|
حوار مع الكاتب المهاجر د/شريف مليكة
باسنت موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2135 - 2007 / 12 / 20 - 11:29
المحور:
مقابلات و حوارات
شريف مليكة أسم لكاتب كنت ألمحه من حين لأخر على صفحات جريدة وطني الدولي وكانت مقالاته لها طابع مختلف عن السائد في تلك الصفحات من مقالات لها طابع السياسة كنوع والأكاديمية كأسلوب، مما جذبني للبحث أكثر عن من هو شريف مليكة؟ وأكتشفت أنه كاتب مبدع في الفنون الأدبية المختلفة من قصة قصيرة لشعر بالعامية نهاية بالرواية، حيث له ثلاث دواوين شعرية بالعامية المصرية ومجموعة قصصية تحت عنوان" مهاجرين " ورواية زهور بلاستيكية. ولمست من قراءاتي لكل تلك الكتب أحاسيس جميلة فأستمتع عقلي بإبداع راقي تحركه روح مصرية جميلة لم تختفي أو تقتل رغم سنوات العيش الطويلة بأمريكا. وليتعرف قارئنا عن من هو شريف مليكة الطبيب والمبدع والإنسان كان لنا معه هذا الحوار ...............
*** دكتور شريف أنت وكما أعلم طبيب متخصص في علاج "الألم" أشرح لنا بشكل أكثر توضيحاً عن هذا النوع من التخصص وعن دراستك وهل كانت لك دراسات أدبية متخصصة ؟؟
أولاً دعيني أشكرك على إتاحة الفرصة للحوار ولطرح بعض أفكاري أمامك وأمام قرائك للنقاش، فأنا لا أدعي أني وضعت يدي على الحقيقة بعد!! في مقال كنت قد كتبته في جريدة وطني في عام 2005 قلت: أود هنا أن أكتب نبذة عن عملي كطبيب متخصص في علاج الألم، ربما تلقي بعض الضوء عما أريد أن أقوله.. الألم الحاد والألم المزمن هما نوعان من الآلام التي نواجههما في حياتنا.. الألام الحادة هي تلك التي تصاحب إصابة وقعت لتوها، لتنذرنا بخطورتها ولتمنعنا من الحركة، لئلا تتزايد تلك الإصابة فتنضح عواقبها على جسدنا بالمزيد من الدمار.. وفى خضم الألم الحاد يجدر بنا أن نصرخ (بالصوت الحيَّانى) ليسرع الجميع لنجدتنا، إذا عرفوا كيف يساعدونا، أو ليصحبونا حيث الطبيب وحيث الدواء حتى ما نشفى.. وهناك على الجانب الآخر آلام مزمنة قد تصيب المرء فتعوق حركته، وترفع ضغط الدم لديه، وسرعة ضربات قلبه، وتخفض جهاز المناعة لديه، مع شعور ملازم بالتوتر والإكتئاب.. كل ذلك في غياب إصابة حادة، نرجو أن تقل حدتها مع الوقت، فتزول الآلام بعدها.. تلك الآلام المزمنة لا يجدو معها الصراخ، لأنه يزيد من الإحساس بالتوتر والكآبة، كما يدفع بالطبيب المعالج بعيدًا عن المريض، تجنبًا لصراخه وكآبته، أو أن يعتقد بأنه يتمارض، لعلة ما تجعله يدَّعي شكواه، فييأس من علاجه، ويحوله إلى الطبيب النفسي، أو في أحسن الأحوال إلى طبيب متخصص في علاج الألم.. وعلاج الآلام المزمنة ـ بعكس الألم الحاد ـ هو في الحركة وإعادة الإصلاح أو التقويم، ولا يجوز معها السكون وقلة الحركة وإلا تضمر العضلات وتتكلس الأربطة والمفاصل، فتزيد معها حدة الإعاقة.. كتبت تلك الكلمات يومها لأقول أن القضية القبطية لن تحل بالصراخ والعنف ولكن بالتعامل المباشر مع مسبباتها والعمل على إستئصالها أو على أسوأ الفروض التعامل معها.. فنحن إزاء قضية عادلة نعرض أنفسنا لخسرانها أمام المحكمة إذا ما أسأنا التصرف أمام القاضي..
*** لك عدد من الدواوين الشعرية المكتوبة بالعامية المصرية ،وهناك من يرى أن شاعر العامية أكثر قرباً من المتلقي من شاعر الفصحى بل وأكثر شعبية ورواجاً أتعتقد بصدق تلك الرؤية ؟؟ وما دافعك للكتابة بالعامية ؟؟
في الواقع لي ثلاث دواوين من الأشعار العامية، وهي "دواير" و"حواديت من كتاب الحب" و"الاسم: مصرية".. كتابة الشعر إجتاحتني ذات يوم في أبريل 2000 ولم يكن لي عهد بالكتابة العامية أو الفصحى قبلها.. إما لماذا العامية فأقول إن الكلمات تختار نفسها ولا أختارها أنا.. ربما أشعر إن الشعر معاني داخلية تحاول الخروج في شكل كلمات، فإذا كانت تلك المعاني مخزونة بالفصحى ـ كما كانت عند شعراء الجاهلية مثلاً ـ فستخرج فصحى، ولكني أعتقد إن أفكاري وإحساساتي مخزونة بالعامية فتخرج عامية أيضاً.. على الفكرة لقد تخلص الغرب من هذه المشكلة حين إستحدث المزج بين اللغة الدارجة في لغة الحوار، والكلاسيكية عند السرد في معظم الكتابات الأدبية الآن.. وقد إتجهت شخصياً إلى نفس الأسلوب في مجموعة القصص القصيرة بعنوان "مهاجرين" وليس "مهاجرون" مثلاً، لإضفاء جو المصرية الشعبية على المجموعة فيعرف القارئ فوراً عند إلتقاطه للكتاب عمن أكتب، ومَن سيتقابل معه على صفحاته.. وكذلك في روايتي الأولى "زهور بلاستيك" سيجد القاريء كل الحوارات بالعامية فيما عدا تلك التي أفترضت أن تكون قد جرت بالإنجليزية كتبتها بالفصحى..
*** الفن ضد أي سلطة من أي نوع فحدوده سماء الإبداع أو هكذا ينبغي أن يكون لكن في مجتمعاتنا العربية ليس كذلك الحال، ألم تخشى الهجوم والرفض وأنت تخوض تجربة الاقتراب من النص الكتابي المسيحي لتمصير قصصه ومواقفه القيمية بلغة عامية عند كتابة ديوانك العامي " حواديت من كتاب الحب " وهل يمكننا إعتبار مقدمتك لذات الكتاب هي نوع من الدفاع الإستباقي منك لما قد يوجه لك من إتهامات ؟؟
كما سبق أن قلت، الكتابة تجدني ولا أبحث أنا عنها، لذلك أجدني أكتب أحيانـًا الشعر العامي وأحياناً القصة القصيرة، وحتى حين كتبت روايتي الأولى "زهور بلاستيك" وجدتني أصدر كل فصل برباعية عامية، كمقدمة لموضوع الفصل، وبالمناسبة فقد لاقت تلك الرباعيات إستحساناً لدى الكتاب الذين كتبوا في نقد الرواية.. المقصود هو أنني لا أجلس في يوم وأقرر أني سوف أكتب قصيدة بالعامية أو حتى بالفصحى، بل على العكس تمامًا تجدني الكلمات في وسط إنشغالي اليومي أو حتى وأنا أستعد للنوم أو في الصباح تحت مياه الدش أو حتى أثناء النوم قد توقظني فكرة أو كلمة أو مطلع لقصيدة، لذا أضع دائمًا ورقة وقلم بجانب السرير.. لذلك فحين جمعت قررت تجميع قصائد الديوان "حواديت من كتاب الحب" بإيحاء من المبدع الراحل الأستاذ ألفريد فرج، الذي كان أول من شجعني على نشر كتاباتي، قررت تقسيمها إلى فصلين، الأول عبارة عن القصائد الكتابية التي تحكي عن "حواديت" موجودة فعلاً بين صفحات الكتاب المقدس، والثاني "حواديت" مستوحاة من روح الكتاب المقدس.. ولكن تلك القصائد كنت قد كتبتها مقدمًا، بمعنى أنني لم أقرر كتابتها بقصد التعليم مثلاً أو الشرح والإستسهال لأنني ليس مؤهلاً لشرح وتفنيد الكتاب المقدس، ولكنها مجرد تعبيرات أدبية جاءت وخرجت في صورة أشعار بالعامية المصرية..
**** إن ما أتاه نجم ليس بفن أو شعر أو إبداع وإنما هو إسفاف وسخرية - عبارة قالتها المحكمة في حيثيات حكمها بالسجن عام مع النفاذ عقاباً لشاعر العامية المصري أحمد فؤاد نجم على إحدى قصائده التي تضمنت شتائم هو " أي نجم " يرى أن شعر العامية مستوحي وخارج من لغة الشعب التي قد تتضمن مفردات نقدية يطلق عليها البعض " شتائم " في هذا الإطار كيف يرى شريف مليكة حدود إستخدام اللفظ العامي عند النقد في الشعر ؟ خاصة وأنك في ديوان الأسم مصرية إستخدمت لفظ شتيمة لوصف رفض الشعب لتنحي الرئيس عبد الناصر وذلك في مسرحية كلام في سرك التي إحتواها الكتاب ؟؟؟
"أحمد فؤاد نجم" شاعر موهوب وذلك أمر لا جدال فيه، وحيثيات الحكم عليه لا تصح أن تؤخذ كمرجعية للتعليق عن قيمة أعمال نجم بأي حال من الأحوال، فكلنا يعرف إن أسباب إعتقال نجم كانت سياسية بحتة بسبب تعارض أفكاره وقصائده مع إتجاهات الأنظمة السياسية في عهدي عبد الناصر والسادات.. بل ويكفي نجم فخراً انه بالرغم من مناهضة السلطة له بطول حياته الإبداعية فلقد نجحت كلماته في أن تصل إلى آذان وقلوب الملايين من عشاقه في مصر والبلاد العربية.. ويجب علينا أن نتساءل هنا عن أسباب إنتشار هذه الأعمال الأدبية المميزة هكذا بين الناس لو صح إنها كانت إسفاف كما قالوا، سنجد أنهم أتوا بنصف الحقيقة فقط، إذ أن "السخرية" وكلمات نجم النابعة من نبض الشارع وصوته هي السبب وراء نجاحه المنقطع النظير.. أما التعبير الذي تقصدينه فقد فرض نفسه على جو القصيدة فلم أجرؤ أن أتجنبه.. وبالمناسبة فهناك فطاحل في الأدب المصري والعالمي قد إستخدموا كلمات خارجة من صلاح جاهين حين إستخدم كلمات "عبيط" و"حمار" و"بز" وأصحاب النوبل نجيب محفوظ حين إستخدم كلمات "ابن الغانية" و"مومس" و"ابن الكلب" وسارتر وكامي وتونى موريسون غيرهم.. أريد أن أقول أن هناك فرق بين إستخدام اللفظ في سياق العمل الأدبي وبين إستعباد اللفظ لإنقاذ العمل المتدهور فنياً من الأساس..
*** مازلنا مع ديوان الأسم مصرية حيث قدمت إهداءه لزوجتك الأمريكية " إيفيت " التي شجعتك كما ذكرت وإن كان الإهداء حمل إعتذار ضمني لها لتحملها تقلباتك طيلة فترة الكتابة هل يمكننا القول أن المزاج والإستمتاع شرط مهم لك ينبغي أن تحققه وأنت تكتب وربما يكون هذا سبب شعورك المتقلب المزاج ؟؟ وكيف يمكن للكاتب أن يستجلب شعور الإبداع والإستمتاع والتوهج إذا افتقده وهو يكتب ؟؟
"الفن" بوجه عام، وبمعنى أفضل "صناعة الفن" هي عملية شاقة جدًا لا يدرك مدى صعوبتها سوى من اختبرها. ويشترك في تلك "المعاناة" كل المبدعين الحقيقيين من رسامين وملحنين وشعراء وكتاب إلخ.. فعملية الخلق هذه يستتبعها دائمًا معاناة إخراج "وليد" جديد للحياة، تمامًا كحالة الأم التي تضع مولودها، فهي تتألم وتعُصر عصرًا حتى يخرج وليدها للحياة وعندئذ تسودها حالة من الراحة ومن الفرحة والإنتشاء.. لا أريد طبعاً بذلك التشبيه أن أزامل الإبداع بالألم ، وإنما بالمعاناة التي دومًا ما تصاحبه.. أما عن الجانب الثاني من سؤالك ففي إعتقادي إن شعور الإستمتاع والتوهج عند المبدع لا يتأتى إلا عند الإنتهاء من العمل، أو على الأقل عند نهاية جزء منه فيبتعد الكاتب أو الرسام أو المخرج السينمائي قليلاً وينظر إلى ما أنجزه، فيبتسم قليلاً ثم يأخذه في حضنه تماماً كالأم التي تحتضن وليدها لأول مرة.. أما عن تأثير العمل على القاريء فالإستمتاع والتوهج في رأيي سيحدث لو شعر وهو يقرأ بصدق المبدع وبموهبته في التعبير عن الفكرة التي تتواصل فيما بينه وما بين ذلك المبدع أيًا كان نوع هذا الإبداع..
*** الشاعر المصري السيد حجاب يفسر التردي الحاضر في كافة أشكال الفنون بمصر إلى ما وصفه بسقوط البرنامج الاستراتيجي الذي وضعه عبد الناصر لحل قضايا العدالة والوحدة الاجتماعية هل تتفق مع طرحه هذا؟؟ وهل يمكننا القول أن عهد عبد الناصر الشمولي سياسياً كان دافع لإبداع العقول والأقلام ؟؟
لاشك أن الأنظمة الشمولية بوجه عام تتميز عهودها بقمع العقول وكبت الحريات وإختناق المواهب والإبداعات، فحرية التعبير هي دوماً شرط أساسي من شروط الإبداع، وإذا تابعت الأدب الروسي ـ مثلاً ـ فستجدين عمالقته قد برزوا في أواخر العهد القيصري وساهموا بأفكارهم في خلق المناخ الثوري، ولكن مع إستقرار النظام الثوري الجديد وتثبيت أركان النظام الشيوعي الشمولي اختفى العمالقة ولم يبرز أديب من الإتحاد السوفييتي إلا نادراً وحتى سقوطه، ثم بدأت وجوه إبداعية تطل من جديد قادمة من هناك مجدداً.. ولكن حالة عبد الناصر قد تختلف عن الحالة الشمولية التي ذكرتها، ولو قليلاً، فعبد الناصر جاء كواحد من الشعب، يحلم بالتغيير كما كان يحلم به كل مصري وقتها، ولم يأت حاملاً إيديولوجية جديدة يبتغي معها ذلك التغيير تقلب بأركان المجتمع رأساً على عقب، فأرسى قواعد اللعبة من البداية مبتغياً خير الشعب والنهوض به.. وكانت برامجه الثقافية ودعم الدولة بثقلها المادي والمعنوي لها من أهم منجزات الحركة التي أتت به إلى كرسي الزعامة.. ومع ذلك فلا ينبغي لنا أن نتجاهل أمرين في هذا السياق.. الأول إن جبل المبدعين الذين ورثتهم الثورة بحلولها كان قد وضع أقدامه على الطريق من قبل حلولها، مما يستوجب بنا أن نلتزم بنوع من الحذر عند تقييمنا لنظام عبد الناصر وتأثيره على الحركة الثقافية.. فنجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وتوفيق الحكيم ولويس عوض ليسوا من جيل الثورة وإن استمروا في إبداعهم وتألقوا في عهدها.. الأمر الثاني الذي أود مناقشته هو أن سخاء الدولة وسعيها في تحقيق مشروعها الثقافي هذا كان "إنتقائياً" بمعنى أن الدولة كانت تهتم بالفكر والإبداع الذي يخدم مشروعها السياسي، وتتجاهل بل وتقمع الفكر المختلف والمعاكس، وكم وكم من المبدعين وجدوا أنفسهم نزلاء في سجون طرة وأبي زعبل والقناطر لمجرد أنهم فكروا وأبدعوا في شكل وقالب مختلف، لا يتماشى مع فكر النظام أو يعارض و ينتقد رموزه.. وتلك هي سمة الأنظمة الشمولية في كل مكان..
*** إذا كان الواقع متردياً فإلى أي مدى يمكن للثقافة أن تفيق المجتمع من غيبوبة التردي هذا لإصلاحه وإعادة بناء نسقه القيمي ؟؟
في رأيي المتواضع أعتقد أن "سحر عرفة" كما تفضل وطرح به المبدع الراحل "نجيب محفوظ" في رائعته "أولاد حارتنا" هو المخرج الأوحد من "الواقع المتردي" كما تفضلتي وكتبتي.. وعلى فكرة فلقد ثبت بالتجربة العملية إن الديموقراطية ـ كحل لتردي المجتمع ـ في رأيي ليست كافية.. لذلك فأنا أؤمن تثقيف المجتمع وتعليمه ينبغي أن يسبق العملية الديموقراطية، وإلا تسود الفوضى بدلاً من النظام كما هو الحال في العراق أو في فلسطين مثلاً.. ولكن هناك مشكلة أخرى لابد وأن تطفو على السطح في ذلك المجال ألا وهي مشكلة الفقر، فلا يمكن أن تطالبي إنسان جوعان بأن يقرأ أو يتعلم، أو أن يذهب ويدلي بصوته في صندوق إنتخاب.. وكذلك فالفقير أكثر عرضة لتشويه الفكر والضمير، فهو أكثر جنوحًا لإرتكاب الجريمة، وأكثر عرضة للأمراض، وأكثر عرضة للاجتذاب نحو الفكر المتطرف للأسف الشديد.. فالحل في رأيي اقتصادي أولاً، ثم فكري ثانياً، ثم سياسي ثالثاً..
*** الراحل د / سمير سرحان كان دوماً يبدي قلقله من أن الكتب الدينية هي الأكثر مبيعاً في السوق المصري وهناك من شاركه القلق على أساس أن الكتب الدينية التي تتناول قصص الصالحين والتفسيرات وما إلى ذلك هي بالنهاية تدفع القاريء لمزيد من الإعتقاد بالغيبيات هل د/ شريف تشارك هؤلاء القلق ؟؟ ولماذا برأيك حتى بعد أن دعمت السيدة سوزان مبارك الكتاب وأقامت مشروعها القومي القراءة للجميع لا تحتل القراءة جانب كبير من حياة وعقل المصري المعاصر ؟؟
الكتب الدينية وإنتشارها أصبح ظاهرة اكتسحت المجتمع المصري في خلا العقود الثلاثة الأخيرة، وأركز هنا على "المصري" للتأكيد على إنتشارها بين المسلمين والمسيحيين على السواء.. فسير القديسين ومعجزاتهم غير المحدودة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من كل بيت مسيحي ومن قراءات الكبار والصغار.. وبالمثل طبعاً عند غالبية بيوت الإخوة المسلمين أصبحنا نرصد كتب التفاسير والفقه الإسلامي والفتاوى بأنواعها، ولا يخفى عن أحد تلك الفرقعات الإعلامية التي يرغب أصحابها في صناعتها للترويج لكتبهم وإنتشارها في الأسواق.. ولابد لي في هذا الحديث أن أمر سريعًا على فتوى إرضاع الكبير، وفتوى التبرك ببول الرسول، والنصائح الجنسية الإسلامية التي ملأت صفحات الإنترنت وبرامج الفضائيات مؤخرًا، وكلها مدونة بتفاصيلها في كتب صدرت عن مؤلفيها بالأسواق، وصارت تلك أكبر حملات دعائية للترويج لهذه الكتب التي أصبحت تدر الملايين على أصحابها.. وأذكر إختبار شخصي ممرت به يوم فكرت في أن اطبع أول ديوان أنني مررت على مكاتب عدة ناشرين فكانت الإجابة واحدة عند كل ناشر قصدته"إحنا ما بننشرش أدب، بننشر كتب دينية ومذكرات المشاهير وبس!"
*** تحت عنوان " أخر الحرافيش رحل " كتبت عن الأستاذ أديب نوبل نجيب محفوظ بعض ذكريات معرفتك به ودعوت تلاميذه وأصدقاءه إلى الإستمرار في السير على نهج الأستاذ حتى الحفاظ على موعد لقاءهم الأسبوعي ..... أسمح لنا ببعض الأسئلة في إطار هذا السياق كوّن نجيب محفوظ تلاميذ وأصدقاء فهل برأيك الجيل الجديد من الأدباء أو دعنا نقول ممن يكتبون هل لهم ذات القدرة على تكوين تلاميذ وأصدقاء؟؟؟؟ -
**كيف تقيم صيحات البعض من أن محفوظ ليس من المقدسات وأن من حق أي فرد حتى لو كان طفلاً كما قالت الشاعرة ميرال الطحاوي أن ينتقد كتاباته خاصة وأنهم يعتبروا أن حصوله على نوبل كان مكافأة له على موقف سياسي وليس لإبداع أدبي ؟؟؟
غياب الأستاذ الكبير نجيب محفوظ عن الساحة الأدبية بالتأكيد ترك فراغاً كبيراً قد يصعب ملؤه لأجيال، وذلك في رأيي لعدة عوامل.. أولاً لأن نجيب محفوظ كتب لمدة تزيد عن الستين عاماً.. ثانياً: قيام الثورة في عهده.. ثالثاً: إزدهار الحركة الثقافية والترجمات إلى العربية لمشاهير الأدباء والمفكرين العالميين الممولة بالمشروع الثوري.. رابعاً: تفتح عيون الغرب على "حاضر" شعوب مصر والعالم العربي المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين بعد أن كان الغرب ينظر لنا نظرة "سياحية تاريخية" كوننا حفدة للفراعنة وحسب مما أتاح للعالم أن يرصد إبداع نجيب محفوظ ويكرمه.. فنجيب محفوظ إذن يمثل تجربة مميزة لن تتكرر، كما يمكننا أن نرصد ـ مع الفارق طبعاً ـ تجارب أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وبليغ حمدي في عالم الموسيقى فنأتي بنفس النتيجة أن تجاربهم الإبداعية لن تتكرر.. ونعود إلى عالم الكتابة فنقول إن تجارب الأجيال المتعاقبة من بعد جيل محفوظ قادرة طبعاً على العطاء الأدبي وعلى صناعة الحركة الأدبية المصرية الجديدة، في إطار عصري متجدد، وبالفعل يمكننا أن نجد جيلاً جديداً من الكتّاب قد بدأ يرسخ أقدامه على الساحة الأدبية المصرية اليوم متمثلاً في الكاتب المبدع ـ الصديق ـ الدكتور علاء الأسواني الذي غزا بروايته الأولى "عمارة يعقوبيان" منظور العالمية، ثم أنتج روايته الجديدة "شيكاجو".. وعلاء الأسواني يدير ندوة أدبية أسبوعية أتشرف بحضورها خلال زياراتي لمصر.. أما عن الجانب الأخير من سؤالك، فأنا مع نقد أعمال الأستاذ نجيب الأدبية، ولكني أرتفع بمستوى النقد الأدبي إلى مستوى عال جداً، بل وأكاد أجزم أن رقي مستوى النقد الأدبي في عهد "الأستاذ" كان من أسباب السمو بأعماله الأدبية إلى الدرجة التي وصل إليها، حتى أن "رجاء النقاش" الذي محّص أعماله قد درج أعمال محفوظ إلى مراحل أدبية بدءًا من التاريخية والواقعية ووصولاً إلى الرمزية الفلسفية ولا شك أنه كان للنقد الأدبي وقتها دورًا بناءًا في ذلك الإرتقاء.. لذا فأنا لا أوافق على مقولة أن النقد الأدبي أداة متاحة بيد أي إنسان ولو كان طفلاً صغيراً اللهم إلا لو كان "الطفل المعجزة"!!
*** بين الحين والأخر نلمح لك مقال به رأي سياسي وفى إحدى هذه اللمحات كتبت د / شريف تنتقد أو لنقل لاترى أن هناك جدوى من عقد مؤتمرات لمناقشه والتعبير بحرية عن هموم الأقلية القبطية بمصر وهناك من يرى أن تلك المؤتمرات تحرك الماء الراكد لهموم تلك الأقلية وواجب أقباط الخارج تجاه أهلهم بالداخل ... برأيك ما الذي يمكن أن تقدمه كمصري قبطي مقيم بالخارج لأقلية قبطية تعاني كثيراً بالداخل ؟؟
أفضّل الكلام ألف مرة عن الصراخ، والنقاش ألف مرة عن التقاتل.. كتبت في أكتوبر 2005 مقال بعنوان "مؤتمر الأقباط بواشنطن.. وأنا" وفيه قلت أنني بالرغم من تعاطفي الشديد مع قضايا الإنسان وحقوقه المهدرة لكونه أقلية الدينية، أو طفل أو امرأة، فأنني لن أشارك بمؤتمر أعلن القائمون عليه بأنهم "سيشعلونها ناراً في واشنطن" وقلت في سياق المقال "وأنا أرى أن النار هي أداة عدوان وتعدِّي، لا أحبذها ولو كانت لإنتزاع الحق" ولكني لم أقل أن لا جدوى من إنعقاد المؤتمرات على الإطلاق، لأن هذا ببساطة ضد مبادئي على طول الخط ، إذ أؤمن بالحوار حتى أني كتبت في نفس المقال: "أدعو لمؤتمر يتجمع فيه المصريون جميعاً ـ مسيحيون ومسلمون ـ يتحاورون معاً من أجل إحياء العملية الديموقراطية في مصر.. فيه تناقش مشكلات الأقليات جميعها وبالأخص قضايا المرأة، والطفل، وقضية الدين وتداخله مع أمور الحياة المدنية، مما يضر بالدين وبالمجتمع المدني معاً".. أحبذ أن أشعل شمعة تنير، ألف مرة على إشعال نار تحرق!!
*** أنت مقيم بأمريكا منذ فترة ليست بقليلة أظن ذلك ومتزوج بأمريكية أسمح لنا بسؤالك أمريكا في قلب وعقل شريف مليكة ماذا تحتل وتعني وكذلك مصر ؟؟
فعلاً عزيزتي باسنت، أنا مقيم بأمريكا منذ عام 1984 وقد عشت بأمريكا أكثر مما عشت بمصر.. ولكنني مع ذلك أجد نفسي مصرياً أولاً ثم أمريكياً ثانياً، ودائماً ما أعّرف نفسي بكوني "مصري-أمريكي" عند طرح السؤال التقليدي "أنت منين؟".. بل وأشعر بمدى الظلم الذي وقع بزوجتي الأمريكية من جراء زواجها من مصري وإختيارها الإرتباط بي أنا بالذات من وسط المجتمع الأمريكي، ولكنها تفهمت صعوبة الطريق من أول يوم وتأقلمت، وتأقلمت معها، على مجاراة ذلك الواقع الجديد.. ولكن الحق أقول أن المجتمع الأمريكي يسمح بل ويشجع مثل هذه العلاقة. فهو مجتمع قائم على التعددية، ومحوره هو الإنسان، الفرد، لا الجماعة كما في المجتمعات الأكثر قدماً.. وبالطبع فنظرتنا نحن المصريون المهاجرون نحو أمريكا تختلف جذرياً وعن نظرة المصريين لها من داخل مصر، وذلك لأسباب كثيرة أهمها دور وسائل الإعلام في تشكيل وجهات نظر الشعوب.. ولكن أكبر دليل على إنني مصري أولاً ثم أمريكي ثانياً هو أن بالرغم من أنني أتخاطب طوال الوقت بالإنجليزية مع زوجتي وأبنائي وفي كل تعاملاتي اليومية، فإن كل كتاباتي، سواء الأدبية أو السياسية ، ظلت دوماً باللغة العربية، التي كانت وما تزال اللغة التي "أحلم" بواسطتها..
*** لا يمكننا أن نتحدث لكاتب مبدع ورقيق مثلك دون أن نسأله كيف يرى الحب كقيمة ومشاعر في حياته ؟؟ ولكوني من النساء هل لي أن أسألك عن موقع المرأة بحياتك أين يكون ؟؟
الحب هو أساس الحياة.. لولا الحب لما وجدنا في هذه الدنيا من الأساس.. وقد صرح السيد المسيح قبل نحو ألفي عام بأن أعظم الوصايا هي "الحب"، حب الله وحب الناس بعضهم لبعض.. وفي إعتقادي أنه لو ساد الشعور هذا الشعور بالحب بين البشر لساد السلام وعم العدل وانقضت المنغصات التي تؤرق تناغم إيقاعات الحياة، اللهم إلا إزاء بعض الكوارث الطبيعية والأمراض التي قد تتبدى هنا أو هناك ولكن بالحب نستطيع أن نعالج آثارها فنخفف من ثقلها.. ولكن الشر ـ عكس الحب ـ متأصل في خلقتنا للأسف الشديد، ولذا فلن تسود المحبة أبداً هذا العالم.. أما عن المرأة فهي منبع الحب الذي هو أساس الحياة.. فالحياة امرأة.. والسعادة امرأة.. والجنة امرأة..
#باسنت_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الكاتب المسرحي على سالم
-
حوار مع فتاة سعودية
-
جوسلين صعب ودقة إبداعية في التعبير عن المرأة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|