|
هل الأزمة المزمنة للسياسة الفلسطينية تكرر أزمة الحضارة العربية والإسلامية
عياد البطنيجي
الحوار المتمدن-العدد: 2135 - 2007 / 12 / 20 - 11:29
المحور:
القضية الفلسطينية
بعد مجيء السلطة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو في أكتوبر 1993، وبداية تدشين النظام السياسي الفلسطيني على جزء من أرض الوطن، بعد أن كان النظام السياسي هو نظام حركة تحرر وطني يناضل من خارج أرض الوطن. ذلك شكل منعطف سياسي خطير أثر بشكل دراماتيكي على البنية السياسية، وعلى طبيعة النضال الفلسطيني. هذا التحول ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة الفلسطينية بشكلٍ عام وعلى البنية السياسية بشكلٍ خاص. أمام هذا التطور التاريخي والتحدي الخطير الذي ينتظر الفلسطينيون، والذي شكل اختبارا قاسيا للفلسطينيين على مدى قدرتهم على إدارة أمورهم بأنفسهم. أمام هذا التطور التاريخي كان هناك رهاناً خارجيا وداخلياً على إفشال تلك التجربة التاريخية. إسرائيل كانت تراهن على فشل هذه التجربة، وبذلت كل ما في وسعها لإفشالها حتى يثبتوا للعالم أن الفلسطينيين لا يقدروا على قيادة أنفسهم وبالتالي لا بديل عن الاحتلال أو أي طرف خارجي يقودهم . كما وهدفت إسرائيل من وراء إفشال تلك التجربة هو أن هذا الفشل يعطيها مبررا لكي تتملص من استحقاق أوسلو الذي يطالبها بالتنازل للفلسطينيين وبالتالي يصبح لهم دولة مستقلة مجاورة لدولة إسرائيل قد تهددها في المستقبل . أما الطرف الداخلي الذي سعي دون كلل أو ملل لإفشال تجربة السلطة وتقويضها تمهيدا لقيادة الشارع الفلسطيني، وبالتالي تشكيل السلطة والمجتمع وفق مبادئه وإيديولوجيته، والاستفراد بكل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وإخلاء الساحة أمامه لأنه، أي هذا الطرف، لا يستطيع أن يعمل ويتعايش مع الآخرين بل لديه أصلا مشكلة مع الأخر بل هذا الآخر أصبح هو العدو فيما بعد وأصبح يتساوي ويتماثل مع العدو الحقيقي ألا وهو إسرائيل. وعليه وضعت البرامج والمخططات لإنهاء التجربة، وصيغت استراتيجيات وتكتيكات لإنهاء وتفشيل هذه التجربة التاريخية، وذلك قبل أن تتجسد على أرض الواقع وبالتالي الحكم عليها من خلال ممارساتها ونقدها وتقويمها وتصويبها، بدلا من الحكام المسبق عليها كما فعلت القوى المعارضة لهذه التجربة بشكلٍ عام وحركة حماس بشكلٍ خاص . كيف لا وقد أعطته السلطة- بعد أن تشكلت وتبلورت ملامحها- كل المبررات لكي يعمل هذا الطرف على تقويضها. فممارسات السلطة من فسادٍ واستبداد واستفرادٍ وعدم الالتزام بالمبادئ القانونية والدستورية- وهنا لا ننكر الدور المشرف لبعض قيادات السلطة في مجال العمل الوطني الفلسطيني- وعجز السلطة عن تحقيق ما وعدت به شعبها من رخاءٍ وتحقيق بناء الدولة، وعدم قدرة النظام السياسي الفلسطيني المتشكل للتو على أداء وظائفه. وبالتالي أصبح هناك أزمة تعاني منها السلطة وهي أزمة شرعية الإنجاز، وهي تتمثل بعدم قدرة السلطة الفلسطينية في انجاز ما وعدت به : بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967, وعاصمتها القدس , وعودة اللاجئين , ولا هي استطاعت أن تكبح العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، وعدم قدرتها على تحويل الموارد المادية والبشرية سواء على المستويين المحلي والدولي لدفع العملية السلمية وكسب تأيد دولي للقضية الفلسطينية التي هي في تراجع الآن. هذا كله وفر غطاءاً شرعيا استغلته أطراف معارضة داخلية للانقضاض على النظام السياسي القائم تمهيداً لتشكيله وفق برنامجها وأيديولوجيتها، وبالتالي إنهاء التجربة التاريخية، وإسقاط الفلسطينيين في هذا الاختبار التاريخي القاسي، والبدء بتجربة جديدة تبدأ من الصفر لا احد يعلم كيف ستنتهي. وللمفارقة، وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن معضلة الحضارة العربية الإسلامية حسب ما يعلله ابن خلدون هو الانقطاع التاريخي والجغرافي للحضارة العربية والإسلامية بسبب موجات التصحر والغزوات البربرية والبدوية الآتية من الصحراء، والتي ما كانت تتشكل بنية حضارية في التاريخي العربي إلا ويُقضى عليها بفعل تلك الغزوات الآتية من الصحراء والمناطق الجافة، مما يشكل انقطاع تاريخي وزمني بين تكامل البناء الحضاري والتي افتقدت إلى عملية التراكم . وهو ما يتكرر اليوم في الحقل السياسي الفلسطيني بفعل العملية الهادفة إلي القضاء على مرحلة تاريخية بكاملها بهدف البدء بمرحلة جديدة بدلا من عملية تراكم للانجازات وتصويب الأخطاء. وهو ما يعني الدوران في الحلقات السياسية المفرغة وتكرار عملية البناء ثم الهدم والبدء من الصفر، وهو ما يُفقد عملية التراكم ، والتي بدونها لا يمكن إحداث طفرة حضارية في كافة المجالات، وذلك بسبب الصراعات غير المنضبطة التي يعيشها الجسد السياسي الفلسطيني في هذه الأثناء. وذلك أيضا ما عبر عنه ابن خلدون بمقولته: " في الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة " والسبب في ذلك حسب ما يعلله المؤرخ العربي الكبير ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : " والسبب في ذلك اختلاف الآراء والمذاهب والأهواء، وان وراء كل رأي منها وهوى: عصبية تمانع دونها فيكثر الانتقاض على الدولة والخروج عليها في كل وقت وان كانت ذات عصبية لان كل عصبية ممن يدها تظن في نفسها منعة وقوة ". فهل ما يجري اليوم في الأراضي الفلسطينية يكرر مأزق الحضارة العربية الإسلامية؟ فهل ما يجري اليوم في الأراضي الفلسطينية يكرر مأزق الحضارة العربية الإسلامية، وتكرار الانقطاع التاريخي والزمني بين المراحل، وبالتالي إنهاء مرحلة تاريخية متشكلة والبدء بمرحلة تاريخية جديدة؟
#عياد_البطنيجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنابوليسِ: رؤية تحليلية استشرافية
-
التنشئة السياسية والعنف السياسي في النظام السياسي
-
أزمة النظام السياسي الفلسطيني
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|