|
الأغنياء و المساتير أيضاً يثورون
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2135 - 2007 / 12 / 20 - 11:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
عندما نقول أن الثورة الشعبية في مصر ، هي أحد الطروحات الواردة بقوة في المستقبل ، لتغيير الواقع الحالي، في ظل الإحتقان المستشري ، فإننا نجد اليوم إن هذا القول لم يعد مستغرباً أو مستهجناً .
و من الواضح أن النظام الحاكم الحالي ، أصبح يتعامل مع هذا القول بجدية ، تزداد وضوحا كل يوم عن سابقه ، و ليس أدل على ذلك من كتابات كتاب المعارضة ، من فئة صنع في لجنة السياسات و مباحث أمن الأسرة .
هذه النوعية من الكتاب يتحركون على خطين متوازيين ، في نفس الوقت ، و من أجل نفس الهدف ، أولهما هو تكرار إستبعاد فرصة قيام ثورة شعبية مصرية في العصر الحالي ، بهدف محو تلك الفكرة من الأذهان .
و ثانيهما ، و هو الأخبث ، و يقوم على أساس شق صف المجتمع المصري ، و بخاصة شبابه ، الذين هم أركان أي ثورة شعبية ، فلا تقوم ثورة بدون دعمهم و مشاركتهم .
محاولتهم الخبيثة تقوم على محاولة تقسيم المجتمع المصري إلى طبقات منعزلة ، تخاف بعضها بعضاً ، بتصوير ان مصالح كل طبقة منفصلة عن الأخرى ، و كأنه لا يوجد ما يجمع الشعب المصري .
و بناء على هذا الأساس الخبيث ، كتب أحدهم ، و منذ فترة ، محذراً و مخوفاً من قيام ثورة شعبية تقوم بها جماهير الجياع و المرضى و ضحايا التعذيب ، و أخر من نفس النوعية و الشاكلة كتب من قبله قائلاً ، و كأنه يناشد النظام من أجل مصلحة الشعب ، ما معناه ، إذا لم يتحرك النظام فإن من الممكن أن تقوم ثورة ، لا قدر الله ، و تجب هنا ملاحظة قوله : لا قدر الله ، و كأن الثورة طاعون يجب تجنبه .
إنهم يبعثون برسالة خبيثة ، مثلهم ، لأبناء الطبقتين العليا و الوسطى ، أو الغنية و المستورة بمفهومنا المصري الحالي ، مفادها : أن الثورة ليست منكم و لا لإجلكم ، إنها عدوتكم ، و أن المحافظة على الوضع الحالي هو الأفضل لكم .
إنهم يقولون لشباب الطبقتين العليا و الوسطى : الثورة ليست شأنكم ، إنها شأن الفقراء و الجياع ، و السوقة و الرعاع ، مهلهي الثياب ، و ساكني الشوارع و المقابر ، و الباحثين على إقواتهم في مقالب القمامة ، أما أنتم ، يا أولاد الناس ، فليس من مصلحتكم أن تثوروا ، و ليس هذا وضعكم الإجتماعي ، فالثورة تنزل بمكانتكم لأسفل .
لكن التاريخ ، و منه التاريخ المصري ، يكذب دعواهم الخبيثة تلك ، لأن كل الثورات الشعبية في مصر ، منذ القرن الثامن عشر الميلادي ، كان يتقدم صفوفها وجوه المجتمع المصري ، من أولاد البلد ، من علماء الدين و كبار التجار و مشايخ الحرف . هكذا كان الشأن في ثورات المجتمع المصري ضد ظلم المماليك و العثمانيين في القرن الثامن عشر الميلادي ، و هكذا كان الحال مع مقاومة المحتل الفرنسي ، و هكذا كانت ثورة 1805 .
فإذا إنتقلنا إلى الثورة العرابية - و التي إن كان لي تحفظات على خط سيرها و تطورها ، إلا إنني و بكل تأكيد أقف مع أسبابها و أهدافها - سنجد أن معظم قادتها كانوا من أثرياء المجتمع المصري ، و من متعلميه ، أي من أبناء الطبقتين الغنية و المستورة ، فأحمد عرابي باشا ، كان يملك ما يزيد عن خمسمائة فدان ، من أجود الأراضي ، أي كان من الاغنياء ، سواء بمقاييس عصره أو عصرنا ، و كذلك كان معظم رفاقه الضباط ، من أصحاب الأطيان الشاسعة ، كما إن نظرة سريعة لقائمة الأشخاص الذين أنزل بهم الإحتلال البريطاني عقوباته ، بعد إخماد الثورة و إحتلال مصر ، سنطالع قائمة طويلة بأسماء الكثير من أثرياء المجتمع المصري ، من كبار الملاك ، من الذين وقفوا مع الثورة منذ بدايتها و إلى نهايتها ، و لم تحد دفتهم بإتجاه الإحتلال أو الخائن توفيق ، عندما لاحت بوادر الهزيمة ، شأن قلة خائنة .
و كما شارك أثرياء المصريين و متعلميهم في ثورة مصر للمصريين ، فقد شاركوا كذلك في ثورة الدين لله و الوطن للجميع ، فسعد زغلول باشا ، و إن ولد في أسرة متواضعة ، إلا إنه بعزيمته ، و توفيق الله له ، أصبح من ذوي الأملاك الكبيرة ، و صاهر أحد أطول رؤساء الوزارة في التاريخ المصري الحديث ، إن لم يكن أطولهم ، بقاء في منصبه . و كذلك كان معظم قادة تلك الثورة ، من كبار الملاك أو من ذوي التعليم الرفيع ، سواء مصطفى النحاس ، القاضي بالمهنة ، أو محمد محمود ، الذي درس في بريطانيا و ورث عن أبيه فيما بعد ألف و خمسمائة فدان ، و حمد الباسل ، من كبار الملاك بالفيوم ، و ويصا واصف بك ، و سينوت حنا ، و غيرهم .
كما أن اللذان قادا الحركة الوطنية المصرية بين الثورتين ، مصطفى كامل و من بعده محمد فريد ، كانا من ذوي التعليم العالي ، و من أبناء الطبقة الوسطى .
فإذا إنتقلنا للأمثلة العالمية ، سنجد الحال لا يختلف كثيراً ، فالثورة الفرنسية كان في طليعتها أبناء الطبقة الوسطى ، و شاركهم فيها بعض أبناء الطبقة العليا ، مثل لافاييت ، و بالمثل و قبل الثورة الفرنسية ، كان البرلمانيين الإنجليز ، من الذين وقفوا ضد الملكية ، كان معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى ، و في الولايات المتحدة ، كان معظم قادة ثورة الإستقلال من ذوي الأملاك و العقول المستنيرة ، و الأمر لا يختلف كثيراً في أمريكا اللاتينية مع سيمون بوليفار ، و لا مع بطل الوحدة الإيطالية مازيني ، الذي كان من أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة المستنيرة .
أما غاندي ، فهو ابن لرئيس وزراء أحد الولايات الهندية ، و أرسلته أسرته لدراسة المحاماة في بريطانيا ، و تخرج بعد ثلاث سنوات ، درس فيها أيضا الفرنسية و آداب السلوك و الخطابة و غير ذلك ، و لا تختلف سيرة نهرو التعليمية كثيراً عن إستاذه و رائده غاندي ، و قد كان كلاهما من أنصار الفقراء و المحرومين ، و عملا ، كل بطريقته ، من أجل الإرتقاء بالفقراء و المعوزين في بلدهما .
إنني أستطيع القول ، و بعد أن درست تاريخ العديد من الثورات الشعبية ، في عصور مختلفة ، و التي قامت لأسباب و أهداف متباينة ، و بعد أن درست سير الكثير من الثوريين في العالم ، من شتى الإتجاهات و المدارس ، القول بأن من يقود الثورات غالباً هم أبناء الطبقتين الوسطى و العليا ، أي المساتير و الأغنياء ، لأنهم هم الذين حظوا بحق التعليم ، و أصبحوا يملكون القدرة على رؤية الواقع ، و تحليل أسباب المشاكل التي تحياها مجتمعاتهم ، و رؤية الطريق الوحيد للخلاص من الواقع المر ، حين تظلم الدنيا من حولهم ، و حين تسد كافة الطرق الأخرى .
إخواني من الأغنياء و المساتير ، و أنا واحد من المساتير ، أقول لكم ، الثورة ليس عاراً المشاركة بها ، بل العار إجتنابها عندما تصبح لا مفر منها ، و هي تحتاج عقولكم المستنيرة لتوجهوها الوجهة الصحيحة ، فتصبح أداة هدم للأصل الفاسد ، و أداة بناء للبناء الصالح ، و أداة حماية تحمي كل ما هو ضروري المحافظة عليه .
الثورة من أجل خير المجتمع ليست عار بل شرف
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام
-
لا يا بلد شامبليون، الحضارة المصرية لم تبن بالسحر
-
يا راكب القارب، تعال نصنع أوروبا في مصر
-
حتى لا يساء للقرآن، إبحثوا عن بديل لكلمة إرهاب
-
مبارك و بوتين، الفارق بين من فرط و من إسترد
-
مبارك و بوتين، لا وجه في المقارنة بين من فرط و من إستعاد
-
الجمهورية المصرية الثانية، هكذا ستقوم
-
أحمدي نجاد، لا فارق بينك و بين آل سعود و آل مبارك
-
لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنية؟
-
الخطوة القادمة شريحة تحت الجلد
-
ماذا لو ان عرفات في غير عرفات؟؟؟
-
حالة الطوارئ الباكستانية هل تختلف عن المصرية؟؟؟
-
لا تتوسلوا للبناويين أو لأحد
-
إنه مخاض لعصر أكثر إظلاماً، يا أستاذ هيكل
-
و حملها الإنسان، الرد على مفكر النازية المصرية
-
مش دورك يا أبو جيمي
-
قانون الخروف الأسود، هل سيطبق على جرائم الكراهية؟؟؟
-
موافقة آل مبارك على الإجتياح التركي، قصة تكرار الخطأ
-
من سيقود القطاع المصري المسيحي في الثورة القادمة؟؟؟
-
الثورة مسألة وقت فحسب
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|