بدأ الحديث يتزايد بوتيرة متسارعة ـ إعلاميا ـ عن خطط واشنطن لدمقرطة العالم العربي،ونشر في صحف عربية وغير عربية ما يتعلق بتأجيل كولين باول وزير الخارجية الأميركي الإعلان عن الخطة أكثر من مرة إنتظارا للوقت المناسب، ثم بدأت الخطة تتسرب إعلاميا بتدريج مدروس حتي تكشف جوهرها المتلخص في تقسيم جغرافي سياسي للدول العربية علي أساس عرقي وطائفي، ومن ثم ـ إجبار ـ العرب (المعادين بطبعهم للديموقراطية في ظن العالم) علي إتباع أساليب ديموقراطية في نظم الحكم وتداول السلطة والشفافية في الإنتخابات وحرية الرأي، وغيرها من مفاهيم ديموقراطية مختلفة، توصل إليها أصحابها في العالم بأنفسهم، بنضال أجدادهم ونشاطهم الفكري والإنساني المستمر، أو بتفاعلهم الإرادي الحر مع من سبقهم إليها، (وليس بإجبارهم عليها بالسلاح من قبل أمم أخري!). وضمن أهم نقاط هذا المشروع الأميركي تقسيم العراق إلي أربع دول سنية وشيعية وكردية وتركمانية، والسعودية إلي دويلة بترولية تديرها شركة أرامكو وصحراء كبيرة يديرها آل سعود أو غيرهم، والأردن تصبح فلسطين والسودان يقسم بين جنوبيين وشماليين، كما توجد نوايا مماثلة للشمال الافريقي العربي علي أساس نفس التقسيمات الطائفية والعرقية، أما مصر فالخطة تطرح إنشاء كيان قبطي بها قد يكون دولة او دويلة أو ما شابه، وربما يتطور الامر علي أرض الواقع وما تفرزه تداعيات هذه الهزة الإقليمية المروعة إلي إنشاء كيان نوبي بين مصر والسودان، ورغم أن تقسيم العراق أو السعودية هو بضرورات التاريخ والجغرافيا وألعاب السياسة يؤثر علي مصر تأثيرا شاملا ـ كما دلل التاريخ بأحداثه الكبري علي ذلك ـ ورغم أنه لا يمكن دراسة ما ينتظر مصر بعيدا عن دراسة تداعيات تقسيم إقليمها الأكبر المحيط بها، فإننا في حاجة إلي الإقتراب هنا من المسألة المصرية ـ تحديدا ـ بشكل أكبر، وخاصة مقاربة مسألة الوضع القبطي ـ القائم ضمن ـ مشاكل مصر المتراكمة المعقدة المتشابكة الابعاد.
حيث لا مناص من دراسة عدة عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية وثقافية ودينية(وحتي عوامل عاطفية انبثقت عن هذه الضفيرة الانسانية المتشابكة) فأثرت كلها بمرور الزمن ـ علي سكان هذه الرقعة من الأرض القديمة قدم التاريخ المسجل، وهو ما يستحق كتبا ومجلدات أكثر مما توفر ـ وهو كثير ـ ويستحق جيشا من الباحثين وزمنا كافيا للخروج من ذلك المأزق الحقيقي. أما الكتابة بهذا الشأن في الصحف فما هي إلا ذكرا لبعض عناوين تلك الملهاة المصرية المؤلمة ومنها:
أولا: لماذا توجد أصلا (مسألة قبطية ) في مصر:
ما من نقاش بدأ بين مسلم ومسيحي في مصر حول هذا الامر إلا وبدأ أو تخلله الإختلاف حول تلك اللحظة التاريخية التي تداعت أثارها علينا عبر قرون من الزمن،هل كان دخول الإسلام والعرب إلي مصر (فتحا إسلاميا) أم كان (غزوا بدويا) من قبل الرعاة الرحل البدائيين لبلد الزراع المتحضرين الذي كان حتي تلك اللحظة مصدر اشعاع في العالم القديم كله؟ وغالبا ما شهدت واشتركت في مثل تلك الحوارات، فإذا كان المتحاورون علي شيء من الوعي، فإن جوا من محاولة (ضبط النفس) يسود، فيخرج النقاش الي منطقة الترميم والرغبة في عدم إثارة الحنق وإغلاق باب اللغط بتأثير (الخوف من الحرية) الملازم لنا كمصريين، عقلا وسلوكا، مسلمين ومسيحيين، وفي لحظات التردي الحضاري التي تعيشها مصر متصلة او منفصلة عبر القرون الماضية، فإن عددا كبيرا ممن يطلق عليهم عقلاء أو حكماء الوطن أو ما شابه ـ مسلمين ومسيحيين ـ يقعون (أسري) التحفظ وانتقاء المفردات ببطء وعناية، وخوف من الإنزلاق إلي إحداث فتنة وطنية بين البسطاء من أبناء (عنصري الأمة)، الذين هم في أغلبهم لا يعرفون إلا اللحظة الحاضرة من تاريخ المصري المسلم والمسيحي، إضافة إلي ما تراكم في الذاكرة الجمعية المتوارثة من معلومات تاريخية تشوهت بفعل الزمن وبفعل ذلك الخوف اللعين من الحرية، وبعيدا عن ذلك الجدل ـ السقيم حقا ـ الذي يدور بين المتدينين من كلا الطرفين في صلب كلا العقيدتين(الموروثتين من أسلافنا في المنطقة ككل في الجزيرة العربية أو بيت لحم والتي لا دور للمصريين الجدد في وجودها) وبعيدا عن ذلك الجدل ـ السقيم حقا ـ الذي تضيع فيه طاقتنا الآن بلا هدف بعد قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان، ندفع خلالها ثمن(صراع الانبياء والآلهة) في منطقتنا العتيدة، فإننا في حاجة إلي دراسة التاريخ من منظور(مستقبلي)، فقد سمي العرب (غزوهم ) لمصر(فتحا) وقضي الأمر، وأصبحت الغالبية العظمي من(سكان مصر) مسلمين وقضي الأمر ، وبقي بعض الأقباط علي دينهم القديم وأصبحوا أقل عدديا من المسلمين وقضي الامر، والمطلوب الآن هو وقف نهائي لدفع المصريين ثمن صراع أنبياء وآلهة التاريخ القديم، لتحل محله حضارة(إنسانية) تعترف بوجود الموروث الديني كعامل من عوامل ثقافة المنطقة، ولا تحاسب التاريخ علي أحداثه العشوائية وغير العشوائية ولا تحاسب الأسلاف علي أخطائهم التاريخية أو تجلدهم غيابيا، وهذه الحضارة (الانسانية) لن تقوم ونحن نخاف من النقاش ، بل تقوم بالبحث العلمي العقلاني بلا خوف من الفتنة بلا خوف من النعرات بلا خوف من تصاعد أجواء الحنق، فالنعرات لا تتغذي إلا علي محاولات كبتها، إن جيشا من الباحثين العلميين يمكن له أن يخرج هذه (الآلام) من جوفنا لنلقي بها وراء ظهورنا، مناقشة علمية إذن لجذر المشكلة وفي الهواء الطلق هي ضرورة للتقدم إلي الأمام خطوة، سواء مناقشة إختلاف الدين(تاريخيا وليس عقائديا)، أو حتي مناقشة الوجه العرقي في قسمة المصريين بطرق أكاديمية للمتخصصين ومبسطة للجمهور، علي الملأ وعلي شاشات التليفزيون، هي مناقشة لا تخيف بل ستطرح المسألة لنتخلص من ضغطها الخفي(مرة واحدة وإلي الأبد)إن المسألة العرقية مثلا ـ في الحالة المصرية تحديدا ـ هي من مخلفات الماضي السحيق، وهي نقطة بداية إيجابية للغاية من حيث بدء خطة الخلاص من الآفات الكامنة في أفكارنا،اذ لا يمكن للأغلبية الساحقة من المصريين التعرف علي أصلهم العرقي القديم حتي الاقباط منهم، فليس بالضرورة أن تكون قبطيا ليكون أصلك فرعونيا(هذا اذا سلمت بأن الفرعونية هي المفخرة المصرية الوحيدة وهذا أمر يقبل النقاش وليس حتميا)، وليس بالضرورة أن تكون مسلما حتي يكون ذلك دلالة علي أنك من نسل بدو الجزيرة العربية (هذا إذا سلمنا أن ذلك مخز وهو بدوره أمر قابل للنقاش وليس حتميا)، إن مناقشة الدعاوي العرقية لعنصري الأمة مناقشة علمية حرة غير خائفة أو مرتجفة سوف تطرح أمامنا خيار أن (نكون عنصريين أو لا نكون) أن نكون متخلفين (إنسانيا) أو لا نكون، سوف تبعد عنا انتهاز المستعمر للفرصة كي يلعب لعبته القديمة، مستخدما جزءً من نسيجنا لضربنا جميعا بمن فينا ذلك الجزء الأصيل، سوف تتيح لنا أن نختار بين البدء بصناعة حضارة جديدة أو نظل نتغني بما لم نصنعه ونثير سخرية وشفقة البعيد والقريب منا، إن مناقشة مسألة(الهوية)المصرية بدون خوف وطرح كل المكتوم علنا: هل مصر عربية أو(مصرية وكفي) هل مصر إفريقية الهوي أم مندفعة بحكم نوازل التاريخ نحو الشرق أم كليهما؟هل مصر هي(خلطة تاريخية فريدة) أم شيئا مفارقا للتاريخ ، كل ذلك كفيل بأن يأخذ بيد المصريين وخاصة الأجيال الجديدة منهم، إلي مستقبل يحتقر التفرقة العرقية والدينية والثقافية وينظر فقط إلي الإنسان من حيث كونه (إنسانا)، وهي نتيجة لن نتوصل إليها أبدا طالما نحن واقعين تحت طائلة إرعاب (الحكماء) لنا، فحكمتهم علي مر السنين لم تنه هذا الحنق المكتوم داخل النفس المصرية، بل تركته ينمو داخلنا بعيدا عن الهواء الطلق ونسمة الحرية التي خافوا منها وأخافونا من فضاءها الواسع. وعلي هذا الأساس يمكن القول بأنه نعم هناك مسألة قبطية، لكنها جزء من المسألة المصرية والنقاش الحر غير المتحفظ هو فقط الكفيل بترتيب بنودها حضاريا، حتي يفلت المصريون من هذا المأزق المتمثل في تفرقة دينية وعرقية وحضارية سببها الجهل والأمية والفقر وليس الدين إسلاما كان أو مسيحية، وهي تلك الأسباب التي أدت ببعض الشباب من المسلمين إلي الوقوع في براثن مشروع سلفي متخلف عنصري لا يري إلا نفسه مقصيا الآخر الديني والعرقي والمختلف معه بشكل أو بآخر، وهذا المشروع السلفي الديني هو الذي أدي بالمسيحي المصري (وليس العكس) إلي البحث عن (خلاص)، جاء بدوره متخبطا منطلقا من نفس الأسس المتخلفة وجعل الجميع يقع في أسر الازدواجية المتضادة، فالخلاص من شر الدولة الدينية في أحد المشروعين يقابله مشروع بدولة دينية مضادة! أما الإنسان من حيث كونه إنسانا فقد غاب عن كليهما، فالتقرير الأمريكي الذي يخطط لإنشاء دويلة قبطية والذي قد يجد ترحيبا ولو مترددا، أو حتي أذنا تصغي عند بعض الاقباط غير بعيدي النظر في المهجر أو حتي في الداخل (بتأثير الخوف من المناخ السلفي المتزايد بين شباب المسلمين) يضع مصر أمام تقسيم قاومته عبر ألاف السنين، فمصر بحدودها الحالية هي الدولة الوحيدة في المنطقة كلها التي احتفظت بوحدة الجغرافيا والسكان والحدود، رغم ما ذاقته من مرارة العرضة للاستعمار والغزو من الإمبراطوريات التي نشأت عبر التاريخ في العالم. ورغم أننا في الوقت الحالي قد نستخف بهذه الخطة الشريرة القاصمة لظهر مصر ولا نتخيل أبدا إمكان حدوثها، إلا أننا يجب أن نستجمع كل قوانا لمقاومة مثل هذا الشر القادم من الغرب(فلو انني قبطية مسيحية لما تنازلت عن شبر واحد من مصر مقابل ـوهم ـ ما يسمي وطن قبطي، لو انني قبطية مسيحية لتمسكت بمصر ـ كل مصر القبطية ـ التي عرفها أجدادي والتي هي نفسها من الإسكندرية إلي أسوان ومن السلوم إلي رفح)، إذ يجب أن نحل مشكلتنا المصرية ومن ضمنها المسألة القبطية من منظور أن عهد العشائر المنتمية لآلهة متناحرة قد ولي، وأن (سكان) مصر ينبغي أن يكونوا مصريين، وليعبدوا في بيوتهم من يشاءون من الآلهة ويتبعون في مساجدهم وكنائسهم من يشاؤون من أنبياء، وعلي هذا الأساس فإن الأولوية الآن هي لنقاش علني يحدد مسؤولية كلا الطرفين المسلمين والمسيحيين، نبدأ من خلاله تحمل مسؤولياتنا المشتركة، ومنها وعلي رأسها التصدي للفقر والجهل المتفشي في الشعب المصري، والتصدي (لنظام الخنق) وليس (نظام الحكم) الذي يخنقنا و(ليس يحكمنا) جميعا أقباطا ومسلمين. بعدها سوف تحل تلقائيا مشاكل الأقباط التي يواجهونها من حيث كونهم أقباطا، وسوف تحل مشاكل كل المصريين من حيث كونهم مصريين.
ثانيا : مسؤوليات المسلمين في مصر لمواجهة خطط أميركا الإستعمارية تبدأ بأن يكفوا ـ عن قناعة ـ عن ترديد خرافات العداوة للنصاري وخرافات الخلط بين الدولة المدنية والدين، ويمكن ذلك من خلال خطة وطنية شاملة تراجع ذلك الكم الهائل من البرامج التليفزيونية الدينية التي تبث كل يوم الدعوات علي اليهود والنصاري، فليست هزيمتنا وتخلفنا ناشئة بسبب أديان الآخرين، وإنما نشأت بسبب ذلك الإغراق في خلط الدنيا بالدين أيا كان، ومناهج التعليم لابد ان تتغير لتضع كرامة الانسان ومواطنته قبل دينه في الدولة، فالدين هو موروث للقلوب وليس أداة للغلبة والتفوق، والقائمون علي وضع مناهج التعليم ـ خلال تلك الخطة الوطنية الشاملة للمواجهة ـلابد أن يعدلوا في برنامج تدريس المراحل التاريخية لمصر، إذ أن الإهمال المتعمد للفترة القبطية في تاريخنا والتي إمتدت لقرون ليس له إلا تفسير واحد في نظر المتربص بمصر إسلاما ومسيحية، وهو أنها رغبة كامنة دفينة في طمس ما من شأنه أن يذكر بأن سطوا ما حدث في لحظة تاريخية ما، وهذا غير صحيح، (فليكن جدودي غزاة أو يكونوا أقباطا، أسلموا رغبة منهم أو رغما عنهم،المهم أننا الآن جميعا مصريون)، فالتلميذ المسلم مثله مثل المسيحي تماما يجب أن يعرف تلك الفترة الثرية في تاريخنا من منطلق أنها مصرية، وكذلك يجب التصدي لأي مشروع لدولة دينية تطل برأسها علي مصر ففي ذلك مقتلنا، وهو المشروع الذي لا يتسلل حـــــتي يصبح قائما بيـــنا إلا بسبب الإنتشار الواسع للجهل والفقر، هذان العاملان الشريران هما السبب الحقيقي وراء مسألتنا القبطية المصرية وليس الإسلام بحد ذاته، وهما ما يجب علينا التصدي له، وذلك من خلال مشروع أكبر وأشمل يتمثل في مجتمع حر حقيقي .
ثالثا: أما مسؤوليات الأقباط لمواجهة خطط أميركا الإستعمارية فتتمثل في أنهم يجب أولا أن يكفوا عن الهمس بألامهم بين الجدران المغلقة، أو الإسراء بها إلي بعض أقباط المهجر اللامسؤولين الذين إذا اشتعلت النار في مصر فسوف يقبعون أمام شاشات التليفزيون في مهجرهم ليشاهدونها مع فنجال شاي! كما أنهم يجب أن يكفوا عن الاصغاء بشيء من الإستحسان للمشاريع الإمبريالية الأمريكية التي لا تهدف إلا لخدمة أهدافها الاستعمارية، يجب أن يكفوا عن التفكير في مدينة لهم لن تنتهي إلا بما يمكن وصفه(جيتو قبطي)، وأن ينطلقوا من أساس أن مصر كلها هي مصرهم القبطية وليست أسيوط فقط (مثلا) وبضعة قري مجاورة، وهؤلاء بالذات ليسوا أقباطا عاديين ممن تغرقهم مع جيرانهم المسلمين مشاكل الفقر والجهل، بل هم المتعلمون المثقفون الذين أطلعوا علي ثقافة الآخر في كل العالم، فكيف يرددون مثل هذه التراهات(حتي أن أحدهم وضع علي الإنترنت علما ونشيدا وطنيا وحكومة في المنفي لدولة اسماها جمهورية مصر القبطية الفرعونية!وهو بالطبع رئيسها بل وله متحدث بإسمه!)، وهو لن يستطيع ابدا وضع حدود لتلك الدولة علي أساس مشاعره القبطية، لأن الآثار القبطية موزعة في كل أرجاء مصر وأركانها الاربعة، وبالتالي سوف يستجيب قهرا لحدود تمليها عليه اميركا وهي حدود تخدم أهدافها الاستعمارية وليست من اجل خدمة العيون القبطية السوداء!) كما انهم مطالبون بفتح النقاش علنا وبدون همس للمطالبة ـ لا بتعيين محافظ قبطي هنا أو هناك أو بتمثيل قبطي طائفي في مؤسسات ووظائف الدولة ـ بل بمجتمع لا يخاف من الحرية بكل اشكالها السياسية والدينية، فعندما يتحقق ذلك سوف ينالون حقوقهم كمواطنين مثلهم مثل غيرهم من مواطني الدولة، وسوف ينجح الأقباط في الإنتخابات الحرة المباشرة وسوف يوجد بدلا من محافظ قبطي واحد عشرة أو عشرين، دون أن يتذكر الناخبون دينه لحظة اختياره، ففي مثل هكذا مجتمع تختفي الطائفية القبيحة وتتسع ظلال الرقي الإنساني فوق تأثير طواطم الأسلاف)، فمسألة عدم حصولهم علي حقوقهم ليست هي المشكلة، إنها عرض المشكلة، أما مشكلتهم الحقيقية فهي نفس مشكلتنا، مشكلة كل المصريين إنتشار الجهل والفقر بين جموع الشعب في مختلف طبقاته وبصور شتي، والاختناق الثقافي والسياسي وتوقف أهل مصر عن أن يكون لهم حلم كبير، هكذا يجب أن يتعاون كل مثقفي مصر بغض النظر عن ملتهم للتصدي للفقر والجهل، و الخوف من الحرية. ولن يكون هذا إلا من خلال مشروع تحرري تقدمي ديموقراطي(ديموقراطية نسعي نحن إليها حتي نستحقها وليست ديموقراطية تفرض علينا بالسلاح وبشروط حامل السلاح)وهو ما لن يقدمه إلا المصريين من حيث كونهم مصريين وليس من خلال طائفة أو دين أو ما شابه من تصنيفات يجب أن نتجاوزها. والحقيقة أن تاريخ مصر الثري بالنجاح والإنكسار يقدم لنا معلومة خفية بين ثناياه، ذلك أننا كمصريين وعلي مر العصور ـ ولا أدري لماذا ـ فشلنا حضاريا في استيعاب دور(العامل الزمني) في معادلات البقاء، ويدل علي ذلك حقا ما يدور من نقاشات ـ الآن ـ حول أشياء حسمها الزمن حسما مطلقا، حتي أنه تحضرني مقولة الفيلسوف المصري الكبير الدكتور مراد وهبة حين قال في إحدي ندواته " ماضي أوروبا هو مستقبلنا إن أردنا أن نخرج من هذا الفراغ" ويقصد بذلك أننا في حاجة إلي (عصر نهضة وتنوير) خاص بنا، يخرجنا من ذلك الظلام. فماذا ننتظر كي نبدأ مشروع مواجهة قبل أن يعلن كولين باول ذات صباح خطته (لدمقرطتنا)، فنكتشف حينها أننا كمصريين أهملنا العامل الزمني للمرة الألف بعد الألف، حيث لن تنفع حينها آيات الإنجيل التي تدعو إلي المحبة وهي دعوة إنسانية راقية للغاية، ولا آيات القرآن بأن (الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)!
كاتبة من مصر