|
القلب الفاضح لادغار الن بو
محمد فتاح
الحوار المتمدن-العدد: 2136 - 2007 / 12 / 21 - 13:06
المحور:
الادب والفن
ترجمة محمد فتاح صحيح !- متوتر – كنت حقا في غاية التوتر ! ولكن لماذا تقولون إنني مجنون ؟ . المرض شحذ أحاسيسي – لم يقضي عليها ولم يبلدها . جعل حاسة السمع أكثرها قوة . سمعت جميع الأشياء في السماء والأرض . وسمعت أشياء كثيرة في جهنم . كيف إذن تقولون إنني مجنون ؟ . اسمع! ولاحظ بأي دقة--- وهدوء أسرد القصة كاملة . من الصعب علي أن أخبركم كيف دخلت الفكرة راسي للوهلة الأولى ولكن ما أن تصورتها حتى بدأت تلاحقني ليلا ونهارا . لا يوجد هناك غرض ولا تحامل . أحببت الرجل العجوز . لم يظلمني ولم يوجه لي أية إهانة . ولم تكن عندي رغبة في ماله . أعتقد إنها عينه ! نعم لقد كانت هي. واحدة من عيناه تشبه عين النسر الزرقاء الباهتة , يعلوها غشاء . كلما رمقتني ، يتجمد دمي في عروقي ، وهكذا تدريجيا – وبشكل جدا تدريجي – قررت أن اقضي على حياة الرجل العجوز , وبالتالي أنقذ نفسي من عينه إلى الأبد . هذه هي المسألة . تتصوروني مجنونا . المجانين لا يعرفون شيئا . ولكن كان عليكم أن تروني . كان عليكم أن ترون حكمتي - بأي حذر – وبأي بصيرة - وبأي خداع تقدمت لإنجاز المهمة ! لم أكن أكثر شفقة على الرجل من ألأسبوع الذي سبق قتلي إياه. كل ليلة , تقريبا منتصف الليل، أقوم باستدارة مزلاج بابه وافتحه – أه – في غاية الهدوء ! وبعد ذلك ، عندما أؤمن فتحة كافية لرأسي , أضع مشكاة مظللة ، محكمة من جميع الجوانب حتى لا ينبعث منها ضوء , ثم أقوم بمد رأسي . آه – لو رأيتم بأي حيلة افعل ذلك لضحكتم ! ثم أحركه ببطء – جدا , ببطء جدا , حتى لا ازعج الرجل في نومه . استغرق الأمر ساعة لأمد راسي كاملا من الفتحة حتى أراه بينما هو مستلقيا على فراشه . ها! – أيمكن لمجنون أن يكون على هكذا قدر من الحكمة؟ ثم عندما يدخل راسي بالكامل داخل الغرفة ، أقلل ضوء المشكاة بحذر – أه ، بحذر جدا- بحذر(لأن مفاصل الباب تصر) –أقلله الى درجة بحيث يسقط ضوء خافت على عين النسر . هذا ما قمت به لسبع ليال طوال – كل ليلة بالضبط عند منتصف الليل – ولكنني أجد عينه دائما مغلقة ؛ لذا تعذر عليّ إنجاز المهمة ؛ مايغيضني ليس الرجل العجوز بشخصه، ولكن عينه الشريرة . وفي كل صباح ، عندما ينبلج النهار ، ادخل الغرفة بجرأة ، وأتحدث إليه بشجاعة ، مناديا عليه بالاسم بلهجة جريئة، واسأله كيف أمضى ليله . لتكونوا على دراية من ذكاء الرجل العجوز ان كان ينتابه الشك في كل ليلة ، عند الساعة الثانية عشر، ان شخصايتلصلص عليه بينما هو يغط في نومه العميق. وفي الليلة الثامنة كنت أكثر حذرا من المعتاد في فتح الباب . حيث إن ميل دقائق ساعة اليد يتحرك أسرع مما افعل . لم اشعر بعظمة قواي وذكائي قبل تلك الليلة . لم استطع التحكم بشعور نشوة النصر . أن أتصور إني هناك افتح الباب على مهل ، وهو لم يراوده حتى في الحلم أعمالي وأفكاري السرية . أطلقت ضحكة خفية من تصور هذه الفكرة ، ربما سمعني ؛ حيث انه تقلب على سريره فجأة كما لو انه أصابه الخوف . ربما تتصوروني رجعت إلى الوراء – لا . كانت غرفته في ظلام حالك لأن النوافذ أغلقت بشكل محكم خشية اللصوص ، ولذا أدركت انه لا يستطيع أن يراني ا فتح الباب ، وبقيت ادفعه باستمرار ، باستمرار . ثم مددت راسي وكنت على وشك ان افتح المشكاة ، عندما وقع أبهامي على مفتاح الأحكام ، قفز الرجل العجوز في سريره صارخا : من هناك ؟ ؟ بقيت هادئا ولم اقل شيئا . على مدى ساعة كاملة لم أحرك عضلة واحدة ، في نفس الوقت لم اسمعه يستلقي على فراشه . ما يزال جالسا في فراشه يصغي ؛ -- مثلي تماما ، ليلة بعد ليلة ، يصغي إلى ساعات الموت المعلقة على الجدار.في هذا الوقت سمعت أنينا ضعيف وعرفت انه أنين خوف مميت . لم يكن انين ألم او حزن – أه لا ! كان صوتا واطئا مكتوما ينبعث من أعماق الروح عندما يستولي عليها الخوف.اعرف هذا الصوت جيدا . في عدة ليالي ، بالضبط عند منتصف الليل ، عندما يخلد العالم الى النوم ، يصعد من صدري ، ويتعمق ، بصداه المفزع ، المخاوف هي التي أذهلتني . أقول أني اعرفها جيدا . علمت ما مر به الرجل العجوز مما دفعني إلى الشفقة عليه ، رغم اني كنت اضحك في أعماق قلبي . وعرفت انه ظل مستيقظا منذ تلك الضوضاء البسيطة ، عندما تقلب على فراشه . كانت مخاوفه تكبر منذ ذلك الحين . حاول أن يتصورها بلا مبرر ، لكنه لم يستطع . كان يقول لنفسه : " لاشيء أنها صوت الرياح في المدخنة – أو" فأرة قطعت ارض الغرفة " أو " ربما صفير صرصر" .نعم حاول ان يواسي نفسه بهذه الافتراضات ، ولكن عبثا . جميعها بلا جدوى، لأن الموت ، باقترابه أليه، طاف بظلاله السوداء أمامه ، وأحاط بالضحية . وقد دفعه قوة الظل الغير مرئي الحزين ان يشعر – على الرغم من انه لم يرّ او يسمع –بحضور راسي داخل الغرفة . عندما انتظرت بصبر طويل دون ان اسمعه يخلد إلى النوم ، قررت أن افتح فتحة صغيرة في المشكاة . وهكذا فعلت – لايمكن تتصوروا بأي سرية فعلت ذلك – حتى في النهاية انطلق ضوء معتم ، مثل خيط العنكبوت ، من الفتحة واستقر على عين النسر . كانت مفتوحة على مصراعيها وقد استشطت غضبا عندما حدقت إليها . لقد رايتها بوضوح تام – كانت زرقاء باهته – مع الغشاء البشع الذي يعلوها والذي ادخل الخوف الى نخاع عظامي ، لم أرى شيء آخر من وجه الرجل العجوز أو شخصه ، لأنني وجهت الضوء ، كما لو كان بالبديهة ، إلى المنطقة اللعينة .والآن ، الم أخبركم أن ما حسبتموه جنونا ماهو إلا حدة زائدة في الأحاسيس؟ . في هذا الوقت ، تناهى الى أسماعي صوت سريع ،واطيء ومكتوم كالصوت الذي تحدثه الساعة عندما تلف بقطعة قطن . أعرف ذلك الصوت جيدا . انه دقات قلب الرجل العجوز . زادت مشاعر الغضب عندي ، كما تزيد قرع الطبول شجاعة الجندي .ولكن حتى هذه اللحظة أحجمت عن فعل شيء ولزمت الهدوء . كنت بالكاد أجر انفاسي . أبقيت المشكاة ساكنا . حاولت ان ابقي المشكاة ثابتا حتى يمكن لي ان ابقي الضوء على عين الرجل العجوز . تسارعت ضربات القلب وتعالى صوتها كل لحظة . كان خوف الرجل العجوز عظيما ! كما قلت ، يعلوا مع كل لحظة تمضي – أخبرتكم اني متوترا : وحقا ماقلت ، في سكون الليل ، وسط الصمت المخيف لذلك البيت الغارق في القدم، ضوضاء مخيفة كهذه تدفعني الى فعل مخيف خارج عن سيطرتي . ولكن لبعض الوقت امتنعت عن فعل شيء ولزمت السكون . الا ان ضربات القلب تعالت اكثر واكثر ! تصورت ان القلب سينفجر . قلق جديد احاط بي – ربما سيسمع الجيران الصوت ! لقد حان اجل الرجل العجوز ! بصرخة عالية ، فتحت المشكاة وقفزت الى داخل الغرفة . اطلق الرجل العجوز صرخة واحد فقط . وبسرعة سحبته الى ارضية الغرفة ثم وضعت سرير ثقيل فوقه . وبانتهاء المهمة بهذه السرعة ابتسممت بفرح، ولكن لعدة دقائق ضل القلب يخفق بصوت مكتوم ، لكن هذا الأمر لم يغيضني ، الصوت على اية حال لن يسمع من خلال الجدار .لكنه توقف في النهاية . اتهى اجل الرجل العجوز . رفعت السرير وفحصت الجثة . لقد كان جثة هامدة . وضعت يدي على قلبه وأبقيتها هناك لعدة دقائق . كان قلبه متوقفا .لم تعد عينه تغيضني . اذا كنتم مصرين على الأعتقاد انني مجنون ، ستبدولون رايكم هذا عندما اسرد لكم تدابير اخفاء الجثة . عندما اخذ ظلام اليل ينحسر ، عملت بسرعة ولكن بصمت . في البداية قطعت الجثة الى اوصال حيث قمت بفصل الرأس ، الذراعين والساقين . ثم رفعت ثلاث الواح خشبية من ارض الغرفة ثم دسست الجثة بين الفراغات المتبقية.بعد ذلك استبدلت الألواح بدهاء ، لايمكن لأي عين بشرية ، حتى عينه ، ان تكتشف اي شيء غير اعتيادي . لا يوجد شي يتطلب مني إخفاءه - لا يوجد في المكان أي بقعة دم . كنت على حذر من هذا الأمر . عندما قمت بعمل كل ذلك دقت الساعة الرابعة - مازال الظلام دامسا كما لوان الوقت منتصف الليل . عندما دق رقاص الساعة ، سمعت طرقا على الباب الخارجي.خرجت لأفتحه بقلب فرح – ولماذا كان علي ان أخاف؟ دخل ثلاث رجال قدموا انفسهم بلطف على انهم ضباط شرطة . سمع الجيران صراخ في الليلة الماضية ،وثارت الشكوك حول حدوث جريمة ، وأرسلت معلومات الى مركز الشرطة وعلى هذا ألأساس أرسل هؤلاء الضباط للتحقق من الأمر ، ابتسمت ابتسامة عريضة - ولماذا كان علي ان اخاف؟ رحبت بهم وأكدت ان الصراخ الذي سمعه الجيران كان منبعثا مني اثناء الحلم ، ثم ان الرجل العجوز غير موجود في المنزل اذ هو في الريف .اطلعت ضيوفي على كل زوايا البيت وسمحت لهم بتفتيش المنزل بدقة . أطلعتهم على ممتلكات الرجل العجوز وبينت لهم أنها في مكانها على حالها . دفعتني ثقتي إلى ان اجلب لهم الكراسي واطلب منهم الجلوس ليسترحوا من التعب . بينما أنا نفسي في قمة انتصاري الكامل ، وضعت مقعدي على المكان الذي أودعت فيه جثة الضحية . كان الضباط في غاية الرضا اذ ان تصرفاتي أقنعتهم . كنت هادئا على نحو فريد . وبينما كنت اجب على استفساراتهم بارتياح ، تبادلوا الأحاديث بينهم حول الأمور العادية . ولكن قبل أن يمضي وقت طويل ، بدا علي الشحوب وتمنيت لو أنهم غادروا المنزل . اخذ الألم مأخذه من راسي وتخيلت رنين في آذاني هذا والضباط مازالوا جالسين يتبادلون الأحاديث . اخذ الرنين يشتد ويتصاعد . أخذت اتحدث بحرية لأتخلص من هذا الشعور ولكنه استمر وصار اكثر وضوحا حتى في النهاية اكتشفت ان مصدر الضوضاء ليست أذني. اعتراني الشحوب ، ولكني بقيت أتكلم بسلاسة وبصوت مرتفع – ولكن الصوت اخذ يزداد – وماذا عساني ان افعل ؟ لقد كان صوتا واطئا ، ممل وسريع – كالصوت الذي يصدر من الساعة عندما تلف في القطن – أخذت انفاسي تتسارع – ولكن الضباط لم يسمعوا شيئا – اخذت اتحدث بسرعة وبقوة –ولكن إيقاع الصوت اخذ يعلوا – نهظت وبدات اتحدث عن امور تافهة ، بنفرزة وايماءة قوية –ولكن الصوت ازداد اكثر – لماذا لم يغادروا حتى الآن ؟ اخذت اذرع ارض الغرفة جيئة وذهابا بخطوات ثقيلة – كما لو ان ملاحظات الضباط أثارتني الى حد الغضب الشديد . يا الهي ! اخذت أزبد وأرعد واطلق السباب – قذفت الكرسي الذي كنت جالسا عليه ، ولكن الصوت استمر بالارتفاع . علا ضجيجه اكثر واكثر ! لكن الضباط مازالوا يتحدثون بهدوء مطلقين الأبتسامات ، امن المعقول انهم لم يسمعوا شيئا ؟ الهي – اعتقد انهم سمعوا –لابد انهم شكوا – او عرفوا –انهم يستهزؤون من مخاوفي ! هذا اعتقدته واعتقده . ولكن أي شيء كان افضل من الغم ! أي شيء كان أكثر تحملا من هذا الاستهزاء ! لم اعد اتحمل تلك الأبتسامات المنافقة ! شعرت اني يجب ان اصرخ او اموت ! بين حين وآخر – اصغي ! أعلى ! أعلى ! أعلى ! " اوغاد " صرخت باعلى صوتي " كفى خداعا" اقر أمامكم بفعلتي – ارفعوا هذه الألواح الخشبية ! هنا – هنا – ضربات قلبه البشعة!"
#محمد_فتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|