيد الاضحى الماضي..!!
كانت قرصةعميقةسرعان ماتحولت الى احتراق كبير واختناق في الرقبة فظيع..سائل لزج يتدفق..برودةسريعةتسرى ..ترتعش اطرافي..أصعد في غيبوبة بيضاء..ارى امي في أبهة صورة..وهي تمد يديها الي سعيدة..مرحبة.. أحسستني في صعودي الى السماء المسيح ويوسف واسماعيل معا..سعادة مابعدها سعادة أني أغادر ذلك العالم الضيق المتهالك الى فضاء الديمومة والصفاء..!!
هنا ايقطنى ركاب السيارة من سرحاني البعيد.. فضحكت بصوت مكتوم..ونزلت بينما المذيع المنتصر..يعلن سقوط 12 ضحيةفلسطينية في 24 ساعة فقط..!!
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ومن المقاومة ما قتل..!!
-
اعدام غزة..!!
-
أنا بوليس.. وأخواتها..!!
-
كذابين الزفة..!!
-
أصفر..برتقالي ..أسود..!!
-
فيا ض أم غيا ض..!!
-
عاجل : من باب الحارة الى -أبو العبد - هنية..!!
-
سطومسلح ..على ثوب أمي..!!
-
امارة -كبوونستان -العظمى..!!
-
عيد مش سعيد..!!
-
شيء من الخوف..!!
-
وداعا..آخر الرجال المحترمين..!!
-
حيدوا المساجد..!!
-
اللهم اني صائم..!!
-
عذرا..سأصلي في بيتي..!!
-
حقد..على الطريق..!!
-
ربنا يستر..!!
-
قف..ممنوع الاقتراب أو التصوير..!!
-
من غير زعل..!!
-
الا..عبد الناصر..!!
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|