كنت اتسائل.. (!؟)
كنت دوما اتسائل..؟ لماذا نرى حال اغلب اليمنيين في هندامهم غير مرتب وفي غير تناسق لوني محبب للنفس البشرية, يسود الشارع غلبة (الصمايط والفوط والدشاديش) وكأنك في لوحة من لوحات القرون الوسطى, بالرغم من ان ديننا يدعو الى النظافة الشخصية والاعتناء بالمظهر, ونرى سلوكيات غير حضارية في الشارع كمن يقذف مخلفات الاستعمالات الورقية واعقاب السجائر واوراق القات والقناني الفارغة للمياة المعدنية والعصائر من نافذة السيارات وحافلات الاجرة او من خلال المشاة الى الشارع العام. نرصد نزعة لدى الفرد اليمني خصوصا والعربي عموما الى عدم التقيد بقوانين المرور ومخالفة الاشارة والقيادة بدون رخصة او متطلبات لسلامة المركبات. الابواق عالية والضوضاء التي لاتنقطع عن مسامع المارة والساكنين بل حتى الرقود في المستشفيات من المرضى. على صعيد التعامل تشم الغش يحوم ويسوم بقربك وان ذهبت الى مؤسسة حكومية او اقسام شرطة او بلدية تجد "حق ابن هادي" /كناية عن الرشوة/ مصير لابد ان تلاقيه. اما في المجالس نجد الغيبة والنميمة مستفحلة والتعامل فيه بحذر. والجار لايسلم من جاره من الحسد. اصبحت النفوس ضيقة تنزع للنزق والمشاتمة. لاتمر في سوق او شارع الا وتشهد عدد من الاشخاص مشتبك في عراك او طلق ناري هنا او هناك. لاتستطيع النسوة والفتيات من السير دون ان يتعرضن للايذاء والمغازلة من الجوعى والعطشى في الشوارع العامة. كنت سائرا في شارع محاذي "للبيتزا هت" ذات مرة وكانت الحديقة المقابلة لسور الامن المركزي تغص بالرواد من والعوائل والافراد, فلمحت طابور مزدحم على اعلى سور الامن المركزي من الجنود يرمقون الزوار وفي رواية اخرى "يغازلوا"(!). وكان المنظر غريبا من قبل امن على صلة مباشرة بالمواطن في الجولات والنقاط.. وياللهول(!). كل تلك الاحداث التشخيصية للمجتمع اليمني لاتجدها في مجتمع اوروبي, تجد النظافة واحترام القوانين وعدم الايذاء للمارة والتحضر العام. والكل منشغل في نفسه. كنت ابحث عن السبب في ان مجتمع عربي مسلم يمني يعلو فيه الاذان خمس مرات مدوي يوميا لم تخرجه من ازمته ولم تسعفه الصلوات في تحسين سلوكه, التسامح شبه منعدم والتطرف في نماء والغلبة للصوت العالي والخطابة الهوجاء. اصبحت ميكرفونات المساجد العالية لاتخدم الغاية من بدعتها الحسنة. فهي بدعة حسنة /لم تكن على العهد النبوي/ لايصال صوت المؤذن الى اقصى حد لذكر الله وتبيان دخول وقت الصلاة, ولكن تم استغلال تلك المكبرات مابين الصلوات لتستمر الدروس والخطب والنعيق السياسي المؤدلج, تؤرق جيران المساجد من الساكنين وخاصة الامراض منهم والاطفال. فلاندري بأي منطق يعتقد القائمين على المساجد ان دروسهم ستصل لكل بيت وان الجميع خاشع لما يقال وقد وعى الدرس كاملا(!؟). كل مظاهر التدين المبالغ بها في المجتمع والشارع لم تؤتي اُكلها ولم تنقل المجتمع الى نقلة نوعية من التحضر والتهذب في السلوك. ترى ماهو السبب؟ في حين نجد دولا الدين لايلعب دورا رئيسيا او بارزا في بلورة مجتمعاتها ولكنها تعيش الرقي سلوكا ومظهرا؟
قرأت في كتاب (الكتاب والقرأن قراءة معاصرة) للدكتور المهندس محمد شحرور, ان التقوى انواع ثلاثة: التقوى الفردية, والتقوى الاجتماعية "الاخلاق", والتقوى التشريعية "الالتزام بالقانون". فالوصايا المجتمعة عددهن عشرة /عدم الشرك بالله, وبالوالدين احسانا, ولاتقتلوا اولادكم من املاق, ولاتقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن, ولاتقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق, ولاتقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده, واوفوا الكيل والميزان بالقسط, واٍذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى, وبعهد الله أوفوا, وأن هذا صراطي مستقيم فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون./
فالوصايا مجتمعة هي التقوى الاجتماعية, اي التي تدخل في سلوك الفرد تجاه المجتمع اما العبادات هي من التقوى الفردية والتي تدخل من ضمنها الصلاة والصوم والحج والزكاة. والالتزام بالقانون ضمن حدود الله هو التقوى التشريعية. ويدعوا الكاتب العرب والمسلمين أن يميزوا ويعلموا جيدا أن لايقيموا حكما على انسان
-مسلم وغير مسلم- اٍلا من خلال التزامه بالتقوى الاجتماعية "الوصايا" والتقوى التشريعية. اٍن عدم تمييز التقوى الفردية من الاجتماعية والتشريعية "مطب" يقع فيه كثير من المسلمين اليوم, فهم ينخدعون بسهولة من انسان يصلي ويصوم وقد أدى فريضة الحج, وعندما يعاملونه أو يبرمون عقودا معه يرون منه العجب. فيقول قائل: أليس هذا الانسان متدين؟ نقول نعم: هو متدين لنفسه. فكل شئ رأيتموه منه من التقوى الفردية التي لاعلاقة لنا بها, ولكن قيموا الاخرين على اساس الوصايا" التقوى الاجتماعية" وعلى اساس التقوى التشريعية في التزامه بالقوانين. ولن تروا منه في هذه الحالة أية مفاجأة. فلندع جانبا هذه العبارات المعسولة "كأن نقول فلان أدمي, متدين, او صاحب دين, ولايقطع وقت صلاة" وعوضا عن ذلك لنقل أن فلان ملتزم بالوصايا والقوانين فهو جدير بالثقة والمعاملة. ومن هنا لفت نظري شحرور الى هذه الحقيقة الواقعية واجاب على تساؤلي ولو بشكل جزئي عن سبب التخلف السائد في المجتمع والذي تسائلت عنه انفا, وعن عدم الالتزام بالقوانين والسلوك الحضاري بالرغم من دوي المأذن داعية لخمس صلوات يوميا وارتياد الناس للمساجد والصوم واداء الزكاة وفريضة الحج. في حين دول اوروبية او اسكندنافية لديها من السلوك الحضاري الراقي والالتزام بالقوانين مايؤهلها ان تكون شريك في نتاج الحضارة الانسانية بدون الوسائط الدينية التعبدية الفردية.